الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{جَمِيعًا} [آل عمران: 103] الْحَبْلُ: السَّبَبُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْبُغْيَةِ، وَسُمِّيَ الْإِيمَانُ حَبْلًا لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى زَوَالِ الْخَوْفِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ ههنا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ تَمَسَّكُوا بِدِينِ اللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ الْجَمَاعَةُ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهَا حَبْلُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ وَالطَّاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ: بِعَهْدِ اللَّهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: هو القرآن، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: بِحَبْلِ اللَّهِ أَيْ: بِأَمْرِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، {وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] كما افترقت اليهود والنصارى، {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} [آل عمران: 103] جمع اللَّهُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَوْسَهَا وَخَزْرَجَهَا بِالْإِسْلَامِ وَأَصْلَحَ ذَاتَ بَيْنِهِمْ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ (إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً) قَبْلَ الْإِسْلَامِ (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) بالإسلام، {فَأَصْبَحْتُمْ} [آل عمران: 103] أي: فصرتم، {بِنِعْمَتِهِ} [آل عمران: 103] برحمته وبدينه الإسلام، {إِخْوَانًا} [آل عمران: 103] فِي الدِّينِ وَالْوِلَايَةِ بَيْنَكُمْ. {وَكُنْتُمْ} [آل عمران: 103] يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ {عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ} [آل عمران: 103] أَيْ عَلَى طَرَفِ حُفْرَةٍ مِثْلِ شفا البئر، معناه: وكنتم عَلَى طَرَفِ حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ لَيْسَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْوُقُوعِ فِيهَا إِلَّا أَنْ تَمُوتُوا عَلَى كُفْرِكُمْ، {فَأَنْقَذَكُمْ} [آل عمران: 103] الله {مِنْهَا} [آل عمران: 103] بِالْإِيمَانِ، {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]
[104]
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} [آل عمران: 104] أي: ولتكونوا أُمَّةً، (مِنْ) صِلَةٌ لَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الْحَجِّ: 30] لَمْ يُرِدِ اجْتِنَابَ بَعْضِ الْأَوْثَانِ بَلْ أَرَادَ فَاجْتَنِبُوا الْأَوْثَانَ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ وَلْتَكُنْ لَامُ الْأَمْرِ، {يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: 104] إِلَى الْإِسْلَامِ، {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]
[105]
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105] قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُبْتَدِعَةُ مِنْ هذه الأمة.
[106]
{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106](يَوْمَ) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ، أَيْ: فِي يَوْمِ، وَانْتِصَابُ الظَّرْفِ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْمَفْعُولِ، يُرِيدُ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ الْمُؤْمِنِينَ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ الْكَافِرِينَ، وَقِيلَ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ الْمُخْلِصِينَ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ المنافقين، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وتسود وجوه أهل البدعة، {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [آل عمران: 106] مَعْنَاهُ: يُقَالُ لَهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106] فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ، وَهُمْ لَمْ يَكُونُوا مؤمنين؟ قيل: أَرَادَ بِهِ الْإِيمَانَ يَوْمِ الْمِيثَاقِ، حيز قال لهم ربهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ تَكَلَّمُوا بالإيمان بألسنتهم، وأنكروا بقلوبهم، وقال عِكْرِمَةَ: أَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ آمَنُوا بِأَنْبِيَائِهِمْ وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُمْ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا، وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: هُمُ الْخَوَارِجُ، وَقَالَ قتادة: هم أهل البدع.
[107]
قَوْلُهُ تَعَالَى {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: 107] هَؤُلَاءِ أَهْلُ الطَّاعَةِ، {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} [آل عمران: 107] ففي جَنَّةِ اللَّهِ. {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107]
[108]
{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 108]
[109]
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [آل عمران: 109]
[قَوْلِهِ تَعَالَى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
. . . .]
[110]
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، رضي الله عنهم، وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكَ بْنَ الصَّيْفِ ووهب بن يهود الْيَهُودِيَّيْنِ قَالَا لَهُمْ: نَحْنُ أَفْضَلُ مِنْكُمْ وَدِينُنَا خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَرَوَى
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] هم الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ: هُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً الرُّوَاةُ وَالدُّعَاةُ الَّذِينَ أمر الله المسلمين بطاعتهم وقال الآخرون: جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَوْلُهُ (كُنْتُمْ) أَيْ: أَنْتُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا} [الْأَعْرَافِ: 86] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} [الْأَنْفَالِ: 26] وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ عِنْدَ اللَّهِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وقال قوم: قوله (للناس) صِلَةُ قَوْلِهِ: (خَيْرَ أُمَّةٍ) أَيْ: أنتم خير أمة لِلنَّاسِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَعْنَاهُ: كنتم خير الناس للناس، تَجِيئُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فَتُدْخِلُونَهُمْ في الإسلام، وَقِيلَ: لِلنَّاسِ صِلَةُ قَوْلِهِ (أُخْرِجَتْ) مَعْنَاهُ: مَا أَخْرَجَ اللَّهُ لِلنَّاسِ أُمَّةً خَيْرًا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110] أي: الكافرون.
[111]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران: 111] قَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ رُؤُوسَ الْيَهُودِ عَمَدُوا إِلَى مَنْ آمَنُ مِنْهُمْ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، فآذوهم فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، لن يضركم أيها المؤمنون هؤلاء الجهود إلا أذى باللسان وعيدًا وطغيانًا، وَقِيلَ: كَلِمَةُ كُفْرٍ تَتَأَذَّوْنَ بِهَا {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ} [آل عمران: 111] منهزمين، {ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [آل عمران: 111] بل يكون لكم النصر.
[112]
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} [آل عمران: 112] حَيْثُ مَا وُجِدُوا {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: 112] يَعْنِي: أَيْنَمَا وُجِدُوا اسْتُضْعِفُوا وَقُتِلُوا أو سبوا فلا يأمنون إلا بحبل: عَهْدٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يسلموا، {وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عمران: 112] من الْمُؤْمِنِينَ بِبَذْلِ جِزْيَةٍ أَوْ أَمَانٍ، يعني: إلا أن يعصموا بحبل الله فَيَأْمَنُوا، قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: 112] رَجَعُوا بِهِ {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران: 112]
[113]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} [آلِ عِمْرَانَ: 113] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَمُقَاتِلٌ: لَمَّا آمن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَأَصْحَابَهُ، قَالَتْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ: مَا آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم إِلَّا شِرَارُنَا وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا تَرَكُوا دِينَ آبَائِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِهَا فَقَالَ قَوْمٌ: فِيهِ اخْتِصَارٌ تَقْدِيرُهُ: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ وَأُخْرَى غَيْرُ قَائِمَةٍ، فَتَرَكَ الْأُخْرَى اكْتِفَاءً بِذِكْرِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: تَمَامُ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ (لَيْسُوا سَوَاءً) وَهُوَ وَقْفٌ لِأَنَّهُ قَدْ جَرَى ذِكْرُ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110] ثُمَّ قَالَ: (لَيْسُوا سَوَاءً) يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ وَالْفَاسِقِينَ، ثُمَّ وَصَفَ الْفَاسِقِينَ، فَقَالَ: