الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [البقرة: 249] لما وَصَلُوا إِلَى النَّهْرِ وَقَدْ أُلْقِيَ الله عليهم العطش شرب منه الكل إلا الْقَلِيلَ، فَمَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً كَمَا أَمَرَ اللَّهُ قَوِيَ قَلْبُهُ وَصَحَّ إِيمَانُهُ، وَعَبَرَ النَّهْرَ سَالِمًا وَكَفَتْهُ تِلْكَ الْغُرْفَةُ الْوَاحِدَةُ لِشُرْبِهِ وَحَمْلِهِ وَدَوَابَّهُ، وَالَّذِينَ شَرِبُوا وَخَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ اسْوَدَّتْ شِفَاهُهُمْ وَغَلَبَهُمُ الْعَطَشُ، فلم يَحْضُرِ الْقِتَالَ إِلَّا الَّذِينَ لَمْ يشربوا، {فَلَمَّا جَاوَزَهُ} [البقرة: 249] يعني: النهر {هُوَ} [البقرة: 249] يَعْنِي: طَالُوتَ، {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [البقرة: 249] يعني: القليل، {قَالُوا} [البقرة: 249] يَعْنِي: الَّذِينَ شَرِبُوا وَخَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ وَكَانُوا أَهْلَ شَكٍّ وَنِفَاقٍ، {لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} [البقرة: 249] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَالسُّدِّيُّ: فَانْحَرَفُوا وَلَمْ يُجَاوِزُوا، {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ} [البقرة: 249] يستيقنون {أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ} [البقرة: 249] وهم الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَ طَالُوتَ {كَمْ مِنْ فِئَةٍ} [البقرة: 249] جَمَاعَةٍ، وَهِيَ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ له من لفظه، وجمعها فئات وفؤن، فِي الرَّفْعِ، وَفِئِينَ فِي الْخَفْضِ وَالنَّصْبِ، {قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 249] بقضائه وقدره وإرادته، {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249] بالنصر والمعونة.
[250]
{وَلَمَّا بَرَزُوا} [البقرة: 250] يَعْنِي: طَالُوتَ وَجُنُودَهُ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، {لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} [البقرة: 250] الْمُشْرِكِينَ، وَمَعْنَى بَرَزُوا: صَارُوا بِالْبِرَازِ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ واستوى منها، {قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا} [البقرة: 250] أَنْزَلَ وَاصْبُبْ {صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} [البقرة: 250] قو قُلُوبَنَا، {وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 250]
[قوله تعالى فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ]
. . . . .
[251]
{فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 251] أَيْ: بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} [البقرة: 251] قَالَ الْكَلْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ: مَلَكَ دَاوُدُ بَعْدَ قَتْلِ طَالُوتَ سَبْعَ سِنِينَ وَلَمْ يَجْتَمِعْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى مَلِكٍ وَاحِدٍ إِلَّا عَلَى دَاوُدَ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 251] يَعْنِي: النُّبُوَّةَ، جَمَعَ اللَّهُ لِدَاوُدَ بَيْنَ الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ كذلك من قبل كَانَ الْمُلْكُ فِي سِبْطٍ وَالنُّبُوَّةُ فِي سِبْطٍ، وَقِيلَ: الْمُلْكُ وَالْحِكْمَةُ هُوَ: الْعِلْمُ مَعَ الْعَمَلِ، قَوْلُهُ تعالى:{وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} [البقرة: 251] قَالَ الْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُ: يَعْنِي صَنْعَةَ الدُّرُوعِ، وَكَانَ يَصْنَعُهَا وَيَبِيعُهَا وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَقِيلَ: مَنْطِقُ الطَّيْرِ وَكَلَامُ الجعل والنمل والذر وما أشبهها مما لا صوت لها، وَقِيلَ: هُوَ الزَّبُورُ، وَقِيلَ: هُوَ الصوت الطيب والألحان {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [البقرة: 251] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: وَلَوْلَا دفع الله الناس بِجُنُودِ الْمُسْلِمِينَ لَغَلَبَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْأَرْضِ فَقَتَلُوا الْمُؤْمِنِينَ وَخَرَّبُوا الْمَسَاجِدَ وَالْبِلَادَ، وَقَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ: لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْأَبْرَارِ عَنِ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ لَهَلَكَتِ الْأَرْضُ بِمَنْ فِيهَا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِالْمُؤْمِنِ عَنِ الْكَافِرِ، وَبِالصَّالِحِ عَنِ الْفَاجِرِ.
[252]
{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [البقرة: 252]
[253]
{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253] أَيْ: كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، يَعْنِي: مُوسَى عليه السلام، {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253] يَعْنِي: مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} [البقرة: 253] أَيْ: مِنْ بَعْدِ الرُّسُلِ، {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ} [البقرة: 253] ثَبَتَ عَلَى إِيمَانِهِ بِفَضْلِ اللَّهِ، {وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ} [البقرة: 253] بِخُذْلَانِهِ، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} [البقرة: 253] أَعَادَهُ تَأْكِيدًا، {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253] يُوَفِّقُ مَنْ يَشَاءُ فَضْلًا وَيَخْذُلُ من يشاء عدلا.
[254]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 254] قَالَ السُّدِّيُّ: أَرَادَ بِهِ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَرَادَ بِهِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَالنَّفَقَةَ فِي الْخَيْرِ، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ} [البقرة: 254] أي: لا فداء فيه، سمي بَيْعًا لِأَنَّ الْفِدَاءَ شِرَاءُ نَفْسِهِ،