الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الخوف على المبتدع من سوء الخاتمة]
8 -
الخوف على المبتدع من سوء الخاتمة: إن من شؤم البدعة أنه يخاف على صاحبها من سوء الخاتمة، وسوء الخاتمة- والعياذ بالله- هو أن يعتري الإنسان عند الموت شك أو جحود أو اعتراض على الله. فيسخط العبد حينئذ لقاء الله فيسخط الله لقاءه، ويختم للعبد حينئذ بما يوجب له دخول النار إما فترة وإما خلودا فيها.
وسبب ذلك مرض في قلبه وخلل في أمره وإن بدا للناس غير ذلك. وفي البخاري بسنده عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه ما يوضح ذلك حيث قال: «التقى النبي صلى الله عليه وسلم والمشركون في بعض مغازيه فاقتتلوا، فمال كل قوم إلى عسكرهم، وفي المسلمين رجلا لا يدع شاذة، ولا فاذة إلا أتبعها فضربها بسيفه، فقيل يا رسول الله، ما أجزأ أحد ما أجزأ فلان فقال إنه من أهل النار. فقالوا. أيّنا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار؟ فقال رجل من القوم لأتبعنه، فإذا أسرع وأبطأ كنت معه حتى جرح فاستعجل الموت، فوضع نصاب السيف بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله. فقال: وما ذاك؟ فأخبره. فقال: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وأنه من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة» (1) .
وروى الإمام أحمد بسنده عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عليكم أن تعجبوا بأحد حتى تنظروا بم يختم له فإن العامل يعمل زمانا من دهره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملا سيئا، وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملا صالحا، وإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قبل موته، قالوا: يا رسول الله. وكيف يستعمله؟ قال يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه» (2) .
(1) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، 5 / 170.
(2)
رواه أحمد في المسند، 3 / 120، وصححه الألباني وقال: إسناد صحيح على شرط الشيخين.
انظر: السلسلة الصحيحة، 3 / 323.
فهذان الحديثان- وما في معناهما- يدلان على أن أمر العبد موقوف على خاتمته والتي لا يعلمها إلا الله. لأجل هذا عظم خوف الصالحين من سوء الخاتمة، وجرت دموعهم مغزارة، خوفا من أن تزل قلوبهم ساعة الاحتضار فيختم لهم بسوء أو أن تنقلب أحوالهم بعد الطاعة عصيانا فيموتون على ذلك إن لم يتداركهم الله بتثبيته.
فهذا الذي جعلهم يخافون لعلمهم أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن فمن شاء أقامه ومن شاء أزاغه. فكانوا في كل وقت وحين يسألون الله التثبيت والثبات على الإيمان وحسن الخاتمة. ونسأل الله ذلك بمنه وكرمه.
وبعد. . فإن لسوء الخاتمة أسبابا تتقدم عليها منها الشرك أو النفاق أو التعلق بغير الله أو الكبر وما شاكله من الصفات المذمومة، أو البدعة وهي المقصودة بالذكر وصاحبها على خطر، وقل أن يختم لمبتدع بالسلامة إلا أن يتداركه الله برحمته (1) وإنما خيف على المبتدع سوء الخاتمة، لأن حال الموت حال انكشاف للحقائق فربما انكشف له حينئذ عوار بدعته وضلال ما كان عليه فيخيل له الشيطان حينئذ أن دينه كله ضلال. فيعتريه الشك حينئذ أو الجحود بالدين الحق فيختم له بما سبق عليه الكتاب.
ولهذا نجد رءوس أهل الأهواء والبدع يصرحون عند الموت بضلال ما كانوا فيه. . وتتقطع قلوبهم أسى وحسرة على ضياع أعمارهم فيما ظهر لهم ضلاله (2) .
وحينئذ لا ينجي إلا التثبيت من الله ولا نجاة بدونه. فنسألك اللهم الثبات على الإيمان حتى نلقاك عليه.
(1) انظر: إحياء علوم الدين. الغزالي، 4 / 214 - 224، ط مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر.
(2)
انظر: شرح العقيدة الطحاوية، ص 227- 230.