الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران: 111] وَوَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ (أُمَّةٌ قَائِمَةٌ) وَقِيلَ: قَوْلُهُ (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) ابتداء كلام آخَرَ، لِأَنَّ ذِكْرَ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ جَرَى، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَانِ الْفَرِيقَانِ سَوَاءٌ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ ابْنُ مسعود رضي الله عنه: لَا يَسْتَوِي الْيَهُودُ وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الْقَائِمَةُ بِأَمْرِ اللَّهِ الثَّابِتَةُ عَلَى الْحَقِّ الْمُسْتَقِيمَةُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:(أُمَّةٌ قَائِمَةٌ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ مُهْتَدِيَةٌ قَائِمَةٌ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّعُوهُ وَلَمْ يَتْرُكُوهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَادِلَةٌ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مُطِيعَةٌ قَائِمَةٌ على كتاب الله وحده. وَقِيلَ قَائِمَةٌ فِي الصَّلَاةِ. وَقِيلَ: الْأُمَّةُ الطَّرِيقَةُ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَيْ ذوو أمة، أي: ذوو طَرِيقَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ. {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ} [آل عمران: 113] يقرؤون كِتَابَ اللَّهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَتَّبِعُونَ، {آنَاءَ اللَّيْلِ} [آل عمران: 113] ساعاته، {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113] أَيْ: يُصَلُّونَ، لِأَنَّ التِّلَاوَةَ لَا تَكُونُ فِي السُّجُودِ،! وَاخْتَلَفُوا فِي معناها، فقال بعضهم: هي قِيَامِ اللَّيْلِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ صَلَاةُ الْعَتَمَةِ يُصَلُّونَهَا وَلَا يُصَلِّيهَا مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
[114]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 114]
[115]
{وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آل عمران: 115] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ بِالْيَاءِ فِيهِمَا إِخْبَارٌ عَنِ، الْأُمَّةِ الْقَائِمَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ فِيهِمَا، لِقَوْلِهِ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] وَأَبُو عَمْرٍو يَرَى الْقِرَاءَتَيْنِ جَمِيعًا، ومعنى هذه الْآيَةِ: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تُعْدَمُوا ثَوَابَهُ بَلْ يُشْكَرُ لَكُمْ وَتُجَازُونَ عَلَيْهِ، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 115] بالمؤمنين.
[قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ]
وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا. . . .
[116]
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [آل عمران: 116] أَيْ: لَا تَدْفَعُ أَمْوَالُهُمْ بِالْفِدْيَةِ وأولادهم بالنصرة مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، أَيْ: مَنْ. عَذَابِ اللَّهِ، وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَدْفَعُ عَنْ، نَفْسِهِ تَارَةً بِفِدَاءِ الْمَالِ وَتَارَةً بِالِاسْتِعَانَةِ بِالْأَوْلَادِ، {وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 116] وَإِنَّمَا جَعَلَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهَا لِأَنَّهُمْ أَهْلُهَا لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا يُفَارِقُونَهَا، كَصَاحِبِ الرَّجُلِ لَا يُفَارِقُهُ.
[117]
{مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران: 117] قِيلَ: أَرَادَ نَفَقَاتِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ بِبَدْرٍ وَأُحُدٍ عَلَى عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وقال مقاتل: أراد نَفَقَةُ الْيَهُودِ عَلَى عُلَمَائِهِمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي جَمِيعَ نَفَقَاتِ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا وَصَدَقَاتِهِمْ، وَقِيلَ: أَرَادَ إِنْفَاقَ الْمُرَائِي الَّذِي لَا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} [آل عمران: 117] حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّهَا السَّمُومُ الْحَارَّةُ الَّتِي تَقْتُلُ، وَقِيلَ فِيهَا صِرٌّ أَيْ: صَوْتٌ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: فِيهَا بَرْدٌ شَدِيدٌ، {أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ} [آل عمران: 117] زرع قوم، {ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران: 117] بِالْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ وَمَنْعِ حَقِّ اللَّهِ تعالى، {فَأَهْلَكَتْهُ} [آل عمران: 117] فَمَعْنَى الْآيَةِ: مَثَلُ نَفَقَاتِ الْكُفَّارِ وذهابها وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا كَمَثَلِ زَرْعٍ أَصَابَتْهُ رِيحٌ بَارِدَةٌ فَأَهْلَكَتْهُ أَوْ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُ فَلَمْ يَنْتَفِعْ أَصْحَابُهُ مِنْهُ بِشَيْءٍ، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 117] بذلك، {وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران: 117] بالكفر والمعصية.
[118]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: 118] الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُوَاصِلُونَ الْيَهُودَ لِمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ وَالصَّدَاقَةِ وَالْحِلْفِ وَالْجِوَارِ وَالرَّضَاعِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ يَنْهَاهُمْ عَنْ مُبَاطَنَتِهِمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يُصَافُونَ الْمُنَافِقِينَ فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: 118] أي: أولياء أصفياء مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ، وَبِطَانَةُ الرَّجُلِ: خَاصَّتُهُ، تَشْبِيهًا بِبِطَانَةِ الثَّوْبِ الَّتِي تَلِي بَطْنَهُ، لِأَنَّهُمْ يَسْتَبْطِنُونَ أَمْرَهُ وَيَطَّلِعُونَ مِنْهُ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ، ثُمَّ بَيَّنَ الْعِلَّةَ فِي النَّهْيِ عَنْ مُبَاطَنَتِهِمْ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ:{لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران: 118] أَيْ لَا يُقَصِّرُونَ
وَلَا يَتْرُكُونَ جُهْدَهُمْ فِيمَا يُورِثُكُمُ الشَّرَّ وَالْفَسَادَ، وَالْخَبَالُ: الشَّرُّ وَالْفَسَادُ، وَنُصِبَ (خَبَالًا) عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي، لِأَنَّ (يَأْلُو) يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَقِيلَ: بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ بِالْخَبَالِ، كَمَا يُقَالُ أَوْجَعْتُهُ ضَرْبًا {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران: 118] أَيْ يَوَدُّونَ مَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ مِنَ الضُّرِّ وَالشَّرِّ وَالْهَلَاكِ، وَالْعَنَتُ المشقة، {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ} [آل عمران: 118] أَيِ: الْبُغْضُ، مَعْنَاهُ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ العداوة، {مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [آل عمران: 118] بِالشَّتِيمَةِ وَالْوَقِيعَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: بإطلاع المشركين على أسرار المسلمين، {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ} [آل عمران: 118] من العداوة والغيظ، {أَكْبَرُ} [آل عمران: 118] أَعْظَمُ، {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118]
[119]
{هَا أَنْتُمْ} [آل عمران: 119] تَنْبِيهٌ وَأَنْتُمْ كِنَايَةٌ لِلْمُخَاطَبِينَ مِنَ الذكور، {أُولَاءِ} [آل عمران: 119] اسم للمشار إليه، يُرِيدُ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، {تُحِبُّونَهُمْ} [آل عمران: 119] أَيْ: تُحِبُّونَ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ الَّذِينَ نَهَيْتُكُمْ عَنْ مُبَاطَنَتِهِمْ لِلْأَسْبَابِ الَّتِي بَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ، {وَلَا يُحِبُّونَكُمْ} [آل عمران: 119] لِمَا بَيْنَكُمْ مِنْ مُخَالَفَةِ الدِّينِ، وقال مُقَاتِلٌ هُمُ الْمُنَافِقُونَ يُحِبُّهُمُ الْمُؤْمِنُونَ لِمَا أَظْهَرُوا مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَا يَعْلَمُونَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} [آل عمران: 119] يَعْنِي بِالْكُتُبِ كُلِّهَا وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِكِتَابِكُمْ، {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا} [آل عمران: 119] وَكَانَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ {عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آلِ عمران: 119] يَعْنِي: أَطْرَافَ الْأَصَابِعِ وَاحِدَتُهَا أُنْمُلَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا، مِنَ الْغَيْظِ، لِمَا يَرَوْنَ مِنَ ائْتِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ، وَعَضُّ الْأَنَامِلِ عِبَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْغَيْظِ وَهَذَا مِنْ مَجَازِ الْأَمْثَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَضٌّ، {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران: 119] أَيِ: ابْقَوْا إِلَى الْمَمَاتِ بِغَيْظِكُمْ، {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 119] أَيْ: بِمَا فِي الْقُلُوبِ مِنْ خير وشر.
[120]
وقوله تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ} [آل عمران: 120] أي: تصبكم أيها المؤمنون {حَسَنَةٌ} [آل عمران: 120] بِظُهُورِكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ وَغَنِيمَةٍ تَنَالُونَهَا مِنْهُمْ، وَتَتَابُعِ النَّاسِ فِي الدُّخُولِ فِي دِينِكُمْ، وَخِصْبٍ فِي مَعَايِشِكُمْ {تَسُؤْهُمْ} [آل عمران: 120] تحزنهم، {وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ} [آل عمران: 120] مَسَاءَةٌ بِإِخْفَاقِ سَرِيَّةٍ لَكُمْ أَوْ إصابة عدو منكم، واختلاف يَكُونُ بَيْنَكُمْ أَوْ جَدْبٍ أَوْ نكبة، {يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا} [آل عمران: 120] على أذاهم {وَتَتَّقُوا} [آل عمران: 120] تخافوا ربكم {لَا يَضُرُّكُمْ} [آل عمران: 120] أَيْ: لَا يَنْقُصُكُمْ، {كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ (لَا يَضُرُّكُمْ) بِكَسْرِ الضَّادِ خَفِيفَةٍ، يُقَالُ: ضَارَ يَضِيرُ ضَيْرًا، وَهُوَ جَزْمٌ عَلَى جَوَابِ الْجَزَاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ الضَّادِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مِنْ ضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا مِثْلَ رَدَّ يَرُدُّ رَدًّا وَفِي رَفْعِهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ الْجَزْمَ، وَأَصْلُهُ يَضْرُرْكُمْ فَأُدْغِمَتِ الرَّاءُ فِي الرَّاءِ، وَنُقِلَتْ ضَمَّةُ الرَّاءِ الْأُولَى إِلَى الضَّادِ وَضُمَّتِ الثَّانِيَةُ اتِّبَاعًا، وَالثَّانِي: أَنْ تكون لَا بِمَعْنَى لَيْسَ وَيُضْمَرُ فِيهِ الْفَاءُ، تَقْدِيرُهُ: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَلَيْسَ