الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات: (18- 28)[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 28]
كَلَاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (19) كِتابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (22)
عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (26) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27)
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)
التفسير:
قوله تعالى:
«كَلَّا.. إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ» ..
هو رد على هؤلاء الفجار الذين أجرموا، الذين ظنوا أن مصير الناس جميعا كمصيرهم هذا، الذي يلاقون فيه أشد الهوان، وأقسى العذاب.. وكلا..
فهناك الأبرار، أهل الإيمان والإحسان.. وأنه إذا كان كتاب الفجار، قد جمع المخازي والموبقات، وأودع فى سجين، فإن كتاب الأبرار، قد حوى المكارم والطيبات، فأخذ مكانه فى عليين.
وقوله تعالى:
«وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ» ..
المراد بالاستفهام هنا، النفي، هو تنويه بهذا الكتاب، ورفع لقدره، وقدر المكان الذي أودع فيه.. وكما رقم كتاب الفجار، ووسم بميسم التجريم، فقد رقم كتاب الأبرار، وختم بخاتم الرحمة، والمغفرة، بمحضر من
المقربين من ملائكة الرحمن.. إنهم يطالعون صفحاته، ليروا فيها كيف طاعة المطيعين، وإحسان المحسنين، من عباد الله.
وقوله تعالى:
«إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ، عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ» .
وكما قاد كتاب الفجار أصحابه إلى جهنم وعذابها، فإن كتاب الأبرار قاد أصحابه كذلك، ولكن إلى الجنة ونعيمها، وإنهم ليأخذون مجالس نعيمهم فيها على الأرائك، وهى الأسرة ذات السّتر، حيث يسرحون بأبصارهم فى هذا النعيم المحيط بهم، ويتحملون محاسنه ومباهجه، فيعظم نعيمهم، وتتضاعف مسراتهم..
وقوله تعالى:
«تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ» أي أن آثار النعيم الذي هم فيه، تراه ظاهرا على وجوههم المشرقة بنضرة النعيم ورونقه وبشاشته.
وفى التعبير بقوله تعالى: «تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ» بدلا من «ترى على وجوههم» - إشارة إلى أثر هذا النعيم الواضح على الوجوه، وأن مجرد النظر إلى هذه الوجوه يفيد علما ومعرفة، بما يلقى أصحاب هذه الوجوه من ألوان النعيم..
وقوله تعالى:
«يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ، خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ»
أي أن هؤلاء الأبرار، الذين أخذوا منازلهم فى الجنة، واتكئوا على الأرائك المعدّة لهم، وسرحوا بأبصارهم فى ألوان هذا النعيم الممدود بين أيديهم إنه يطاف عليهم بالرحيق، وهو الشراب الخالص من كل كدر، المبرأ من كل سوء، وقد ختم بخاتم من المسك، فإذا فضّ ختامه عبقت منه رائحة المسك، فعطرت الجو من حوله، فتنتعش النفوس لشرابه، وتهشّ لاستقباله. «وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ» أي لمثل هذا فليعمل العاملون، ويجد المجدون، ويتنافس المتنافسون..
فهذا هو الذي ينبغى أن يطلب، ويشتد الطلب عليه، ويكثر التنافس فيه، وأما ما سواه، فهو هباء وقبض الريح.
قوله تعالى:
«وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ» أي أن هذا الرحيق الذي يسقى منه الأبرار فى الجنة، والذي تعبق منه رائحة المسك، هو ممزوج بتسنيم!! وقد بين الله تعالى هذا التسنيم الذي يمزج بهذا الرحيق، وهو عين من عيون الجنة، لا يعلم كنهها إلا الله سبحانه وتعالى، قد أعدها- جل شأنه- ليشرب منها عباد الله المقربون، أي أهل القرب منه، وأهل الكرامة عنده..
وفى تعدية الفعل يشرب بالباء، بدلا من حرف الجر «من» كما يقضى بذلك وضع اللغة- فى هذا إشارة إلى أن هذه العين هى شراب، وأداة للشراب أيضا، فهم يشربون بهذه العين من العين!! .. وقد أشرنا إلى هذا عند تفسير قوله تعالى:«عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً» (6: الإنسان)