المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ثالثا البدع المتعلقة بزيارة قبره صلى الله عليه وسلم] - محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

[عبد الرءوف محمد عثمان]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة]

- ‌[المبحث الأول تعريف النبوة والرسالة لغة وشرعا]

- ‌[المبحث الثاني بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المبحث الثالث النبوة اصطفاء إلهي]

- ‌[الباب الأول المحبة والاتباع]

- ‌[الفصل الأول محبة الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المبحث الأول مفهوم المحبة]

- ‌[المبحث الثاني وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المبحث الثالث دواعي محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وأسباب زيادتها]

- ‌[المبحث الرابع مظاهر محبة الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل الثاني الاتباع]

- ‌[المبحث الأول مفهوم الاتباع]

- ‌[المبحث الثاني وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه]

- ‌[المبحث الثالث مظاهر الاتباع]

- ‌[الباب الثاني الغلو والابتداع]

- ‌[الفصل الأول الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المبحث الأول مفهوم الغلو]

- ‌[أنواع الغلو]

- ‌[أسباب الغلو]

- ‌[المبحث الثاني الغلو في الرسل عند اليهود والنصارى]

- ‌[المبحث الثالث الغلو في ذات الرسول صلى الله عليه وسلم عند الشيعة]

- ‌[المبحث الرابع الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم عند الصوفية]

- ‌[المطلب الأول الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم لدى الحلاج]

- ‌[المطلب الثاني الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم عند ابن عربي]

- ‌[المبحث الخامس آثار الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم على الاعتقاد والأعمال]

- ‌[المبحث السادس حكم الإسلام في الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفصل الثاني الابتداع]

- ‌[المبحث الأول تعريف البدعة وبيان حكمها]

- ‌[المبحث الثاني البدع التي ظهرت بدعوى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[أولا ادعاء الصوفية أنهم يرون الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة]

- ‌[ثانيا التوسل غير المشروع بالنبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[التوسل المشروع]

- ‌[التوسل غير المشروع]

- ‌[أقسام التوسل غير المشروع من حيث الحكم عليه]

- ‌[ثالثا البدع المتعلقة بزيارة قبره صلى الله عليه وسلم]

- ‌[رابعا بدعة المولد]

- ‌[خامسا الصلوات المبتدعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المبحث الثالث آثار الابتداع]

- ‌[آثار البدع على المبتدع]

- ‌[عدم قبول عمل المبتدع]

- ‌[خذلان المبتدع]

- ‌[البعد عن الله]

- ‌[أن المبتدع يلقى عليه الذل في الدنيا والغضب من الله في الآخرة]

- ‌[تبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم من المبتدعة]

- ‌[أن من ابتدع بدعة كان عليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة]

- ‌[عدم توفيق المبتدع للتوبة]

- ‌[الخوف على المبتدع من سوء الخاتمة]

- ‌[الطرد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[آثار البدع على الدين]

- ‌[إماتة السنن]

- ‌[هجران الدين]

- ‌[آثارها على المجتمع]

- ‌[التفرق والاختلاف]

- ‌[الفتن والمحن]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[قائمة المراجع]

الفصل: ‌[ثالثا البدع المتعلقة بزيارة قبره صلى الله عليه وسلم]

يا من يجود على الوجود بأنعم

خضر تعم عموم صوب الصيّب

يا غوث من في الخافقين وغيثهم

وربيعهم في كل عام مجدب

يا من نناديه فيسمعنا على

بعد المسافة سمع أقرب أقرب (1)

ويقول أيضًا:

مولاي مولاي فرج كل معضلة

عني فقد أثقلت ظهري الخطيئات

وعد عليّ بما عودتني كرما

فكم جرت لي بخير منك عادات

وامنع حماي وهب لي منك مكرمة

يا من مواهبه خير وخيرات

واعطف عليّ وخذ يا سيدي بيدي

إذا دهتني الملمات المهمات

فقد وقفت بباب الجود معتذرا

والعفو متسع والعذر أبيات

وقل غدا أنت من أهل اليمين إذا

ما زخرفت لدخول الخلد جنات

وإن مدحتك بالتقصير معترفا

فمدحك الوحي والسبع القراءات (2)

[ثالثا البدع المتعلقة بزيارة قبره صلى الله عليه وسلم]

ثالثا- البدع المتعلقة بزيارة قبره صلى الله عليه وسلم: المشروع في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم هو أن يأتي المسلم إلى المسجد النبوي فيقول دعاء دخول المسجد، ثم يقصد الروضة الشريفة فيصلي بها ركعتين تحية المسجد إن تحن في الروضة وإلا ففي أي موضع من المسجد ثم يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما قائلا: السلام عليك يا رسول الله. السلام عليك يا أبا بكر. السلام عليك يا عمر. كما كان يفعل ذلك ابن عمر رضي الله عنهما إذا قدم من سفر (3)

(1) شرح ديوان البرعي في المدائح الربانية والنبوية والصوفية للشاعر الشيخ عبد الرحيم البرعي، ط 1، مكتبة المعارف، محمد سعيد كمال، الطائف، 1404، ص88.

(2)

المصدر نفسه، ص192.

(3)

أخرج ذلك الأثر. البيهقي في السنن الكبرى. كتاب الحج. باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ط1، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن الهند، 1352هـ.

وأخرجه مالك بنحو من هذا في الموطأ. رواية محمد بن الحسن الشيباني تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف. طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ص334.

ص: 274

والزيارة بهذه الكيفية مستحبة لمن قدم إلى المدينة قاصدا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لمن كان يريد السفر من أهل المدينة وهذا الاستحباب مأخوذ من الأحاديث العامة الواردة في فضل زيارة القبور ولم يثبت بخصوص زيارة قبره صلى الله عليه وسلم حديث يحتج به عند أهل العلم (1) ولكن الناس ابتدعوا في باب زيارته صلى الله عليه وسلم بدعا كثيرة خرجت بالزيارة عن أصلها المشروع. فمن هذه البدع:

1 -

اعتقاد أن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم واجبة: سرى في أذهان كثير من الناس أن زيارة القبر النبوي واجبة، ويعتقد كثير منهم أنها مكملة لمناسك الحج، لا يتم الحج بدونها، والذي دفعهم إلى ذلك أمور منها:

- الجهل بأحكام الذين ومراتب العبادات حتى اختلط على كثير من الناس الواجب بالمندوب، والحرام بالمكروه، فاختل فهمهم للشرع بسبب الابتعاد عن علمه وفقهه.

- الاستدلال بعدة أحاديث ضعيفة وموضوعة في فضل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها بعض الفقهاء والمؤلفين في المناسك واشتهر ذكرها بين الناس دون تمييز بين الصحيح والضعيف، فكان لهذه الأحاديث أثرها في اعتقاد كثير من الناس وجوب الزيارة فمن هذه الأحاديث:

(أ)«من زار قبري وجبت له شفاعتي» (2) هذا حديث منكر لا يصح الاحتجاج به.

(1) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، 27 / 383.

(2)

رواه الدارقطني من طريق موسى بن هلال العبدي عن عبد الله أو عبيد الله العمري، وهذا الحديث ضعيف لضعف موسى بن هلال وجهالته واضطرابه. فمرة يرويه عن عبيد الله ومرة عن عبد الله، وسواء هذا أو ذاك فهو منكر الحديث لا يحتج به.

انظر: سنن الدارقطني، 2 / 278، والصارم المنكي، ص18 - 23.

ص: 275

(ب)«من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي» (1) وهذا حديث منكر المتن ساقط الإسناد. ومما يدل على ضعفه ونكارته أن من زار قبره صلى الله عليه وسلم بعد موته ليس كمن زاره في حياته فإن من زاره في حياته وكان مؤمنا كان من أصحابه المشهود لهم بالدرجة العالية في هذه الأمة، وأما من بعدهم فلن يبلغ رتبتهم ولو شاركهم في فعل الواجبات، فكيف يستوي معهم بفعل ما ليس واجبا كزيارة القبر النبوي مثلا (2)(ج)«من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني» ، وهذا حديث موضوع (3) ومما يدل على وضعه أن جفاء النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر إن لم يكن كفرا، وهذا الحديث يدل على أن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم واجبة، مع أن الزيارة المشروعة لا تتجاوز عند العلماء حدود المستحبات. فكيف يكون تاركها مجافيا للنبي صلى الله عليه وسلم ومعرضا عنه (4) .

فاعتقاد وجوب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم اعتقاد باطل ليس له ما يؤيده من السنة الصحيحة، ولا من أقوال أهل العلم الذين يقتدى بهم. فمن اعتقد أن الزيارة واجبة،

(1) أخرجه الدارقطني والبيهقي وغيرهما من طريق حفص بن سليمان عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا. وهذا الحديث ضعيف لتفرد حفص بن سليمان به. وهو متروك الحديث وشيخه ليث بن أبي سليم ضعيف لاختلاطه. انظر سنن الدارقطني، 2 / 278، والسنن الكبرى للبيهقي، 5 / 246.

وانظر في بيان ضعف الحديث الصارم المنكي، ص 55 وما بعدها، والسلسلة الضعيفة للألباني، 1 / 62 - 63.

(2)

انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، ص 57.

(3)

أخرجه ابن عدي في الكامل من طريق علي بن إسحاق عن محمد بن محمد بن النعمان عن جده النعمان بن شبل عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وهذا الحديث آفته النعمان بن شبل البصري لأنه متهم بالوضع.

لأجل هذا حكم الذهبي على هذا الحديث بالوضع وكذا الزركشي وابن الجوزي كما في الفوائد المجموعة للشوكاني.

انظر: الكامل في أسماء الرجال لابن عدي، 7 / 2480.

وانظر في بيان ضعف الحديث لسان الميزان، 6 / 167، والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني، ص 118، والصارم المنكي، ص 78، وما بعدها.

(4)

انظر: السلسلة الضعيفة، 1 / 61.

ص: 276

أو متممة للحج، أو أنها المقصود الأكبر من الحج فاعتقاده باطل. على أنه لا يعني القول بعدم وجوب الزيارة أنها ليست مستحبة كلا بل هي مستحبة لمن قدم المدينة من سفر أو خرج منها قاصدا سفرا. كما دل على ذلك فعل ابن عمر رضي الله عنهما.

2 -

الدخول إلى المسجد النبوي كهيئة المستأذن من الرسول صلى الله عليه وسلم للدخول عليه: جاء في كتاب أبي الحسن الشاذلي (1) أنه (لما قدم المدينة زادها الله تشريفا وتعظيما وقف على باب الحرم من أول النهار إلى نصفه عريان الرأس حافي القدمين، يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما. فسئل عن ذلك فقال حتى يؤذن لي، فإن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53] (2) فسمع النداء من داخل الروضة الشريفة على ساكنه أفضل الصلاة والسلام يا علي ادخل) (3) . وهذه بدعة منكرة لم يقل بها أحد من أهل العلم سلفا وخلفا، وقياس الدخول عليه صلى الله عليه وسلم بعد موته بدخول بيته في حياته قياس باطل، فإن الداخل إنما يدخل المسجد أصلا سواء في حياته أو بعد موته، ودخول المسجد لا يحتاج إلى استئذان. ولو كان مشروعا لفعله الصحابة رضي الله عنهم.

3 -

التزام كيفية معينة في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم من حيث الوقوف والسلام والدعاء: فبعض الناس يقف أمام القبر الشريف كهيئة المصلي واضعا يده اليمنى على اليسرى وهذا أمر تعبدي لا يجوز فعله إلا في الصلاة.

(1) هو أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي المغربي، رأس الطريقة الشاذلية وإليه تنتسب.

انظر: ترجمته في معجم المؤلفين، 7 / 137.

(2)

سورة الأحزاب، (53) .

(3)

أبو الحسن الشاذلي - الصوفي المجاهد والعارف بالله، بقلم عبد الحليم محمود، ص 79- 80، ط دار الكتاب العربي مصر، 1967 م.

ص: 277

وأما السلام فكثير من الناس يتجاوز السلام إلى الدعاء مستقبلا القبر وهذا أمر غير جائز شرعا، فإذا أراد الإنسان الدعاء فليستقبل القبلة. وقد اعتاد (المزوّرون) أن يلقنوا الناس صيغا من السلام والدعاء يرددونها بصوت مرتفع. وفي هذا من الإيذاء والجفاء ما لا يجوز أن يحدث في أي مسجد فضلا عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما الدعاء فكثير من الناس تجاوز حد الشرع في الدعاء فيطلبون من الرسول صلى الله عليه وسلم ما لا يطلب إلا من الله وفي هذا من الشرك ما فيه وذلك كقولهم: (يا رسول الله نحن وفدك جئناك من بلاد بعيدة، قاصدين قضاء حقك، والنظر إلى مآثرك، وأن نستشفع بك إلى ربنا، فإن الخطايا قد قصمت ظهورنا، والأوزار قد أثقلت كواهلنا، أنت الشافع المشفع، الموعود بالشفاعة والمقام المحمود، وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64] (1) وقد جئناك مستغفرين لذنوبنا فاشفع لنا إلى ربك، واسأله أن يميتنا على سنتك، وأن يحشرنا في زمرتك، وأن يوردنا حوضك، وأن يسقينا بكأسك غير خزايا ولا نادمين، الشفاعة، الشفاعة يا رسول الله) (2) .

وهذا من البدع المفضية إلى الشرك لأن طلب الشفاعة، والموت على السنة، وغير ذلك من الحوائج، لا يجوز طلبها إلا من الله وحده، فلا يجوز سؤالها وطلبها من النبي صلى الله عليه وسلم، بعد موته. وأما طلب الدعاء فإنما يكون في حياته لا بعد مماته.

4 -

التمسح بالحجرة وتقبيل شباكها واستلامه والطواف بها: وهذه أمور من العبادة لا تجوز إلا في الكعبة. ففعلها في المسجد النبوي محرم شرعا.

(1) سورة النساء، آية (64) .

(2)

الحج والعمرة في الفقه الإسلامي، د. نور الدين عتر، ط2، مؤسسة الرسالة، بيروت، ص260.

ص: 278

5 -

اعتقاد الزائر أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم خواطره ونياته: قال ابن الحاج (1)(وقد قال علماؤنا رحمة الله عليهم أن الزائر يشعر نفسه بأنه واقف بين يديه عليه الصلاة والسلام كما هو في حياته. إذ لا فرق بين موته وحياته، أعني في مشاهدته لأمته ومعرفته بأحوالهم ونياتهم وعزائمهم وخواطرهم. وهذا عنده جلي لا خفاء فيه)(2) . وقال: (وقد لا يحتاج الزائر في طلب حوائجه ومغفرة ذنوبه أن يذكرها بلسانه بل يحضر ذلك في قلبه وهو حاضر بين يديه صلى الله عليه وسلم، لأنه عليه الصلاة والسلام أعلم منه بحوائجه ومصالحه وأرحم به منه لنفسه، وأشفق عليه من أقاربه)(3) .

وهذا الأمر لا يجوز أن يوصف به الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته فكيف يوصف به بعد مماته، لأن علم الغيب ومكنونات الصدور خاص بالله عز وجل لا يطلع عليه أحد غيره ولا يليق وصف أحد به سوى الله عز وجل، قال تعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65](4) وقال تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 188](5) .

فمن اعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، وما تكّنه الصدور في حياته أو بعد مماته فقد أشرك. إلا أن يطلع الله نبيه على بعض أمور الغيب فذلك من خصوصيات النبوة. لا أنه يعلم الغيب مطلقا.

(1) هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن الحاج العبدري المالكي الفاسي (. . . - 737هـ) . فقيه مالكي، من تصانيفه:

مدخل الشرع الشريف، شموس الأنوار وكنوز الأسرار.

انظر: الدرر الكامنة لابن حجر، 4 / 355 - 356.

(2)

المدخل، 1 / 258 - 259.

(3)

المصدر نفسه، 1 / 264.

(4)

سورة النمل، آية (65) .

(5)

سورة الأعراف، آية (188) .

ص: 279

6 -

اتخاذ قبره صلى الله عليه وسلم عيدا: ومعنى اتخاذه عيدا، أن يعتاد التردد عليه والازدحام عنده كما يحصل في أمكنة الأعياد وأزمنتها. أو أن يجعل لها وقت معين سواء كان كل أسبوع أو شهر أو سنة. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: فيما أخرجه أحمد وأبو داود واللفظ له بسنديهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبرى عيدا، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» (1) ولأجل هذا كره الإمام مالك رحمه الله التردد على القبر فقال فيما نقله عنه القاضي عياض:

(. . . . وليس يلزم من دخل المسجد أو خرج منه من أهل المدينة الوقوف بالقبر وإنما ذلك للغرباء. . . ولا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إلى سفر أن يقدم على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه ويدعو لأبي بكر وعمر. فقيل له: إن ناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر فيسلمون ويدعون ساعة. فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل العلم ببلدنا وتركه واسع. ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك)(2) .

7 -

التزام الزائر الإقامة بالمدينة ثمانية أيام والصلاة في المسجد النبوي أربعين صلاة حتى تكتب له البراءة من النار: وذلك استنادا إلى الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد بسنده عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى في مسجدي هذا أربعين صلاة كتبت له براءة من

(1) سبق تخريجه، ص83.

(2)

الشفا، 2 / 88.

ص: 280

النار، ونجاة من العذاب، وبرئ من النفاق» (1) وهذا الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج به.

ووجه البدعة في هذا أنه تخصيص لعدد من الأيام أو الصلوات بثواب معين ومثل هذا لا يثبت إلا بدليل صحيح وهذا الدليل ضعيف. فيكون هذا التخصيص من قبيل البدعة. أما مجرد الصلاة في المسجد النبوي- بدون تحديد وقت معين- فهو أمر مرغب فيه شرعا، لما أخرجه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» (2) .

8 -

ومنها ما قاله صاحب وفاء الوفا: (أن يقدم " أي الزائر " صدقة بين يدي نجواه للرسول صلى الله عليه وسلم (3) أخذا من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12](4) وهذه الآية منسوخة عند جماهير العلماء بالآية التي تليها (5) وهي قوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [المجادلة: 13](6) ثم إن قياس زيارة قبره صلى الله عليه وسلم بنجواه في حياته قياس باطل لأن المقصود من الزيارة هو السلام عليه صلى الله عليه وسلم وليس هذا من قبيل النجوى لأنه يسمعه كل أحد، ثم إن النجوى إن كانت مشروعة فللرسول في حياته فكيف وهي منسوخة؟

(1) المسند، 3 / 155، وهذا الحديث ضعيف لأن في سنده مجهولا، وهو نبيط بن عمرو الذي روى هذا الحديث عن أنس، ولم يعرف عند المحدثين إلا بهذا الحديث.

انظر: السلسلة الضعيفة، 1 / 366.

(2)

صحيح البخاري. كتاب المساجد، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، 2 / 76.

(3)

وفاء الوفا، 4 / 1393.

(4)

سورة المجادلة، آية (12) .

(5)

انظر تفسير الطبري، 28 / 20 - 22، وتفسير القرطبي، 17 / 301 - 303.

(6)

سورة المجادلة، آية (13) .

ص: 281

9 -

ومنها ما قاله أيضا: (إدامة النظر إلى الحجرة الشريفة فإنه عبادة قياسا على الكعبة المعظمة)(1) وهذا باطل لأنه لم يثبت بدليل صحيح أن النظر إلى الكعبة عبادة. ولو سلم هذا فالعبادات لا تثبت بالقياس وإنما بالنص والتوقيف. ثم إن قياس الحجرة الشريفة بالكعبة قياس باطل. لأن البيت الحرام يختص بأنواع من العبادات لا يجوز فعلها في غيره.

10 -

الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وبث الشكوى إليه: ولهم في ذلك حكايات وأشعار يطول ذكرها، وقد أورد صاحب وفاء الوفا عدة حكايات فيمن استغاث به صلى الله عليه وسلم (2) منها أن رجلا من أهل غرناطة نزلت به علة عجز الأطباء عنها وأيسوا من برئه، فكتب عنه أحد الشعراء كتابا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فيه الشفاء لدائه والبرء مما نزل به وضمنه شعرا قال فيه:

كتاب وقيذ من زمانه مستشف

بقبر رسول الله أحمد يستشفي

له قدم قد قيد الدهر خطوها

فلم يستطع إلا الإشارة بالكف

ولما رأى الزوار يبتدرونه

وقد عاقه عن ظعنه عائق الضعف

بكى أسفا واستودع الركب إذ غدا

تحية صدق تفعم الركب بالعرف

فيا خاتم الرسل الشفيع لربه

دعاء مهيض خاشع القلب والطرف

عتيقك عبد الله ناداك ضارعا

وقد أخلص النجوى وأيقن بالعطف

رجاك لضر أعجز الناس كشفه

ليصدر داعيه بما جاء من كشف

لرجل رمى فيها الزمان فقصرت

خطاه عن الصف المقدم في الزحف

وإني لأرجو أن تعود سوية

بقدرة من يحيي العظام ومن يشفي

(1) وفاء الوفا، 4 / 1410.

(2)

المصدر نفسه، 4 / 1379 - 1387.

ص: 282