الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ: فِي مَاذَا كُنْتُمْ أَوْ فِي أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ كُنْتُمْ؟ أَفِي الْمُسْلِمِينَ؟ أَمْ فِي الْمُشْرِكِينَ؟ سُؤَالُ تَوْبِيخٍ وَتَعْيِيرٍ فَاعْتَذَرُوا بِالضَّعْفِ عَنْ مقاومة أهل الشرك، {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ} [النساء: 97] عاجزين، {فِي الْأَرْضِ} [النساء: 97] يعني أرض مكة، {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97] ؟ يَعْنِي إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَخْرُجُوا مِنْ مَكَّةَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الشِّرْكِ؟ فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَعْلَمَنَا بِكَذِبِهِمْ، وقال:{فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ} [النساء: 97] منزلهم، {جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97] أَيْ: بِئْسَ الْمَصِيرُ إِلَى جَهَنَّمَ، ثُمَّ اسْتَثْنَى أَهْلَ الْعُذْرِ مِنْهُمْ، فَقَالَ:
[98]
{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} [النساء: 98] لَا يَقْدِرُونَ عَلَى حِيلَةٍ وَلَا على نفقة ولا على قوة الخروج منها، {وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} [النساء: 98] أَيْ: لَا يَعْرِفُونَ طَرِيقًا إِلَى الْخُرُوجِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَعْرِفُونَ طريق المدينة.
[99]
قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} [النساء: 99] يَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ، وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، لِأَنَّهُ لِلْإِطْمَاعِ، وَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا أَطْمَعَ عَبْدًا وَصَلَهُ إِلَيْهِ، {وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 99] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ، يَعْنِي الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَكَانَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو لِهَؤُلَاءِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي الصلاة.
[100]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (مُرَاغَمًا) أَيْ: متحوَّلا يَتَحَوَّلُ إِلَيْهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مُتَزَحْزِحًا عَمَّا يَكْرَهُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمُرَاغَمُ: المهاجر، قيل: سميت المهاجرة مراغمة لأن من يهاجر يراغم قومه، وسعة أي: في الرزق، وقيل: سعة من الضلالة إلى الهدى {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} [النساء: 100] أَيْ: قَبْلَ بُلُوغِهِ إِلَى مُهَاجِرِهِ، {فَقَدْ وَقَعَ} [النساء: 100] أَيْ: وَجَبَ {أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100] بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَضْلًا مِنْهُ، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 100]
[101]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النساء: 101] أَيْ: سَافَرْتُمْ، {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [النساء: 101] أَيْ: حَرَجٌ وَإِثْمٌ {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] يعني من أربعة رَكَعَاتٍ إِلَى رَكْعَتَيْنِ، وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعَشَاءِ، {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ} [النساء: 101] أَيْ: يَغْتَالَكُمْ وَيَقْتُلَكُمْ {الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] في الصلاة {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} [النساء: 101] أي: ظاهر العداوة.
[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ]
طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ. . . .
[102]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} [النساء: 102] رَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ رضي الله عنهم أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ قَامُوا إِلَى الظهر يصلون جميعا ندموا إلا كانوا أكبوا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: دَعَوْهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ بَعْدَهَا صَلَاةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ يَعْنِي صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَإِذَا قَامُوا فِيهَا فَشُدُّوا عَلَيْهِمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَنَزَلَ جبريل عليه السلام فَعَلَّمَهُ صَلَاةَ الْخَوْفِ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْعَدُوَّ إِذَا كَانُوا فِي مُعَسْكَرِهِمْ فِي غَيْرِ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ فَيَجْعَلُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ فِرْقَتَيْنِ فَتَقِفُ طَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ تَحْرُسُهُمْ، وَيَشْرَعُ الْإِمَامُ مَعَ طَائِفَةٍ فِي الصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً قَامَ وَثَبَّتَ قائما حتى أتموا صلاتهم، وذهبوا إِلَى وِجَاهِ الْعَدُوِّ ثُمَّ أَتَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةِ فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَثَبَتَ جَالِسًا حَتَّى أَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صلى كذلك بذات الرقاع، قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ) أَيْ: شَهِيدًا مَعَهُمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ، {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] أي: فلتقف {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا} [النساء: 102] أَيْ: صَلُّوا، {فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} [النساء: 102] يُرِيدُ مَكَانَ الَّذِينَ هُمْ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} [النساء: 102] وَهْمُ الَّذِينَ كَانُوا فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] قِيلَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَتَوْا،
وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ صَلُّوا، {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 102] يتمنى الكفار، {لَوْ تَغْفُلُونَ} [النساء: 102] أي: وَجَدُوكُمْ غَافِلِينَ، {عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} [النساء: 102] فَيَقْصِدُونَكُمْ وَيَحْمِلُونَ عَلَيْكُمْ حَمْلَةً وَاحِدَةً، {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} [النساء: 102] رَخَّصَ فِي وَضْعِ السِّلَاحِ فِي حَالِ الْمَطَرِ وَالْمَرَضِ، لِأَنَّ السِّلَاحَ يَثْقُلُ حَمْلُهُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 102] أَيْ: رَاقِبُوا الْعَدُوَّ كَيْلَا يَتَغَفَّلُوكُمْ، وَالْحِذْرُ مَا يُتَّقَى بِهِ مِنَ العدو، {إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 102] يُهانُونَ فِيهِ، والجُناح: الْإِثْمُ، مِنْ جَنَحَتْ إِذَا عَدَلَتْ عَنِ الْقَصْدِ.
[103]
{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ} [النساء: 103] يَعْنِي صَلَاةَ الْخَوْفِ، أَيْ فَرَغْتُمْ منها، {فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء: 103] أي: صلوا لله {قِيَامًا} [النساء: 103] في حال الصحة، {وَقُعُودًا} [النساء: 103] فِي حَالِ الْمَرَضِ، {وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103] عند الجرح وَالزَّمَانَةِ، وَقِيلَ: اذْكُرُوا اللَّهَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّمْجِيدِ عَلَى كُلِّ حال، {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} [النساء: 103] أَيْ: سَكَنْتُمْ وَأَمِنْتُمْ، {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [النساء: 103] أَيْ: أَتِمُّوهَا أَرْبَعًا بِأَرْكَانِهَا، {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] قِيلَ: وَاجِبًا مَفْرُوضًا مُقَدَّرًا فِي الْحَضَرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ فَرْضًا مؤقتا وقته الله عليهم.
[104]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} [النساء: 104] الْآيَةَ، سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ أَبَا سفيان رضي الله عنه وَأَصْحَابَهُ لَمَّا رَجَعُوا يَوْمَ أُحُدٍ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَائِفَةً فِي آثَارِهِمْ فَشَكَوْا أَلَمَ الْجِرَاحَاتِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} [النساء: 104] أي: تَضْعُفُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ فِي طلب القوم أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ، {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} [النساء: 104] تَتَوَجَّعُونَ مِنَ الْجِرَاحِ، {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ} [النساء: 104] أَيْ: يَتَوَجَّعُونَ، يَعْنِي الْكُفَّارَ {كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104] أَيْ: وَأَنْتُمْ مَعَ ذَلِكَ تَأْمُلُونَ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ وَالنَّصْرِ فِي الدُّنْيَا مَا لَا يَرْجُونَ، {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104]
[105]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] الآية، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ طُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ مِنْ بَنِي ظَفْرِ بْنِ الْحَارِثِ سَرَقَ دِرْعًا مِنْ جَارٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَكَانَتِ الدِّرْعُ فِي جِرَابٍ له فِيهِ دَقِيقٌ فَجَعَلَ الدَّقِيقُ يَنْتَثِرُ مِنْ خَرْقٍ فِي الْجِرَابِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الدَّارِ، ثُمَّ خَبَّأَهَا عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ زَيْدُ بْنُ السَّمِينِ، فَالْتَمَسْتُ الدِّرْعَ عِنْدَ طُعْمَةَ فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا أَخَذَهَا وَمَا لَهُ بِهَا مِنْ عِلْمٍ، فَقَالَ أَصْحَابُ الدِّرْعِ: لَقَدْ رَأَيْنَا أَثَرَ الدَّقِيقِ حَتَّى دَخَلَ دَارَهُ، فَلَمَّا حَلَفَ تَرَكُوهُ وَاتَّبَعُوا أَثَرَ الدَّقِيقِ إِلَى مَنْزِلِ الْيَهُودِيِّ فَأَخَذُوهُ مِنْهُ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ دَفْعَهَا إِلَيَّ طُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ،