الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو النضر هاشم بن القاسم: إني لأعرف اليوم الذي اختلط فيه المسعودي: كنا عنده وهو يعزى في ابن له إذ جاءه إنسان، فقال له: إن غلامك أخذ عشرة آلاف من ملكك وهرب، ففزع وقام يدخل إلى منزله، ثم خرج إلينا وقد اختلط، رأينا فيه الاختلاط.
قال محمد بن عمران بن زياد: قال أبو نعيم - وسألته عن حديث عن المسعودي - فقال: لو رأيت رجلاً عليه قباء أسود وشاشية، وفي وسطه خنجر، كيف تكتب عنه؟ ثم قال: رأيت المسعودي هكذا، ومكتوب بين كتفيه ببياض:" فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " وقيل: إن ابنه وقع في بئر قد كنس فيها، فخرج فمات، فاختلط حين رآه.
توفي المسعودي سنة ستين ومئة.
عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان
ابن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك أبو محمد - ويقال: أبو عبد الله - ويقال: أبو عثمان - ابن أبي بكر الصديق له صحبة بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الشام قبل الفتح، ورأى ابنة الجودي ببصرى، ثم دخل الشام بعد الفتح.
حدث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أن أصحاب الصفة كانوا أناساً فقراء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، وسادس، أو كما قال. وأن أبا بكر جاء بثلاثة نفر، وانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم بعشرة، وكنت أنا وأبي وأمي.
ولا أدري لعله قال: امرأتي، وخادمي - بين بيتنا وبيت أبي بكر، وإن أبا بكر تعشى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى صلى العشاء ثم رجع، فلبث حتى نعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله، قالت امرأته: ما حبسك؟ قد حبست عن أضيافك - أو قالت: ضيفك - قال: أو ما عشيتموهم؟ قالت: لا، أبوا إلا انتظارك حتى تجيء، قال: فعرضوا عليهم، فغلبوهم، قال: فذهبت فاختبأت، فقال لي أبو بكر: يا غنثر، فجئت، قال: فجدع وسب وقال: كلوا هنيئاً، لا أطعمه أبداً، قال: فأكلنا، قال: فوالله ما كنا نأخذ لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها قال: فشبعوا، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، ونظر إليها أبو بكر، فإذا هي كما هي أو أكثر، فقال لامرأته: يا أخت بني فراس، ما هذا؟ قالت: لا، وقرة عيني، ألا وهي الآن أكثر منها ثلاث مرات، فأكل منها أبو بكر، ثم قال: إنما كان ذلك من الشيطان - يعني: يمينه - فأكل منها لقمة ثم حملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت - يعني: عنده - قال: وكان بينه وبين قوم عقد، فمضى الأجل، فعرضنا، فإذا هم اثنا عشر رجلاً، مع كل واحد منهم أناس، الله أعلم بهم كثرة إلا أنها بقيت معهم بقية من ذلك الطعام، فأكلوا منها أجمعون، أو كما قال.
وعن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أردف عائشة فأعمرها من التنعيم.
قال الزبير: عبد الرحمن بن أبي بكر كان اسمه عبد العزى، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن.
وقال مصعب: عبد الرحمن أسن ولد أبي بكر.
وكان يختلف إلى الشام في تجارة قريش في الجاهلية. فرأى هناك امرأة يقال لها: ابنة الجودي من غسان، وكان يهذي بها، ويذكرها في شعره.
وأم عبد الرحمن وعائشة أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة. وقيل: أمهما أم رومان بنت عمير بن عبد مناف بن دهمان بن غنم بن مالك بن كنانة، وقيل: أم رومان بنت الحارث بن الحويرث من بني فراس بن غنم بن كنانة بن خزيمة، وفيها خلاف آخر.
ولم يزل عبد الرحمن بن أبي بكر على دين قومه، وشهد بدراً مع المشركين، ودعي إلى المبارزة، فقام إليه أبو بكر الصديق ليبارزه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: متعنا بنفسك. ثم اسلم عبد الرحمن في هدنة الحديبية، وهاجر إلى المدينة، وأطعمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبير أربعين وسقاً، وشهد الجمل مع عائشة، وقدم على عبد الله بن عامر البصرة، وتوفي قبل عائشة بيسير. وكانت وفاة عائشة في رمضان سنة ثمان وخمسين، وكانت وفاة عبد الرحمن بالحبشي من مكة على بريد في سنة ثلاث وخمسين، في خلافة معاوية بن أبي سفيان، بعد سعد بن أبي وقاص.
وقدم مصر سنة ثمان وثلاثين. وكان سبب قدومه أن عائشة لما بلغها أن معاوية قد عقد لعمرو بن العاص، وأمره بالمسير إلى مصر لقتال محمد بن أبي بكر، وكان محمد أمير مصر لعلي أرسلت عبد الرحمن ليتكلم في أمر محمد. فما أغنى عنه شيئاً. وقيل: إن عمرو بن العاص قال لعبد الرحمن: ما جعل إلي معاوية من الأمرشيئاً، وما أنا إلا بواء، وما الأمر إلا لهذا الكندي، يريد: معاوية بن حديج.
توفي عبد الرحمن بمكة في نومة نامها، فأعتقت عائشة رضي الله عنها عنه، وقابلت في أمره معاوية سنة ثلاث وخمسين، وقيل: أربع وخمسين، وقيل: خمس، وقيل: ست، وقيل: سنة ثمان وخمسين.
وقال علي بن زيد جدعان: إن عبد الرحمن بن أبي بكر خرج في فتية من قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح.
وقال مصعب بن عبد الله: وقف محكم اليمامة يوم الحديقة على ثلمة فحماها، فلم يجترئ عليه أحد فرماه عبد الرحمن بن أبي بكر فقتله، فدخل المسلمون من تلك الثلمة. قال: وكان أحد الرماة.
قال يحيى بن يحيى الغساني: كان عبد الرحمن بن أبي بكر يشبب بجارية في الجاهلية، فقدم على يعلى بن منية وهو على اليمن، فوجدها في السبي، فسأله أن يدفعها إليه، فابى، وكتب يعلى إلى أبي بكر يذكر له أمر عبد الرحمن، فكتب أن ادفعها إليه.
وعن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قدم الشام في تجارة، فرأى هنالك امرأة يقال لها ابنة الجودي على طنفسة، حولها ولائد، فأعجبته واسمها ليلى، وذكر من جمالها، فقال عبد الرحمن فيها: الطويل
تذكرت ليلى والسماوة دونها
…
فما لابنة الجودي ليلى وماليا
وأنى تعاطي قلبه حارثية
…
تدمن بصرى أو تحل الجوابيا
وأنى تلاقيها بلى ولعلها
…
إن الناس حجوا قابلاً أن توافيا
فلما بعث عمر بن الخطاب جيشه إلى الشام قال لصاحب الجيش: إن ظفرت بليلى بنت الجودي عنوة فادفعها إلى عبد الرحمن بن أبي بكر، فظفر بها، فدفعها إلى عبد الرحمن، فأعجب بها، وآثرها على نسائه حتى شكونه إلى عائشة، فعاتبته على ذلك فقال: والله كاني أرشف بأنيابها حب الرمان، فأصابها وجع سقط له فوها، فجفاها حتى شكته إلى عائشة، فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن، لقد أحببت ليلى فأفرطت، وأبغضتها فأفرطت، فإما أن تنصفها، وإما أن تجهزها إلى أهلها، فجهزها إلى أهلها.
وعنه أن عمر بن الخطاب نفل عبد الرحمن بن أبي بكر ليلى بنت الجودي حين فتح دمشق، وكانت ابنة ملك دمشق.
كتب معاوية إلى مروان أن يبايع ليزيد بن معاوية، فقال عبد الرحمن: جئتم بها هرقلية وفوقية، يبايعون لأبنائكم، فقال مروان: أيها الناس، إن هذا الذي يقول الله تعالى:" والذي قال لوالديه أف لكما " إلى آخر الآية، فغضبت عائشة وقالت: والله، ما هو به، ولو شئت أن أسميه لسميته.
قال عبد الله بن نافع بن ثابت: قام مروان على المنبر، فدعا إلى بيعة يزيد، فكلمه الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير بكلام، موضعه غير هذا، وقال له عبد الرحمن بن أبي بكر: أهرقلية؟! إذا مات كسرى كان كسرى مكانه، لا نفعل والله أبداً.
جاء كتاب من معاوية إلى مروان وهو على المدينة في سيد المسلمين وشيخ أمير المؤمنين يزيد بن أمير المؤمنين، وإنا قد بايعنا له، قال: فمسح مروان إحدى يديه على الأخرى، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق: يا مروان، إنما هي هرقلية! كلما مات هرقل كان هرقل مكانه! ما لأبي بكر لم يستخلفني؟ وما لعمر لم يستخلف عبد الله؟ فقال له مروان: أنت الذي أنزل الله فيه " والذي قال لوالديه أف لكما " إلى
آخر الآية، فقام عبد الرحمن حتى دخل على عائشة رضي الله عنها، فأخبرها، فضربت بسترٍ على الباب، فقالت: يا بن الزرقاء أعلينا تتأول القرآن؟! لولا أني أرى الناس كأنهم أيدٍ يرتعشون، لقلت قولاً تخرج من أقطارها، فقال مروان: ما يومنا منك بواحد.
وعن عبد العزيز الزهري قال: بعث معاوية إلى عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بمئة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد بن معاوية، فردها عبد الرحمن، وأبى أن ياخذها، وقال: أبيع ديني بدنياي؟! وخرج إلى مكة فمات بها.
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي، تعني: كفن في حلة، ثم بدا لهم فنزعوها، وكفن في ثلاثة أثواب سحولية، ثم إن عبد الرحمن بن أبي بكر أخذ تلك الحلة، فقال: تكون في كفني، ثم بدا له، فقال: شيء لم يرضه الله لرسوله لا خير فيه فأماطه.
قال: كذا روي. والمحفوظ أن الذي حبس الحلة عبد الله بن أبي بكر.
وعن ابن مليكة أن عبد الرحمن بن أبي بكر هلك وقد حلف أن لا يكلم إنساناً. فلما مات قالت عائشة: يميني في يمين ابن أم رومان.
وعن القاسم بن محمد أن معاوية انصرف حين قدم المدينة من مكة، فلم يلبث ابن أبي بكر إلا يسيراً حتى توفي، بعدما خرج معاوية من المدينة.
وعنه قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر في مقيل قاله، على غير وصية، فأعتقت عنه عائشة رقيقاً من تلاده، ترجو أن ينفعه الله بذلك بعد موته.
وعن ابن أبي مليكة أن عبد الرحمن بن أبي بكر توفي بالحبشي على رأس أميال من مكة، فنقله ابن صفوان إلى مكة، فبلغ ذلك عائشة رضي الله عنها فقالت: ما آسى من أمره إلا على خصلتين: إنه لم يعالج ولم يدفن حيث مات. قال نافع: وكان مات فجأة.
وعن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أن امرأة دخلت بيت عائشة، فصلت عند بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهي صحيحة، فسجدت فلم ترفع رأسها حتى ماتت، فقالت عائشة: الحمد الله الذي يحيي ويميت، إن في هذه لعبرة لي في عبد الرحمن بن أبي بكر، رقد في مقيل له قاله، فذهبوا يوقظونه فوجدوه قد مات، فدخل نفس عائشة تهمة أن يكون صنع به شر، أو عجل عليه فدفن وهو حي، فرات أنه عبرة لها، وذهب ما كان في نفسها من ذلك. ولما مات أخو عائشة فجأة شق عليها وقالت: لو كان أصيب في بعض جسده لكان أحب إلي، ثم قالت: أما إنها أخذه أسف، وتخفيف عن المؤمن.
وعن ابن أبي مليكة قال: مات عبد الرحمن بن أبي بكر بالصفاح أو قريباً منها، فحملناه على عواتق الرجال حتى دفناه بمكة، فقدمت عائشة بعد وفاته، فقالت: أين قبر أخي؟ فأتته فصلت عليه.
وعنه قال: لما قدمت عائشة أتت قبر أخيها فبكت عليه وقالت: أما والله لو حضرتك حيث مت لدفنتك مكانك، ولو حضرت ما بكيت وقالت: