الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا} [آلِ عُمْرَانَ: 99]
[56]
، قَوْلُهُ عز وجل:{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ} [الأنعام: 56] فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَطَرْدِ الْفُقَرَاءِ، {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [الأنعام: 56] يَعْنِي: إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ تَرَكْتُ سَبِيلَ الْحَقِّ وَسَلَكْتُ غَيْرَ طَرِيقِ الْهُدَى.
[57]
، {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ} [الأنعام: 57] أَيْ: عَلَى بَيَانٍ وَبَصِيرَةٍ وَبُرْهَانٍ {مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ} [الأنعام: 57] أَيْ: مَا جِئْتُ بِهِ، {مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} [الأنعام: 57] قيل: أراد به استعجالهم بالعذاب، كَانُوا يَقُولُونَ:{إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً} [الأنفال: 32] الآية، وقيل. أَرَادَ بِهِ الْقِيَامَةَ، قَالَ اللَّهُ:{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا} [الشُّورَى: 18]{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ} [الأنعام: 57] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (يَقْضِي) بِسُكُونِ الْقَافِ وَالضَّادُ مَكْسُورَةٌ، مِنْ قَضَيْتُ، أَيْ: يَحْكُمُ بِالْحَقِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: {وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57] وَالْفَصْلُ يَكُونُ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا حَذَفُوا الْيَاءَ لِاسْتِثْقَالِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:(صَالِ الْجَحِيمِ) وَنَحْوِهَا، وَلَمْ يَقُلْ بِالْحَقِّ لِأَنَّ الْحَقَّ صِفَةُ الْمَصْدَرِ، كَأَنَّهُ قَالَ. يَقْضِي الْقَضَاءَ الْحَقَّ.
[58]
، {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي} [الأنعام: 58] وبيدي، {مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} [الأنعام: 58] مِنَ الْعَذَابِ، {لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: 58] أَيْ: فَرَغَ مِنَ الْعَذَابِ وَأَهْلَكْتُمْ، أَيْ: لَعَجَّلْتُهُ حَتَّى أَتَخَلَّصَ مِنْكُمْ، {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ} [الأنعام: 58]
[59]
، قوله تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59] مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَزَائِنُهُ، جَمْعُ مِفْتَحٍ، واختلفوا في مفاتح الغيب. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ:"مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ: لَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي الْغَدِ إِلَّا اللَّهُ عز وجل، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدُ إِلَّا اللَّهَ، وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهَ ". وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ. مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَزَائِنُ الْأَرْضِ، وَعِلْمُ نُزُولِ الْعَذَابِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: مَا غَابَ عَنْكُمْ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَقِيلَ: انْقِضَاءُ الْآجَالِ، وَقِيلَ: أَحْوَالُ الْعِبَادِ مِنَ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ وَخَوَاتِيمِ أَعْمَالِهِمْ، وَقِيلَ: هِيَ مَا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ أَنَّهُ يَكُونُ أَمْ لَا يَكُونُ، وَمَا يَكُونُ كَيْفَ يَكُونُ، وَمَا لَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ؟ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أُوتِيَ نَبِيُّكُمْ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا عِلْمَ مَفَاتِيحِ الْغَيْبِ. {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 59] قَالَ مُجَاهِدٌ: الْبَرُّ: الْمَفَاوِزُ وَالْقِفَارُ، وَالْبَحْرُ: الْقُرَى وَالْأَمْصَارُ، لَا يَحْدُثُ فِيهِمَا شَيْءٌ إِلَّا يَعْلَمُهُ، وَقِيلَ: هُوَ الْبَرُّ وَالْبَحْرُ الْمَعْرُوفُ، {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا} [الأنعام: 59] يُرِيدُ سَاقِطَةً وَثَابِتَةً، يَعْنِي: يَعْلَمُ عَدَدَ مَا يَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ وَمَا يَبْقَى عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَعْلَمُ كَمِ انْقَلَبَتْ ظَهْرًا لِبَطْنٍ إِلَى أَنْ سَقَطَتْ عَلَى الْأَرْضِ {وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ} [الأنعام: 59] قِيلَ هُوَ الْحَبُّ الْمَعْرُوفُ فِي بُطُونِ الْأَرْضِ، وَقِيلَ: هُوَ تَحْتَ الصخرة التي فِي أَسْفَلِ الْأَرْضِينَ، {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ} [الأنعام: 59] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: الرَّطْبُ الْمَاءُ، وَالْيَابِسُ الْبَادِيَةُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ مَا يَنْبُتُ وَمَا لَا يَنْبُتُ، وَقِيلَ: وَلَا حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍّ، وَقِيلَ: هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] يَعْنِي أَنَّ الْكُلَّ مَكْتُوبٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ.
[قَوْلُهُ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ]
مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى. . . .
[60]
، قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} [الأنعام: 60] أَيْ: يَقْبِضُ أَرْوَاحَكُمْ إِذَا نِمْتُمْ بالليل، {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ} [الأنعام: 60] كَسَبْتُمْ، {بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} [الأنعام: 60] أَيْ: يُوقِظُكُمْ فِي النَّهَارِ، {لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى} [الأنعام: 60] يَعْنِي: أَجَلَ الْحَيَاةِ إِلَى الْمَمَاتِ، يُرِيدُ اسْتِيفَاءَ الْعُمْرِ عَلَى التَّمَامِ، {ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} [الأنعام: 60] في الآخرة {ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ} [الأنعام: 60] يخبركم، {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأنعام: 60]
[61]
، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الأنعام: 61] يَعْنِي: الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ، وَهُوَ جَمْعُ حَافِظٍ، نَظِيرُهُ {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ - كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الِانْفِطَارِ: 10 - 11] {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ} [الأنعام: 61] قَرَأَ حَمْزَةُ (تُوَفِّيهِ) وَ (اسْتَهْوِيهُ)
بالياء وأمالهما، {رُسُلُنَا} [الأنعام: 61] يَعْنِي: أَعْوَانَ مَلَكِ الْمَوْتِ يَقْبِضُونَهُ فَيَدْفَعُونَهُ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ فَيَقْبِضُ رُوحَهُ، كَمَا قَالَ:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة: 11] وَقِيلَ: الْأَعْوَانُ يَتَوَفَّوْنَهُ بِأَمْرِ مَلَكِ الْمَوْتِ فَكَأَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ تَوَفَّاهُ لِأَنَّهُمْ يَصْدُرُونَ عَنْ أَمْرِهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالرُّسُلِ مَلَكَ الْمَوْتِ وَحْدَهُ، فذكر الواحد بلفظ الجمع، {وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 61] لَا يُقَصِّرُونَ.
[62]
، {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام: 62] يَعْنِي: الْمَلَائِكَةَ، وَقِيلَ: يَعْنِي الْعِبَادَ يُرَدُّونَ بِالْمَوْتِ إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ، فَإِنْ قِيلَ الْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ جَمِيعًا وَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:{وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [مُحَمَّدٍ: 11] فَكَيْفَ وُجِّهَ الْجَمْعُ؟ فَقِيلَ: الْمَوْلَى فِي تِلْكَ الْآيَةِ بِمَعْنَى النَّاصِرِ وَلَا ناصر للكفار، والمولى ها هنا بمعنى المالك الَّذِي يَتَوَلَّى أُمُورَهُمْ وَاللَّهُ عز وجل مَالِكُ الْكُلِّ وَمُتَوَلِّي الْأُمُورِ، وَقِيلَ: أَرَادَ هُنَا الْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً يُرَدُّونَ إِلَى مَوْلَاهُمْ، وَالْكُفَّارُ فِيهِ تبع، {أَلَا لَهُ الْحُكْمُ} [الأنعام: 62] أَيِ: الْقَضَاءُ دُونَ خَلْقِهِ، {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 62] أَيْ: إِذَا حَاسَبَ فَحِسَابُهُ سَرِيعٌ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى فِكْرَةٍ وروية وعقد يد.
[63]
، قَوْلِهِ تَعَالَى:{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ} [الأنعام: 63] قَرَأَ يَعْقُوبُ بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بِالتَّشْدِيدِ، {مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 63] أَيْ: مِنْ شَدَائِدِهِمَا وَأَهْوَالِهِمَا، كَانُوا إِذَا سَافَرُوا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَضَلُّوا الطَّرِيقَ وَخَافُوا الْهَلَاكَ، دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَيُنْجِيهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأنعام: 63] أَيْ: عَلَانِيَةً وَسِرًّا، قَرَأَ أَبُو بكر عن عاصم (وخيفة) بكسر الخاء هنا وَفِي الْأَعْرَافِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّهَا وهما لغتان، {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا} [يونس: 22] أَيْ: يَقُولُونَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا، وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: لَئِنْ أَنْجَانَا اللَّهُ، {مِنْ هَذِهِ} [الأنعام: 63] يَعْنِي: مِنْ هَذِهِ الظُّلُمَاتِ، {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 63] وَالشُّكْرُ: هُوَ مَعْرِفَةُ النِّعْمَةِ مَعَ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا.
[64]
، {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا} [الأنعام: 64] قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَأَبُو جَعْفَرٍ (يُنَجِّيكُمْ) بِالتَّشْدِيدِ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ) ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ هَذَا بِالتَّخْفِيفِ، {وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ} [الأنعام: 64] وَالْكَرْبُ غَايَةُ الْغَمِّ الَّذِي يَأْخُذُ النفس، {ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 64] يُرِيدُ أَنَّهُمْ يُقِرُّونَ أَنَّ الَّذِي يَدْعُونَهُ عِنْدَ الشِّدَّةِ هُوَ الَّذِي ينجيهم ثم يشركون مَعَهُ الْأَصْنَامَ الَّتِي قَدْ عَلِمُوا أَنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ.
[65]
، قَوْلُهُ عز وجل:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَقَالَ قَوْمٌ نزلت في المشركين، وقوله {عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] يَعْنِي: الصَّيْحَةَ وَالْحِجَارَةَ وَالرِّيحَ وَالطُّوفَانَ، كَمَا فَعَلَ بِعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَقَوْمِ نُوحٍ {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] يَعْنِي: الرَّجْفَةَ وَالْخَسْفَ كَمَا فَعَلَ بِقَوْمِ شُعَيْبٍ