المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌جرير بن عطية بن الخطفى - مختصر تاريخ دمشق - جـ ٦

[ابن منظور]

فهرس الكتاب

- ‌جبير بن نفير بن مالك بن عامر

- ‌جحاف بن حكيم بن عاصم بن قيس

- ‌جدار بن جدار العذري الصنعاني

- ‌جد بن قيس أحد العباد

- ‌جراح بن عبد الله بن جعادة

- ‌جرجة بن عبد الله الرومي

- ‌جرول بن أوس بن جؤية

- ‌جرول بن جنفل

- ‌جرير بن عبد الله بن جابر

- ‌جرير بن عبد الله بن عنبسة

- ‌جرير بن عبد المسيح بن عبد الله

- ‌جرير ويقال حريز بن عتبة

- ‌جرير بن عطية بن الخطفى

- ‌جرير بن غطفان بن جرير أبو القاسم

- ‌جسر بن الحسن

- ‌جعثل بن هاعان بن عمرو بن البثوث

- ‌جعد بن درهم

- ‌جعفر بن أحمد بن الحسين أبو الفضل

- ‌جعفر بن أحمد بن الحسين

- ‌جعفر بن أحمد بن عاصم بن الروّاس

- ‌جعفر بن أحمد بن أبي عبد الرحمن

- ‌جعفر بن أحمد بن علي بن بنان

- ‌جعفر بن أحمد ويقال ابن محمد

- ‌جعفر بن إياس أبو بشر ابن أبي وحشية اليشكري الواسطي

- ‌جعفر بن برقان أبو عبد الله الكلابي مولاهم الرقي

- ‌جعفر بن الحسن بن العباس بن الحسن

- ‌جعفر بن الحسين أبو الفضل الصيداوي

- ‌جعفر بن حميد بن عبد الكريم

- ‌جعفر بن الزبير الحنفي

- ‌جعفر بن سعيد بن جعفر البعلبكي

- ‌جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله

- ‌جعفر بن أبي طالب عبد مناف

- ‌جعفر بن عبد الجبار

- ‌جعفر بن عبد الرزاق بن عبد الوهاب

- ‌جعفر بن عبد الواحد بن جعفر

- ‌جعفر بن عمرو بن أمية

- ‌جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد

- ‌جعفر بن محمد بن أحمد بن حماد

- ‌جعفر بن محمد بن بكر أبو العباس البالسي

- ‌جعفر بن محمد بن جعفر بن رشيد

- ‌جعفر بن محمد بن جعفر بن هشام

- ‌جعفر بن محمد بن الحارث

- ‌جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض

- ‌جعفر بن محمد بن حماد أبو الفضل القلانسي

- ‌جعفر بن محمد بن سعيد بن شعيب

- ‌جعفر بن محمد بن سوار بن سنان

- ‌جعفر بن محمد بن عبد الله

- ‌جعفر بن محمد بن علي بن يزيد

- ‌جعفر بن محمد بن الفضل

- ‌جعفر بن محمد بن الفضيل

- ‌جعفر بن محمد بن محمد

- ‌جعفر بن محمد بن موسى

- ‌جعفر بن محمد بن الوليد

- ‌جعفر المتوكل بن محمد المعتصم

- ‌جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس

- ‌جعفر بن محمد بن يزدين

- ‌جعفر بن محمد أبو عبد الله المعّري المغربي

- ‌جعفر بن محمود الكاتب

- ‌جعفر بن موسى

- ‌جعفر بن ميسر بن يغنم أبو محمد

- ‌جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك

- ‌جعونة بن الحارث بن خالد

- ‌جماهر بن محمد بن أحمد بن أحمد

- ‌جمال بن بشر العامري الكلابي

- ‌جمح بن القاسم بن عبد الوهاب

- ‌جميل بن أحمد بن فضالة بن الصقر

- ‌جميل بن تمام بن علي

- ‌جميل بن عبد الله بن معمر

- ‌جميل بن يوسف بن إسماعيل

- ‌جناح بن الوليد

- ‌جناح أبو مروان

- ‌جنادة بن حنيفة الصنعاني

- ‌جنادة بن أبي خالد أبو الخطاب

- ‌جنادة بن عمرو بن الجنيد

- ‌جنادة بن كبير وكنية كبير أبو أمية

- ‌جنادة بن محمد بن أبي يحيى

- ‌جندب بن زهير بن الحارث بن كثير

- ‌جندب بن عبد الله ويقال ابن كعب

- ‌جندب بن عمرو بن حممة بن الحارث

- ‌جنيد بن حكيم بن الجنيد أبو بكر

- ‌جنيد بن خلف بن حاجب بن الوليد

- ‌جنيد بن عبد الرحمن بن عمرو

- ‌جون بن قتادة بن الأعور بن ساعدة

- ‌جوية بن عائذ ويقال بن عاتك

- ‌جيش بن خمارويه بن أحمد بن طولون

- ‌أسماء النساء على حرف الجيم

- ‌جويرية بنت أبي سفيان صخر بن حرب

- ‌جرباء بنت عقيل بن علفة بن الحارث

- ‌حرف الحاء المهملة

- ‌حابس بن سعد ويقال ابن ربيعة

- ‌حاتم بن شفيّ بن يزيد ويقال مرثد

- ‌حاتم بن عبد الله بن سعد

- ‌حاتم بن يونس أبو محمد

- ‌حاجب بن مالك بن أركين

- ‌حارثة بن بدر بن حصين بن قطن

- ‌حارثة بن قطن بن زابر بن حصن

- ‌الحارث بن بدل وقيل ابن سليم

- ‌الحارث بن الحارث أبو المخارق الغامدي

- ‌الحارث بن حرمل بن تغلب بن ربيعة

- ‌الحارث بن الحكم بن أبي العاص

- ‌الحارث بن سعيد بن حمدان

- ‌الحارث بن سعيد الكذاب

- ‌الحارث بن سليم بن عبيد بن سفيان

- ‌الحارث بن عبّاس

- ‌الحارث بن عبد الله

- ‌الحارث بن عبدة

- ‌الحارث بن عميرة الزبيدي الحارثي

- ‌الحارث بن عمير الأزدي

- ‌الحارث بن عمير أبو الجودي

- ‌الحارث بن محمد بن الحارث بن خسرو

- ‌الحارث بن مخمر أبو حبيب الظهري الحمصي

- ‌الحارث بن مسلم بن الحارث

- ‌الحارث بن معاوية الكندي الأعرج

- ‌الحارث بن أبي وجرة

- ‌الحارث بن وداعة الحميري

- ‌الحارث بن هانئ بن مدلج

- ‌الحارث بن هشام بن المغيرة

- ‌الحارث بن يمجد الأشعري القاضي

- ‌حازم بن مالك بن بسطام الدمشقي

- ‌حامد بن أحمد بن محمد بن أحمد

- ‌حامد بن سهل بن الحارث أبو محمد البخاري

- ‌حامد بن محمد بن حامد بن بحر

- ‌حامد بن يوسف بن الحسين

- ‌حبان بن موسى بن حبان بن موسى

- ‌حبيب بن أوس بن الحارث

- ‌حبيب بن أبي حبيب من أهل دمشق

- ‌حبيب بن الشهيد

- ‌حبيب بن عبد الرحمن بن سلمان

- ‌حبيب بن عبد الملك بن حبيب

- ‌حبيب بن قليع

- ‌حبيب بن محمد أبو محمد العجمي

- ‌حبيب بن مسلمة بن مالك الأكبر

- ‌حبيب الأعور

- ‌حبيب المؤذن

- ‌حبيش بن دلجة القيني

- ‌حبيش بن عمر أبو المنهال

- ‌حبيش بن محمد بن حبيش

- ‌الحجاج بن الريان

- ‌الحجاج بن سهل الدمشقي

- ‌الحجاج بن عبد الله

- ‌الحجاج بن علاط بن خالد بن ثويرة

- ‌الحجاج بن يوسف بن الحكم

- ‌الحجاج بن يوسف

- ‌حجر بن عدي الأدبر بن جبلة

- ‌حجوة بن مدرك الغساني

- ‌حديج

- ‌حدير أبو فوزة

- ‌حدير بن كريب

- ‌حدير بن جعفر بن محمد

- ‌حذيفة بن أسيد

- ‌حذيفة بن اليمان

- ‌حرام بن حكيم بن خالد بن سعد

- ‌حرب بن إسماعيل بن محمد الكرماني

- ‌حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية

- ‌حرب بن محمد بن حرب بن عامر

- ‌حرب بن محمد بن علي بن حيان

- ‌حرملة بن المنذر بن معد يكرب

- ‌حريث بن أبي حريث

- ‌حريث بن زيد الخيل الطائي

- ‌حريث بن ظهير الكوفي

- ‌حريث مولى معاوية بن أبي سفيان

- ‌حريز بن عثمان بن جبر بن أحمد

- ‌الحر بن سليمان بن حيدرة

- ‌الحر بن يوسف بن يحيى بن الحكم

- ‌حزام بن هشام بن حبيش ين خالد

- ‌حزوّر ويقال نافع

- ‌حسان بن أبان البعلبكي

- ‌حسان بن تميم بن نصر

- ‌حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام

- ‌حسان بن سليمان أبو علي الساحلي

- ‌حسان بن عطية

- ‌حسان بن فروخ

- ‌حسان بن كريب بن ليشرح

- ‌حسان بن مالك بن بحدل بن أنيف

- ‌الحسن بن أحمد بن جعفر

- ‌الحسن بن أحمد بن أبي حازم

- ‌الحسن بن أحمد بن الحسن

- ‌الحسن بن أحمد بن أبي سعيد

- ‌الحسن بن أحمد بن الحسن بن سعيد

- ‌الحسن بن أحمد بن الحسين

- ‌الحسن بن أحمد بن صالح

- ‌الحسن بن أحمد بن عبد الواحد

- ‌الحسن بن أحمد بن عمير بن يوسف

- ‌الحسن بن أحمد بن غطفان بن جرير

- ‌الحسن بن أحمد بن محمد بن بكار

- ‌الحسن بن أحمد بن محيميد

- ‌الحسن بن أحمد بن أبي البختري

- ‌الحسن بن أحمد أبو علي القلانسي

- ‌الحسن بن إبراهيم بن الأصبغ

- ‌الحسن بن إبراهيم بن عثمان

- ‌الحسن بن إبراهيم بن محمد

- ‌الحسن بن إبراهيم بن يوسف بن حلقوم

- ‌الحسن بن أسامة بن زيد بن حارثة

- ‌الحسن بن إسحاق بن إبراهيم بن زيد

- ‌الحسن بن إسحاق بن إبراهيم

- ‌الحسن بن إسحاق بن بلبل

- ‌الحسن بن أشعث بن محمد بن علي

- ‌الحسن بن إلياس أبو عليّ

- ‌الحسن بن بلال نسب إلى جد أبيه

- ‌الحسن بن بلال أبو علي المقرئ

- ‌الحسن بن جرير بن عبد الرحمن

- ‌الحسن بن جعفر بن حمزة بن المحسّن

- ‌الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد

- ‌الحسن بن حبيب بن عبد الملك

- ‌الحسن بن حجاج بن غالب بن عيسى

- ‌الحسن بن الحرّ بن الحكم

- ‌الحسن بن الحسن بن أحمد

- ‌الحسن بن الحسن بن علي

- ‌الحسن بن الحسين بن محمد

- ‌الحسن بن الحسين بن يحيى

- ‌الحسن بن حفص بن الحسن

- ‌الحسن بن رجاء بن أبي الضحاك

- ‌الحسن بن زيد أبو علي

- ‌الحسن بن سعيد بن جعفر بن الفضل

- ‌الحسن بن سعيد بن محمد بن سعيد

- ‌الحسن بن سفيان بن عامر

- ‌الحسن بن سليمان بن داود

- ‌الحسن بن سليمان بن سلام

- ‌الحسن بن شجاع بن رجاء

- ‌الحسن بن صالح بن غالب القيسراني

- ‌الحسن بن أبي طاهر بن الحسن

- ‌الحسن بن عبد الله بن الحسن

- ‌الحسن بن عبد الله بن سعيد

- ‌‌‌الحسن بن عبد الله

- ‌الحسن بن عبد الله

- ‌الحسن بن عبيد الله بن أحمد

- ‌الحسن بن عبد الواحد بن عبد الأحد

- ‌الحسن بن عثمان بن حماد بن حسّان

- ‌الحسن بن عطية الله بن الحسين

- ‌الحسن بن علي بن إبراهيم

- ‌الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزداد

- ‌الحسن بن علي بن الحسن بن الحكم

- ‌الحسن بن علي بن الحسن بن سلمة

- ‌الحسن بن علي بن الحسن بن شوّاش

- ‌الحسن بن علي بن الحسين بن أحمد

- ‌الحسن بن علي بن خلف

- ‌الحسن بن علي بن روح بن عوانة

- ‌الحسن بن علي بن سعيد بن الحسين

- ‌الحسن بن علي بن شبيب

الفصل: ‌جرير بن عطية بن الخطفى

كنت قاعداً مع النبي صلى الله عليه وسلم في رهط، فذكروا الشام ومن فيها من الروم. قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ستظهرون بالشام وتغلبون عليها وتصيبون من سيف بحرها حصناً يقال له أنفة يبعث الله منه يوم القيامة اثني عشر ألف شهيد. قال: فسمعت الأوزاعي يقول لأبي: لقد سمعت منك حديثاً جيداً ياشيخ.

‌جرير بن عطية بن الخطفى

واسمه حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك ابن زيد مناة ابن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار أبو حزرة الشاعر بالحاء المهملة البصري قدم دمشق غير مرة، وامتدح يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان، وأمره في ذلك مشهور، وامتدح الوليد وسليمان ابني عبد الملك، وقدم على عمر بن عبد العزيز، وعلى يزيد بن عبد الملك.

قال عثمان البتي: رأيت جريراً وما تضم شفتاه من التسبيح فقلت: ما ينفعك هذا وأنت تقذف المحصنة! فقال: سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر ولله الحمد، إن الحسنات يذهبن السيئات، وعد من الله حق.

قال ابن مناذر: قلت لابن هرمة: من أشعر الناس؟ قال: من إذا لعب لعب، وإذا جد جد. قلت: مثل من؟ قال: مثل جرير حيث يقول:

إن الذين غدوا بلبك غادروا

وشلا بعينك لا يزال معينا

غيضن من عبراتهن وقلن لي

ماذا لقيت من الهوى ولقينا

ص: 40

قال الفرزدق لامرأته نوار: أنا أشعر أم ابن المراغة؟ قالت: غلبك على حلوه، وشركك في مره.

قال ابن سلمة: سألت الأسيدي - أخا بني سلمة - عن جرير والفرزدق فقال: بيوت الشعر أربعة، فخر ومديح وهجاء ونسيب، وفي كلها غلب جرير، فالفخر قوله:

إذا غضبت عليك بنو تميم

حسبت الناس كلهم غضابا

والمدح قوله:

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح

والهجاء قوله:

فغض الطرف إنك من نمير

فلا كعباً بلغت ولا كلابا

والنسيب قوله:

إن العيون التي في طرفها مرض

قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

قال الكلبي: أتى أعرابي عبد الملك بن مروان، فمدحه فأحسن المدحة، فأعجب به عبد الملك فقال له: من أنت يا أعرابي؟ قال: رجل من عذرة. قال: أولئك أفصح الناس. هل تعرف أهجا بيت في الإسلام؟ قال: قول جرير:

فغض الطرف إنك من نمير

فلا كعباً بلغت ولا كلابا

فقال عبد الملك: أحسنت فهل تعرف أمدح بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم، قول جرير:

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح

ص: 41

قال عبد الملك: أصبت وأحسنت، فهل تعرف أرق بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم، قول جرير:

إن العيون التي في طرفها مرض

قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به

وهن أضعف خلق الله أركانا

قال: أحسنت يا أعرابي، فهل تعرف جريراً؟ قال: لا والله، وإني إلى رؤيته لمشتاق، قال: فهذا جرير، وهذا الأخطل، وهذا الفرزدق، فأنشأ الأعرابي يقول:

فحيا الإله أبا حزرة

وأرغم أنفك يا أخطل

وجد الفرزدق أتعس به

ودق خياشيمه الجندل

فأنشأ الفرزدق يقول:

قد أرغم الله أنفاً أنت حامله

يا ذا الخنا ومقال الزور والخطل

ما أنت بالحكم المرضى حكومته

ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل

ثم أنشأ الأخطل يقول:

يا شر من حملت ساق على قدم

ما مثل قولك في الأقوام يحتمل

إن الحكومة ليست في أبيك ولا

في معشر أنت منهم إنهم سفل

فقام جرير مغضباً وهو يقول:

شتمتما قائلاً بالحق مهتدياً

عند الخليفة والأقوال تنتضل

أتشتمان سفاهاً خيركم حسباً

ففيكما وإلهي الزور والخطل

شتمتماه على رفعي ووضعكما

لا زلتما في انحطاط أيها السفل

قال: ثم وثب فقبل رأس الأعرابي وقال: يا أمير المؤمنين، جائزتي له. قال: وكانت

ص: 42

جائزة جرير خمسة عشر ألفاً كل سنة. فقال عبد الملك: وله مثلها من مالي. فقبضها وخرج.

قال مروان بن أبي حفصة: جلس عبد الملك بن مروان يوماً للناس على سرير، وعند رجل السرير محمد بن يوسف أخو الحجاج بن يوسف، وجعل الوفود يدخلون عليه ومحمد بن يوسف يقول: يا أمير المؤمنين هذا فلان، هذا فلان، إلى أن دخل جرير بن الخطفى فقال: يا أمير المؤمنين هذا جرير بن الخطفى، قال فلا حيا الله القاذف المحصنات، العاضة لأعراض الناس، فقال جرير: يا أمير المؤمنين، دخلت فاشرأب الناس نحوي، ودخل قوم فلم يشرأب الناس إليهم، فقدرت أن ذلك لذكر جميل ذكرني به أمير المؤمنين. فقال عبد الملك: لما ذكرت لي قلت: لا حيا الله القاذف المحصنات، العاضة لأعراض الناس. فقال جرير: والله يا أمير المؤمنين، ما هجوت أحداً حتى أخبره غرضي سنة، فإن أمسك أمسكت، وإن أقام استعنت عليه وهجوته. فقال: هذا صديقك أبو مالك سلم عليه لهو الأخطل، فاعتنقه وقال: والله يا أمير المؤمنين، ما هجاني أحد كان هجاؤه علي أشد من أمك. قال جرير: صدقت وخنازير أمك. فقال عبد الملك: أحضروا جامعة، فأحضرت، وغمز الوليد الغلام أن تأخر بها. فقال عبد الملك للأخطل: أنشد فأنشد:

تأبد الربع من سلمى بأحفار

وأقفرت من سليمى دمنة الدار

حتى ختمها. فقال له عبد الملك: قضينا لك أنك أشعر من مضى ومن بقي.

واستأذنت قيس عبد الملك في أن ينشد جرير فأبى، ولم يزل مقيماً دهراً يلتمس إنشاد عبد الملك، وقيس تشفع له، وعبد الملك يأبى إلى أن أذن له يوماً فأنشد:

أتصحوا أم فؤادك غير صاح

عشية هم صحبك بالرواح

ص: 43

فقال له عبد الملك: بل فؤادك يا بن اللخناء. فلما اتهى إلى قوله:

تعزت أم حزرة ثم قالت

رأيت الموردين ذوي لقاح

تعلل وهي ساغبة بنيها

بأنفاس من الشبم القراح

فقال عبد الملك: لا أروى الله غلمتها. فلما انتهى إلى قوله:

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح

قال عبد الملك: من مدحنا فليمدحنا هكذا. فلما ختمها أمره بإعادتها، فلما أنشد:

أتصحوا أم فؤادك غير صاح.............

لم يقل له ما قال في المرة الأولى. فلما ختمها، أمر له بمئة ناقة بأداتها ورعاتها. فقال جرير: يا أمير المؤمنين، اجعلها من إبل كلب - وإبل كلب سود كرام - فأجابه.

حدث محمد بن خطاب الأزدي أن الأخطل أنشد عبد الملك بن مروان وجرير خلفه:

وإني لقوام مقاوم لم يكن

جرير ولا مولى جرير يقومها

فقال: أجل، صدق والله إنه ليقوم إلى الخمر فيشربها، وإلى الخنزير فيذبحه، وإلى الصليب فيقبله ويسجد له، وما أفعل ذلك ولا مولاي.

دخل جرير على بشر بن مروان والأخطل جالس عنده، فقال له بشر: أتعرف هذا يا أبا حزرة؟ قال: لا، فمن هو؟ قال الأخطل: أنا الذي شتمت عرضك، وأسهرت ليلك، وآذيت قومك، أنا الأخطل. فقال له جرير: أما قولك: شتمت عرضك، فما يضر البحر أن يشتمه من غرق فيه، وأما قولك: أسهرت ليلك، فلو تركتني

ص: 44

أنام لكان خيراً لك، وأما قولك: آذيت قومك، فكيف تؤذي قوماً أنت تؤدي لهم الجزية!.

قال عوانة بن الحكم: لما استخلف عمر بن عبد العزيز، وفد إليه الشعراء وأقاموا ببابه أياماً لا يؤذن لهم، فبينا هم كذلك يوماً وقد أزمعوا على الرحيل، إذ مر بهم رجاء بن حيوة، وكان من خطباء أهل الشام، فلما رآه جرير داخلاً على عمر أنشد:

يا أيها الرجل المرخي عمامته

هذا زمانك فاستأذن لنا عمرا

قال: فدخل ولم يذكر من أمرهم شيئاً. ثم مر بهم عدي بن أرطاة، فقال له جرير:

يا أيها الراكب المزجي مطيته

هذا زمانك إني قد مضى زمني

أبلغ خليفتنا إن أنت لاقيه

أني لدى الباب كالمصفود في قرن

لا تنس حاجتنا لقيت مغفرة

قد طال مكثي عن أهلي وعن وطني

قال: فدخل عدي على عمر فقال: يا أمير المؤمنين، الشعراء ببابك وسهامهم مسمومة وأقوالهم نافذة، قال: ويحك يا عدي، ما لي وللشعراء! قال: أعز الله أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد امتدح وأعطى، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة، فقال: كيف! قال: امتدحه العباس بن مرداس السلمي فأعطاه حلة قطع بها لسانه. قال: أفتروي من قوله شيئاً؟ قال: نعم، فأنشده من أبيات:

رأيتك يا خير البرية كلها

نشرت كتاباً جاء بالحق معلما

شرعت لنا دين الهدى بعد جورنا

عن الحق لما أصبح الحق مظلما

ص: 45

قال: ويحك يا عدي، من بالباب منهم؟ قال: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة. قال: أليس هو الذي يقول:

ثم نبهتها فهبت كعاباً

طفلة ما تطيق رجع الكلام

ساعة ثم إنها بعد قالت

ويلتا قد عجلت يا بن الكرام

أعل غير موعد حيث تسري

تتخطى إلى رؤوس النيام

ما تجشمت ما ترين من الأمر

ولا جئت طارقاً لخصام

فلو كان عدو الله إذ فجر كتم على نفسه. لا يدخل والله علي أبداً. فمن بالباب سواه؟ قال: همام بن غالب - يعني الفرزدق - قال: أوليس هو الذي يقول:

هما دلتاني من ثمانين قامة

كما انقض باز أقتم الرأس كاسره

فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا

أحي يرجى أم قتيل نحاذره

لا يطأ والله بساطي، فمن بالباب منهم؟ قال: الأخطل. قال: هو الذي يقول:

ولست بصائم رمضان طوعاً

ولست بآكل لحم الأضاحي

ولست بزاجر عنساً بكوراً

إلى بطحاء مكة للنجاح

ولست بزائر بيتاً بعيداً

بمكة أبتغي فيه صلاحي

ولست بقائم كالعير أدعو

قبيل الصبح حي على الفلاح

ولكني سأشربها شمولاً

وأسجد عند منبلج الصباح

والله لا يدخل علي وهو كافر أبداً. فهل بالباب سوى من ذكرت؟ قال: نعم، الأحوص. قال: أليس هو الذي يقول:

الله بيني وبين سيدها

يفر مني بها وأتبعه

ص: 46

عد عنه، فما هو بدون من ذكرت. فمن ها هنا؟ قلت: جميل بن معمر. قال: هو الذي يقول:

ألا ليتنا نحيا جميعاً وإن نمت

يوافق في الموتى ضريحي ضريحها

فما أنا في طول الحياة براغب

إذا قيل قد سوى عليها صفيحها

فلو كان عدو الله تمنى لقاءها في الدنيا ليعمل بعد ذلك صالحاً. والله لا يدخل علي أبداً. فهل سوى من ذكرت أحد؟ قال: نعم، جرير بن عطية. قال: هو الذي يقول:

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا

حين الزيارة فارجعي بسلام

فأن كان لا بد فهو. قال: فأذن لجرير، فدخل وهو يقول:

إن الذي بعث النبي محمداً

جعل الخلافة للإمام العادل

وسع الخلائق عدله ووفاؤه

حتى ارعوى وأقام ميل المائل

إني لأرجو منك خيراً عاجلاً

والنفس مولعة بحب العاجل

فلما مثل بين يديه قال: ويحك يا جرير، اتق الله ولا تقل إلا حقاً. فأنشأ جرير يقول:

أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت

أم قد كفاني ما بلغت من خبري

كم باليمامة من شعثاء أرملة

ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر

ممن يعدك تكفي فقد والده

كالفرخ في العش لم ينهض ولم يطر

يدعوك دعوة ملهوف كأن به

خبلاً من الجن أو مساً من النشر

خليفة الله ماذا تأمرون بنا

لسنا إليكم ولا في دار منتظر

ص: 47

ما زلت بعدك في هم يؤرقني

قد طال في الحي إصعادي ومنحدري

لا ينفع الحاضر المجهود بادينا

ولا يعود لنا باد على حضر

إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا

من الخليفة ما نرجو من المطر

نال الخلافة إذ كانت له قدراً

كما أتى ربه موسى على قدر

هذي الأرامل قد قضيت حاجتها

فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر

الخير ما دمت حياً لا يفارقنا

بوركت يا عمر الخيرات من عمر

فقال: يا جرير: ما أرى لك فيما ها هنا حقاً، قال: بلى يا أمير المؤمنين، أنا ابن سبيل ومنقطع بي، فأعطاه من صلب ماله مئة درهم.

وذكر أنه قال له: ويحك يا جرير! لقد ولينا هذا الأمر وما نملك إلا ثلاث مئة درهم، فمئة أخذها عبد الله، ومئة أخذتها أم عبد الله. يا غلام، أعطه المئة الثالثة. فأخذها وقال: والله لهي أحب ما اكتسبته إلي.

قال: ثم خرج، فقال له الشعراء: ما وراءك؟ قال: ما يسوءكم، خرجت من عند أمير المؤمنين، وهو يعطي الفقراء ويمنع الشعراء، وإني عنه لراض. وأنشأ يقول:

رأيت رقى الشيطان لا تستفزه

وقد كان شيطاني من الجن راقيا

وفي سنة إحدى عشرة ومئة توفي الفرزدق بن غالب الشاعر بالبصرة، وتوفي بعده بأربعين يوماً جرير بن الخطفى. وقيل في سنة عشر.

قال الأصمعي: حدثني أبي قال: رأى رجلاً جريراً في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بتكبيرة كبرتها على ظهر المقر. قال: ما حول الفرزدق؟ قال: إيهاً، وأهلكه قذف المحصنات. قال الأصمعي: ما تركه جرير في المحيا ولا في الممات.

ص: 48