الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا الأثر لا يجوز الاستدلال به لعدم صحته (1) ثم إنه مخالف لما ثبت شرعا من استحباب صلاة الاستسقاء ودعاء الله تعالى والتضرع إليه حتى يغيث العباد بإنزال الغيث عليهم. كما جرت بذلك السنة وعمل بها جماهير الأئمة ولم ينقل عن أحد من سلف الأمة أنه التجأ إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه الدعاء للسقيا أو لغير ذلك، ولو كان هذا مشروعا لفعلوه ولنقل عنهم بوجه صحيح يعتمد عليه. فلما لم يحدث ذلك دل على عدم مشروعيته وعلى بطلان هذا الأثر، وأيضا فهذا الأثر ليس فيه التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لا بذاته ولا بجاهه ولا بالإقسام به على الله والتي وقع فيها النزاع.
وإنما فيه طلب الدعاء من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته، وهذه مسألة خارجة عن محل النزاع ولم يقل بجوازها أحد من علماء السلف بل هذا من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، ولأجل هذا توسع الصوفية في معنى التوسل فأدخلوا فيه كثيرا من ألوان الشرك كالاستغاثة والاستجارة وبث الشكوى وطلب الدعاء والشفاعة والمغفرة وكافة الحاجات وإنزال الرغبات وسموا كل هذا توسلًا فإذا ثبت لهم التوسل المبتدع أدخلوا فيه التوسل الشركي، وسموا الجميع توسلًا بالنبي صلى الله عليه وسلم وإظهارا لحبه.
وبعد بيان بطلان الشبه التي استدل بها المجيزون للتوسل غير المشروع نريد أن نعرف حكم هذا النوع من التوسل.
[أقسام التوسل غير المشروع من حيث الحكم عليه]
إن هذا التوسل ينقسم من حيث الحكم عليه إلى قسمين:
القسم الأول: توسل بدعي:
وذلك كالتوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، وبجاهه، أو الإقسام على الله به:
(1) لأن مداره على مالك الدار وهو مجهول الحال غير معروف العدالة والضبط وهما شرطان أساسيان لصحة السند.
انظر التوسل، ص130 - 134.
وذلك كأن يقول القائل مثلا: اللهم أتوسل إليك بنبيك، أو اللهم بجاه نبيك اغفر لي.
وأما القسم فمثل قول القائل: اللهم بنبيك أو بحق نبيك اشفني أو اقض حوائجي.
ووجه كونه بدعة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر به، ولم يدع الناس إليه، ولم يعده من القربات، كما جعله المتأخرون من الصوفية ومن تابعهم من أعظم القربات. كما أن الصحابة لم يتوسلوا إلى الله بهذا النوع من التوسل ولا التابعين ولا تابعيهم. . . بل الثابت عنهم هو عدولهم عنه إلى التوسل المشروع، فلما لم يرد له ذكر في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا عمل الصحابة والتابعون به. دل على عدم مشروعيته وابتداعه.
هذا من حيث الإجمال. أما من حيث التفصيل، فإن السؤال بالنبي صلى الله عليه وسلم والتوسل بذاته وجاهه غير جائز. لأنه وإن كان مبنيا على أن للأنبياء جاها ومكانة عند الله- وهذا صحيح- إلا أن الله لم يجعل ذلك الجاه سببا مناسبًا لإجابة دعاء من توسل به. وإنما جعل الله الإيمان بهم وحبهم واتباعهم سببا لإجابة الدعاء، بخلاف السؤال والتوسل بذواتهم وجاههم.
وأما القسم على الله بالرسول صلى الله عليه وسلم أو بحقه فهذا مما لا يجوز شرعا. لأنه قسم بالمخلوق على الخالق سبحانه وتعالى.
والقسم على المخلوق بمخلوق مثله لا يجوز. فكيف يجوز ذلك في حق الخالق سبحانه (1) .
وإذا تبين هذا فلا يجوز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاهه أو الإقسام على الله به لما يفضي القول بجوازه إلى الغلو الذي نهي الله ورسوله عنه، وسدًّا لذريعة الشرك المترتب عليه. ذلك أن عامة من جوزوه لم يقفوا عند التوسل به صلى الله عليه وسلم
(1) انظر القاعدة الجليلة، ص 109- 110.
بل تعدوا ذلك إلى الاستغاثة به وطلبوا منه ما لا يجوز طلبه إلا من الله إلى غير ذلك من الأمور التي تؤدي إلى الشرك. ويسمون كل هذا توسلا!! ومما ينبغي التنبيه إليه أننا حين نوضح بطلان هذا النوع من التوسل لا يعني أننا ننفي الجاه والمكانة السامية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. كلا. إن جاهه عليه الصلاة والسلام أعظم من جاه الأنبياء والمرسلين، وحديث الشفاعة يبين هذا ويوضحه (1) .
القسم الثاني: التوسل الشركي: وذلك كطلب الحاجات منه صلى الله عليه وسلم ودعائه لكشف الضر أو رفع الشدة وبث الشكوى إليه، إلى غير ذلك من ألوان الشرك الذي حرمه الله ورسوله. وكون هذا النوع شركا أمر واضح، فإنه لو طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته ما لا يقدر عليه إلا الله لكان هذا شركا، فكيف وهم يطلبون منه ذلك بعد موته، وينشدون في ذلك الأشعار ويسوقون الحكايات والأخبار، وينعتون كل موحد بالجفاء للنبي صلى الله عليه وسلم وآله الأخيار.
وتسمية هذا النوع بالتوسل هو من باب الإيهام والخداع فإنه لا يسمى إلا شركا أكبر.
يقول البرعي (2) مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم:
يا صاحب القبر المنير بيثرب
…
يا منتهى أملي وغاية مطلبي
يا من به النائبات توسلي
…
وإليه من كل الحوادث مهربي
يا من نرجّيه لكشف عظيمة
…
ولحل عقد ملتو متعصب
(1) انظر حديث الشفاعة في:
صحيح البخاري. كتاب التوحيد. باب قول الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) ، 9 / 160- 161. ومسلم. كتاب الأيمان. باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، 1 / 180 - 181.
(2)
هو عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحيم البرعي (. . . - 830 هـ) ، شاعر متصوف. انظر ترجمته في الأعلام 3 / 343.