الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا يَتَمَنَّى الرَّجُلُ مَالَ أَخِيهِ وَلَا امْرَأَتِهِ وَلَا خَادِمِهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مِثْلَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ وذلك في القرآن. وقوله:(وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) أَيْ مِنْ رِزْقِهِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مِنْ عِبَادَتِهِ، فَهُوَ سُؤَالُ التَّوْفِيقِ لِلْعِبَادَةِ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يَأْمُرْ بِالْمَسْأَلَةِ إِلَّا لِيُعْطِيَ. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32]
[33]
، {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} [النساء: 33] أَيْ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَعَلْنَا مَوَالِيَ، أَيْ: عُصْبَةً يُعْطُونَ {مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 33] الوالدان وَالْأَقْرَبُونَ هُمُ الْمُوَرِّثُونَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ أَيْ: وَرَثَةً مِمَّا تَرَكَ أَيْ: مِنَ الَّذِينَ تركوهم وَيَكُونُ (مَا) بِمَعْنَى: (مِنْ)، ثُمَّ فسر {الْمَوَالِيَ} [مريم: 5] فقال: الوالدان والأقربون، أي: هم الوالدان والأقربون، فعلى هذا القول: الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ، هُمُ الْوَارِثُونَ، {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ (عَقَدَتْ) بِلَا أَلْفٍ، أَيْ: عَقَدَتْ لَهُمْ أَيْمَانُكُمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) وَالْمُعَاقَدَةُ: الْمُحَالَفَةُ وَالْمُعَاهَدَةُ، وَالْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ مِنَ الْيَدِ وَالْقَسَمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ الْمُحَالَفَةِ يَأْخُذُ بَعْضُهُمْ بِيَدِ بَعْضٍ عَلَى الْوَفَاءِ، وَالتَّمَسُّكِ بِالْعَهْدِ. وَمُحَالَفَتُهُمْ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: دمي دمك وَثَأْرِي ثَأْرُكَ وَحَرْبِي حَرْبُكَ وَسِلْمِي سِلْمُكَ وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ وَتَطْلُبُ بِي وَأَطْلُبُ بِكَ وَتَعْقِلُ عَنِّي وَأَعْقِلُ عَنْكَ (فَيَكُونُ لِلْحَلِيفِ السُّدُسُ مِنْ مال الحليف، وكان ذلك فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] أَيْ: أَعْطُوهُمْ حَظَّهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ: أَرَادَ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالرِّفْدِ وَلَا ميراث لهم، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ آخَى بَيْنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِتِلْكَ الْمُؤَاخَاةِ دُونَ الرَّحِمِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ) نُسِخَتْ، ثُمَّ قَالَ:(وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) من النَّصْرُ وَالرِّفَادَةُ وَالنَّصِيحَةُ، وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ فَيُوصِي لَهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالتَّبَنِّي وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهِ ثُمَّ نُسِخَ. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [النساء: 33]
[قَوْلُهُ تَعَالَى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ]
اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. . . .
[34]
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النِّسَاءِ: 34] الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَكَانَ مِنَ النُّقَبَاءِ وفي امرأته وَذَلِكَ أَنَّهَا نَشَزَتْ عَلَيْهِ فَلَطَمَهَا، فَانْطَلَقَ أَبُوهَا مَعَهَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَفْرَشْتُهُ كَرِيمَتِي فَلَطَمَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" لِتَقْتَصَّ مِنْ زَوْجِهَا " فَانْصَرَفَتْ مَعَ أَبِيهَا لِتَقْتَصَّ مِنْهُ فَجَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " ارْجِعُوا هَذَا جِبْرِيلُ أَتَانِي بِشَيْءٍ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا، وَالَّذِي أَرَادَ اللَّهُ خَيْرٌ "، وَرَفَعَ الْقِصَاصَ (1) قَوْلُهُ تَعَالَى:(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) أَيْ: مُسَلَّطُونَ عَلَى تَأْدِيبِهِنَّ، وَالْقَوَّامُ وَالْقَيِّمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْقَوَّامُ أَبْلَغُ وَهُوَ الْقَائِمُ بِالْمَصَالِحِ وَالتَّدْبِيرِ وَالتَّأْدِيبِ، {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34] يَعْنِي: فَضَّلَ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ بِزِيَادَةِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالْوِلَايَةِ، وَقِيلَ: بِالشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [الْبَقَرَةِ: 282] وَقِيلَ: بِالْجِهَادِ، وَقِيلَ: بِالْعِبَادَاتِ مِنَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْكِحُ أَرْبَعًا وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ إِلَّا زَوْجٌ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: بِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ، وَقِيلَ: بِالْمِيرَاثِ، وَقِيلَ: بِالدِّيَةِ، وَقِيلَ: بِالنُّبُوَّةِ، {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] يعني: إعطاء المهر والنفقة، قوله تعالى:{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} [النساء: 34] أي: مطيعات
(1) روى قريبًا من هذا الخبر الإمام الطبري في تفسيره 5 / 37، 38.
{حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} [النساء: 34] أَيْ: حَافِظَاتٌ لِلْفُرُوجِ فِي غَيْبَةِ الْأَزْوَاجِ، وَقِيلَ: حَافِظَاتٌ لِسِرِّهِمْ {بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ (بِمَا حَفِظَ اللَّهَ) بِالنَّصْبِ، أَيْ: يَحْفَظْنَ اللَّهَ فِي الطَّاعَةِ، وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالرَّفْعِ، أي بما يحفظن اللَّهُ بِإِيصَاءِ الْأَزْوَاجِ بِحَقِّهِنَّ وَأَمْرِهِمْ بِأَدَاءِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ. وَقِيلَ: حَافِظَاتٌ للغيب بحفظ الله {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: 34] عِصْيَانَهُنَّ وَأَصْلُ النُّشُوزِ: التَّكَبُّرُ وَالِارْتِفَاعُ، وَمِنْهُ النَّشْزُ لِلْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ، {فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] بِالتَّخْوِيفِ مِنَ اللَّهِ وَالْوَعْظِ بِالْقَوْلِ، {وَاهْجُرُوهُنَّ} [النساء: 34] يَعْنِي: إِنْ لَمْ يَنْزِعْنَ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ فَاهْجُرُوهُنَّ {فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ فِي الْفِرَاشِ وَلَا يُكَلِّمُهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَعْتَزِلُ عَنْهَا إِلَى فَرَّاشٍ آخر، {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] يعني: إن لم ينزعن الْهِجْرَانِ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَا شَائِنٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: ضَرْبًا بالسواك {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} [النساء: 34] أَيْ: لَا تَجْنُوا عَلَيْهِنَّ الذُّنُوبَ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَا تُكَلِّفُوهُنَّ مَحَبَّتَكُمْ فَإِنَّ الْقَلْبَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِنَّ. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34] مُتَعَالِيًا مِنْ أَنْ يُكَلِّفَ الْعِبَادَ ما لا يُطِيقُونَهُ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَجْمَعُ عَلَيْهَا بَيْنَ الْوَعْظِ وَالْهِجْرَانِ وَالضَّرْبِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى ظَاهِرِهَا وَقَالَ: إِذَا ظَهَرَ النُّشُوزُ جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ، وَحَمَلَ الْخَوْفَ فِي قَوْلِهِ:(وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ)، عَلَى الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} [الْبَقَرَةِ: 182] أَيْ: عَلِمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْخَوْفَ عَلَى الْخَشْيَةِ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الْعِلْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال: 58] وقال: هذه الأفعال عَلَى تَرْتِيبِ الْجَرَائِمِ، فَإِنْ خَافَ نُشُوزَهَا بِأَنْ ظَهَرَتْ أَمَارَتُهُ مِنْهَا مِنَ الْمُخَاشَنَةِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَعَظَهَا، فَإِنْ أَبْدَتِ النُّشُوزَ هَجَرَهَا، فَإِنْ أصرت على ذلك ضربها.
[35]
، قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] يعني: خلافا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالْخَوْفُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الظَّنِّ يَعْنِي: إِنْ ظَنَنْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا، وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ شِقَاقٌ وَاشْتَبَهَ حَالُهُمَا فَلَمْ يَفْعَلِ الزَّوْجُ الصَّفْحَ وَلَا الْفُرْقَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ تَأْدِيَةَ الْحَقِّ وَلَا الْفِدْيَةَ وَخَرَجَا إِلَى مَا لَا يَحِلُّ قَوْلًا وَفِعْلًا بَعَثَ الْإِمَامُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ إِلَيْهِ وَحَكَمًا مَنْ أَهْلِهَا إِلَيْهَا رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ لِيَسْتَطْلِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَكَمَيْنِ رَأْيَ مَنْ بُعِثَ إِلَيْهِ إِنْ كانت رغبته في الصلح أَوْ فِي الْفُرْقَةِ ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْحَكَمَانِ فَيُنْفِذَانِ مَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ رَأْيُهُمَا مِنَ الصَّلَاحِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل:{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا} [النساء: 35] يَعْنِي: الْحَكَمَيْنِ، {يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] يَعْنِي: بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَقِيلَ: بَيْنَ الْحَكَمَيْنِ، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35] اختلف الْقَوْلُ فِي جَوَازِ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجَيْنِ، وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ