الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِيلَ: فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي تَكْرَارِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) ؟ قِيلَ: لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَمَعْنَاهُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ يُوصِيكُمْ بِالتَّقْوَى فَاقْبَلُوا وَصِيَّتَهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَيَقُولُ:{فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا} [النساء: 131] أَيْ: هُوَ الْغَنِيُّ وَلَهُ الْمُلْكُ فَاطْلُبُوا مِنْهُ مَا تَطْلُبُونَ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَيَقُولُ:{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء: 132] أَيْ: لَهُ الْمُلْكُ فَاتَّخِذُوهُ وَكِيلًا ولا تتوكلوا على غيره.
[133]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} [الأنعام: 133] يهلككم {أَيُّهَا النَّاسُ} [النساء: 133] يعني: الكفار، {وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} [النساء: 133] يَقُولُ بِغَيْرِكُمْ خَيْرٍ مِنْكُمْ وَأَطْوَعَ، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} [النساء: 133] قَادِرًا.
[134]
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النساء: 134] يُرِيدُ مَنْ كَانَ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ عَرَضا مِنَ الدُّنْيَا وَلَا يُرِيدُ بِهَا اللَّهَ عز وجل آتَاهُ اللَّهُ مِنْ عَرَض الدُّنْيَا أَوْ دَفَعَ عَنْهُ فِيهَا مَا أَرَادَ اللَّهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ ثَوَابٍ، وَمَنْ أَرَادَ بِعَمَلِهِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ آتَاهُ اللَّهُ مِنَ الدُّنْيَا مَا أَحَبَّ وَجَزَاهُ الْجَنَّةَ في الآخرة. قوله تعالى:{وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134]
[قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ]
شُهَدَاءَ لِلَّهِ. . . .
[135]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] يَعْنِي: كُونُوا قَائِمِينَ بِالشَّهَادَةِ بِالْقِسْطِ، أَيْ: بِالْعَدْلِ لِلَّهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْعَدْلِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى من كانت له، {وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] فِي الرَّحِمِ، أَيْ: قُولُوا الْحَقَّ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِالْإِقْرَارِ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَأَقِيمُوهَا عَلَيْهِمْ لِلَّهِ، وَلَا تُحابوا غَنِيًّا لِغِنَاهُ وَلَا تَرْحَمُوا فَقِيرًا لِفَقْرِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135] مِنْكُمْ، أَيْ: أَقِيمُوا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَلِلْمَشْهُودِ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا مِنْكُمْ، أَيْ: كِلوا أَمْرَهُمَا إِلَى اللَّهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمَا، {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء: 135] أي: ولا تَجُورُوا وَتَمِيلُوا إِلَى الْبَاطِلِ مِنَ الْحَقِّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى لِتَعْدِلُوا، أَيْ: لِتَكُونُوا عَادِلِينَ كَمَا يُقَالُ: لَا تَتَّبِعِ الْهَوَى لترضي ربك. {وَإِنْ تَلْوُوا} [النساء: 135] أَيْ: تُحَرِّفُوا الشَّهَادَةَ لِتُبْطِلُوا الْحَقَّ {أَوْ تُعْرِضُوا} [النساء: 135] عنها فتكتموها ولا تقيموها، يقال: تَلْوُوا أَيْ تُدَافِعُوا فِي إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ، يُقَالُ: لَوَيْتَه حَقَّهُ إِذَا دفعتَه وأبطلتَه، وَقِيلَ: هَذَا خِطَابٌ مَعَ الْحُكَّامِ فِي ليِّهم الْأَشْدَاقَ، يَقُولُ: وَإِنْ تَلْوُوا أَيْ تَمِيلُوا إِلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ تُعْرِضُوا عَنْهُ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ (تَلُوا) بِضَمِّ اللَّامِ، قِيلَ: أَصْلُهُ تَلْوُوا، فَحُذِفَتْ إِحْدَى الْوَاوَيْنِ تَخْفِيفًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: وَإِنْ تَلُوا الْقِيَامَ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ تُعْرِضُوا فَتَتْرُكُوا أَدَاءَهَا {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135]
[136]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 136] الآية، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سلام وأسد وأسيد بني كَعْبٍ، وَثَعْلَبَةَ بْنِ قَيْسٍ وَسَلَامِ بْنِ أُخْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سلام، وسلمة ابن أخيه ويامين بن يا مين فهؤلاء مؤمنو أَهْلِ الْكِتَابِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: إِنَّا نُؤْمِنُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِمُوسَى وَالتَّوْرَاةِ وَعُزَيْرٍ وَنَكْفُرُ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " بَلْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، والقرآن وبكل كتاب كان قَبْلَهُ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنِ وَبِمُوسَى عليه السلام وَالتَّوْرَاةِ (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، {وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ} [النساء: 136] يَعْنِي الْقُرْآنَ، {وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} [النساء: 136] مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَسَائِرِ الكتب، {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 136] فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالُوا: فَإِنَّا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْقُرْآنِ وَبِكُلِّ رَسُولٍ وَكِتَابٍ كَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَالْمَلَائِكَةِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَرَادَ بهم اليهود والنصارى، وقيل:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بِمُوسَى وَعِيسَى (آمِنُوا) بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ، وقال مجاهد: أراد بهم الْمُنَافِقِينَ، يَقُولُ:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بِاللِّسَانِ (آمِنُوا) بِالْقَلْبِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَجَمَاعَةٌ: هَذَا خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، يَقُولُ:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) آمِنُوا أَيْ أَقِيمُوا وَاثْبُتُوا عَلَى الْإِيمَانِ، كَمَا يُقَالُ لِلْقَائِمِ: قُمْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ، أَيِ اثْبُتْ قَائِمًا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ أَهْلَ الشِّرْكِ، يَعْنِي:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى (آمِنُوا) بالله ورسوله.
[137]
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [النساء: 137] قَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْيَهُودُ آمَنُوا بِمُوسَى ثُمَّ كَفَرُوا مِنْ بَعْدُ بِعِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ، ثُمَّ آمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ ثُمَّ كَفَرُوا بِعِيسَى عليه السلام، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. وَقِيلَ: هُوَ فِي جَمِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنُوا بِنَبِيِّهِمْ ثُمَّ كَفَرُوا بِهِ، وَآمَنُوا بِالْكِتَابِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ كَفَرُوا بِهِ، وَكُفْرُهُمْ بِهِ تَرْكُهُمْ إِيَّاهُ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَقِيلَ: هَذَا فِي قَوْمٍ مُرْتَدِّينَ آمَنُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا أَيْ مَاتُوا عَلَيْهِ، {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: 137] مَا أَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ، {وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} [النساء: 137] أَيْ طَرِيقًا إِلَى الْحَقِّ، فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ)، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ إِنْ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ؟ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَدَامَ عَلَيْهِ يُغْفَرُ لَهُ كُفْرُهُ السَّابِقُ، فَإِنَّ أَسْلَمَ ثُمَّ كَفَرَ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ كَفَرَ لَا يُغْفَرُ لَهُ كُفْرُهُ السَّابِقُ الَّذِي كَانَ، يُغْفَرُ لَهُ لَوْ أنه دَامَ عَلَى الْإِسْلَامِ.
[138]
{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ} [النساء: 138] أَخْبِرْهُمْ يَا مُحَمَّدُ {بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 138] وَالْبِشَارَةُ: كُلُّ خَبَرٍ يَتَغَيَّرُ بِهِ بَشَرَةُ الْوَجْهِ سَارًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَارٍّ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ اجْعَلْ فِي مَوْضِعِ بِشَارَتِكَ لَهُمُ الْعَذَابَ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: تَحِيَّتُكَ الضَّرْبُ وَعِتَابُكَ السَّيْفُ، أَيْ: بَدَلًا لَكَ مِنَ التَّحِيَّةِ، ثُمَّ وَصَفَ الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ:
[139]
{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} [النساء: 139] يَعْنِي يَتَّخِذُونَ الْيَهُودَ أَوْلِيَاءَ وَأَنْصَارًا أَوْ بِطَانَةً {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ} [النساء: 139] أَيْ الْمَعُونَةَ وَالظُّهُورَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، وقيل: أيطلبون عندهم القوة، {فَإِنَّ الْعِزَّةَ} [النساء: 139] أَيْ: الْغَلَبَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْقُدْرَةَ، {لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139]
[140]
{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} [النساء: 140] قَرَأَ عَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ (نَزَّلَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالزَّايِ، أَيْ: نَزَّلَ اللَّهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (نُزِّلَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ، أَيْ: عَلَيْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ {أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ} [النساء: 140] يَعْنِي الْقُرْآنَ {يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ} [النساء: 140] يعني: مع الذين يستهزؤون، {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء: 140] أَيْ: يَأْخُذُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِ الِاسْتِهْزَاءِ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنِ، وَهَذَا