الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الباب الثاني الغلو والابتداع]
[الفصل الأول الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم]
[المبحث الأول مفهوم الغلو]
الباب الثاني
الغلو والإبتداع (وفيه فصلان) الفصل الأول: الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم.
الفصل الثاني: الابتداع.
الفصل الأول
الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه ستة مباحث المبحث الأول: مفهوم الغلو.
المبحث الثاني: الغلو في الرسل عند اليهود والنصارى.
المبحث الثالث: الغلو في ذات الرسول صلى الله عليه وسلم عند الشيعة.
المبحث الرابع: الغلو في ذات الرسول صلى الله عليه وسلم عند الصوفية. وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الغلو عند الحلاج.
المطلب الثاني: الغلو عند ابن عربي.
المبحث الخامس: أثر الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم على الاعتقاد والأعمال.
المبحث السادس حكم الإسلام في الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم.
المبحث الأول
مفهوم الغلو أصل الغلو في اللغة يطلق على مجاوزة الشيء حده الذي وضع له، سواء كان هذا الحد شرعيا أو عرفيا.
قال الراغب:
(الغلو تجاوز الحد، يقال ذلك إذا كان في السعر غلاء، وإذا كان في القدر " والمنزلة غلو، وفي السهم غلو، وأفعالها جميعا غلا يغلو.
قال تعالى: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171](1) والغلي والغليان يقال في القدر إذا طفحت، ومنه استعير قوله:{طَعَامُ الْأَثِيمِ - كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ - كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان: 44 - 46](2) وبه شبه غليان الغضب والحرب، وتغالي النبت يصح أن يكون من الغلي، وأن يكون من الغلو. غلواء: تجاوز الحد في الجماح، وبه شبه غلواء الشباب) (3) وجاء في اللسان: (. . . وغلا في الدين والأمر يغلو غلوا: جاوز حده، وفي التنزيل
(1) سورة النساء، آية (171) ، والمائدة، آية (77) .
(2)
سورة الدخان، آية (44-46) .
(3)
المفردات، ص364 - 365، مادة: غلا.
{لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171](1) وفي الحديث: «إياكم والغلو في الدين» (2) أي التشدد فيه ومجاوزة الحد.
. . . ومنه الحديث: «وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه» (3) إنما قال ذلك لأن من آدابه وأخلاقه التي أمر بها القصد في الأمور، «وخير الأمور أوساطها» (4) وعلى ذلك فالمادة تدور في اللغة حول مجاوزة الحد أيا كان نوعه. فإذا نظرنا إلى معنى الغلو في الشرع فسنجده موافقا للمعنى اللغوي إذ يطلق الغلو في الشرع على مجاوزة حدود الشريعة عملا أو اعتقادا.
وقد وردت مادة الغلو والنهي عنه مرتين في القرآن الكريم، قال تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171](5) وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77](6) قال القرطبي في تفسير الآية الأولى:
(1) سورة النساء، آية (171) ، والمائدة، آية (77) .
(2)
أخرجه ابن ماجه في كتاب المناسك، باب قدر حص الرمي 2 / 1008 وسيأتي تخريجه.
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الأدب. باب في تنزيل الناس منازلهم، 5 / 174، والحديث حسن. انظر صحيح الترغيب والترهيب للألباني، ط 2، المكتب الإسلامي، بيروت) 1460 هـ 1 / 660.
(4)
لسان العرب، 5 / 132، مادة غلا.
وانظر: مقاييس اللغة 4 / 387- 388.
(5)
سورة النساء، آية (171) .
(6)
سورة المائدة، آية (77) .
" قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [المائدة: 77] نهي عن الغلو، والغلو التجاوز في الحد، ومنه: غلا السعر يغلو غلاء، وغلا الرجل في الأمر غلوا، وغلا بالجارية لحمها وعظمها إذا أسرعت الشباب فجاوزت لداتها (1) ويعني بذلك فيما ذكره المفسرون غلو اليهود في عيسى حتى قذفوا مريم، وغلو النصارى فيه حتى جعلوه ربا، فالإفراط والتقصير كله سيئة وكفر (2) .
كما ورد لفظ الغلو والنهي عنه في السنة موافقا معناه لما في القرآن ففي الحديث الذي أخرجه ابن ماجه بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «قال لي رسول صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته: " القط لي حصى " فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف. فجعل ينفضهن في كفه ويقول " أمثال هؤلاء فارموا، ثم قال: " يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (3) .
قال ابن تيمية في شرح هذا الحديث:
(وقوله: «إياكم والغلو في الدين» عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال، والغلو: مجاوزة الحد، بأن يزاد في حمد الشيء أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك)(4)
(1) لداتها: أي أترابها ومثيلاتها.
(2)
الجامع لأحكام القرآن لابن عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ط 2- دار الكتب المصرية، 1357 هـ، 6 / 21.
(3)
سنن ابن ماجه، كتاب المناسك، باب قدر الحصى، 2 / 1008، ورواه النسائي في السنن.
ص ب مناسك الحج، باب التقاط الحصى، 5 / 268، والإمام أحمد ني المسند، 1 / 215 " 347.
والحديث صحيح إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: هدا إسناد صحح على شرط مسلم. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية، تحقيق د. ناصر بن عبد الكريم العقل. ط 1، مطابع العبيكان، الرياض، 1404هـ، 1 / 2988-. 289.
(4)
المصدر نفسه، 1 / 289.