الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين، وجيراني في الديار، وأعواني على العدو، أفلا تستحيون مما تصنعون؟: تجمعون مالا تاكلون، وتبنون مالا تسكنون، وتأملون ما لا تدركون كالذين من قبلكم بنوا شديداً، وجمعوا كثيراً، وأملوا بعيداً، فأصبحت بيوتهم قبوراً، وجمعهم بوراً، واصبح أملهم غروراً.
عبد الله أبو يحيى المعروف بالبطال
كان ينزل أنطاكية. لما أراد عبد الملك بن مروان بن الحكم أن يوجه ملسمة ابنه إلى بلاد الروم قال: قد أمرت عليكم مسلمة بن عبد الملك. قال: وولى على رؤساء أهل الجزيرة والشام البطال، وأقبل على مسلمة فقال: صير على طلائعك البطال، وأمره فليعس باللسيل العسكر، فإنه أمين، ثقة، مقدام، شجاع.
قالوا: وعقد مسلمة للبطال على عشرة آلاف من المسلمين، فجعلهم سيارة فيما بين عسكر المسلمين، وما يليهم من حصون الروم، ومن يتخوفون اعتراضه في نشر المسلمين وعلاقاتهم، ويخرج المسلمون يتعلقون فيما بينهم وبين العسكر، فيصيبون ويخطئون، فيأمن بهم العسكر وتلك العلاقات.
قال البطال: سألني بعض ولاة بني أمية عن أعجب ما كان من أمري مع الروم فقلت: خرجت في سرية ليلاً، ودفعنا إلى قرية، وقلت لأصحابي: أرخوا لجم خيولكم، ولا تحركوا أحداً بقتل ولا سبي حتى تشحنوا القرية فإنهم في نومة. قال: ففعلوا، وافترقوا في أزقتها، وذفعت في ناسٍ من أصحابي إلى بيت يزهر سراجه، وامرأة تسكت ابنها من بكائه، وهي تقول: لتسكتن أو لأدفعنك إلى البطال يذهب بك. فانتشلته من سريره فقال: أمسك يا بطال، فأخذته.
حدث أبو مروان قال: سمعت البطال يحدث قال: خرجت ذات يوم متوحداً على فرسي لأصيب غفلة - أو منفرداً متسمطاً مخلاة فيها عليق فرسي، ومنديل فيه خبز وشواء. فبينا أنا أسير إذ مررت ببستان فيه بقل طيب، فنزلت، فعلقت على فرسي، وأصبت من ذلك الشواء ببقل البستان إذ أسهلني بطني، فاختلفت ماراً، فأشفقت من دوائه وضعفي عما يجيء علي من الركوب، فبادرت فركبت، ولزمت طريقاً، واستفرغني على سرجي كراهية أن أنزل فأضعف عن الركوب حتى لزمت عنقه مخافة أن أسقط عنه، وذهب بي، ولا أدري أين يذهب بي إذ سمعت وقع حوافره على بلاط، ففتحت عيني فإذا دير، فوقف في وسط الدير، وإذا نسوة يتطلعن من أبواب الدير. فلما رأين أنه لا تبع لي، ورأين حالي وضعفي عن النزول خرجت صاحبة منهن حتى وقفت علي، ونظرت في وجهي، وعرفت من حالي، ورطنت لهن تحتسب علي، فأمرتهن فنزعن ثيابي وغسلن ما بي، ودعت بثياب فألبستنيها وترياق أو دواء فشربته، ثم أمرت بي فجعلت على سرير لها ودثار، وامرت بطعام فهيئ لي، فأتيت به، وأقمت يومي ذاك. وتلك الليلة مسبوتاً، لا ادري ما أنا فيه، وأصبحت من الغد على ضعف من الركوب، وأقمت ليلتي ويومي وليلتي، فذهب عني السبات، وأنا ضعيف عن الركوب، حتى كان في اليوم الثالث جاءها من يخبرها أن فلاناً البطريق قد أقبل في موكبه، فأمرت بفرسي فغيب، وأغلق علي باب بيتي الذي أنا فيه، ودخل البطريق، فانزلته منزلاً، واقتفت به وبأصحابه، وأسمع بعض النسوة تخبر أنه خاطب لها، فبينا هو على ذلك إذ جاءه من يخبره عن موضع فرسي وإغلاقهم علي، فهم ان يهجم علي، فأقسمت لئن تعرضني لا نال حاجته، فأمسك، وأقام قائلة ذلك اليوم في قرى ثم تروح، وخرجت، فدعوت بفرسي، فخرجت إلي فقالت: إني لا آمن أن يكمن لك، دعه يذهب، فأبيت عليها وركبت، فقفوت الأثر حتى لحقته، وشددت عليه، فانفرج عنه أصحابه فقتلته، وطلبت أصحابه فهربوا عني، وأخذت فرسه وسمطت رأسه، ورجعت إلى الدير فألقيت الرأس، ودعوتها ومن معها من نسائها
وخدمها، فوقفن بين يدي وأمرتها بالرحلة ومن معها على دواب الدير، وسرت بهن إلى العسكر حتى دفعت بهن إلى الوالي، فجعل نفلي منهن، فتنفلت المرأة بعينها، وسلمت سائر الغنيمة في المقسم واتخذتها.، فهي أم بني. قال أبو مروان: وكان أبوها بطريقاً من بطارقة الروم له شرف، يهاديه ويكاتبه.
حدث آبو يحيى البطال:
أن هشاماً أو غيره من خلفاء بني أمية كان قد استعمله على ثغر المصيصة وما يليها، وإنه راث عليه خبر الروم، فوجه سرية لتأتيه بالخبر عن غير إذن من الوالي. قال: فتوجهوا، وأجلتهم أجلاً، فاستوعبوا الأجل، فأشفقت من مصيبتهم ولائمة الخليفة، فخرجت متوحداً حتى وغلت في الناحية التي أمرتهم بها، فلم أجد لهم خبراً، فعرقت أنهم أجبروا بغفلة ناحية أخرى فتوجهوا إليها، وكرهت أن أرجع، ولم أسنقذهم مما هم فيه، إن كان عدو يكاثرهم، وأعرف من خبرهم ما أسكن إليه، فلم أجد أحداً يخبرني بشيء فمضيت حتى أقف على باب عمورية، فضربت بابها، وقلت للبواب: افتح لفلان سياف الملك ورسوله، وكنت أشبه به، فأعلم ذلك صاحب عمورية، فأمره بفتح الباب، ففعل أدخلني. فلما صرت إلى بلاطها وقفت وأمرت من يشتد بين يدي إلى باب بطريقها ففعل، ووافقت باب البطريق قد فتح، وجلس لي، ونزلت عن فرسي وأنا متلثم بعمامتي، فأذن لي، ومضيت حتى جلست على مثال إلى جانب مثاله، فرحب بي، وقرب، وقلت: أخرج من أرى فإني قد حملت إليك، فأخرجهم، وشددت عليه حتى غلق باب الكنيسة، وعاد إلى مجلسه، واحترطت سيفي فضربت به على رأسه، فقلت له: قد وقعت بهذا الموضع فاعطني عهداً حتى أكلمك بما أردت حتى أرجع من حيث جئت، لا يتبعني منك خلاف، ففعل، فقلت: أنا البطال، فاصدقني عما أسألك عنه، وانصحني وإلا أجزت عليك، فقال: سل عما بدا لك، فقلت: السرية، فقال: نعم، وافت البلاد غارة لا يدفع أهلها يد لامس، فوغلوا في البلاد، وملؤوا أيديهم غنائم، وهذا
آخر خبر جاءني: إنهم بوادي كذا. قد صدقتك، وليس عندي من خبرهم غير هذا، فغمدت سيفي وقلت: ادع لي بطعام فدعا، ثم قمت وقال: اشتدوا بين يدي رسول الملك، حتى يخرج، ففعلوا، وقصدت إلى السرية حتى قدمت عليهم، وخرجت بهم بما غنموا. فهذا أعجب ما كان.
قفل البطال من حجه في السنة التي قتل فيها رحمه الله. وأخبر أنه لم يزل فيما مضى من عمره مشتغلاً عن حجه الإسلام بما فتح له من الجهاد، وأنه سأل الله الحج والشهادة، وأن الله قد قضى عنه حجة، وهو يرجو أن يرزقه الشهادة في عامه هذا، ثم مضى إلى منزله، وغزا في عامه، فاستشهد. رحمه الله تعالى.
وكان ليون طاغية الروم قد خرج في نحو من مئة ألف، وأشار البطال على مالك بن شبيب - مقدم الجيش - باللحاق ببعض مدن الروم، والتحصن بها حتى يلحقهم الأمير سليمان بن هشام فعصاه في إشارته. قال: ولقينا ليون، فقاتل مالك ومن معه حتى قتل في جماعة من المسلمين، والبطال عصمة لمن بقي من الناس، فتجمعوا عليه وشد عليهم، فذكر بعض من كان معه اسمه فشدت عليه فرسان الروم حتى شالته برماحها عن سرجه، وألقته إلى الأرض، وأقبلت تشد على بقية المسلمين، والناس معتصمون بسيوفهم حتى كان مع اصفرار الشمس، وليون طاغية الروم قد نزل عن دابته، فضربت له مغارة، وأمر برهبانه وأساقفته فأحضروا، فرفع يده ورفعوا أيديهم يستنصرون على المسلمين، ورأوا من قلتهم وقلة من بقي، قال: ناد يا غلام برفع السيف، وترك بقية القوم لله، وانصرفوا بنا إلى معسكرنا، والقوم في بلادنا، نفاديهم، فدخل وانصرف إلى معسكره، وبات، وأمر البطال منادياً ينادي: أيها الناس، عليكم بسنادة، فادخلوها وتحصنوا فيها، وأمر البطال رجلاً على مقدمتهم وآخر على ساقتهم لا يخلف جريحاً ولا ضعيفاً فيما قدر عليه وثبت في مكانه، وثبت معه قريب له في ناسٍ من مواليه، وأمر من يسير في أوائلهم ويقول: أيها الناس، الحقوا فإن البطال يسير بأخراكم، وأمر من يقول في أخراهم. أيها الناس، الحقوا فيإن البطال في أولاكم، يهديكم الطريق، ويهيئ
منزلكم بسنادة. فمضى الناس، فلم يصبحوا إلا وقد دخلوا سنادة، وافتقدوا البطال، فأجمع رأيهم على تحصينها، والقتال عليها، وأصبح البطال في مكانه في المعركة به رمق، وركب ليون بجيشه حتى أتى المعركة، فوجدهم قد لحقوا بسنادة إلا البطال ومن ثبت معه فأخبر به، فأتاه حتى وقف عليه فقال: أبا يحيى، كيف رأيت؟ قال: وما رأيت؟ كذلك الأبطال تقتل وتقتل. قال ليون: علي بالأطباء، فأتي بهم، فأمرهم بالنظر في جراحه، فأخبروه أنها قد أنفذت مقاتله، فقال: هل من حاجة؟ قال: نعم، تأمر من ثبت معي، ومن في أيديكم من أسارى المسلمين بولايتي وكفني والصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلماة علي، ودفني، وتخلى سبيل من ثبت عندي، ففعل ذلك، وقصد إلى الناس بسنادة فحاصرهم، فبينا هم على ذلك إذ أشرف عليهم ثابت البهراني على فرسه في رجال، على خيول الطلائع، وهو يقول: أيها الناس، أنا رسول الأمير سليمان بن هشام يخبركم بسرعة سيره إليكم، وهو آتيكم أحد اليومين، فسر ذلك المسلمين، وأصبح ليون سائراً بعسكره، قافلاً إلى القسطنطسنية، حتى دخلها، واقبل سليمان بمن معه حتى نزل بسنادة. الحديث..
قال أبو بكر بن عياش: قيل للبطال: ما الشجاعة؟ قال: قبل صبر ساعة.
ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى أن البطال قتله الروم في سنة اثنتي عشرة ومئة.
وذكر أبو حسان الزيادي أنه قتل في سنة ثلاث عشرة.
وقال خليفة: سنة إحدى وعشرين ومئة. وقتل بأرض الروم. رحمه الله تعالى.