الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه الصلاة والسلام، والأفضل تأخير صوم السبعة إلى أن يرجع إلى أهله؛ لقوله تعالى:{وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (1)
والصوم للعاجز عن الهدي أفضل من سؤال الملوك وغيرهم هديا يذبحه عن نفسه، ومن أعطي هديا أو غيره من غير مسألة ولا إشراف نفس فلا بأس به، ولو كان حاجا عن غيره، أي: إذا لم يشترط عليه أهل النيابة شراء الهدي من المال المدفوع له، وأما ما يفعله بعض الناس من سؤال الحكومة أو غيرها شيئا من الهدي باسم أشخاص يذكرهم وهو كاذب، فهذا لا شك في تحريمه؛ لأنه من التأكل بالكذب، عافانا الله والمسلمين من ذلك.
(1) سورة البقرة الآية 196
فصل
في وجوب الأمر بالمعروف على الحجاج وغيرهم
ومن أعظم ما يجب على الحجاج وغيرهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحافظة على الصلوات الخمس في الجماعة، كما أمر الله بذلك في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما ما يفعله الكثير من الناس من سكان مكة وغيرها من الصلاة في البيوت وتعطيل المساجد فهو خطأ مخالف للشرع،
فيجب النهي عنه، وأمر الناس بالمحافظة على الصلاة في المساجد؛ لما قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن أم مكتوم رضي الله عنه لما استأذنه أن يصلي في بيته؛ لكونه أعمى بعيد الدار عن المسجد:«هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب (1) » ، وفي رواية:«لا أجد لك رخصة (2) » ، وقال صلى الله عليه وسلم:«لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أنطلق إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار (3) » ، وفي سنن ابن ماجه وغيره بإسناد حسن، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر (4) » ، وفي صحيح مسلم، عن ابن مسعود
(1) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء برقم (653) .
(2)
رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) حديث عمرو بن أم مكتوم برقم (15064) ، وأبو داود باب في التشديد في ترك الجماعة برقم (552) .
(3)
رواه البخاري في (الخصومات) باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت برقم (2420) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها برقم (651) .
(4)
رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة برقم (793) .
رضي الله عنه قال: " من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم، كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه الله بها درجة ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف "(1) .
ويجب على الحجاج وغيرهم اجتناب محارم الله تعالى، والحذر من ارتكابها؛ كالزنا، واللواط، والسرقة، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والغش في المعاملات، والخيانة في الأمانات، وشرب المسكرات، والدخان، وإسبال الثياب، والكبر، والحسد، والرياء، والغيبة، والنميمة، والسخرية بالمسلمين، واستعمال آلات الملاهي؛ كالأسطوانات، والعود، والرباب، والمزامير، وأشباهها، واستماع الأغاني، وآلات
(1) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب صلاة الجماعة من سنن الهدى برقم (654) .
الطرب من الراديو وغيره، واللعب بالنرد، والشطرنج، والمعاملة بالميسر - وهو القمار - وتصوير ذوات الأرواح من الآدميين وغيرهم، والرضا بذلك، فإن هذه كلها من المنكرات التي حرمها الله على عباده في كل زمان ومكان، فيجب أن يحذرها الحجاج وسكان بيت الله الحرام أكثر من غيرهم؛ لأن المعاصي في هذا البلد الأمين إثمها أشد وعقوبتها أعظم، وقد قال الله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (1) فإذا كان الله قد توعد من أراد أن يلحد في الحرم بظلم فكيف تكون عقوبة من فعل؟ ! لا شك أنها أعظم وأشد، فيجب الحذر من ذلك ومن سائر المعاصي.
ولا يحصل للحجاج بر الحج وغفران الذنوب إلا بالحذر من هذه المعاصي وغيرها مما حرم الله عليهم، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (2) » .
وأشد من هذه المنكرات وأعظم منها: دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والنذر لهم، والذبح لهم؛ رجاء أن يشفعوا
(1) سورة الحج الآية 25
(2)
رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .
لداعيهم عند الله، أو يشفوا مريضه أو يردوا غائبه ونحو ذلك.
وهذا من الشرك الأكبر الذي حرمه الله، وهو دين مشركي الجاهلية، وقد بعث الله الرسل وأنزل الكتب لإنكاره والنهي عنه.
فيجب على كل فرد من الحجاج وغيرهم أن يحذره، وأن يتوب إلى الله مما سلف من ذلك إن كان قد سلف منه شيء، وأن يستأنف حجة جديدة بعد التوبة منه؛ لأن الشرك الأكبر يحبط الأعمال كلها، كما قال الله تعالى:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1)
ومن أنواع الشرك الأصغر: الحلف بغير الله؛ كالحلف بالنبي والكعبة والأمانة ونحو ذلك.
ومن ذلك: الرياء والسمعة، وقول: ما شاء الله وشئت، ولولا الله وأنت، وهذا من الله ومنك، وأشباه ذلك.
فيجب الحذر من هذه المنكرات الشركية، والتواصي بتركها؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك (2) » أخرجه أحمد، وأبو داود
(1) سورة الأنعام الآية 88
(2)
رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند ابن عمر برقم (6036) ، والترمذي في (النذور والأيمان) باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله برقم (1535) .
والترمذي بإسناد صحيح، وفي الصحيح عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (1) » ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا:«من حلف بالأمانة فليس منا (2) » ، أخرجه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا:«أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه فقال: الرياء (3) » ، وقال صلى الله عليه وسلم:«لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان (4) » ، وأخرج النسائي، عن ابن عباس رضي الله عنهما، «أن رجلا قال: يا رسول الله، ما شاء
(1) رواه البخاري في (الشهادات) باب كيف يستحلف برقم (2679) ، ومسلم في (الأيمان) باب النهي عن الحلف بغير الله برقم (1646) .
(2)
رواه الإمام أحمد في (مسند الأنصار) حديث بريدة الأسلمي برقم (22471) ، وأبو داود في (الأيمان والنذور) باب كراهية الحلف بالأمانة برقم (3253) .
(3)
رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) حديث محمود بن لبيد برقم (23119) .
(4)
رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) حديث حذيفة بن اليمان برقم (22754) ، وأبو داود في (الأدب) باب لا يقال خبث نفسي برقم (4980) .
الله وشئت، فقال: أجعلتني لله ندا، بل ما شاء الله وحده (1) » .
وهذه الأحاديث تدل على حماية النبي صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد، وتحذيره أمته من الشرك الأكبر والأصغر، وحرصه على سلامة إيمانهم ونجاتهم من عذاب الله وأسباب غضبه، فجزاه الله عن ذلك أفضل الجزاء، فقد أبلغ وأنذر، ونصح لله ولعباده، صلى الله عليه وسلم صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين.
والواجب على أهل العلم من الحجاج والمقيمين في بلد الله الأمين ومدينة رسوله الكريم عليه الصلاة والتسليم أن يعلموا الناس ما شرع الله لهم، ويحذروهم مما حرم الله عليهم من أنواع الشرك والمعاصي، وأن يبسطوا ذلك بأدلته، ويبينوه بيانا شافيا؛ ليخرجوا الناس بذلك من الظلمات إلى النور، وليؤدوا بذلك ما أوجب الله عليهم من البلاغ والبيان، قال الله سبحانه:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (2)
والمقصود من ذلك: تحذير علماء هذه الأمة من سلوك
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) أول مسند عبد الله بن عباس بلفظ: '' أجعلتني والله عدلا. . . '' برقم (1842) .
(2)
سورة آل عمران الآية 187
مسلك الظالمين من أهل الكتاب في كتمان الحق؛ إيثارا للعاجلة على الآجلة، وقد قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (1){إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (2) وقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أن الدعوة إلى الله سبحانه وإرشاد العباد إلى ما خلقوا له من أفضل القربات وأهم الواجبات، وأنها هي سبيل الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة، كما قال الله سبحانه:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (3) وقال عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (4) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (5) » أخرجه مسلم في صحيحه، وقال لعلي رضي الله عنه:«لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (6) » ، متفق على
(1) سورة البقرة الآية 159
(2)
سورة البقرة الآية 160
(3)
سورة فصلت الآية 33
(4)
سورة يوسف الآية 108
(5)
رواه مسلم في (الإمارة) باب فضل إعانة الغازي برقم (1893) .
(6)
رواه البخاري في (الجهاد والسير) باب فضل من أسلم على يديه رجل برقم (3009) .