الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: «فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ» حال من ضمير الوجوه فى قوله تعالى:
«راضية» .. والجنة العالية: أي عالية القدر، عظيمة الشأن..
وقوله تعالى: «لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً» صفة لهذه الجنة العالية، التي علا مقامها وارتفع قدرها عن أن يطوف بها طائف من الهذر أو اللغو..
واللاغية: الكلمة التي لا يعتد بها، لإسفافها وسقوطها..
وقوله تعالى: «فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ» .. وحيث كان الماء كانت الحياة، وكان الخصب، والخير، وكانت البهجة والمسرة..
قوله تعالى:
«فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ» ..
هو عرض لما فى هذه الجنة العالية من ألوان النعيم.. ففيها سرر مرفوعة، أي عالية القدر، وأكواب موضوعة، أي معدة للشاربين، وفيها «نَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ» أي وسائد، قد صفّ بعضها إلى جانب بعض، ليتكىء عليها الجالسون على هذا النعيم.. واحدتها نمرقة.. وفى هذه الجنة «زرابى مبثوثة» أي بسط متناثرة على أرض هذه الجنة، كأنها النجوم..
الآيات: (17- 26)[سورة الغاشية (88) : الآيات 17 الى 26]
أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَاّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (26)
التفسير:
قوله تعالى:
هو إلفات لهؤلاء المشركين المكذبين بالغاشية، إلى قدرة الله سبحانه وتعالى، تلك القدرة القادرة على أن تعيدهم إلى الحياة بعد الموت، وأن تردّهم إلى الله سبحانه، للحساب والجزاء..
وفى إلفاتهم إلى الإبل، وإلى ضخامتها، وقوتها، وما أودع الخالق فيها من قوى قادرة على حمل الأثقال، والمشي فى الرمال، وإلى الصبر على الجوع والعطش- كل هذا يكشف عن صانع عظيم، عليم، حكيم، خلق فسوى، وقدر فهدى..
ولأن أول ما يلفت النظر إلى الإبل، هو قاماتها العالية، ورقابها المرفوعة، فقد ناسب ذلك أن يلفتوا إلى السماء، وإلى هذا العلو الشاهق الذي لا حدود له..
«وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ» .. كذلك ناسب أيضا أن يلفتوا إلى الجبال، وقد مدت رقابها فوق الأرض كأنها رقاب الإبل، أو أسنمتها.. «وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ» .. ثم إن الشأن ليس فى رفع الشيء وعلوه، فما رفع الشيء إلا لحكمة، كما أنه ما خفض شىء إلا لحكمة.. فهذه الأرض المبسوطة الممدودة، لو كانت كلها أسنمة كأسنمة الإبل، أو رقابا كرقابها، لما أمكن الانتفاع بها، والسير فيها.. فهى مع ارتفاع بعض أجزائها، قد انبسط
بعض أجزائها الأخرى، لتكون مهادا للناس، وبساطا ممدودا.. وبهذا تذلّل لهم وتستجيب لحركتهم عليها.. «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ» (15: الملك) .
وقوله تعالى:
«فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ» .
هو دعوة إلى النبي الكريم أن يعرض هذه الآيات التي تحدثت عن قدرة الله سبحانه، وعن حكمته، ليكون فيها تذكرة لمن يتذكر، وعبرة لمن يعتبر..
فوظيفة النبىّ، هى التذكير بالله، وإلفات العقول والقلوب إلى قدرته، وعلمه، وحكمته، وإلى ماله سبحانه من نعم سابغة على عباده..
وقوله تعالى: «لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ» أي لست أيها النبي بمتسلط على الناس، تقهرهم بسلطان قوى، وبقوة قاهرة، على أن يؤمنوا بالله، ويستجيبوا لما تدعوهم إليه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ» (45: ق) .
وفى هذا إطلاق للإنسان، وتحرير لذاته وشخصيته من أي سلطان، إلا سلطان عقله وضميره، وفى هذا تكريم للإنسان، واعتراف بمكانه فى الوجود، وأنه لا وصاية عليه من أحد حتى الأنبياء والرسل.. إنهم ليسوا أوصياء عليه، وإنما هم هداة يرفعون لعينيه مشاعل الهدى فى طريق حياته، فإن شاء سار فى الطريق الذي يكشف عنه هذا النور، وإن شاء أخذ الطريق الذي اختاره له عقله، وارتضاه ضميره.. ولو كان كفرا وضلالا، فتلك مشيئته التي شاءها لنفسه!.
قوله تعالى:
«إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ» ..
إلا هنا استثناء من عموم الأحوال التي تدخل فى السيطرة الواقع عليها النفي.. أي لست مسيطرا على الناس إلا فى حال واحدة، وهى حال من تولى وكفر، فإنه فى هذه الحال واقع تحت سلطان العذاب الذي أنذرته به.. وهذا العذاب فى يد الله، يعذب به هؤلاء الذين تولوا وكفروا.. فالسلطان الواقع على الإنسان هنا، هو سلطان الله سبحانه، وليس الرسول إلا منذرا بهذا السلطان، محذرا منه..
والعذاب الأكبر، هو عذاب يوم القيامة.. ووصف العذاب بهذه الصفة التي تحصر غاية العذاب وصوره كلها فيه- لأن كل ما عرفه الناس فى الدنيا من عذاب، هو عذاب دون هذا العذاب قدرا وأثرا.. فهو العذاب الأكبر كبرا مطلقا، لا حدود له.
وقوله تعالى:
«إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ» ..
أي أن هؤلاء الذين تولوا وكفروا، ولا يفلتون من هذا الذي أنذروا به- إنهم سيعودون إلى الله، وسيحاسبون على ما اجترحوا من آثام.. وليس وراء هذا الحساب إلا العذاب الأليم.. العذاب الأكبر! وأنهم إذا كانوا قد خرجوا من سلطان النبىّ، فإنهم لن يخرجوا من سلطان الله الذي يلقاهم بهذا العذاب..
والإياب الرجوع إلى المكان الذي خرج منه الإنسان.. كالمسافر يئوب من سفره.. وفى هذا إشارة إلى أن البعث هو عودة إلى الحياة التي فارقها الإنسان فى رحلته التي بدأت بالموت.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى..»
(8: العلق) .