الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو محمد عبد الحق الإشبيلي (1) .
(واعلم أن سوء الخاتمة- أعاذنا الله منها- لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، وإنما تكون لمن كان له فساد في العقل، أو إصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم. فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة ويثبت قبل الإنابة، فيصطلمه (2) الشيطان عند تلك الصدمة، ويختطفه عند تلك الدهشة، والعياذ بالله ثم العياذ بالله، أو يكون ممن كان مستقيما، ثم يتغير عن حاله ويخرج عن سننه، ويأخذ في طريقه، فيكون ذلك سببا لسوء خاتمته وشؤم عاقبته والعياذ بالله {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11] (3)) (4) .
[الطرد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم]
9 -
الطرد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم: إن من شؤم البدعة على صاحبها أنه يطرد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أن الورود على الحوض إنما هو كرامة من الله لكل مسلم اتبع السنة ولقي الله عليها. والمبتدع لما خالف السنة بهواه وأحدث في الدين ما ليس منه كان من المحجوبين المطرودين عن الحوض، كما أن صاحب البدعة على إطلاقه ممن يخاف عليه ذلك.
فقد أخرج مسلم بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليردن على الحوض رجال ممن صاحبني. حتى إذا رأيتهم ورفعوا إليّ،
(1) هو أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله الأزدي الأشبيلي المالكي (510- 581هـ) . فقيه. لغوى. محدث.
من تصانيفه: الأحكام الشرعية الكبرى والوسطى والصغرى، الجمع بين الصحيحين، الوافي في اللغة. الزهد.
انظر: سير أعلام النبلاء، 21 / 198 - 202. معجم المؤلفين، 4 / 92.
(2)
الاصطلام- بمعنى - الاختطاف والانتزاع.
(3)
سورة الرعد، آية (11) .
(4)
العاقبة في ذكر الموت والآخرة. لأبي محمد عبد الحق الأشبيلي، تحقيق الشيخ خضر محمد خضر، ط 1، مكتبة دار الأقصى الكويت، 1406 هـ، ص 180- 181.
اختلجوا (1) دوني. فلأقولن: أي رب أصيحابي. أصيحابي. فليقالنّ لي إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك» (2) وأخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين. وإنا إن شاء الله، بكم لاحقون. وددت أنا قد رأينا إخواننا. قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال " أنتم أصحابي. وإخواننا الذين لم يأتوا بعد " فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال " أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة. بين ظهري خيل دهم بهم (3) ألا يعرف خيله؟ قالوا بلى يا رسول الله! قال " فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء. وأنا فرطهم (4) على الحوض. ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال. أناديهم ألا هلم! فيقال " إنهم قد بدلوا بعدك. فأقول: سحقا (5) سحقا» (6) .
قال النووي:
(هذا مما اختلف العلماء في المراد به على أقوال:
- أحدها: أن المراد به المنافقون والمرتدون، فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم للسيماء التي عليهم، فيقال: ليس هؤلاء ما وعدت بهم، إن هؤلاء بدلوا بعدك، أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم.
- والثاني: أن المراد من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد بعده فيناديهم
(1) اختلجوا: اقتطعوا وانتزعوا.
(2)
صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفات، 4 / 1800. .
(3)
دهم بهم: أي سود لم يخالط لونها لون آخر.
(4)
الفرط: هو الذي يتقدم القوم وبسبقهم ليرتاد لهم الماء ويهيئ لهم الدلاء والأرشية.
(5)
سحقا سحقا: أي بعدا بعدا. وهذا دعاء عليم بالطرد والإبعاد.
(6)
صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل، 1 / 218.
ورواه مالك بنحوه، كتاب الطهارة، باب جامع الوضوء، 1 / 28.