المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام - مختصر تاريخ دمشق - جـ ٦

[ابن منظور]

فهرس الكتاب

- ‌جبير بن نفير بن مالك بن عامر

- ‌جحاف بن حكيم بن عاصم بن قيس

- ‌جدار بن جدار العذري الصنعاني

- ‌جد بن قيس أحد العباد

- ‌جراح بن عبد الله بن جعادة

- ‌جرجة بن عبد الله الرومي

- ‌جرول بن أوس بن جؤية

- ‌جرول بن جنفل

- ‌جرير بن عبد الله بن جابر

- ‌جرير بن عبد الله بن عنبسة

- ‌جرير بن عبد المسيح بن عبد الله

- ‌جرير ويقال حريز بن عتبة

- ‌جرير بن عطية بن الخطفى

- ‌جرير بن غطفان بن جرير أبو القاسم

- ‌جسر بن الحسن

- ‌جعثل بن هاعان بن عمرو بن البثوث

- ‌جعد بن درهم

- ‌جعفر بن أحمد بن الحسين أبو الفضل

- ‌جعفر بن أحمد بن الحسين

- ‌جعفر بن أحمد بن عاصم بن الروّاس

- ‌جعفر بن أحمد بن أبي عبد الرحمن

- ‌جعفر بن أحمد بن علي بن بنان

- ‌جعفر بن أحمد ويقال ابن محمد

- ‌جعفر بن إياس أبو بشر ابن أبي وحشية اليشكري الواسطي

- ‌جعفر بن برقان أبو عبد الله الكلابي مولاهم الرقي

- ‌جعفر بن الحسن بن العباس بن الحسن

- ‌جعفر بن الحسين أبو الفضل الصيداوي

- ‌جعفر بن حميد بن عبد الكريم

- ‌جعفر بن الزبير الحنفي

- ‌جعفر بن سعيد بن جعفر البعلبكي

- ‌جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله

- ‌جعفر بن أبي طالب عبد مناف

- ‌جعفر بن عبد الجبار

- ‌جعفر بن عبد الرزاق بن عبد الوهاب

- ‌جعفر بن عبد الواحد بن جعفر

- ‌جعفر بن عمرو بن أمية

- ‌جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد

- ‌جعفر بن محمد بن أحمد بن حماد

- ‌جعفر بن محمد بن بكر أبو العباس البالسي

- ‌جعفر بن محمد بن جعفر بن رشيد

- ‌جعفر بن محمد بن جعفر بن هشام

- ‌جعفر بن محمد بن الحارث

- ‌جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض

- ‌جعفر بن محمد بن حماد أبو الفضل القلانسي

- ‌جعفر بن محمد بن سعيد بن شعيب

- ‌جعفر بن محمد بن سوار بن سنان

- ‌جعفر بن محمد بن عبد الله

- ‌جعفر بن محمد بن علي بن يزيد

- ‌جعفر بن محمد بن الفضل

- ‌جعفر بن محمد بن الفضيل

- ‌جعفر بن محمد بن محمد

- ‌جعفر بن محمد بن موسى

- ‌جعفر بن محمد بن الوليد

- ‌جعفر المتوكل بن محمد المعتصم

- ‌جعفر بن محمد بن هشام بن ملاس

- ‌جعفر بن محمد بن يزدين

- ‌جعفر بن محمد أبو عبد الله المعّري المغربي

- ‌جعفر بن محمود الكاتب

- ‌جعفر بن موسى

- ‌جعفر بن ميسر بن يغنم أبو محمد

- ‌جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك

- ‌جعونة بن الحارث بن خالد

- ‌جماهر بن محمد بن أحمد بن أحمد

- ‌جمال بن بشر العامري الكلابي

- ‌جمح بن القاسم بن عبد الوهاب

- ‌جميل بن أحمد بن فضالة بن الصقر

- ‌جميل بن تمام بن علي

- ‌جميل بن عبد الله بن معمر

- ‌جميل بن يوسف بن إسماعيل

- ‌جناح بن الوليد

- ‌جناح أبو مروان

- ‌جنادة بن حنيفة الصنعاني

- ‌جنادة بن أبي خالد أبو الخطاب

- ‌جنادة بن عمرو بن الجنيد

- ‌جنادة بن كبير وكنية كبير أبو أمية

- ‌جنادة بن محمد بن أبي يحيى

- ‌جندب بن زهير بن الحارث بن كثير

- ‌جندب بن عبد الله ويقال ابن كعب

- ‌جندب بن عمرو بن حممة بن الحارث

- ‌جنيد بن حكيم بن الجنيد أبو بكر

- ‌جنيد بن خلف بن حاجب بن الوليد

- ‌جنيد بن عبد الرحمن بن عمرو

- ‌جون بن قتادة بن الأعور بن ساعدة

- ‌جوية بن عائذ ويقال بن عاتك

- ‌جيش بن خمارويه بن أحمد بن طولون

- ‌أسماء النساء على حرف الجيم

- ‌جويرية بنت أبي سفيان صخر بن حرب

- ‌جرباء بنت عقيل بن علفة بن الحارث

- ‌حرف الحاء المهملة

- ‌حابس بن سعد ويقال ابن ربيعة

- ‌حاتم بن شفيّ بن يزيد ويقال مرثد

- ‌حاتم بن عبد الله بن سعد

- ‌حاتم بن يونس أبو محمد

- ‌حاجب بن مالك بن أركين

- ‌حارثة بن بدر بن حصين بن قطن

- ‌حارثة بن قطن بن زابر بن حصن

- ‌الحارث بن بدل وقيل ابن سليم

- ‌الحارث بن الحارث أبو المخارق الغامدي

- ‌الحارث بن حرمل بن تغلب بن ربيعة

- ‌الحارث بن الحكم بن أبي العاص

- ‌الحارث بن سعيد بن حمدان

- ‌الحارث بن سعيد الكذاب

- ‌الحارث بن سليم بن عبيد بن سفيان

- ‌الحارث بن عبّاس

- ‌الحارث بن عبد الله

- ‌الحارث بن عبدة

- ‌الحارث بن عميرة الزبيدي الحارثي

- ‌الحارث بن عمير الأزدي

- ‌الحارث بن عمير أبو الجودي

- ‌الحارث بن محمد بن الحارث بن خسرو

- ‌الحارث بن مخمر أبو حبيب الظهري الحمصي

- ‌الحارث بن مسلم بن الحارث

- ‌الحارث بن معاوية الكندي الأعرج

- ‌الحارث بن أبي وجرة

- ‌الحارث بن وداعة الحميري

- ‌الحارث بن هانئ بن مدلج

- ‌الحارث بن هشام بن المغيرة

- ‌الحارث بن يمجد الأشعري القاضي

- ‌حازم بن مالك بن بسطام الدمشقي

- ‌حامد بن أحمد بن محمد بن أحمد

- ‌حامد بن سهل بن الحارث أبو محمد البخاري

- ‌حامد بن محمد بن حامد بن بحر

- ‌حامد بن يوسف بن الحسين

- ‌حبان بن موسى بن حبان بن موسى

- ‌حبيب بن أوس بن الحارث

- ‌حبيب بن أبي حبيب من أهل دمشق

- ‌حبيب بن الشهيد

- ‌حبيب بن عبد الرحمن بن سلمان

- ‌حبيب بن عبد الملك بن حبيب

- ‌حبيب بن قليع

- ‌حبيب بن محمد أبو محمد العجمي

- ‌حبيب بن مسلمة بن مالك الأكبر

- ‌حبيب الأعور

- ‌حبيب المؤذن

- ‌حبيش بن دلجة القيني

- ‌حبيش بن عمر أبو المنهال

- ‌حبيش بن محمد بن حبيش

- ‌الحجاج بن الريان

- ‌الحجاج بن سهل الدمشقي

- ‌الحجاج بن عبد الله

- ‌الحجاج بن علاط بن خالد بن ثويرة

- ‌الحجاج بن يوسف بن الحكم

- ‌الحجاج بن يوسف

- ‌حجر بن عدي الأدبر بن جبلة

- ‌حجوة بن مدرك الغساني

- ‌حديج

- ‌حدير أبو فوزة

- ‌حدير بن كريب

- ‌حدير بن جعفر بن محمد

- ‌حذيفة بن أسيد

- ‌حذيفة بن اليمان

- ‌حرام بن حكيم بن خالد بن سعد

- ‌حرب بن إسماعيل بن محمد الكرماني

- ‌حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية

- ‌حرب بن محمد بن حرب بن عامر

- ‌حرب بن محمد بن علي بن حيان

- ‌حرملة بن المنذر بن معد يكرب

- ‌حريث بن أبي حريث

- ‌حريث بن زيد الخيل الطائي

- ‌حريث بن ظهير الكوفي

- ‌حريث مولى معاوية بن أبي سفيان

- ‌حريز بن عثمان بن جبر بن أحمد

- ‌الحر بن سليمان بن حيدرة

- ‌الحر بن يوسف بن يحيى بن الحكم

- ‌حزام بن هشام بن حبيش ين خالد

- ‌حزوّر ويقال نافع

- ‌حسان بن أبان البعلبكي

- ‌حسان بن تميم بن نصر

- ‌حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام

- ‌حسان بن سليمان أبو علي الساحلي

- ‌حسان بن عطية

- ‌حسان بن فروخ

- ‌حسان بن كريب بن ليشرح

- ‌حسان بن مالك بن بحدل بن أنيف

- ‌الحسن بن أحمد بن جعفر

- ‌الحسن بن أحمد بن أبي حازم

- ‌الحسن بن أحمد بن الحسن

- ‌الحسن بن أحمد بن أبي سعيد

- ‌الحسن بن أحمد بن الحسن بن سعيد

- ‌الحسن بن أحمد بن الحسين

- ‌الحسن بن أحمد بن صالح

- ‌الحسن بن أحمد بن عبد الواحد

- ‌الحسن بن أحمد بن عمير بن يوسف

- ‌الحسن بن أحمد بن غطفان بن جرير

- ‌الحسن بن أحمد بن محمد بن بكار

- ‌الحسن بن أحمد بن محيميد

- ‌الحسن بن أحمد بن أبي البختري

- ‌الحسن بن أحمد أبو علي القلانسي

- ‌الحسن بن إبراهيم بن الأصبغ

- ‌الحسن بن إبراهيم بن عثمان

- ‌الحسن بن إبراهيم بن محمد

- ‌الحسن بن إبراهيم بن يوسف بن حلقوم

- ‌الحسن بن أسامة بن زيد بن حارثة

- ‌الحسن بن إسحاق بن إبراهيم بن زيد

- ‌الحسن بن إسحاق بن إبراهيم

- ‌الحسن بن إسحاق بن بلبل

- ‌الحسن بن أشعث بن محمد بن علي

- ‌الحسن بن إلياس أبو عليّ

- ‌الحسن بن بلال نسب إلى جد أبيه

- ‌الحسن بن بلال أبو علي المقرئ

- ‌الحسن بن جرير بن عبد الرحمن

- ‌الحسن بن جعفر بن حمزة بن المحسّن

- ‌الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد

- ‌الحسن بن حبيب بن عبد الملك

- ‌الحسن بن حجاج بن غالب بن عيسى

- ‌الحسن بن الحرّ بن الحكم

- ‌الحسن بن الحسن بن أحمد

- ‌الحسن بن الحسن بن علي

- ‌الحسن بن الحسين بن محمد

- ‌الحسن بن الحسين بن يحيى

- ‌الحسن بن حفص بن الحسن

- ‌الحسن بن رجاء بن أبي الضحاك

- ‌الحسن بن زيد أبو علي

- ‌الحسن بن سعيد بن جعفر بن الفضل

- ‌الحسن بن سعيد بن محمد بن سعيد

- ‌الحسن بن سفيان بن عامر

- ‌الحسن بن سليمان بن داود

- ‌الحسن بن سليمان بن سلام

- ‌الحسن بن شجاع بن رجاء

- ‌الحسن بن صالح بن غالب القيسراني

- ‌الحسن بن أبي طاهر بن الحسن

- ‌الحسن بن عبد الله بن الحسن

- ‌الحسن بن عبد الله بن سعيد

- ‌‌‌الحسن بن عبد الله

- ‌الحسن بن عبد الله

- ‌الحسن بن عبيد الله بن أحمد

- ‌الحسن بن عبد الواحد بن عبد الأحد

- ‌الحسن بن عثمان بن حماد بن حسّان

- ‌الحسن بن عطية الله بن الحسين

- ‌الحسن بن علي بن إبراهيم

- ‌الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزداد

- ‌الحسن بن علي بن الحسن بن الحكم

- ‌الحسن بن علي بن الحسن بن سلمة

- ‌الحسن بن علي بن الحسن بن شوّاش

- ‌الحسن بن علي بن الحسين بن أحمد

- ‌الحسن بن علي بن خلف

- ‌الحسن بن علي بن روح بن عوانة

- ‌الحسن بن علي بن سعيد بن الحسين

- ‌الحسن بن علي بن شبيب

الفصل: ‌حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام

‌حسان بن تميم بن نصر

أبو الندى الصيرفي ويعرف أبوه بتميم الزيات. وكان قد ترك الصرف قبل أن يموت بمدة، وحج وحسنت طريقته، ولازم صلاة الجماعة.

حدث أبو الندى بسنده عن سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر أنه قال: صليت خلف أبي هريرة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ:" غير المغضوب عليهم ولا الضالين " قال: آمين. فقال الناس: آمين، يقول كلما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال: الله أكبر، فإذا سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

توفي حسان ودفن في العشرين من رجب، سنة ستين وخمس مئة.

‌حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام

ابن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، أبو الوليد، ويقال أبو عبد الرحمن، ويقال أبو الحسام الأنصاري الخزرجي النجاري.

شاعر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفد على عمرو بن الحارث بن أبي شمر، ووفد على جبلة بن الأيهم، ووفد على معاوية حين بويع سنة أربعين.

وأم حسان الفريعة بنت خالد بن خنيس بن لوذان بن عبد ود بن

ص: 289

زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن كعب بن ساعدة، وكان حسان يعرف بابن الفريعة، وهي أمه.

حكى محمد بن سعد قال: عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، ومات في خلافة معاوية، وهو ابن عشرين ومئة سنة.

وكان حسان بن ثابت قديم الإسلام، ولم يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم مشهدا، وكان يجبن. وقال بعض الناس: توفي قبل الأربعين.

عن حسان بن ثابت قال: إني والله لغلام يفعة، ابن سبع سنين أو ثمان سنين، أعقل كل ما سمعت يعني إذ سمعت يهودياً يصرخ على أطم يثرب: يا معشر يهود، إذ اجتمعوا إليه قالوا: ويلك مالك؟ قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي به ولد.

قال ابن إسحق: فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان: ابن كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؟ قال: ابن ستين. وقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبعين.

حدث سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب مر على حسان، وهو ينشد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهره عمر، فأقبل حسان فقال: كنت أنشد فيه من هو خير منك، فانطلق عمر حينئذ، وقال حسان لأبي هريرة: أنشدك الله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا حسان، أجب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم أيده بروح القدس؟ قال: اللهم، نعم.

روى البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: اهجهم وهاجهم وجبريل معك.

ص: 290

وفي رواية عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان: إن روح القدس معك ما هاجيتهم.

وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان بن ثابت منبراً في المسجد، ينشد عليه قائماً، ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال جابر بن عبد الله: لما كان يوم الأحزاب، وردّ الله المشركين بغيظهم لم ينالوا خيراً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يحمي أعراض المسلمين؟ قال كعب بن مالك: أنا. وقال ابن رواحة: أنا يا رسول الله. قال: إنك لحسن الشعر. وقال حسان بن ثابت: أنا، يا رسول الله. قال: نعم، اهجهم أنت، وسيعينك عليهم روح القدس.

وعن عروة قال: سببت ابن فريعة عند عائشة فقالت: يا ابن أخي، لأقسم عليك لما كففت عنه، فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال عطاء بن أبي رباح: دخل حسان بن ثابت على عائشة بعدما عمي، فوضعت له وسادة، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: أجلسته على وسادة، وقد قال ما قال! فقالت: إنه - تعني كان يجيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشفي صدره من أعدائه - وقد عمي، وإني لأرجو ألا يعذّب في الآخرة.

وعن عائشة قالت: مشت الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن قومك قد تناولوا منا، فإن أذنت لنا أن نرد عليهم فعلنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أكره أن تنتصروا ممن ظلمكم، وعليكم بابن أبي قحافة، فإنه أعلم القوم بهم. قال: فمشوا إلى عبد الله بن رواحة، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن لنا أن ننتصر من قريش فقل، فقال عبد الله بن رواحة في ذلك شعراً، فلم يبلغ منهم الذي أرادوا. فأتوا كعب بن مالك فقالوا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن لنا أن ننتصر من قريش، فقال كعب في ذلك شعراً، هو أمتن من شعر عبد الله بن

ص: 291

رواحة، فلم يبلغ منهم الذي أرادوا. فأتوا حسان بن ثابت فقالوا له، إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن لنا أن ننتصر من قريش، فقل: فقال حسان: لست فاعلاً حتى أسمع ذلك من نبي الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق معهم حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أنت أذنت لهؤلاء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أكره أن ينتصروا ممن ظلمهم، وأنت يا حسان لن تزال مؤيداً بروح القدس ما نافحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي حديث الترمذي: ما كافحت.

وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان: إني أخاف أن تصيبني معهم، تهجو من بني عمي - يعني أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب - فقال حسان: لأسلّنّك منهم سلّ الشعرة من العجين، ولي مقول ما أحب أنّ لي به مقول أحد من العرب، وإنه ليفري ما لا تفريه الحربة. قال: ثم أخرج لسانه، فضرب به أنفه، كأنه لسان شجاع، بطرفه شامة سوداء، ثم ضرب به ذقنه. قال: فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية فهجاهم حسان، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد شفيت يا حسان واشتفيت.

وعن محمد بن بركة عن أمه عن عائشة أنها طافت بالبيت، فقرنت بين ثلاثة أسابيع، ثم صلت بعد ذلك ست ركعات، قالت - وذكر لها حسان بن ثابت في الطواف - قالت: فابتدرنا نسبّه، فقالت عائشة: مه، وبرأته أن يكون فيمن قال عليها، وقالت: إني لأرجو أن يدخله الله الجنة بقوله:

هجوت محمداً فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

فإنّ أبي ووالده وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء

ص: 292

فأنشدت عائشة هذين البيتين وهي تطوف بالبيت.

وعن مسروق قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها، وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعراً..... بأبيات له فقال:

حصان رزان ما تزن بريبة

وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

فقالت عائشة: لكنك لست كذلك. قال مسروق: فقلت لها: لم تأذنين له يدخل عليك؟ وقد قال الله عز وجل: " والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم " فقالت: فأي عذاب أشد من العمى؟ وقالت: إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن هشام بن عروة، عن أبيه أن حسان بن ثابت ذكر عند عائشة رضي الله عنها، فانتبهت فقالت: من تذكرون؟ فقالوا: حسان. قال: فنهتهم وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق.

وعن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع عائشة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حسان حجاز بين المؤمنين والمنافقين، لا يحبه منافق ولا يبغضه مؤمن.

وعن سعيد بن جبير قال: قيل لابن عباس: قد قدم حسان اللعين. قال: فقال ابن عباس: ما هو بلعين، قد جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ولسانه.

وعن محمد بن عباد عن أبيه قال: لما أنشد حسان بن ثابت النبي صلى الله عليه وسلم:

عفت ذات الأصابع فالجواء........

ص: 293

فانتهى إلى قوله:

هجوت محمداً فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: جزاؤك على الله الجنة ياحسان.

وعن يزيد بن عياض بن جعدبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة تناولته قريش بالهجاء، فقال لعبد الله بن رواحة: رد عني فذهب في قديمهم وأولهم، ولم يصنع في الهجاء شيئاً، فأمر كعب بن مالك فذكر الحرب فقال:

نصل السيوف إذا قصرن بخطونا

قدماً ونلحقها إذا لم تلحق

ولم يصنع في الهجاء شيئاً، فدعا حسان بن ثابت فقال: اهجهم وائت أبا بكر يخبرك بمعايب القوم، فأخرج حسان لسانه حتى ضرب به على صدره وقال: والله ما أحب أن لي به مقولاً في العرب، فصب على قريش منه شآبيب شر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهجهم كأنك تنضحهم بالنبل.

وعن عبد الله بن بريدة: أن جبريل أعان حسان بن ثابت على مدحه النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين بيتاً.

وعن عروة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا حساناً، فإنه ينافح عن الله وعن رسوله ".

قال محمد بن المكرم: في الأصل هنا، حديث جابر بن عبد الله الأنصاري: لما جاءت بنو تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاعرهم وبخطيبهم، وأمر ثابت يا قيس أن يجاوب خطيبهم، وأمر حسان بن ثابت أن يجاوب شاعرهم. وقد تقدم هذا الحديث مستوفى في ترجمة الأقرع بن حابس، في حرف الألف. والله أعلم.

ص: 294

حدث أبو هريرة قال: جاء الحارث الغطفاني المري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، شاطرني تمر المدينة، ولأملأنها عليك خيلاً ورجالاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حتى أستأذن السعود. فدعا سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسعد بن زرارة فقال: ها قد تعلمون أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وهذا الحارث الغطفاني يسألكم أن تشاطروه تمر المدينة فادفعوها إليه إلى يوم ما، قالوا: يا رسول الله، إن كان هذا أمراً من أمر الله عز وجل فالتسليم لأمر الله، وإن كان هذا أمراً من أمرك أو هوى من هواك، فأمرنا لأمرك تبع وهوانا لهواك تبع، وإلا فوالله لقد كنا نحن وهم في الجاهلية على سواء، ما كانوا ينالون تمرة ولا بسرة، إلا شرى أو قرى، فكيف وقد أعزنا الله بك وبالإسلام! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ها يا حارث قد تسمع. فقال: يا محمد، عذرت فأنشأ حسان يقول:

يا حار من يغدر بذمة جاره

منكم فإن محمداً لم يغدر

وأمانة المري حيث لقيتها

كسر الزجاجة صدعها لا يجبر

إن تغدروا فالغدر من عاداتكم

واللؤم ينبت في أصول السخبر

قالوا: يا محمد اكفف عنا لسانه، فوالله لو مزج بماء البحر مازجه.

والسخبر حشيش ينبت حول المدينة.

حدث معن بن عيسى قال: بينما حسان بن ثابت في أطمه فارع، وذلك في الجاهلية، إذ قام من جوف الليل فصاح: يا آل الخزرج، فجاؤوه وقد فزعوا: فقالوا: مالك يابن الفريعة؟ قال: بيت قلته، فخشيت أن أموت قبل أن أصبح فيذهب ضيعة، خذوه عني قالوا: وما قلت؟ قال: قلت:

ص: 295

رب حلم أضاعه عدم الما

ل وجهل غطى عليه النعيم

وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وقد رش حسان فناء أطمه، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سماطين، وبينهم جارية لحسان يقال لها شيرين، ومعها مزهر لها تغنيهم، وهي تقول في غنائها:

هل علي ويحكم

إن لهوت من حرج

فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لا حرج.

وعن خارجة بن زيد بن ثابت وغيره، يزيد بعضهم على بعض، وهذا لفظ ابن دريد قال: كانت مأدبة في زمن عثمان، فدعي لها الناس، وكان فيهم عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم زيد بن ثابت وخارجة بن زيد وحسان بن ثابت وعبد الرحمن بن حسان، وقد كف حسان وثقل سمعه، وكان إذا دعي قال: أخرس أم عرس أم إعذار؟ ثم يجيب. قال خارجة: فأتينا بالطعام، فجعل حسان يقول لابنه: أطعام يد أم طعام يدين؟ فإذا قيل طعام يد أكل، وإذا قيل طعام يدين أمسك. فلما فرغ القوم، بنيت له وسادة، وأقبلت الميلاء وهي يومئذ شابة، فوضع في حجرها مزهر فضربت، ثم غنت فكان أول ما بدأت بشعر حسان:

انظر حبيبي بباب جلق هل

تؤنس دون البلقاء من أحد

أجمال شعثاء إذ هبطن من ال

محضر بين الكثبان فالسند

يحملن حور العيون يرفلن في الري

ط حسان الوجوه كالبرد

من دون بصرى، وخلفها جبل الثل

ج عليه السحاب كالقدد

ص: 296

إني وأيدي المخيسات وما

يقطعن من كل سربخ جدد

والبدن إذ قربت لمنحرها

حلفة بر اليمين مجتهد

ما حلت عن عهد ما علمت ولا

أحببت حبي إياك من أحد

تقول شعثاء لو صحوت عن ال

خمر لأصبحت مثري العدد

أهوى حديث الندمان في وضح ال

فجر وصوت المسامر الغرد

لا أخدش الخدش بالنديم ولا

يخشى نديمي إذا انتشيت يدي

يأبى لي السيف والسنان وقو

م لم يضاموا كلبدة الأسد

فطرب حسان وبكى وقال: لقد أراني هناك سميعاً بصيراً، وعيناه تنضحان على خديه، وهو مصغ لها. وجعل عبد الرحمن يشير إليها ويقول: أعيدي وأسمعي الشيخ. قال خارجة: فيعجبني لعمر الله ما يعجب عبد الرحمن من بكاء أبيه.

قال أبو غزية: لحسان بن ثابت مواضع، هو شاعر الأنصار، وشاعر اليمن، وشاعر أهل القرى، وأفضل ذلك كله هو شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مدافع.

قال محمد بن يونس: كنا عند الأصمعي فسئل: ما أراد حسان بقوله:

أولاد جفنة عند قبر أبيهم

قبر ابن مارية الكريم المفضل

ما في هذا ما يمدحهم به! قال: أراد أنهم ملوك حلول في موضع واحد، وهم أهل مدر وليسوا بأهل عمد ينتقلون.

قال هشام بن محمد الكلبي: قال حسان بن ثابت الأنصاري: خرجت أريد عمرو بن الحارث بن أبي شمر الغساني، فلما كنت في بعض الطريق

ص: 297

وقفت على السعلاة في جوف الليل فقالت: أين تريد يابن الفريعة؟ فقلت لها: أريد الملك. قالت: أتعرفني؟ قلت لها: لا. قالت: أنا السعلاة صاحبة النابغة، وأختي المعلاة صاحبة علقمة بن عبدة، وإني مقترحة عليك بيتاً، فإن أنت أجزته شفعت لك إلى أختي، وإن لم تجزه قتلتك. فقلت: هات. قالت:

إذا ما ترعرع فينا الغلام

فما إن يقال له من هوه

قال: فتبعتها من ساعتي فقلت:

فإن لم يسد قبل شد الإزار

فذلك فينا الذي لاهوه

ولي صاحب من بني الشيصبان

فحيناً أقول وحيناً هوه

فقالت أولى لك نجوت، فاسمع مقالتي واحفظها: عليك بمدارسة الشعر، فإنه أشرف الآداب وأكرمها وأنورها، به يسخو الرجل، وبه يتظرف، وبه يجالس الملوك، وبه يخدم، وبتركه يتضع. ثم قالت: إنك إذا وردت على الملك وجدت عنده النابغة، وسأصرف عنك معرته، وعلقمة بن عبدة، وسأكلم المعلاة أختي حتى ترد عنك سورته. قال حسان: فقدمت على عمرو بن الحارث، فاعتاص علي الوصول إليه فقلت للحاجب بعد مدة: إن أنت أذنت لي عليه وإلا هجوت اليمن كلها، ثم انتقلت عنها. فأذن عليه، فلما وقفت بين يديه وجدت النابغة جالساً عن يمينه، وعلقمة جالساً عن يساره، فقال لي: يابن الفريعة قد عرفت عيصك ونسبك في غسان فارجع، فإني باعث إليك بصلة سنية، ولا أحتاج إلى الشعر، فإني أخاف عليك هذين السبعين أن يفضحاك، وفضيحتك فضيحتي، وأنت اليوم لا تحسن أن تقول:

رقاق النعال طيب حجزاتهم

يحيون بالريحان يوم السباسب

فقلت: لا بد منه. فقال: ذلك إلى عميك؛ فقلت: أسألكما بحق الملك الحراب، إلا ما قدمتماني عليكما. فقالا: قد فعلنا. فقال: هات. فأنشأت أقول والقلب وجل:

ص: 298

أسالت رسم الدار أم لم تسأل

بين الجوابي فالبضيع فحومل

حتى أتيت على آخرها، فلم يزل عمرو بن الحارث يزحل عن مجلسه سروراً، حنى شاطر البيت وهو يقول: هذه والله البتارة، التي قد بترت المدائح، هذا وأبيك الشعر، لا ما تعللاني به منذ اليوم، يا غلام، ألف دينار مرموجة. فأعطيت ألف دينار، في كل دينار عشرة دنانير، ثم قال: لك مثلها في كل سنة، قم يا زياد بن ذبيان، فهات الثناء المسجوع. فقام النابغة فقال: ألا انعم صباحاً أيها الملك المبارك، السماء غطاؤك والأرض وطاؤك، ووالدي فداؤك، والعرب وقاؤك، والعجم حماؤك، والحكماء وزراؤك، والعلماء جلساؤك، والمقاول سمارك، والحلم دثارك، والسكينة مهادك، والصدق رداؤك، واليمن حذاؤك، والبر فراشك، وأشرف الآباء آباؤك، وأطهر الأمهات أمهاتك، وأفخر الشبان أبناؤك، وأعف النساء حلائلك، وأعلى البنيان بنيانك، وأكرم الأجداد أجدادك، وأفضل الأخوال أخوالك، وأنزه الحدائق حدائقك، وأعذب المياه مياهك، قد لازم الردن أوقك، وحالف الإضريج عاتقك، ولاوم المسك مسكك، وقابل الصرف ترائبك، العسجد قواريرك، واللجين صحافك، والشهاد إدامك، والخرطوم شرابك، والأبكار مستراحك، والصبر سواسك، والخير بفنائك، والشر في ساحة أعدائك، والذهب عطاؤك، وألف دينار مرموجة إيتاؤك، والنصر منوط بأبوابك، زين قولك فعلك، وطحطح عدوك غضبك، وهزم مغايبهم مشهدك، وسار في الناس عدلك، وسكن تباريح البلاء ظفرك، أيفاخرك ابن المنذر اللخمي! فوالله لقفاك خير من وجهه، ولشمالك خير من يمينه، ولصمتك خير من كلامه، ولأمك خير من أبيه،

ص: 299

ولخدمك خير من علية قومه. فهب لي أسارى قومي، واسترهن بذلك شكري، فإنك من أشراف قحطان، وأنا من سروات عدنان.

فرفع عمرو بن الحارث رأسه إلى جارية كانت على رأسه قائمة فقالت: مثل ابن الفريعة فليمدح الملوك، ومثل زياد فليثن على الملوك.

وهذه القصيدة:

أسألت رسم الدار أم لم تسأل

بين الجوابي فالبضيع فحومل

فالمرج مرج الصفرين فجاسم

فديار بثنى درّساً لم تحلل

دار لقوم قد أراهم مرة

فوق الأعزة عزّهم لم ينقل

لله درّ عصابة نادمتهم

يوماً بجلّق في الزمان الأول

أولاد جفنة عند قبر أبيهم

قبر ابن مارية الكريم المفضل

مارية: أمهم. المفضل: الذي يفضل ما ملك. ومعنى حول قبر أبيهم: أي هم آمنون، لا يبرحون ولا يخافون كما يخاف العرب، وهم مخصبون لا ينتجعون.

يسقون من ورد البريص عليهم

برداً يصفّق بالرّحيق السّلسل

برداً: أراد ثلجاً. يصفق: يمزج. الرحيق: الخمرة البيضاء. السلسل: تنسل في الحلق تذهب ويروى: بردى - ممال - وهو نهر.

يسقون درياق المدام ولم تكن

تغدو ولائدهم لنقف الحنظل

أي شرابهم في الأشربة بمنزلة الدرياق في الدواء. ولم تكن تغدو ولائدهم لنقف الحنظل: أي هم ملوك يخدمون، وهم في سعة، لا يحتاجون إلى ما يحتاج إليه العرب من نقف الحنظل وغيره.

ص: 300

بيض الوجوه كريمة أحسابهم

شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل

يقول: هم أصحاب كبر وتيه. والأشم: المرتفع. وإنما خص الأنف بذلك، لأن الأنفة والحمية والغضب فيه. ولم يرد بذلك طول الأنف. والعرب تقول: شمخ بأنفه. فيضرب المثل بالأنف للكبر والعزة. ومنه قوله عز وجل: " سنسمه على الخرطوم ". ومن الطراز الأول: يقول هم مثل آبائهم الأشراف المتقدمين، الذين لا تشبه خلائقهم وأفعالهم هذه الأفعال المحدثة.

يغشون حتى ما تهر كلابهم

لا يسألون عن السواد المقبل

يقول: إن منازلهم لا تخلو من الضياف والطراق والعفاة، فكلابهم لا تهر على من يقصد منازلهم. وقوله: لا يسألون عن السواد المقبل: أي هم في سعة لا يبالون كم نزل بهم من الناس، ولا يهولهم الجمع الكبير وهو السواد، إذا قصدوا نحوهم.

فلبثت أزماناً طوالاً فيهم

ثم ادّكرت كأنني لم أفعل

أي: بقيت دهراً فيهم، ثم انتقلت فتذكرت ما كنت فيه، فكأنه شيء لم يكن، فلم يبق إلا الحديث والذكر.

إما تري رأسي تغير لونه

شمطاً فأصبح كالثغام الممحل

يخاطب امرأة. والثغامة: شجرة بيضاء نورها وورقها كأنها القطن. شبه الشيب بها. والثغامة إذا قل المطر كان أشد لبياضها، لأنها تيبس وتجف، فيخلص بياضها ولا تخضر.

فلقد يراني الموعدي وكأنني

في قصر دومة أو سواء الهيكل

يقول: كان يراني الذي يتوعدني ويتهددني في العز والمنعة، كأنني مع أولاد جفنة في دومة الجندل وهو منزل بالشام وأصحاب الحديث يقولونه بفتح الدال: دومة الجندل.

ص: 301

وأهل الأعراب: بضم الدال. وقوله: سواء الهيكل: أي وسط الهيكل. والهيكل: بيت للنصارى يعظمونه.

ولقد شربت الخمر في حانوتها

صهباء صافية كطعم الفلفل

يسعى عليّ بكأسها متنطف

فيعلني منها وإن لم أنهل

المتنطف: الذي في أذنه قرط. ويروى: متنطق: أي في وسطه منطقة. فيعلني: يسقيني مرة بعد مرة. والنهل: الري هاهنا. والعلل: الشرب الثاني.

إن الذي عاطيتني فرددتها

قتلت قتلت فهاتها لم تقتل

قتلت: أي صب فيها الماء فمزجت، فهاتها صرفاً غير ممزوج.

كلتاهما حلب العصير فعاطني

بزجاجة أرخاهما للمفصل

كلتاهما: يعني، الخمر والماء. أرخاهما للمفصل: أي الصرف. والمفصل بكسر الميم: اللسان، والمفصل: واحد المفاصل.

بزجاجة رقصت بما في جوفها

رقص القلوص براكب مستعجل

المعنى رقص مافي جوفها. ويروى قعرها.

حسبي أصيل في الكرام ومذودي

تكوي مراسمه جنوب المصطلي

مذوده: لسانه. يقول: من اصطلى بناري، أي من يعرض لي وسمت جنبه بلساني، أي بهجائي.

ولقد تقلدنا العشيرة أمرها

ونسود يوم النائبات ونعتلي

أي إن عشيرتهم تفوض أمرها إليهم وتطيعهم. والتقليد هاهنا: الطاعة.

ويسود سيدنا جحاجح سادة

ويصيب قائلنا سواء المفصل

الجحاجح: السادة. فقال: سادة سادة تأكيداً. وقائلهم: خطيبهم. وسواء المفصل: وسط المفصل. والسواء: الوسط.

وتزور أبواب الملوك ركابنا

ومتى نحكم في العشيرة نعدل

ص: 302

وفتى يحب الحمد يجعل ماله

من دون والده وإن لم يسأل

يعطي العشيرة حقها ويزيدها

ويحوطها في النائبات المعضل

وعن صفية بنت عبد المطلب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى أحد، جعل نساءه في أطم يقال له فارع، وجعل معهن حسان بن ثابت. فكان حسان ينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذا شد على المشركين شد معه وهو في الحصن، فإذا رجع رجع، وأنه قال: فجاء إنسان من اليهود فرقي في الحصن حتى أطل علينا، فقلت لحسان: قم فاقتله. فقال: ما ذاك فيّ، لو كان فيّ ذاك كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت صفية: فقمت إليه فضربته حتى قطعت رأسه، فلما طرحته قلت لحسان: قم إلى رأسه فاطرحه على اليهود وهم أسفل الحصن. فقال: والله ما ذاك فيّ. قالت: فأخذت رأسه فرميت به عليهم فقالوا: قد والله علمنا أن هذا لم يكن ليترك أهله خلوفاً ليس معهم أحد. قالت: فتفرقوا فذهبوا.

قال: قوله يوم أحد: وهم إنما كان ذلك يوم الخندق، كما روي من وجه آخر عن صفية.

وروى ابن الكلبي: أن حسان بن ثابت كان لسنا شجاعاً، فأصابته علة أحدثت فيه الجبن، فكان بعد ذلك لا يقدر أن ينظر إلى قتال ولا يشهده.

قال أبو عبيد القاسم بن سلام: سنة أربع وخمسين، فيها توفي حكيم بن حزام، وحويطب بن عبد العزى، وسعد بن يربوع المخزومي، وحسان بن ثابت الأنصاري، ويقال: إن هؤلاء الأربعة ماتوا وقد بلغ

ص: 303