الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَكَّةَ، وَقِيلَ: الْحَرَمَ، {بَلَدًا آمِنًا} [البقرة: 126] أَيْ: ذَا أَمْنٍ يَأْمَنُ فِيهِ أَهْلُهُ، {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: 126] إِنَّمَا دَعَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ بواد غير ذي زرع {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 126] دعا للمؤمنين خاصة، {قَالَ} [البقرة: 126] اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا} [البقرة: 126] أَيْ سَأَرْزُقُ الْكَافِرَ أَيْضًا قَلِيلًا إِلَى مُنْتَهَى أَجَلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ الرِّزْقَ لِلْخَلْقِ كَافَّةً مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْقِلَّةِ لِأَنَّ مَتَاعَ الدُّنْيَا قَلِيلٌ، {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} [البقرة: 126] أَيْ: أُلْجِئُهُ فِي الْآخِرَةِ: {إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 126] أي: المرجع يصير إليه.
[127]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [البقرة: 127] يَعْنِي أُسُسَهُ، وَاحِدَتُهَا: قَاعِدَةٌ، وَقَالَ الكسائي: جدر الْبَيْتَ {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [الْبَقَرَةِ: 127] فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ وَيَقُولَانِ: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا بِنَاءَنَا {إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ} [البقرة: 127] لدعائنا {الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] بِنِيَّاتِنَا.
[128]
{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة: 128] مُوَحِّدَيْنِ مُطِيعَيْنِ مُخْلِصَيْنِ خَاضِعَيْنِ لَكَ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا} [البقرة: 128] أي: أولادنا، {أُمَّةً} [البقرة: 128] جَمَاعَةً، وَالْأُمَّةُ: أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ، {مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة: 128] خاضعة لك، {وَأَرِنَا} [البقرة: 128] علمنا وعرفنا {مَنَاسِكَنَا} [البقرة: 128] شَرَائِعَ دِينِنَا وَأَعْلَامَ حَجِّنَا، وَقِيلَ: مَوَاضِعَ حَجِّنَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَذَابِحَنَا، وَالنُّسُكُ: الذَّبِيحَةُ، وَقِيلَ: مُتَعَبَّدَاتِنَا، وَأَصْلُ النُّسُكِ: الْعِبَادَةُ، وَالنَّاسِكُ: الْعَابِدُ، فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُمَا فَبَعَثَ جِبْرِيلَ فَأَرَاهُمَا الْمَنَاسِكَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ عَرَفَاتٍ قَالَ: عَرَفْتَ يَا إِبْرَاهِيمُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَسَمَّى الْوَقْتَ عَرَفَةَ وَالْمَوْضِعَ عَرَفَاتٍ. {وَتُبْ عَلَيْنَا} [البقرة: 128] تَجَاوَزْ عَنَّا، {إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 128]
[129]
{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ} [البقرة: 129] أَيْ: فِي الْأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ مِنْ ذرية إبراهيم وإسماعيل، وقيل: في أهل مكة، {رَسُولًا مِنْهُمْ} [البقرة: 129] أَيْ: مُرْسَلًا مِنْهُمْ، أَرَادَ بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم {يَتْلُو} [البقرة: 129] يقرأ {عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ} [البقرة: 129] كِتَابَكَ يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَالْآيَةُ مِنَ الْقُرْآنِ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ إِلَى انْقِطَاعِهِ، وَقِيلَ: هِيَ جَمَاعَةُ حُرُوفٍ، يُقَالُ خَرَجَ الْقَوْمُ بِآيَتِهِمْ، أَيْ بِجَمَاعَتِهِمْ، {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} [البقرة: 129] يعني: القرآن، {وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 129] قَالَ مُجَاهِدٌ: فَهْمَ الْقُرْآنِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: مَوَاعِظَ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ من الأحكام، قال قُتَيْبَةَ: هِيَ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ، وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ حَكِيمًا حَتَّى يَجْمَعَهُمَا، وقيل: السنة والأحكام، وقيل: هي القضاء، وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ الْفِقْهُ، قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ: كُلُّ كَلِمَةٍ وَعَظَتْكَ أَوْ دَعَتْكَ إِلَى مَكْرُمَةٍ أَوْ نَهَتْكَ عَنْ قَبِيحٍ فَهِيَ حكمة، {وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة: 129] أَيْ: يُطَهِّرُهُمْ مِنَ الشِّرْكِ وَالذُّنُوبِ، وَقِيلَ: يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: يَشْهَدُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْعَدَالَةِ إِذَا شَهِدُوا لِلْأَنْبِيَاءِ بِالْبَلَاغِ مِنَ التَّزْكِيَةِ وَهِيَ التَّعْدِيلُ، {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 129] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْعَزِيزُ: الَّذِي لا يوجد مثله.
[130]
{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 130] أَيْ: يَتْرُكُ دِينَهُ وَشَرِيعَتَهُ، يُقَالُ: رَغِبَ فِي الشَّيْءِ إِذَا أَرَادَهُ، وَرَغِبَ عَنْهُ إِذَا تَرَكَهُ، وَقَوْلُهُ:(من) : لفظة استفهام ومعناه التَّقْرِيعُ وَالتَّوْبِيخُ، يَعْنِي: مَا يَرْغَبُ من مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ {إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ خَسِرَ نَفْسَهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ضَلَّ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَهْلَكَ نَفْسَهُ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ وَالزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ جَهَّلَ نَفْسَهُ، وَالسَّفَاهَةُ: الْجَهْلُ وَضَعْفُ الرَّأْيِ، وَكُلُّ سَفِيهٍ جَاهِلٌ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ فَقَدْ جَهَّلَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ اللَّهَ خلقها، {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا} [الْبَقَرَةِ: 130] اخْتَرْنَاهُ فِي الدُّنْيَا، {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة: 130] يعني: أي مَعَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّالِحِينَ.
[قوله تعالى إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ]
الْعَالَمِينَ. . . .
[131]
{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ} [البقرة: 131] أَيِ اسْتَقِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَاثْبُتْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا، قَالَ ابن
عباس: قال له ذلك حِينَ خَرَجَ مِنَ السَّرَبِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَخْلِصْ دِينَكَ وَعِبَادَتَكَ لِلَّهِ، وقال عطاء: أسلم نفسك إِلَى اللَّهِ عز وجل وَفَوِّضْ أُمُورَكَ إِلَيْهِ، {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 131] أَيْ: فَوَّضْتُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَسْتَعِنْ بِأَحَدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
[132]
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البقرة: 132] معناه: ووصى بها إبراهيم وَوَصَّى يَعْقُوبُ بَنِيهِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ ومقاتل: يعني كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ لَا إِلَهَ إِلَّا الله {يا بَنِيَّ} [البقرة: 132] مَعْنَاهُ أَنْ يَا بَنِيَّ: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى} [البقرة: 132] اختار {لَكُمُ الدِّينَ} [البقرة: 132] أَيْ: دِينَ الْإِسْلَامِ {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] مُؤْمِنُونَ، وَقِيلَ مُخْلِصُونَ، وَقِيلَ مُفَوِّضُونَ، وَالنَّهْيُ فِي ظَاهِرِ الْكَلَامِ وَقَعَ عَلَى الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا نُهُوا فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ تَرْكِ الْإِسْلَامِ مَعْنَاهُ: دَاوِمُوا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى لَا يُصَادِفَكُمُ الْمَوْتُ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
[133]
قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ} [البقرة: 133] يَعْنِي أَكُنْتُمْ شُهَدَاءَ يُرِيدُ مَا كُنْتُمْ شُهَدَاءَ حُضُورًا {إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} [البقرة: 133] أَيْ: حِينَ قَرُبَ يَعْقُوبُ مِنَ الْمَوْتِ، قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ يَعْقُوبَ يَوْمَ مَاتَ أَوْصَى بَنِيهِ بِالْيَهُودِيَّةِ؟ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الْخِطَابُ لِلْيَهُودِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لِمَا دَخَلَ يَعْقُوبُ مِصْرَ رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ وَالنِّيرَانَ، فَجَمَعَ وَلَدَهُ وَخَافَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَقَالَ عز وجل:{إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [البقرة: 133] وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ عَمًّا لَهُمْ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْعَمَّ أَبًا كَمَا تُسَمِّي الخالة أما {إِلَهًا وَاحِدًا} [البقرة: 133] نَصْبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ، {إِلَهَكَ} [البقرة: 133] وَقِيلَ: نَعْرِفُهُ إِلَهًا وَاحِدًا، {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133]
[134]
{تِلْكَ أُمَّةٌ} [البقرة: 134] جماعة، {قَدْ خَلَتْ} [البقرة: 134] مضت، {لَهَا مَا كَسَبَتْ} [البقرة: 134] مِنَ الْعَمَلِ، {وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 134] يَعْنِي: يُسْأَلُ كُلٌّ عَنْ عَمَلِهِ لَا عَنْ عَمَلِ غَيْرِهِ.
[135]
{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} [البقرة: 135] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي رؤساء يهود المدينة وفي نصارى أهل نجران وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَاصَمُوا الْمُسْلِمِينَ فِي الدِّينِ كُلُّ فِرْقَةٍ تَزْعُمُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِدِينِ اللَّهِ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: نَبِيُّنَا مُوسَى أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَكِتَابُنَا التَّوْرَاةُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ، وَدِينُنَا أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ، وَكَفَرَتْ بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنِ، وَقَالَتِ النَّصَارَى نَبِيُّنَا أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَكِتَابُنَا الْإِنْجِيلُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ، وَدِينُنَا أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ وَكَفَرَتْ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِلْمُؤْمِنِينَ: كُونُوا عَلَى دِينِنَا فَلَا دِينَ إِلَّا ذَلِكَ، فَقَالَ تَعَالَى:{قُلْ} [البقرة: 135] يَا مُحَمَّدُ: {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 135] بل نتبع ملة إبراهيم {حَنِيفًا} [البقرة: 135] أراد به ملة إبراهيم الحنيف قال مجاهد: الحنيفة اتِّبَاعُ إِبْرَاهِيمَ فِيمَا أَتَى بِهِ مِنَ