الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في بيان محظورات الإحرام وما يباح فعله للمحرم
لا يجوز للمحرم بعد نية الإحرام - سواء كان ذكرا أو أنثى - أن يأخذ شيئا من شعره أو أظفاره أو يتطيب.
ولا يجوز للذكر خاصة أن يلبس مخيطا على جملته، يعني: على هيئته التي فصل وخيط عليها، كالقميص، أو على بعضه؛ كالفانلة والسراويل، والخفين، والجوربين، إلا إذا لم يجد إزارا جاز له لبس السراويل، وكذا من لم يجد نعلين جاز له لبس الخفين من غير قطع؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس السراويل (1) » .
وأما ما ورد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما من الأمر بقطع الخفين إذا احتاج إلى لبسهما لفقد النعلين فهو
(1) رواه البخاري في (الحج) باب لبس الخفين للمحرم برقم (1841) ، ومسلم في (الحج) باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة برقم (1179) .
منسوخ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في المدينة، لما سئل عما يلبس المحرم من الثياب، ثم لما خطب الناس بعرفات أذن في لبس الخفين عند فقد النعلين، ولم يأمر بقطعهما، وقد حضر هذه الخطبة من لم يسمع جوابه في المدينة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، كما قد علم في علمي أصول الحديث والفقه، فثبت بذلك نسخ الأمر بالقطع، ولو كان ذلك واجبا لبينه صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
ويجوز للمحرم لبس الخفاف التي ساقها دون الكعبين؛ لكونها من جنس النعلين. ويجوز له عقد الإزار وربطه بخيط ونحوه؛ لعدم الدليل المقتضي للمنع. ويجوز للمحرم أن يغتسل ويغسل رأسه ويحكه إذا احتاج إلى ذلك برفق وسهولة فإن سقط من رأسه شيء بسبب ذلك فلا حرج عليه.
ويحرم على المرأة المحرمة أن تلبس مخيطا لوجهها، كالبرقع والنقاب، أو ليديها، كالقفازين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين (1) » رواه
(1) رواه البخاري في (الحج) باب ما ينهى من الطيب للمحرم برقم (1838) .
البخاري. والقفازان: هما ما يخاط أو ينسج من الصوف أو القطن أو غيرهما على قدر اليدين.
ويباح لها من المخيط ما سوى ذلك؛ كالقميص، والسراويل، والخفين، والجوارب ونحو ذلك.
وكذلك يباح لها سدل خمارها على وجهها إذا احتاجت إلى ذلك بلا عصابة، وإن مس الخمار وجهها فلا شيء عليها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:«كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه (1) » أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وأخرج الدارقطني من حديث أم سلمة مثله، كذلك لا بأس أن تغطي يديها بثوبها أو غيره، ويجب عليها تغطية وجهها وكفيها إذا كانت بحضرة الرجال الأجانب؛ لأنها عورة؛ لقول الله سبحانه وتعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} (2) ولا ريب أن الوجه والكفين من أعظم الزينة، والوجه في ذلك أشد وأعظم، وقال تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (3)
(1) سنن أبو داود المناسك (1833) ، سنن ابن ماجه المناسك (2935) ، مسند أحمد بن حنبل (6/30) .
(2)
سورة النور الآية 31
(3)
سورة الأحزاب الآية 53
وأما ما اعتاده كثير من النساء من جعل العصابة تحت الخمار لترفعه عن وجهها فلا أصل له في الشرع فيما نعلم، ولو كان ذلك مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته ولم يجز له السكوت عنه. ويجوز للمحرم من الرجال والنساء غسل ثيابه التي أحرم فيها من وسخ أو نحوه، ويجوز له إبدالها بغيرها.
ولا يجوز له لبس شيء من الثياب مسه الزعفران أو الورس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ويجب على المحرم أن يترك الرفث والفسوق والجدال؛ لقول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (1)
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (2) » . والرفث: يطلق على الجماع، وعلى الفحش من القول والفعل، والفسوق:
(1) سورة البقرة الآية 197
(2)
رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .
المعاصي، والجدال: المخاصمة في الباطل، أو فيما لا فائدة فيه، فأما الجدال بالتي هي أحسن لإظهار الحق ورد الباطل فلا بأس به، بل هو مأمور به؛ لقول الله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1)
ويحرم على المحرم الذكر تغطية رأسه بملاصق؛ كالطاقية، والغترة، والعمامة أو نحو ذلك، وهكذا وجهه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي سقط عن راحلته يوم عرفة ومات:«اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ووجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا (2) » متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
وأما استظلاله بسقف السيارة أو الشمسية أو نحوهما فلا بأس به، كالاستظلال بالخيمة والشجرة؛ لما ثبت في الصحيح «أن النبي صلى الله عليه وسلم ظلل عليه بثوب حين رمى جمرة العقبة، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضربت له قبة بنمرة، فنزل تحتها حتى زالت الشمس يوم عرفة (3) » .
ويحرم على المحرم من الرجال والنساء قتل الصيد البري
(1) سورة النحل الآية 125
(2)
رواه البخاري في (الجنائز) باب الكفن في ثوبين برقم (1265) ، ومسلم في (الحج) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات برقم (1206) .
(3)
سنن النسائي المواقيت (604) .
والمعاونة في ذلك وتنفيره من مكانه، وعقد النكاح، والجماع، وخطبة النساء ومباشرتهن بشهوة؛ لحديث عثمان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب (1) » رواه مسلم.
وإن لبس المحرم مخيطا أو غطى رأسه أو تطيب ناسيا أو جاهلا فلا فدية عليه، ويزيل ذلك متى ذكر أو علم، وهكذا من حلق رأسه أو أخذ من شعره شيئا أو قلم أظافره ناسيا أو جاهلا فلا شيء عليه على الصحيح.
ويحرم على المسلم - محرما كان أو غير محرم ذكرا كان أو أنثى - قتل صيد الحرم والمعاونة في قتله بآلة أو إشارة أو نحو ذلك، ويحرم تنفيره من مكانه، ويحرم قطع شجر الحرم ونباته الأخضر ولقطته إلا لمن يعرفها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن هذا البلد - يعني: مكة - حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يختلى خلاها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد (2) » متفق عليه
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة) مسند عثمان بن عفان برقم (464) ، والنسائي في (النكاح) باب النهي عن نكاح المحرم برقم (3275) .
(2)
رواه البخاري في (العلم) باب كتابة العلم برقم (112) ، ومسلم في (الحج) باب تحريم مكة وصيدها وخلاها برقم (1355) .