الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[152]
{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اذْكُرُونِي بِطَاعَتِي أذكركم بمعونتي، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: اذْكُرُونِي بطاعتي أذكركم بمغفرتي، وقيل: اذْكُرُونِي فِي النِّعْمَةِ وَالرَّخَاءِ أَذْكُرْكُمْ فِي الشِّدَّةِ وَالْبَلَاءِ، بَيَانُهُ:{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ - لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 143 - 144] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] يَعْنِي: وَاشْكُرُوا لِي بِالطَّاعَةِ وَلَا تكفرون بِالْمَعْصِيَةِ، فَإِنَّ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ عَصَاهُ فَقَدْ كفره.
[153]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153] بِالْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ.
[154]
{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} [البقرة: 154] نَزَلَتْ فِي قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، سِتَّةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَثَمَانِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، كَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: مَاتَ فَلَانٌ وَذَهَبَ عَنْهُ نَعِيمُ الدُّنْيَا وَلَذَّتُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} [البقرة: 154] كَمَا قَالَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 169] قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى تُعْرَضُ أَرْزَاقُهُمْ عَلَى أَرْوَاحِهِمْ فَيَصِلُ إِلَيْهِمُ الرَّوْحُ وَالْفَرَحُ، كَمَا تُعْرَضُ النَّارُ عَلَى أَرْوَاحِ آلِ فِرْعَوْنَ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، فيصل إليهم الوجع.
[155]
قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} [البقرة: 155] أَيْ: وَلَنَخْتَبِرَنَّكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، واللام لجواب القسم المحذوف، تَقْدِيرُهُ: وَاللَّهِ لِنَبْلُوَنَّكُمْ، وَالِابْتِلَاءُ مِنَ اللَّهِ لِإِظْهَارِ الْمُطِيعِ مِنَ الْعَاصِي، لَا لِيَعْلَمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ، {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ} [البقرة: 155] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي خَوْفَ العدو، {وَالْجُوعِ} [البقرة: 155] يَعْنِي: الْقَحْطَ، {وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ} [البقرة: 155] بالخسران والهلاك، {وَالْأَنْفُسِ} [البقرة: 155] يَعْنِي: بِالْقَتْلِ وَالْمَوْتِ، وَقِيلَ: بِالْمَرَضِ والشيب، {وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة: 155] يَعْنِي: الْجَوَائِحَ فِي الثِّمَارِ، وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْخَوْفُ خَوْفُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْجُوعُ صِيَامُ رَمَضَانَ، وَنَقْصٌ مِنَ الْأَمْوَالِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ، وَالْأَنْفُسُ الْأَمْرَاضُ، وَالثَّمَرَاتُ مَوْتُ الْأَوْلَادِ، لِأَنَّ وَلَدُ الرَّجُلِ ثمرة قلبه، {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] عَلَى الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا، ثُمَّ وَصَفَهُمْ فقال.
[قوله تعالى الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا]
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ. . . .
[156]
{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ} [البقرة: 156] عَبِيدًا وَمِلْكًا، {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] في الآخرة.
[157]
{أُولَئِكَ} [البقرة: 157] أَهْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ: {عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157] أَيْ: رَحْمَةٌ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مِنَ الله الرحمة، والرحمة ذَكَرَهَا اللَّهُ تَأْكِيدًا، وَجَمِيعُ الصَّلَوَاتِ، أَيْ رَحْمَةٌ بَعْدَ رَحْمَةٍ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157] إِلَى الِاسْتِرْجَاعِ، وَقِيلَ: إِلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَقِيلَ: إِلَى الْجَنَّةِ وَالثَّوَابِ، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: نِعْمَ الْعَدْلَانِ وَنِعْمَتِ الْعِلَاوَةُ فَالْعَدْلَانِ: الصلاة والرحمة، والعلاوة الهداية.
[158]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] الصَّفَا جَمْعُ: صَفَاةٍ، وَهِي الصَّخْرَةُ الصُّلْبَةُ الْمَلْسَاءُ، يُقَالُ صَفَاةٌ وَصَفَا، مِثْلَ: حَصَاةٌ وَحَصَى وَنَوَاةٌ وَنَوَى، وَالْمَرْوَةُ: الْحَجَرُ الرَّخْوُ، وَجَمْعُهَا: مَرَوَاتٌ، وَجَمْعُ الْكَثِيرِ: مَرْو، مِثْلَ: تَمْرَةٍ وَتَمَرَاتٍ وَتَمْرٌ، وَإِنَّمَا عَنَى بِهِمَا الْجَبَلَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ بِمَكَّةَ فِي طَرَفَيِ الْمَسْعَى، وَلِذَلِكَ أَدْخَلَ فِيهِمَا الْأَلِفَ وَاللَّامَ، وَشَعَائِرُ اللَّهِ أَعْلَامُ دِينِهِ، أَصْلُهَا مِنَ الْإِشْعَارِ، وَهُوَ الْإِعْلَامُ، وَاحِدَتُهَا شَعِيرَةٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ معلما لقربات يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صَلَاةٍ وَدُعَاءٍ وَذَبِيحَةٍ، فَهُوَ شَعِيرَةٌ، فَالْمَطَافُ وَالْمَوْقِفُ وَالنَّحْرُ كُلُّهَا شعائر لله، ومثلها المشاعر، والمراد بالمشاعر هَاهُنَا: الْمَنَاسِكُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ أَعْلَامًا لِطَاعَتِهِ فَالصَّفَا وَالْمَرْوَةُ مِنْهَا حَتَّى يُطَافَ بِهِمَا جَمِيعًا، {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ} [البقرة: 158] فَالْحَجُّ فِي