المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[التوسل غير المشروع] - محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

[عبد الرءوف محمد عثمان]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة]

- ‌[المبحث الأول تعريف النبوة والرسالة لغة وشرعا]

- ‌[المبحث الثاني بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المبحث الثالث النبوة اصطفاء إلهي]

- ‌[الباب الأول المحبة والاتباع]

- ‌[الفصل الأول محبة الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المبحث الأول مفهوم المحبة]

- ‌[المبحث الثاني وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المبحث الثالث دواعي محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وأسباب زيادتها]

- ‌[المبحث الرابع مظاهر محبة الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل الثاني الاتباع]

- ‌[المبحث الأول مفهوم الاتباع]

- ‌[المبحث الثاني وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه]

- ‌[المبحث الثالث مظاهر الاتباع]

- ‌[الباب الثاني الغلو والابتداع]

- ‌[الفصل الأول الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المبحث الأول مفهوم الغلو]

- ‌[أنواع الغلو]

- ‌[أسباب الغلو]

- ‌[المبحث الثاني الغلو في الرسل عند اليهود والنصارى]

- ‌[المبحث الثالث الغلو في ذات الرسول صلى الله عليه وسلم عند الشيعة]

- ‌[المبحث الرابع الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم عند الصوفية]

- ‌[المطلب الأول الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم لدى الحلاج]

- ‌[المطلب الثاني الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم عند ابن عربي]

- ‌[المبحث الخامس آثار الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم على الاعتقاد والأعمال]

- ‌[المبحث السادس حكم الإسلام في الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل الثاني الابتداع]

- ‌[المبحث الأول تعريف البدعة وبيان حكمها]

- ‌[المبحث الثاني البدع التي ظهرت بدعوى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[أولا ادعاء الصوفية أنهم يرون الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة]

- ‌[ثانيا التوسل غير المشروع بالنبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[التوسل المشروع]

- ‌[التوسل غير المشروع]

- ‌[أقسام التوسل غير المشروع من حيث الحكم عليه]

- ‌[ثالثا البدع المتعلقة بزيارة قبره صلى الله عليه وسلم]

- ‌[رابعا بدعة المولد]

- ‌[خامسا الصلوات المبتدعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المبحث الثالث آثار الابتداع]

- ‌[آثار البدع على المبتدع]

- ‌[عدم قبول عمل المبتدع]

- ‌[خذلان المبتدع]

- ‌[البعد عن الله]

- ‌[أن المبتدع يلقى عليه الذل في الدنيا والغضب من الله في الآخرة]

- ‌[تبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من المبتدعة]

- ‌[أن من ابتدع بدعة كان عليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة]

- ‌[عدم توفيق المبتدع للتوبة]

- ‌[الخوف على المبتدع من سوء الخاتمة]

- ‌[الطرد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[آثار البدع على الدين]

- ‌[إماتة السنن]

- ‌[هجران الدين]

- ‌[آثارها على المجتمع]

- ‌[التفرق والاختلاف]

- ‌[الفتن والمحن]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[قائمة المراجع]

الفصل: ‌[التوسل غير المشروع]

الأول: أن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء والشفاعة فيدعو ويشفع كما كان الصحابة يطلبون منه فيدعو لهم. وكما يطلب الخلق منه ذلك في يوم القيامة. وأحاديث الاستسقاء وغيرها توضح ذلك أتم توضيح.

- الثاني: أن يضيف إلى ذلك سؤال الله تعالى بشفاعة نبيه ودعائه وذلك كما في حديث الأعمى فإنه طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء والشفاعة، فدعا له الرسول وشفع فيه وأمره أن يدعو الله فيقول:«اللهم إني أسألك وأتوجه إليه بنبيك محمد نبي الرحمة» الحديث. وفيه: «اللهم فشفعه في» فأمره أن يسأل الله قبول شفاعة نبيه فيه. وسيأتي مزيد شرح لهذا الحديث.

وهذا النوع من التوسل لا يجوز إلا في حياته صلى الله عليه وسلم أما بعد وفاته فلا يجوز بحال من الأحوال. إذ ليس على ذلك دليل صحيح كما سيأتي بيانه.

[التوسل غير المشروع]

2 -

التوسل غير المشروع: ويقصد به التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، وسؤال الله بجاه نبيه، والإقسام على الله به. وهذا النوع غير مشروع لفقدان الدليل على مشروعيته، فلم ترد به سنة صحيحة ولم يكن الصحابة يفعلونه لا في حياته صلى الله عليه وسلم ولا بعد موته، لا عند قبره ولا في أي مكان آخر. ولم ينقل ذلك عنهم بوجه صحيح يعتمد عليه عند أهل العلم. بل الثابت عنهم أنهم عدلوا عنه إلى غيره، كما فعل عمر مع العباس رضي الله عنهما.

وهذا التوسل غير المشروع هو مقصود غالب المتأخرين بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويعتقدون أنه من أفضل القربات، وأنه دليل على حب النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين. وهو أول ما يعولون على إثباته والمنافحة عنه، والرد على ما نعيه، والتشنيع عليهم، حتى يسلم لهم ما أرادوا من تعميم التوسل بالأنبياء والصالحين. وهذا النوع هو ما سأتناوله بشيء من العرض والتفصيل.

ص: 255

يقول السبكي (1) .

(إن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم جائز في كل حال. قبل خلقه وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا، وبعد موته في مدة البرزخ، وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة)(2) ويقسمه إلى ثلاثة أنواع:

- النوع الأول: أن يتوسل به بمعنى أن طالب الحاجة يسأل الله تعالى به أو بجاهه أو ببركته. فيجوز ذلك في الأحوال الثلاثة وقد ورد في كل منها خبر صحيح. وساق تحت هذا النوع حديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم (3) وغيره من الأحاديث.

- النوع الثاني: التوسل به بمعنى طلب الدعاء منه. وقال: إن ذلك كما كان في حياته يجوز بعد موته.

ثم ساق حديثا بسنده عن مالك الدار قال: (أصاب الناس قحط في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا. فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنهم مسقون وقل له: عليك الكيس الكيس. فأتى الرجل عمر فأخبره فبكى عمر رضي الله عنه ثم قال: يا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه) .

(1) هو تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي (683- 756 هـ)، فقيه. أصولي. محدث. مفسر. لغوي. من تصانيفه:

الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم. تكملة المجموع للنووي في خمسة مجلدات، شفاء السقام في زيارة خير الأنام، عارض به شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة شد الرحال إلى زيارة القبر النبوي الشريف. وغيرها. انظر. طبقات الشافعية الكبرى، 10 / 139 - 338. والدرر الكامنة 3 / 134، وما بعدها.

(2)

شفاء السقام في زيارة خير الأنام، تقي الدين السبكي.

طبع مجلس دائرة المعارف العثمانية. حيدر آباد الدكن، 1315 هـ، ص 160.

(3)

انظر: ص 273، من هذا البحث.

ص: 256

قال. ومحل الاستشهاد من هذا الأثر طلبه الاستسقاء من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته في مدة البرزخ. ولا مانع من ذلك فإن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لربه تعالى في هذه الحالة غير ممتنع.

- النوع الثالث: أن يطلب منه ذلك الأمر المقصود. بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم قادر على التسبب فيه بسؤاله ربه وشفاعته إليه. فيعود إلى المعنى الثاني وإن كانت العبارة مختلفة (1) .

وبعبارة أصرح من ذلك أن يطلب منه الحاجات رأسا فيقول السائل يا رسول الله فرج كربتي أو أغثني. . . إلخ.

ولم يجد السبكي ما يستدل به على هذا النوع الثالث سوى أنه عائد إلى النوع الثاني. لكن غيره وجدوا ما يستدلون به على مثل هذا النوع، وهي الحكايات والمنامات وعليها غالب اعتمادهم.

شبهات المجيزين لهذا النوع من التوسل: يورد الصوفية شبهات كثيرة على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم توسلا بدعيا وشركيا ليوهموا أتباعهم أنهم بذلك على الحق وأنهم أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرب من غيرهم. وشبههم متنوعة لكني سأقتصر على أقواها في نظرهم.

أولا- من القرآن: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35](2) . وقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57](3) .

(1) انظر: المصدر السابق، ص 161، وما بعدها.

(2)

سورة المائدة، آية (35) .

(3)

سورة الإسراء، آية (57) .

ص: 257

قال صاحب كتاب حقيقة التوسل والوسيلة:

(ولفظ الوسيلة عام في الآيتين فهو شامل للتوسل بالذوات الفاضلة من الأنبياء والصالحين في الحياة وبعد الممات، وبإتيان الأعمال الصالحة على الوجه المأمور به، وللتوسل بها بعد وقوعها)(1) .

واستدلالهم بهاتين الآيتين باطل لأنه مخالف لتفسير الصحابة والتابعين وما عليه أئمة التفسير من أن المراد بالوسيلة في الآيتين التقرب إلى الله بصالح الأعمال ولم يؤثر عن واحد من هؤلاء أنه فسرها بجواز التوسل بذوات الأنبياء والصالحين كما فسره هؤلاء.

ثم إن الاستدلال بالآية الثانية بالذات على مدعاهم من أبطل الباطل وأكذب الكذب لأنها تدل على نقيض ما ادعوه وترد عليهم دعواهم، ويبين هذا سبب نزولها كما قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما رواه البخاري عنه:(كان ناس من الأنس يعبدون ناسا من الجن، فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم)(2) .

ومعنى ذلك أن الله يرد على هؤلاء الذين عبدوا الجن ودعوهم من دون الله بأن الذين تدعونهم قد أسلموا فصاروا يتقربون إلى الله بصالح الأعمال، وفي هذا تحريض لهؤلاء المشركين على الإيمان بالله وحده وسلوك مسلك الجن الذين آمنوا، قال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا - أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 56 - 57](3) .

(1) حقيقة التوسل والوسيلة على ضوء الكتاب والسنة، موسى محمد علي، طبع دار التراث، القاهرة، 1981م، ص29.

(2)

صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب قول الله تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم من دونه، 6 / 107.

(3)

سورة الإسراء، آية (56 - 57) .

ص: 258

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (1) .

عند تفسير قوله تعالى: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35](2) (اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى، لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة.

. . . . وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهال المدعين للتصوف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون واسطة بينه وبين ربه، أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين وتلاعب بكتاب الله تعالى، واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار، كما صرح به تعالى في قوله عنهم:{إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3](3) وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18](4) فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رضى الله وجنته ورحمته هي اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل) (5) .

(1) هو الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي ثم المدني. (1305- 1393هـ)

درس القرآن وعلومه، والعربية وفنونها، والفقه ومسائله في بلاده مورتانيا، ثم قدم إلى الحج فكتب الله له المقام بالمدينة فسكنها فدرس في المسجد النبوي وأفاد.

من تصانيفه: أضواء البيان في تفسير القرآن.

ومذكرة في أصول الفقه، آداب البحث والمناظرة وغيرها.

انظر: ترجمته في نهاية تفسير أضواء البيان لتلميذه الشيخ عطية سالم، الجزء التاسع. وانظر: الأعلام، 6 / 45.

(2)

سورة المائدة، آية (35) .

(3)

سورة الزمر، آية (3) .

(4)

سورة يونس، آية (18) .

(5)

أصول البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، 2 / 97-98.

ص: 259

ومما استدلوا به من الأحاديث ما أخرجه البخاري بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون)(1) .

ويستدلون بهذا الحديث على جواز التوسل بذوات المخلوقين وجاههم فقالوا إن توسل عمر إنما كان بجاه العباس ومكانته عند الله سبحانه وتعالى، وإن توسله إنما كان مجرد ذكر منه للعباس في دعائه وطلب من الله أن يسقيه من أجله وقد أقره الصحابة على ذلك فدل هذا بزعمهم على جواز التوسل بذات المخلوق وجاهه. ولكن ما سبب عدول عمر عن التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم طالما أن ذلك جائز في نظرهم. أجابوا عن ذلك بأن عدوله كان لبيان جواز التوسل بغير النبي صلى الله عليه وسلم وأن ذلك مما لا حرج فيه.

يقول الشيخ أحمد زيني دحلان (2) .

(وإنما استسقى عمر رضي الله عنه بالعباس رضي الله عنه ولم يستسق بالنبي صلى الله عليه وسلم ليبين للناس جواز الاستسقاء بغير النبي صلى الله عليه وسلم وأن ذلك لا حرج فيه، وأما الاستسقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم فكان معلوما عندهم فلربما أن بعض الناس يتوهم أنه لا يجوز الاستسقاء بغير النبي صلى الله عليه وسلم فبين لهم عمر باستسقائه بالعباس الجواز)(3) .

واستدلالهم بهذا الحديث على ما يدّعونه استدلال باطل لأمور:

أولا: أن الحديث قد ذكر أن الصحابة كانوا يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم

(1) صحيح البخاري كتاب الاستسقاء. باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، 2 / 34.

(2)

هو أحمد بن زيني دحلان المكي (1232 - 1304هـ) .

فقيه. مؤرخ. من تصانيفه. الفتوحات الإسلامية، والسيرة النبوية، والدرر السنية في الرد على الوهابية، رد فيه على الشيخ محمد بن عبد الوهاب متعصبا للصوفية، وقد رد عليه الشيخ محمد بشير السهسواني في كتاب سماه " صيانة الإنسان من وسوسة الشيخ دحلان ".

انظر: الأعلام، 12 / 129 - 130.

(3)

الدرر السنية في الدر على الوهابية، أحمد زيني دحلان، ص 8 - 9.

ص: 260

في حال حياته للسقيا فيستسقي لهم، وقد بينت الأحاديث الواردة في الاستسقاء ذلك، وليس هناك حديث صحيح يؤيد ما ذهبوا إليه من أن الصحابة كانوا يتوسلون بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهه.

بل الأحاديث الواردة تؤكد أن التوسل إنما كان بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم. أخرج الشيخان بسنديهما عن أنس رضي الله عنه: «أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما، فقال يا رسول الله هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله أن يغثنا، قال، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، فقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا قال أنس ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قَزَعَة، ولا شيئا، وما بيننا وبين سَلْع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التُّرس، فلما توسطت السماء، انتشرت ثم أمطرت، قال: والله ما رأينا الشمس ستا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال والظراب والأودية ومنابت الشجر. قال: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس» (1) .

وأخرج البخاري بسنده عن عباد بن تميم عن عمه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي لهم، فقام فدعا الله قائما ثم توجه قِبَل القبلة وحوّل رداءه فسقوا» (2) .

فهذان الحديثان وأمثالهما كثير في كتب السنة، وكلها تؤكد أن الصحابة كانوا إذا انقطع عنهم المطر ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يدعو الله لهم

(1) صحيح البخاري. كتاب الاستسقاء، باب الاستسقاء في المسجد الجامع 2 / 34 - 35، وصحيح مسلم كتاب صلاة الاستسقاء. باب الدعاء في الاستسقاء، 2 / 612، وما بعدها.

(2)

صحيح البخاري، كتاب الاستقساء، باب الدعاء في الاستسقاء قائما، 2 / 38.

ص: 261

ليسقيهم، أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخرج بهم فيصلي صلاة الاستسقاء ويدعو الله لهم كما هي السنة في هذا الأمر.

وهذا هو الذي قصده عمر بقوله " اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ".

ثانيا: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم توسل عمر بدعاء العباس رضي الله عنهما، وذلك لعلمه بأن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته غير ممكن ولا جائز. وتكرر هذا منه بحضور الصحابة رضي الله عنهم. فلو كان التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته جائزا لما عدل عنه عمر رضى الله عنه، ولما أقره الصحابة على ذلك، فلما تكرر ذلك منه دل على عدم جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.

ثالثا: إن تكرر هذا الفعل من عمر رضى الله عنه يدحض شبهة الذين قالوا بأنه قد فعل ذلك لبيان جواز التوسل بغير النبي وأن التوسل بالنبي بعد وفاته أمرا معلوما لدى الصحابة. وهذا ليس بصحيح، إذ لو كان كذلك لما تكرر ذلك الفعل من عمر رضي الله عنه ولبين أن مقصده من ذلك هو بيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل كما يزعمون. ثم إن فيه كذبا على عمر وجمهور الصحابة رضي الله عنهم. لأن المجيزين ادعوا أن التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم كان أمرا معلوما لدى الصحابة. مع أنه لم ينقل عنهم بوجه صحيح ما يؤيد دعواهم. بل المنقول عنهم خلاف ذلك.

رابعا: أن عمر قد صرح بأنهم كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وأنه بعد وفاته توسل بعمه العباس. ومما لا شك فيه أن التوسلين من نوع واحد، وهو التوسل بدعاء الصالحين ورسول الله صلى الله عليه وسلم إمامهم (1) .

خامسًا: أن بعض روايات الحديث الصحيحة قد فسرت كلام عمر المذكور وقصده إذ نقلت دعاء العباس رضي الله عنه استجابة لطلب عمر رضي

(1) انظر التوسل أنواعه وأحكامه للشيخ الألباني، ص60-69.

ص: 262

الله عنه. فمن ذلك ما نقله الحافظ ابن حجر في الفتح حيث قال: (وقد بين الزبير بن بكار (1) في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال " اللهم أنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث " قال فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس) (2) فهذا الحديث قد بين أن التوسل إنما كان بدعاء العباس رضي الله عنه لا بذاته أو شيبته كما يزعمون، وإلا فما الداعي إلى أن يقوم العباس فيدعو دعاء جديدا؟ وما فائدة مجيء العباس إلى مكان الاستسقاء للدعاء؟ ! ولم يكن عمر رضي الله عنه وحده هو الذي عدل عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته إلى التوسل بغيره من الأحياء، بل تابعه على ذلك معاوية بن أبي سفيان والضحاك بن قيس رضي الله عنهما إذ توسلا بدعاء يزيد بن الأسود (3) الجرشي (4) وعلى هذا جرى عمل الصحابة والتابعين (5) .

فتبين من هذا أن حديث عمر بن الخطاب في توسله بالعباس رضي الله عنهما ليس فيه دليل على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته بل هو دليل على عدم جوازه.

ومن الأحاديث التي استدلوا بها ما أخرجه أحمد وغيره بسنده عن عثمان بن

(1) هو أبو عبد الله الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب من ولد الزبير بن العوام رضي الله عنه (172- 256 هـ) .

كان ثقة ثبتا عالما بالأنساب. شاعرا ولي قضاء مكة. من تصانيفه: جمهرة نسب قريش وأخبارها، أخبار العرب وأيامها، مزاح النبي صلى الله عليه وسلم، انظر: تاريخ بغداد، 8 / 467، وسير أعلام النبلاء، 12 / 311.

(2)

فتح الباري، 3 / 150.

(3)

أخرج هذا الأثر ابن سعد في الطبقات، دار صادر، بيروت، 7 / 444.

(4)

هو يزيد بن الأسود الجرشي من سادات التابعين بالشام، أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره. انظر سير أعلام النبلاء، 4 / 136 - 137.

(5)

انظر: التوسل، ص 70.

ص: 263

حينف: «أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني. قال: " إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذلك فهو خير " فقال: ادعه. فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: " اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي، اللهم فشفعه في وشفعني فيه، قال: ففعل الرجل فبرأ» (1) .

ووجه استدلالهم بهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الأعمى أن يتوسل به في دعائه، وأن الأعمى فعل ذلك فعاد بصيرا، وأن توسله إنما كان بذات النبي صلى الله عليه وسلم لا بدعائه، وإذا كان كذلك فمن الجائز لكل أحد أن يدعو بهذا الدعاء الوارد في هذا الحديث.

قال ابن حجر الهيتمي (2) .

(وإنما علمه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم يدع له، لأنه أراد أن يحصل منه التوجه وبذل الافتقار والانكسار والاضطرار مستغيثا به صلى الله عليه وسلم ليحصل له كمال مقصوده.

وهذا المعنى حاصل في حياته وبعد وفاته ومن ثم استعمل السلف هذا الدعاء في حاجاتهم بعد موته) (3) .

واستدل بقصة الرجل مع عثمان بن حنيف رضي الله عنه وسيأتي ذكرها. وعلى ذلك فهم يرون أن الحديث حجة لهم في جواز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم. وأن هذا الحديث ليس خاصا بالأعمى، بل هو جائز لكل أحد أن يدعو به. لكن هذا الحديث لا يدل على ما ذهبوا إليه. بل هو دليل على نوع من

(1) المسند، 4 / 138، وسنن ابن ماجه، 1 / 481، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1 / 519.

(2)

شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي المكي (909-974هـ) .

فقيه. باحث. من تصانيفه: مبلغ الأرب في فضائل العرب. الصواعق المحرقة على أهل البدعة والضلال والزندقة وغيرها. انظر الأعلام 1 / 234.

(3)

الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم، ص 76- 77.

ص: 264

أنواع التوسل المشروع، لأن الأعمى إنما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر مشروع كما سبقت الإشارة إليه، ويوضح هذا من الحديث عدة أمور (1) .

أولا: أن الأعمى إنما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعو له، وهذا معنى قوله:" ادع الله أن يعافيني " فهو قد توسل بدعائه صلى الله عليه وسلم لما يعلمه من استجابة دعائه دون غيره، ولذلك طلب من الدعاء ولو كان مقصوده التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهه كما يزعمون، لما كانت هناك حاجة في أن يأتي إلى النبي ويسأله الدعاء له، بل كان يكفيه أن يجلس في بيته ويدعو ربه متوسلا بذات النبي أو جاهه ولكنه لم يفعل ذلك لأنه كان يفهم جيدا معنى التوسل، وأنه لا بد أن يذهب إلى المتوسل به ليطلب منه ما يريد.

ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم وعده بالدعاء بعد أن خيره بين الدعاء وبين الصبر إذا شاء.

ثالثا: إصرار الأعمى على الدعاء وهذا يقتضي أن الرسول قد دعا له لأنه وعده بالدعاء إذا أراد، وقد أراد ذلك وأكده بقوله:" ادعه " ومع ذلك لم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء له بل وجهه إلى عمل صالح حتى يجمع له أطراف الخير، وهو أمره له بالصلاة وتعليمه الدعاء الذي يدعو به في صلاته.

رابعا: أن قول الأعمى في آخر هذا الدعاء: «اللهم فشفعه في» يستحيل حمله على التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، أو بجاهه كما يزعمون، لأن معناه: اللهم اقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم فيّ، أي اقبل دعاءه في أن ترد علي بصري. وهذا معنى الشفاعة. ولا تتم الشفاعة إلا إذا كان اثنان يطلبان أمرا يكون أحدهما شفيعا للآخر والشفاعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا بدعاء الرسول للمشفوع له.

خامسا: أن مما علمه النبي صلى الله عليه وسلم للأعمى أن يقوله في دعائه: «وشفعني فيه» أي اقبل دعائي في قبول شفاعته ودعائه لي. وهذه الجملة وحدها كافية

(1) انظر في بيان هذه الأمور.

القاعدة الجليلة، ص95 - 109، 135 - 136. والتوسل، ص76 - 83.

ص: 265

في الرد على من يزعمون أن توصل الأعمى كان بذاته صلى الله عليه وسلم أو بجاهه، إذ كيف تكون شفاعة الأعمى في الرسول. إلا إذا دعا له الرسول فدعا الأعمى ربه في أن يستجيب دعاء نبيه له.

سادسا: إن هذا الحديث قد ذكره العلماء في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب، وما أظهره الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات، فإنه ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره. ولذلك ذكره المصنفون في دلائل النبوة كالبيهقي وغيره (1) . وهذا يدل على أن السر في شفاء الأعمى إنما هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له (2) .

سابعا: أن هذا الدعاء خاص بالأعمى لأنه متضمن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته له وليس من لم يدع له الرسول ويشفع له بمنزلة ذلك الضرير الذي دعا له الرسول وشفع له. ولو كان هذا عاما كما يفهمه المجيزون لكان لعميان الصحابة أو بعضهم أن يدعوا بهذا الدعاء فيحصل لهم الشفاء، فعدولهم عن هذا الدعاء إلى غيره دليل على أنه خاص بذلك الأعمى، كما أنه لو كان السبب في شفاء الأعمى هر توسله بذات النبي صلى الله عليه وسلم وجاهه كما يفهم عامة المتأخرين لكان من الممكن أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذي يتوسلون بجاهه صلى الله عليه وسلم ويضمون إلى ذلك جاه جميع الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين!!

وبعد بيان هذه الوجوه تأكد لنا أن هذا الحديث يدور حول التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم، وأنه لا علاقة له بالتوسل بذاته أو بجاهه، ومما تجدر الإشارة إليه أنه قد نقل عن العز بن عبد السلام القول بجواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته خاصة استنادا إلى حديث الأعمى (3) .

وقد تبين لنا معنى الحديث وما يدل عليه وأنه لا حجة فيه لمن ذهب إلى

(1) انظر. دلائل النبوة للبيهقي، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، 6 / 166.

(2)

انظر: قاعدة جليلة، ص 95.

(3)

انظر: القاعدة الجليلة، ص 151.

ص: 266

جواز التوسل بالذات وإن كان العز بن عبد السلام قد ذهب إلى جواز ذلك فقد خالفه في ذلك جمع كثير من أهل العلم. وعلى فرض صحة ما ذهب إليه العز بن عبد السلام فينبغي أن يكون هذا حكما خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه أحد غيره من الأنبياء والصالحين ويكون هذا من باب الخصوصيات التي لا يدخلها القياس (1) .

تنبيه: وقع في بعض طرق حديث الأعمى زيادتان استدل بهما المجيزون للتوسل غير المشروع:

- الزيادة الأولى: زيادة حماد بن سلمة إذ زاد في آخر الحديث (. . . وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك) .

أي معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له إذا عرضت لك حاجة فافعل مثل ذلك الدعاء دون أن تأتيني. وعلى ذلك فيمكن للإنسان أن يقول هذا الدعاء دون أن يكون قد أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته ودعا له. وقد أعل ابن تيمية هذه الزيادة بالشذوذ لتفرد حماد بن سلمة بها ومخالفته من هو أوثق منه (2) .

- الزيادة الثانية: وهي قصة الرجل مع عثمان بن عفان رضي الله عنه وتوسله به صلى الله عليه وسلم حتى قضيت حاجته من عثمان بن عفان. وقد أخرج هذه القصة الطبراني في معجميه الصغير والكبير، من طريق عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف: أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه. فقال له: ائت الميضأة، فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل

(1) انظر: التوسل، ص 83.

(2)

انظر: القاعدة الجليلة، ص 102، والتوسل، ص 90- 92.

ص: 267

فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك عز وجل، فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح إلي حتى أروح معك، فانطلق الرجل، فصنع ما قال، ثم أتى باب عثمان بن عفان رضي الله عنه، فجاء البواب حتى أخذ بيده، فأدخله عليه، فأجلسه معه على الطنفسة، وقال حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فأتنا. ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير، فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فتصبر، فقال: يا رسول الله: إنه ليس لي قائد، وقد شق علي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ائت الميضأة، فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات» . قال عثمان بن حنيف، فوالله ما تفرقنا، وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط) (1) .

هذه القصة ضعيفة الإسناد منكرة لا يجوز الاحتجاج بها (2) أما من ناحية المتن فليس فيه حجة على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته لأن عثمان بن حنيف - لو صحت هذه القصة عنه - لم يعلم ذلك الرجل دعاء الضرير بتمامه، فإنه أسقط منه جملة:«اللهم فشفعه في، وشفعني فيه» ، لأنه يعلم أن ذلك القول يستلزم أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم داعيا لذلك الرجل، كما كان داعيا للأعمى، ولما كان هذا غير ممكن شرعا ولا قدرا لم يذكر هذه الجملة.

وأيضا لو قدر ثبوت هذه القصة عن عثمان بن حنيف لكان هذا مما تفرد

(1) المعجم الكبير للطبراني، 9 / 17- 18. حققه وخرج أحاديثه حمدي عبد المجيد السلفي، ط1، مطبعة الوطن العربي، بغداد، 1400 هـ.

وانظر دلائل النبوة للبيهقي، 16 / 167- 168.

(2)

لضعف حفظ راويها، وتفرده بها، ومخالفته للثقات الذين رووا الحديث بدون ذكر هذه القصة.

انظر: القاعدة الجليلة، ص 97- 103، والتوسل، ص 92- 94.

ص: 268

به ذلك الصحابي عن غيره، إذ لم يوافقه غيره من الصحابة على ذلك، ومثل هذا لا تثبت به سنة يمكن العمل بها.

والثابت عن أكابر الصحابة عدولهم عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته إلى التوسل بدعاء غيره. كما قد صح ذلك من فعل عمر ومعاوية وغيرهما (1) .

وفي هذه القصة جملة إذا تأملها العارف بفضائل الصحابة وأحوالهم وجدها دليلا على نكارتها وضعفها، وهي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان لا ينظر في حاجة ذلك الرجل ولا يلتفت إليه! فهذه الجملة منافية لما عرف من خلق عثمان رضي الله عنه الذي كانت تستحي منه الملائكة لشدة حيائه، هذا مع ما عرف عنه من رفق ولين وتواضع رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين (2) وبهذا يتبين لنا أن الاستدلال بهذه القصة على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته استدلال باطل.

وإذا كان الحديثان السابقان صحيحين من حيث الإسناد. لكنهما لا يدلان على ما ذهبوا إليه من جواز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، فإنهم قد استدلوا بأحاديث وآثار واهية لا تصلح للاحتجاج بها منها على سبيل المثال:

حديث توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الحاكم بسنده عن عمر بن الخطاب مرفوعا «لما اقترف آدم الخطيئة، قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال يا رب لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا، لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله: صدقت يا آدم. إنه لأحب الخلق إلي. ادعني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك» (3) .

(1) انظر: قاعدة جليلة، ص104 - 108.

(2)

انظر: التوسل، ص 99.

(3)

المستدرك على الصحيحين، وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي بقوله: بل موضوع، 2 / 615.

ص: 269

هذا الحديث مما يستدل به المخالفون على إثبات التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل خلقه.

قال صاحب كتاب وفاء الوفا:

(اعلم أن الاستغاثة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه وبركته إلى ربه تعالى من فعل الأنبياء والمرسلين وسير السلف الصالحين، واقع في كل حال، قبل خلقه صلى الله عليه وسلم وبعد خلقه في حياته الدنيوية، ومدة البرزخ وعرصات القيامة)(1) ثم ساق حديث توسل آدم السابق مستدلا به، وكذا استدل به السبكي وغيره (2) .

ولكن هذا الحديث موضوع لا يجوز الاستدلال به، لوجود عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في سنده وهو متهم بالوضع.

لذا فقد حكم ببطلان هذا الحديث ابن تيمية (3) والذهبيُّ (4) وابنُ عبد الهادي (5) وابن حجر (6) . فلا يجوز لأحد أن يستدل بهذا الحديث لأجل تصحيح الحاكم له.

هذا وقد استدلوا بأحاديث وآثار كلها واهية وموضوعة ومثلها الحكايات. لكن بقي أن أنبه إلى أثر مالك الدار الذي استدل به السبكي على جواز طلب الدعاء من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته (7) .

(1) وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى. نور الدين علي بن أحمد السمهودي تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط 1، مطبعة السعادة، مصر، 1374 هـ، 4 / 1371.

(2)

انظر شفاء السقام، ص 61، وما بعدها.

(3)

انظر: القاعدة الجليلة، ص 86- 90.

(4)

انظر: ميزان الاعتدال، 2 / 504.

(5)

انظر: الصارم المنكي، ص 37.

(6)

انظر: لسان الميزان، 3 / 359 - 360.

(7)

انظر: ص260، من هذا البحث.

ص: 270