المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحج فرصة لنشر دعوة الحق - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز - جـ ١٦

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنة

- ‌فصلفي أدلة وجوب الحج والعمرة والمبادرة إلى أدائهما

- ‌فصلفي وجوب التوبة من المعاصي والخروج من المظالم

- ‌فصلفيما يفعله الحاج عند وصوله إلى الميقات

- ‌فصلفي المواقيت المكانية وتحديدها

- ‌فصلفي حكم من وصل إلى الميقات في غير أشهر الحج

- ‌فصلفي حكم حج الصبي الصغير هل يجزئه عن حجة الإسلام

- ‌فصلفي بيان محظورات الإحرام وما يباح فعله للمحرم

- ‌فصلفيما يفعله الحاج عند دخول مكة وبيان ما يفعله بعد دخول المسجد الحرام من الطواف وصفته

- ‌فصلفي حكم الإحرام بالحج يوم الثامن من ذي الحجة والخروج إلى منى

- ‌فصلفي بيان أفضلية ما يفعله الحاج يوم النحر

- ‌فصلفي وجوب الدم على المتمتع والقارن

- ‌فصلفي وجوب الأمر بالمعروف على الحجاج وغيرهم

- ‌فصلفي استحباب التزود من الطاعات

- ‌فصلفي أحكام الزيارة وآدابها

- ‌فصلفي استحباب زيارة مسجد قباء والبقيع

- ‌كتاب المناسك

- ‌من أهداف الحج توحيد كلمة المسلمين على الحق

- ‌أهداف الحج ومقاصده

- ‌توصيات للحجاج وغيرهم

- ‌نصيحة لحجاج بيت الله الحرام

- ‌من منافع الحج وفوائده

- ‌التأسي بالنبي صلى اللهعليه وسلم في كل الأعمال

- ‌الإخلاص لله جل وعلا في العمل

- ‌الدين النصيحة

- ‌تحقيق معنى الشهادة بالقول والعمل

- ‌وجوب تحقيق تقوى الله عز وجل في امتثال أمره واجتناب نهيه

- ‌وجوب تقوى الله في السر والعلن

- ‌الحج فرصة لنشر دعوة الحق

- ‌الحج المبرور

- ‌على جميع الحجاج تقوى الله في السر والعلن ليكتمل حجهم

- ‌الواجب على من استطاع السبيل المبادرة بالحج والعمرة

- ‌نصيحة إلى الحجاج الذين يؤذون جيرانهم بالتدخين والأغاني

- ‌الكتب التي بينت أحكام الحج

- ‌العمرة واجبة في العمر مرة

- ‌من اعتمر مع حجه فلا يلزمه عمرة أخرى

- ‌الحج مع القدرة واجب على الفور

- ‌حكم تأخير الحج إلى ما بعد الزواج

- ‌حكم تكرار الحج للرجال والنساء

- ‌العمرة مشروعة في كل وقت

- ‌مدى صحة قول العوام " من حج فرضه يقضب أرضه "، أو " اترك المجال لغيرك

- ‌حكم من نوى الحج كل عام ولم يستطع

- ‌الحج والعمرة أفضل من الصدقة بنفقتهما

- ‌الأفضل لمن حج الفريضة أن يتبرع بنفقة حج التطوع في سبيل الله

- ‌تصرف نفقة حج التطوع في عمارة المسجد إذا كانت الحاجة إليه ماسة

- ‌من مات على الإسلام فله ما أسلف من خير

- ‌تارك الصلاة لا يصح حجه

- ‌حج الصبي لا يجزئه عن حجة الإسلام

- ‌كيفية إحرام الصبي ولوازمه

- ‌أعمال الصبي له ويؤجر والده على تعليمه

- ‌المحرم للمرأة شرط في وجوب الحج

- ‌حكم حج الخادمات بلا محرم

- ‌ضابط المحرم

- ‌والد الزوج محرم لزوجة ابنه

- ‌يشترط في المحرم البلوغ

- ‌حكم سفر المرأةفي الطائرة بدون محرم

- ‌مدى صحة حديث «السبيل الزاد والراحلة

- ‌حكم الحج بالمال الحرام

- ‌حكم من حج من مال أبيه وفيه كسب حرام

- ‌حكم الحج لمن عليه دين

- ‌متى يجب الحج

- ‌وفاء الدين قبل الحج

- ‌نفقة الحج

- ‌حكم الاقتراض من أجل الحج

- ‌ليس من شروط الحج أن يأتي المسلم من بلده بنية الحج

- ‌حكم من حج وترك زوجته لوحدها

- ‌حكم الحج عمن مات ولم يحج

- ‌لا يحج إلا عن الميت والحي العاجز

- ‌حكم الحج عمن مات ولم يوص بالحج

- ‌حكم الحج عمن قد حج فرضه

- ‌حكم من نذرالحج ومات ولم يحج

- ‌حكم العمرة عن الميت

- ‌العمرة تدخلها النيابة

- ‌الحج عن الوالدينأفضل من إنابة من يحج عنهما

- ‌تقديم الأم على الأب في الحجأفضل لأن حقها أعظم وأكبر

- ‌جواز الإنابة في الحج والعمرة

- ‌ما يشترط في النائب

- ‌لا يلزم النائب أن يأتيبالحج من بلد من ناب عنه

- ‌لا حاجة إلى استشارة أبناء المتوفى للحج عنه

- ‌حج عن والدتك ولو بغير إذنها

- ‌حجك عن أخيكمن مالك مسقط الواجب عليه

- ‌حكم أخذ حجة لوفاء دين

- ‌حكم الحج عن مقرئ مقابل إهدائه ثواب تلاوته

- ‌حكم الحج والعمرة عن عدة أشخاص معا

- ‌لا يجوز أن يحج عن الوالدين جميعا حجة واحدة

- ‌حكم من استناب رجلا غير صالح

- ‌يجوز حج المرأة عن الرجل والعكس

- ‌الحج عن الآخرين ليس خاصا بالقرابة

- ‌تارك الصلاة لا يحج عنه

- ‌حكم الصدقة والحج عمن كان يذبح لغير الله

- ‌حكم الحج عمن يعتقد في الأولياء

الفصل: ‌الحج فرصة لنشر دعوة الحق

‌الحج فرصة لنشر دعوة الحق

.

بعد الحمد والثناء على الله عز وجل ثم الصلاة والسلام على أشرف المرسلين، إني أشكر الله عز وجل على ما من به علينا وعلى حجاج بيت الله الحرام من أداء مناسك الحج في أمن وعافية وسلامة وهدوء، الحمد لله جل وعلا على ذلك ونسأله سبحانه أن يتقبل منا ومن جميع حجاج بيت الله الحرام، كما أسأله سبحانه أن يوفق حكومتنا لكل خير، وأن يجزيها عما فعلت من التسهيل لحجاج بيت الله الحرام لأداء مناسكهم أفضل الجزاء وأن يعينها على كل ما فيه صلاح العباد والبلاد، كما أسأله سبحانه أن يجزي أيضا العاملين في هذه الدولة من عسكريين ومدنيين أحسن الجزاء عما فعلوا من الخير، وأن يضاعف مثوبتهم على ما فعلوه من تيسير وتسهيل وإعانة لإخوانهم حجاج بيت الله الحرام، وأسأله عز وجل أن يتقبل من الجميع عملهم وحجهم.

ص: 322

ثم إني أشكر أخي صاحب الفضيلة معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ محمد بن عبد الله السبيل على كلمته القيمة وتوجيهاته السديدة المفيدة، فجزاه الله خيرا، وقد أحسن وأجاد في نصيحة إخوانه الدعاة ووصيتهم بما ينبغي أن يعتمدوه في نصحهم ودعوتهم إلى الله عز وجل وعنايتهم بإخوانهم حجاج بيت الله الحرام وغيرهم.

فإن الدعوة إلى الله شأنها عظيم وهي من أهم الفرائض وهي مهمة الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، والعلماء هم ورثة الأنبياء فالواجب عليهم العناية بالدعوة، وأن تكون بالأساليب التي يرجى منها حصول المطلوب والسلامة من النفور عن الحق، ويرجى منها الإفادة للمدعو وقبوله الحق، وعليهم أن يحذروا الأساليب التي يخشى منها بقاء المنكر أو وجود ما هو أنكر منه، فالداعي إلى الله يجب أن ينظر في أسلوب دعوته، وأن يتحرى الأساليب التي يرجى من ورائها حصول الخير والفائدة، والسلامة من ضد ذلك، فجزى الله أخانا صاحب الفضيلة الشيخ محمد عن كلمته خيرا، كما أشكره أيضا على جهوده العظيمة الإصلاحية في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وأسأل الله أن يزيده والعاملين معه من التوفيق والهداية وأن يبارك في جهودهم وينفع بها عباده من حجاج بيت الله الحرام وزوار هذا المسجد العظيم للعمرة، وزواره للصلاة

ص: 323

وزوار المسجد النبوي، نسأل الله أن يبارك في جهود القائمين على هذين المسجدين وأن يجعلهم هداة مهتدين، كما أشكره أيضا هو وإخوانه على ما يبذلوه من الدعوة إلى الله في المسجدين وتوجيه الناس إلى الخير، وإفتائهم فيما يحتاجون إليه فجزاهم الله جميعا خيرا.

ثم أشكر الأمانة العامة للتوعية على جهودها في هذا السبيل، سبيل تسهيل أداء المناسك لحجاج بيت الله الحرام، أشكر الأمانة والعاملين فيها على جهودهم الطيبة في تسهيل أمر الحجيج وإعانتهم على أداء مناسكهم بما يسهل عليهم ذلك وبما يعينهم على فهم ما أوجب الله عليهم وعلى ترك ما حرم الله عليهم، ولا شك أن جهود الأمانة العامة لها ثمار عظيمة، ولها فوائد جمة، ونسأل الله أن يبارك في هذه الجهود وأن يجزي العاملين فيها جزاء حسنا وأن يثبتهم ويأجرهم على ما فعلوه ويزيدهم من فضله، فإن الله سبحانه هو الجواد الكريم وهو الذي يجازي العاملين بما يستحقونه، فنسأل الله أن يجزي العاملين في سبيله جزاء حسنا، وأن يثيبهم على ما قدموا، وأن يجعل لهم مثل ثواب إخوانهم الذين ساعدوهم في الخير، وسهلوا لهم طريق الخير، ثم أشكر إخواني الدعاة إلى الله عز وجل، وأدعو لهم بمزيد من التوفيق فقد بذلوا جهودا كبيرة، وأسأل الله أن يجزيهم عن جهودهم خيرا، وأن يضاعف

ص: 324

مثوبتهم، ولا شك أن الواجب عليهم عظيم، ونسأل الله أن يتقبل منهم جهودهم وأن يعطيهم مثل أجور من هداه الله على أيديهم، قال الله عز وجل في كتابه العزيز:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (1) فالدعوة إلى الله هي سبيل الأنبياء وأتباعهم على بصيرة، فنسأل الله أن يوفقنا وإخواننا الدعاة وسائر علماء المسلمين لما يرضيه وأن يجعلنا جميعا من الدعاة إليه على بصيرة وأن يعيننا على أداء الواجب إنه خير مسئول، ولا شك أن الدعاة إلى الله سبحانه في جهاد عظيم، وهم جديرون بأن يبذلوا وسعهم في هذا السبيل؛ لأن الله جل وعلا قد أتاح لهم في هذا الموسم أمما كثيرة من سائر أرجاء الدنيا في حاجة إلى الدعوة والتوجيه فيما يتعلق بالعقيدة ومناسك الحج وفيما يتعلق بأحكام الدين، فهم جديرون بأن يوجهوهم ويرشدوهم إلى ما يجب عليهم وإلى ما يحرم عليهم حتى يفعلوا ما شرع الله ويدعوا ما حرم الله، وأسأل الله أن يبارك عملهم، وأن ينفع به عباده المسلمين، وأن يجزيهم عن ذلك جزاء حسنا، وأن يجعلهم من الهداة المهتدين، ولا ريب أن الحجاج في أشد الحاجة إلى الدعوة والتوجيه والإرشاد، فالواجب أن تكون دعوتهم بالأساليب الحسنة التي يرجى منها

(1) سورة يوسف الآية 108

ص: 325

قبول الحق وترك الباطل، قال الله جل وعلا:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1) فهذه الطريقة التي رسمها الله لعباده فيها الخير العظيم فيها توجيه الناس وإرشادهم بالعلم والحكمة، فإن الحكمة هي العلم، وذلك بوضع الأمور في مواضعها عن علم وبصيرة، ثم الموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب ثم الجدال بالتي هي أحسن؛ لإزالة الشبه وإيضاح الحق، وبذلك يحصل المطلوب ويزول المرهوب، بخلاف الشدة والغلظة فإنه يترتب عليها شر عظيم وعواقب وخيمة، منها عدم قبول الحق، ومنها أنه قد يقع بذلك منكرات أخرى، قال الله جل وعلا:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (2) وقال عز وجل لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (3) فالواجب على الدعاة أن يسلكوا المسالك التي يرونها ناجحة مفيدة صالحة لإرشاد المدعوين وتوجيههم إلى الخير، ولا شك أن الحكمة في الدعوة والتبصر فيها من أهم المهمات، والدعوة إلى الله أحسن ما بذله المسلم في نفع غيره، قال الله عز وجل:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} (4)

(1) سورة النحل الآية 125

(2)

سورة آل عمران الآية 159

(3)

سورة طه الآية 44

(4)

سورة فصلت الآية 33

ص: 326

وموسم الحج من أحسن مواضعها وأوقاتها، فالحج فرصة للدعاة إلى الله لينشروا فيه دعوة الحق ويرشدوا فيه الخلق إلى ما خلقوا له من توحيد الله وطاعته، ويحذروهم عما نهى الله عنه من سائر الأخلاق والأعمال، فهي نعمة من الله عظيمة على من دعا إلى الله عز وجل، ونعمة من الله عظيمة على المدعوين، فنسأل الله أن يجزي الداعين خيرا وأن يثبتهم عن دعوتهم، وأن يزيدهم علما إلى علمهم وخيرا إلى خيرهم، وأن يجعلهم هداة مهتدين وأن ينفع المدعوين بما سمعوا وبما شاهدوا وأن يرزقهم البصيرة والفقه في الدين، كما أسأله سبحانه أن يجزي ولاة أمرنا عما فعلوا وبذلوا من الخير في إعانة الدعاة على أداء واجبهم وفي إعانة الحجاج على أداء مناسكهم، نسأل الله أن يجزيهم على ذلك الجزاء الحسن وأن يضاعف مثوبتهم وأن يزيدهم من كل خير وأن يعينهم على إزالة كل شر.

وإن واجب العلماء النصيحة لله ولعباده والنصيحة لولاة الأمور بالمكاتبة والمشافهة للأمير والرئيس، لكل ولي أمر من ملك أو رئيس جمهورية أو أمير أو رئيس عشيرة أو جماعة إلى غير ذلك، فكل من له رئاسة وكل من له شيء يستطيع أن

ص: 327

يتصرف فيه، هو جدير بأن ينصح ويوجه، حتى يبذل جهوده في من تحت يديه، هذا واجب العلماء أينما كانوا في مشارق الأرض ومغاربها وفي هذه الدولة، وفي هذه البقعة بصورة خاصة وفي بقاع الدنيا عامة، والواجب على العلماء أن يرشدوا الناس إلى توحيد الله وطاعته ويتعاونوا مع ولاة الأمور بالحكمة والأسلوب الحسن والكلام الطيب والنصيحة الطيبة بالمشافهة والمكاتبة، واجتناب الألفاظ والوسائل التي قد تنفر من الحق وقد تضر الدعوة، يجب على العلماء أينما كانوا أن يكونوا بصيرين بأمر الدعوة، وأن يتحروا الأسباب والوسائل التي يرجى من ورائها حصول المطلوب، وأن يحذروا كل سبب وكل وسيلة يخشى من ورائها عدم حصول المطلوب، أو حصول ضده، هذا هو الواجب على الجميع.

وفي مكة المكرمة كان نبينا عليه الصلاة والسلام يدعو الناس بالكلام الطيب والأسلوب الحسن حسب الطاقة والإمكان، ويتابع البعد عن كل ما يضر الدعوة، وهكذا لما هاجر إلى المدينة فعل ذلك حتى شرع الله الجهاد وأعطاه قوة، فعند ذلك جاهد الناس وشرع في قتال الكفار إلى أن يستجيبوا للحق، وعلى الدعاة إلى الله أن يسلكوا مسلك الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وأن يجتهدوا في إيصال الدعوة إلى المدعوين بالطرق التي يرجى منها حصول المطلوب، وإذا قوي من له سلطان قام

ص: 328

على تنفيذ الحق بالقوة بطريقة يحصل بها المطلوب ولا يحصل منها ضده،

وهذا هو الواجب على ولاة الأمور أن يقيموا الحق بالطريقة التي يمكن بها تنفيذه بدون حصول ما هو شر ومنكر.

والواجب على الدعاة إلى الله أن يبلغوا ولاة الأمور الحق بالوسائل الكتابية والشفهية حتى يحصل التعاون بين الجميع بين السلطان وبين الأمير وبين كبير القبيلة وبين كبير الأسرة، حتى يحصل التعاون بين الجميع بالأسلوب الحسن والدعوة المباركة، ولا شك أن الدعوة إلى الله عز وجل يدخل فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أن الدعوة تدخل فيها الأمر والنهي عند الإطلاق، كما قال تعالى في كتابه العظيم:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} (1) وهكذا قوله جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} (2) تعم الدعاة وتعم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعم كل من قام بالإصلاح والدعوة إلى الله عز وجل، في درس أو مجلس أو غير ذلك، وهكذا الأمر بالمعروف إذا أطلق دخلت فيه الدعوة، كما في قوله جل وعلا:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (3) فالواجب على كل إنسان أن

(1) سورة فصلت الآية 33

(2)

سورة النحل الآية 125

(3)

سورة آل عمران الآية 110

ص: 329

يبذل وسعه في تنفيذ الحق حسب طاقته، فالسلطان عليه واجبه الأعظم حسب طاقته، والأمير في القرية أو البلد أو القبيلة عليه تنفيذ الحق حسب طاقته بالفعل والقول جميعا، وكبير الأسرة وصاحب البيت عليه تنفيذ الحق بالقول وبالعمل حسب طاقته ومع أولاده وأهله، وهكذا كل إنسان عليه أن يعمل حسب طاقته، كما قال الله عز وجل:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) وكما قال عليه الصلاة والسلام: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (2) » ، فمن كان يستطيع بيده مثل السلطان والأمير فيما حدد له، والهيئة فيما حدد لها، وصاحب البيت فيما يقدر عليه نفذ الأمر بيده، ومن كان بصفة أخرى نفذ بالكلام والتوجيه والإرشاد وبالتي هي أحسن حتى يحصل الحق وحتى يزول الباطل، وعليه أن يستمر ولا ييأس ويرجو ما عند الله من المثوبة فيصبر، كما قال الله عز وجل:{وَالْعَصْرِ} (3){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (4){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (5) هذه صفة الرابحين والمؤمنين السعداء، إيمان

(1) سورة التغابن الآية 16

(2)

رواه مسلم في (الإيمان) باب كون النهي عن المنكر من الإيمان برقم (49) .

(3)

سورة العصر الآية 1

(4)

سورة العصر الآية 2

(5)

سورة العصر الآية 3

ص: 330

صادق وعمل صالح وتواص بالحق وتواص بالصبر، وقال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته (2) » ، ويقول جل وعلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (3) فالواجب نصر الله والعناية بأمره والاجتهاد في ذلك، ويشرع للمؤمن أن يجتهد في أن يكون في حاجة أخيه الدينية والدنيوية، وأن يعينه على الخير حسب طاقته، وبهذا تجتمع القلوب ويحصل التعاون والتآلف والمحبة في الله، وكثرة الخير وقلة الشر. فنسأل الله أن يوفق المسلمين لما يرضيه وأن يوفقنا جميعا إلى كل ما فيه صلاح العباد والبلاد أينما كانوا، كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع المسئولين لما يرضيه في كل مكان وأن يصلح بطانتهم وأن يصلح العلماء ويعينهم على أداء الواجب، كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمور المسلمين في كل مكان للحكم بشريعته والتحاكم إليها والفقه فيها، كما أسأله أن يوفق ولاة أمرنا لكل

(1) سورة المائدة الآية 2

(2)

رواه البخاري في (المظالم والغصب) باب لا يظلم المسلم المسلم برقم (2442) ، ومسلم في (البر والصلة والآداب) باب تحريم الظلم برقم (2580) .

(3)

سورة محمد الآية 7

ص: 331

خير وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وأن ينصر بهم الحق، وأن يوفقهم لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يجعلهم هداة مهتدين، وأن يوفق علماءنا وجميع المسلمين للتعاون على البر والتقوى إنه خير مسئول. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ص: 332