المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (1- 16) [سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 16] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١٦

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌(78) سورة النبأ

- ‌الآيات: (1- 16) [سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 30) [سورة النبإ (78) : الآيات 17 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 40) [سورة النبإ (78) : الآيات 31 الى 40]

- ‌(79) سورة النازعات

- ‌الآيات: (1- 14) [سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 26) [سورة النازعات (79) : الآيات 15 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 41) [سورة النازعات (79) : الآيات 27 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 46) [سورة النازعات (79) : الآيات 42 الى 46]

- ‌(80) سورة عبس

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 16) [سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 32) [سورة عبس (80) : الآيات 17 الى 32]

- ‌الآيات: (33- 42) [سورة عبس (80) : الآيات 33 الى 42]

- ‌(81) سورة التكوير

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 14) [سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 29) [سورة التكوير (81) : الآيات 15 الى 29]

- ‌(82) سورة الانفطار

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 12) [سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 19) [سورة الانفطار (82) : الآيات 13 الى 19]

- ‌(83) سورة المطففين

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 17) [سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 17]

- ‌الآيات: (18- 28) [سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 28]

- ‌الآيات: (29- 36) [سورة المطففين (83) : الآيات 29 الى 36]

- ‌(84) سورة الانشقاق

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 15) [سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 25) [سورة الانشقاق (84) : الآيات 16 الى 25]

- ‌(85) سورة البروج

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 9) [سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 22) [سورة البروج (85) : الآيات 10 الى 22]

- ‌(86) سورة الطارق

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 17) [سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]

- ‌(87) سورة الأعلى

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 19) [سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]

- ‌(88) سورة الغاشية

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 16) [سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 26) [سورة الغاشية (88) : الآيات 17 الى 26]

- ‌(89) سورة الفجر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 14) [سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 30) [سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 30]

- ‌(90) سورة البلد

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 20) [سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]

- ‌(91) سورة الشمس

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 15) [سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

- ‌(92) سورة الليل

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 21) [سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]

- ‌(93) سورة الضحى

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌(94) سورة الشرح

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌(95) سورة التين

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌(96) سورة العلق

- ‌الآيات: (1- 19) [سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]

- ‌(97) سورة القدر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌(98) سورة البيّنة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌(99) سورة الزلزلة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌(100) سورة العاديات

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌(101) سورة القارعة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌(102) سورة التكاثر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (8- 1) [سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌(103) سورة العصر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 3) [سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌(104) سورة الهمزة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 9) [سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌(105) سورة الفيل

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌(106) سورة قريش

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌(107) سورة الماعون

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 7) [سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌(108) سورة الكوثر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 3) [سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌(109) سورة الكافرون

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌(110) سورة النصر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 3) [سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌(111) سورة المسد

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌(112) سورة الإخلاص

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌(113) سورة الفلق

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌(114) سورة الناس

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌تصويب الأخطاء

- ‌فهرس الموضوعات، والمباحث، والقضايا التي عالجها هذا التفسير

- ‌الكتاب الأول (المجلد الأول)

- ‌الكتاب الثاني

- ‌الكتاب الثالث

- ‌الكتاب الرابع (المجلد الثاني)

- ‌الكتاب الخامس

- ‌الكتاب السادس

- ‌(الكتاب السابع) المجلد الثالث

- ‌الكتاب الثامن

- ‌الكتاب التاسع

- ‌الكتاب العاشر (المجلد الرابع)

- ‌الكتاب الحادي عشر

- ‌الكتاب الثاني عشر

- ‌الكتاب الثالث عشر (المجلد الخامس)

- ‌الكتاب الرابع عشر

- ‌الكتاب الخامس عشر (تبارك)

- ‌الكتاب الخامس عشر (عم)

الفصل: ‌الآيات: (1- 16) [سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 16]

بسم الله الرحمن الرحيم

‌الآيات: (1- 16)[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 16]

بسم الله الرحمن الرحيم

عَمَّ يَتَساءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَاّ سَيَعْلَمُونَ (4)

ثُمَّ كَلَاّ سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (6) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (7) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (8) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (9)

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (10) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (11) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (12) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (13) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (14)

لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (16)

التفسير:

قوله تعالى:

«عَمَّ يَتَساءَلُونَ» ؟

أي عن أي شىء يتساءل هؤلاء المشركون؟ وهل هناك مشكلة مستعصية عليهم، حتى يكون منهم هذا التساؤل الملحاح، الذي يصبحون فيه ويمسون؟

قوله تعالى:

«عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ» .

يجوز أن يكون هذا جوابا عن السؤال الوارد فى قوله تعالى: «عَمَّ يَتَساءَلُونَ» ؟ أي أنهم يتساءلون عن النبأ العظيم، الذي اختلفت فيه آراؤهم، وتشعبت به فى طرق الضلال عقولهم، دون أن يتعرف أحد منهم الطريق إلى

ص: 1412

الهدى، وإلى الخروج من دوامة هذا الاختلاف.. إنهم لا يختلفون فى سبيل البحث عن الحقيقة، والتعرف عليها، وإنما خلافهم فى أن يجدوا طريقا واحدا من طرق الضلال والبهتان، تجتمع عليه كلمتهم، ويلتقى عنده رأيهم.

والنبأ العظيم، هو الأمر ذو الشأن، الذي تغطّى أخباره كل خبر، فتتجه إليه الأنظار، وتشغل به الخواطر.. والمراد به هنا، القرآن الكريم، وما يحدثهم به عن البعث والقيامة، والحساب.. الأمر الذي لا تحتمل عقولهم تصور إمكانه.

ويجوز أن يكون قوله تعالى: «عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ» سؤالا آخر بعد السؤال الأول: «عَمَّ يَتَساءَلُونَ» ؟. أي أيتساءلون عن هذا النبأ العظيم، الذي هم مختلفون فى مذاهب القول فيه، وفى أن ما يحدثهم به النبي- صلوات الله وسلامه عليه- عن البعث، والحساب والجزاء، شىء لا يصدق، وأن ذلك إنما هو من خداع «محمد» واستهوائهم لاتّباع دعوته، لحاجة فى نفسه؟ أذلك هو النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون؟

قوله تعالى:

«كَلَّا سَيَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ» هو رد على هذا الذي يتساءلون عنه.. إنه أمر لا يدعو إلى تساؤل من عاقل، ولا يثير خلافا بين عقلاء.. إذ كان أظهر من أن يسأل عنه، وأوضح من أن يختلف فيه، وأنهم إذا جهلوه لجهلهم، أو تجاهلوه بعنادهم- فإنه سيأتى اليوم الذي يعلمونه فيه يقينا، ويرونه عيانا..

وفى تكرار الخبر، توكيد له، وتقرير لتلك الحقيقة السافرة، التي تقوم بين يديها ومن خلفها، الأدلة القاطعة، والبراهين الناطقة!

ص: 1413

قوله تعالى:

. «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً، وَالْجِبالَ أَوْتاداً، وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً، وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً، وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً، وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً، وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً، وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً، لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً، وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً..»

هذا عرض لبعض الأدلة والبراهين التي تقوم شاهدة على قدرة الله سبحانه وتعالى، وعلى ما فى متناول هذه القدرة من التصريف فى عالم الإنسان، حياة، وموتا، وبعثا.. وقد كان من شأنهم- لو كان لهم عقول- أن يقفوا بين يدى هذه المعارض من قدرة الله، وأن يقرءوا فى صحفها ما يحدثهم عن جلال الله وقدرته..

فهذه الأرض، قد جعلها الله بقدرته القادرة «مهادا» أي فراشا ممهدا، وبساطا ممدودا، يتحرك فيها الإنسان، ويسلك مسالكها، ويجد وسائل العيش والحياة فيها..

وهذه الجبال، قد جعلها الله سبحانه «أوتادا» تمسك الأرض، حتى لا تميد وتضطرب.. إنها أشبه بالأوتاد التي تشد الخيمة، وتمسك بها..

ثم هأتم أيها الناس، وقد خلقكم الله أزواجا، ذكرا وأنثى، حتى تتوالدوا فى هذه الأرض وتتكاثروا، ويتصل نسلكم فيها، وتعمر وجوهها بأجيالكم المتعاقبة عليها..

وليست هذه المزاوجة لكم وحدكم، أيها الناس، بل هى أمر عام ينتظم عوالم الأحياء كلها، من نبات وحيوان.. بل إن هذا الحكم ليمتد، فيشمل كل ما خلق الله.. فكل مخلوق، من عالم الجماد، أو النبات أو الحيوان، لا يقوم له وجود إلا إذا كان له ما يقابله من جنسه، مقابلة عنادّيّة، من شأنها

ص: 1414

أن تستثير قواه، وتبعث كوامنه، وهو بالتالى يستثير المقابل له، ويستخرج كوامنه، وبهذا يلتقيان، ويتزاوجان، وتتكون من تزاوجهما طاقة يتولد عنها مخلوق جديد، وهكذا الشأن فى عالم المعاني أيضا..

فالذكر تقابله الأنثى، والأنثى يقابلها الذكر، والنور يقابله الظلام، والنهار يقابله الليل، واليقظة يقابلها النوم، والحياة يقابلها الموت، والحق يقابله الباطل، والجميل يقابله القبيح.. وهكذا، فليس شىء فى الوجود قائم بذاته، متفرد بوجوده.. وذلك لتكون الوجدانية خالصة لله الواحد القهار.

قوله تعالى:

. «وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً» السّبات: السكون، والهمود، والمسبوت الميّت، يقال: ضربه فأسبته، أي أحمد أنفاسه، وأبطل حركته.. والسبت: القطع.

ومن قدرة الله سبحانه وتعالى، ومن آثار رحمته، أنه جعل النوم موتا لنا ونحن أحياء، فألبسنا الحياة والموت معا.. نحيا، ونموت، ونموت ونحيا، وذلك فى كل يوم من أيام حياتنا.

فالنوم، صورة مصفرة من الموت، وانطلاق الروح فى حال النوم، وسياحتها ورحلتها المنطلقة بعيدا عن الجسد، هو أشبه بانطلاقها انطلاقا مطلقا بعد الموت، وارتحالها الأبدى فيما وراء المادة.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:

«اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» (42: الزمر) وقوله سبحانه:

«وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ» (60: الأنعام) قوله تعالى:

«وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً» .

ص: 1415

أي ومن فيض قدرته- سبحانه- ومن تدبير حكمته، أنه جعل الليل لباسا، أي ساترا، يستر الكائنات، كما يستر الثوب الجسد، ويرخى على الأحياء سترا يمسك حواسها المنطلقة أثناء النهار، ليعطيها فرصتها من الراحة والسكون، وليتيح للقوى المندسة فى كيان الإنسان، من مدركات- وعواطف، ومشاعر- أن تنطلق، لتجد وجودها كاملا، وبهذا يحدث التوازن بين كل القوى المتزاوجة فى الإنسان.. بين جسده وروحه، بين مادياته ومعنوياته، بين حركته وسكونه، بين يقظته ونومه..

قوله تعالى:

«وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً» المعاش: الحياة.. وسميت الحياة معاشا باسم سببها، وهو العيش الذي لا حياة لحىّ إلا بما يتبلغ به من طعام..

أي ومن قدرة الله سبحانه، ومن فيض فضله ورحمته، أن جعل النهار مبصرا، ليرى الأحياء فيه مواقع معاشهم، ووسائل كسبهم..

قوله تعالى:

«وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً» السبع الشداد، السموات السبع.. ووصف السموات بأنها شداد، إشارة إلى ما يبدو لنا من قيامها سقفا مرفوعا فوقنا، دون أن تسقط علينا، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ» (6: ق) وقوله تعالى: «وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ» (47: الذاريات)

ص: 1416

وأمّا القول بأنها الكواكب السبعة، فغير صحيح، لأن الكواكب ليست سبعة، وإنما الذي عرف منها إلى الآن تسع، وهناك كواكب كثيرة لم تكتشف بعد، وقد تبلغ المئات عدّا..

وأصحّ من هذا أن يقال إنها الطرائق السبع، التي ذكرها الله سبحانه وتعالى فى قوله:«وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ» (17: المؤمنون) وهى أطباق السموات السبع، كما يقول سبحانه:«الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً» (3: الملك) قوله تعالى:

«وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً» والسراج الوهاج، هو الشمس، ووصف السراج بأنه وهاج، إشارة إلى توهج الشمس وتوقدها، فهى كرة من نار، متّقدة..

قوله تعالى:

«وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً» المعصرات: هى السحب التي يتحلب منها الماء، أشبه بالثوب المبلول، يعتصر، فيتساقط الماء منه..

وفى وصف السحب بأنها معصرات، إشارة إلى أن الماء الذي تحمله متلبس بها، مندسّ فى كيانها، بل هى فى حقيقتها ماء، ووعاء.. معا..

والثجاج أو السحاح. المتدفق.

قوله تعالى:

«لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً، وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً» .

ص: 1417