الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خُصَّ بها إِبْرَاهِيمُ لِأَنَّهُ كَانَ مَقْبُولًا عِنْدَ الْأُمَمِ أَجْمَعَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ بُعث على ملة إبراهيم وزيدت لَهُ أَشْيَاءُ. {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125] صفيا، والخلة: صفاء المودة، قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى الْخَلِيلُ الَّذِي لَيْسَ فِي مَحَبَّتِهِ خَلَلٌ، وَالْخُلَّةُ: الصَّدَاقَةُ، فَسُمِّيَ خَلِيلًا لِأَنَّ اللَّهَ أحبه واصطفاه.
[126]
قَوْلُهُ عز وجل: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا} [النساء: 126] أَيْ: أَحَاطَ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ.
[127]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} [النساء: 127] الآية، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ، وَهُوَ وَلِيُّهَا فَيَرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ بِأَقَلَّ مِنْ سُنَّةِ صَدَاقِهَا، وَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبَةً عَنْهَا فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكَهَا، وَفِي رِوَايَةٍ هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ قَدْ شَرَكَتْهُ فِي مَالِهِ فَيَرْغَبُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِدَمَامَتِهَا وَيَكْرَهَ أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَهُ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فَيَحْبِسُهَا حَتَّى تَمُوتَ فَيَرِثُهَا، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، قَوْلُهُ عز وجل:(وَيَسْتَفْتُونَكَ) أَيْ: يَسْتَخْبِرُونَكَ فِي النِّسَاءِ، (قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ)، {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} [النساء: 127] قيل: معناه ويفتيكم فيما يتلى عليكم، وقيل: يريد الله أن يفتيكم فيهن وَكِتَابُهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، وَهُوَ قَوْلُهُ عز وجل:{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2] قوله: {فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} [النِّسَاءِ: 127] هَذَا إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْيَتَامَى النِّسَاءَ، {اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ} [النساء: 127] أَيْ: لَا تُعْطُونَهُنَّ، {مَا كُتِبَ لَهُنَّ} [النساء: 127] مِنْ صَدَاقِهِنَّ، {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127] أَيْ: فِي نِكَاحِهِنَّ لِمَالِهِنَّ وَجَمَالِهِنَّ بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِهِنَّ، وَقَالَ الْحَسَنُ وجماعة: أراد لا تُؤْتُونَهُنَّ حَقَّهُنَّ مِنَ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ، وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ، أَيْ: عَنْ نِكَاحِهِنَّ لدمامتهن، {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ} [النساء: 127] يُرِيدُ: وَيُفْتِيكُمْ فِي الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَهُمُ الصِّغَارُ، أَنْ تُعْطُوهُمْ حُقُوقَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُورِّثون الصِّغَارَ، يُرِيدُ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي بَابِ الْيَتَامَى مِنْ قَوْلِهِ {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2] يَعْنِي بِإِعْطَاءِ حُقُوقِ الصِّغَارِ، {وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} [النساء: 127] أَيْ: وَيُفْتِيكُمْ فِي أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ بِالْعَدْلِ فِي مُهُورِهِنَّ وَمَوَارِيثِهِنَّ، {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} [النساء: 127] يجازيكم عليه.
[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ]
إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا. . . .
[128]
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} [النساء: 128] أي: علمت {مِنْ بَعْلِهَا} [النساء: 128] أي: من زوجها {نُشُوزًا} [النساء: 128] أَيْ: بُغْضًا، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي ترك مضاجعتها، {أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] بِوَجْهِهِ عَنْهَا وَقِلَّةِ مُجَالَسَتِهَا، {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [النساء: 128] أَيْ: عَلَى الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ، (أَنْ يَصَّالَحَا) أَيْ يَتَصَالَحَا، وَقَرَأَ أَهْلُ الكوفة {أَنْ يُصْلِحَا} [النساء: 128] من أصلح، {بَيْنَهُمَا صُلْحًا} [النساء: 128] يعني: في القِسْم وَالنَّفَقَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ لَهَا، إِنَّكِ قَدْ دَخَلْتِ فِي السِّنِّ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً شَابَّةً جَمِيلَةً أَوِثْرُهَا عَلَيْكِ فِي الْقِسْمَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا فَإِنْ رضيتِ بِهَذَا فَأَقِيمِي وَإِنْ كَرِهْتِ خلّيتُ سَبِيلَكِ، فَإِنْ رضيتْ كَانَتْ هِيَ الْمُحْسِنَةَ وَلَا تُجبر عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِدُونِ حقها كَانَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا مِنَ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ أَوْ يُسَرِّحَهَا بِإِحْسَانٍ، فَإِنْ أَمْسَكَهَا وَوَفَّاهَا حَقَّهَا مَعَ كَرَاهِيَةٍ فَهُوَ مُحْسِنٌ وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ فَيَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا الشَّابَّةَ، فَيَقُولُ لِلْكَبِيرَةِ: أَعْطَيْتُكِ مِنْ مَالِي نَصِيبًا عَلَى أَنْ أَقْسِمَ لِهَذِهِ الشَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَقْسِمُ لَكِ فَتَرْضَى بِمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَرْضَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَسْمِ. وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: تَكُونُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَنْبُو عَيْنُهُ عَنْهَا مِنْ دَمَامَةٍ أَوْ كِبَرٍ فَتَكْرَهُ فُرْقَتَهُ، فَإِنْ أَعْطَتْهُ مِنْ مَالِهَا فَهُوَ لَهُ حِلٌّ وَإِنْ أَعْطَتْهُ مِنْ أَيَّامِهَا فَهُوَ حل له، {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] يَعْنِي: إِقَامَتَهَا بَعْدَ تَخْيِيرِهِ إِيَّاهَا وَالْمُصَالَحَةُ عَلَى
تَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا مِنَ الْقَسْمِ والنفقة خير من الفرقة {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: 128] يُرِيدُ شُحَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِنَصِيبِهِ مِنَ الْآخَرِ، وَالشُّحُّ: أَقْبَحُ الْبُخْلِ، وَحَقِيقَتُهُ: الْحِرْصُ عَلَى منع الخير، {وَإِنْ تُحْسِنُوا} [النساء: 128] أي: تصلحوا {وَتَتَّقُوا} [النساء: 128] الْجَوْرَ، وَقِيلَ: هَذَا خِطَابٌ مَعَ الأزواج، أي: تُحْسِنُوا بِالْإِقَامَةِ مَعَهَا عَلَى الْكَرَاهَةِ وَتَتَّقُوا ظُلْمَهَا {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 128] فيجزيكم بأعمالكم.
[129]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} [النِّسَاءِ: 129] أَيْ: لَنْ تَقْدِرُوا أَنْ تُسَوُّوا بَيْنَ النِّسَاءِ فِي الْحُبِّ وميل القلب، {وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129] على العدل، {فَلَا تَمِيلُوا} [النساء: 129] أَيْ: إِلَى الَّتِي تُحِبُّونَهَا، {كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129] فِي الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ، أَيْ: لَا تُتبِعوا أَهْوَاءَكُمْ أَفْعَالَكُمْ، {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] أي: فتدعوا الأخرى كالمعلقة لَا أيِّمًا وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَالْمَحْبُوسَةِ، وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: كَأَنَّهَا مَسْجُونَةٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ ولا أملك "(1){وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا} [النساء: 129] الْجَوْرَ، {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 129]
[130]
{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا} [النساء: 130] يَعْنِي: الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ بِالطَّلَاقِ، {يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النِّسَاءِ: 130] مِنْ رِزْقِهِ، يَعْنِي: الْمَرْأَةَ بِزَوْجٍ آخَرَ وَالزَّوْجَ بِامْرَأَةٍ أُخْرَى، {وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: 130] وَاسِعَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ حَكِيمًا فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، وَجُمْلَةُ حُكم الْآيَةِ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ، فَإِنْ تَرَكَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُنَّ فِي فِعْلِ الْقَسْمِ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِلْمَظْلُومَةِ وَالتَّسْوِيَةُ شَرْطٌ فِي الْبَيْتُوتَةِ، أَمَّا فِي الْجِمَاعِ فَلَا، لِأَنَّهُ يَدُورُ عَلَى النَّشَاطِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْهِ.
[131]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [النساء: 131] عَبِيدًا ومُلكا {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [النساء: 131] يَعْنِي: أَهَّلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَسَائِرَ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي كُتُبِهِمْ، {وَإِيَّاكُمْ} [النساء: 131] يا أهل القرآن في القرآن، {أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131] أَيْ: وَحِّدُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، {وَإِنْ تَكْفُرُوا} [النساء: 131] بِمَا أَوْصَاكُمُ اللَّهُ بِهِ {فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [النساء: 131] قِيلَ: فَإِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ هِيَ أَطْوَعُ لَهُ منكم، {وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا} [النساء: 131] عَنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلى طاعتهم، {حَمِيدًا} [النساء: 131] مَحْمُودًا عَلَى نِعَمِهِ.
[132]
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء: 132] قَالَ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي شَهِيدًا أَنَّ فِيهَا عَبِيدًا، وقيل: دافعا ومُجيرا، فإن
(1) رواه أبو داود في كتاب النكاح / 38، والنسائي في كتاب عشرة النساء / 2، وابن ماجه في كتاب النكاح / 47، والدارمي في كتاب النكاح / 25، وهو معل.