المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (17- 32) [سورة عبس (80) : الآيات 17 الى 32] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١٦

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌(78) سورة النبأ

- ‌الآيات: (1- 16) [سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 30) [سورة النبإ (78) : الآيات 17 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 40) [سورة النبإ (78) : الآيات 31 الى 40]

- ‌(79) سورة النازعات

- ‌الآيات: (1- 14) [سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 26) [سورة النازعات (79) : الآيات 15 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 41) [سورة النازعات (79) : الآيات 27 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 46) [سورة النازعات (79) : الآيات 42 الى 46]

- ‌(80) سورة عبس

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 16) [سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 32) [سورة عبس (80) : الآيات 17 الى 32]

- ‌الآيات: (33- 42) [سورة عبس (80) : الآيات 33 الى 42]

- ‌(81) سورة التكوير

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 14) [سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 29) [سورة التكوير (81) : الآيات 15 الى 29]

- ‌(82) سورة الانفطار

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 12) [سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 19) [سورة الانفطار (82) : الآيات 13 الى 19]

- ‌(83) سورة المطففين

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 17) [سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 17]

- ‌الآيات: (18- 28) [سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 28]

- ‌الآيات: (29- 36) [سورة المطففين (83) : الآيات 29 الى 36]

- ‌(84) سورة الانشقاق

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 15) [سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 25) [سورة الانشقاق (84) : الآيات 16 الى 25]

- ‌(85) سورة البروج

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 9) [سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 22) [سورة البروج (85) : الآيات 10 الى 22]

- ‌(86) سورة الطارق

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 17) [سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]

- ‌(87) سورة الأعلى

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 19) [سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]

- ‌(88) سورة الغاشية

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 16) [سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 26) [سورة الغاشية (88) : الآيات 17 الى 26]

- ‌(89) سورة الفجر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 14) [سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 30) [سورة الفجر (89) : الآيات 15 الى 30]

- ‌(90) سورة البلد

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 20) [سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]

- ‌(91) سورة الشمس

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 15) [سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

- ‌(92) سورة الليل

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 21) [سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]

- ‌(93) سورة الضحى

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌(94) سورة الشرح

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌(95) سورة التين

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌(96) سورة العلق

- ‌الآيات: (1- 19) [سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]

- ‌(97) سورة القدر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌(98) سورة البيّنة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌(99) سورة الزلزلة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌(100) سورة العاديات

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌(101) سورة القارعة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌(102) سورة التكاثر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (8- 1) [سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌(103) سورة العصر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 3) [سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌(104) سورة الهمزة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 9) [سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌(105) سورة الفيل

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌(106) سورة قريش

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌(107) سورة الماعون

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 7) [سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌(108) سورة الكوثر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 3) [سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌(109) سورة الكافرون

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌(110) سورة النصر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 3) [سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌(111) سورة المسد

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌(112) سورة الإخلاص

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌(113) سورة الفلق

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌(114) سورة الناس

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌تصويب الأخطاء

- ‌فهرس الموضوعات، والمباحث، والقضايا التي عالجها هذا التفسير

- ‌الكتاب الأول (المجلد الأول)

- ‌الكتاب الثاني

- ‌الكتاب الثالث

- ‌الكتاب الرابع (المجلد الثاني)

- ‌الكتاب الخامس

- ‌الكتاب السادس

- ‌(الكتاب السابع) المجلد الثالث

- ‌الكتاب الثامن

- ‌الكتاب التاسع

- ‌الكتاب العاشر (المجلد الرابع)

- ‌الكتاب الحادي عشر

- ‌الكتاب الثاني عشر

- ‌الكتاب الثالث عشر (المجلد الخامس)

- ‌الكتاب الرابع عشر

- ‌الكتاب الخامس عشر (تبارك)

- ‌الكتاب الخامس عشر (عم)

الفصل: ‌الآيات: (17- 32) [سورة عبس (80) : الآيات 17 الى 32]

«أما والذي نفسى بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع «1» الأرض مثل عيينة والأقرع، ولكن تألفتهما ليسلما، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه» ..

وثانيا: أن هؤلاء المشركين من قريش، لا يرى فيهم الإسلام شيئا يحرص عليه، ويشتدّ طلبه له، وأن أي مسلم من الجماعة التي دخلت فى دين الله، وآمنت به، وصدق إيمانها، هو- فى ميزان الإسلام شىء- عظيم، وأن بشاشة النبىّ فى وجهه لا يحرمه منها طمع فى إسلام هؤلاء المشركين الذين ما زالوا فى قبضة الشرك.. فالأمر هنا موازنة بين مؤمن، تحقّق إيمانه، وبين مشركين مطموع فى إيمانهم.. ومع هذا فإن سبقه إلى الإيمان- وبصرف النظر عن تقبّل هؤلاء المشركين للإيمان أو إعراضهم عنه- يجعل كفّته راجحة عليهم أبدا، ولن يلحقوا به حتى ولو وقع الإيمان فى قلوبهم مثل ما وقع فى قلبه، ففضل السبق إلى الإيمان، منزلة لا يبلغها إلا أهل السبق..

‌الآيات: (17- 32)[سورة عبس (80) : الآيات 17 الى 32]

قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)

ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَاّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26)

فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدائِقَ غُلْباً (30) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (31)

مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (32)

(1) من طلاع الأرض: من ملء الأرض.

ص: 1453

التفسير:

تعود هذه الآيات إلى الكشف عن نفوس أهل الكفر والضلال، وأنها نفوس منطوية على فساد قاتل لكل معنّى من معانى الحق والخير فيها..

وقوله تعالى: «قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ» !! هو تعجب من أمر هذا الإنسان الذي يحمل فى كيانه الكفر والضلال.. والدعاء عليه بالقتل هنا هو جار على مألوف عادة العرب من دعائهم على من يكون على بدع من الأمر، وذلك فى الاستهجان، أو الاستحسان على السواء..

وقوله تعالى «ما أكفره» أي ما أشد كفره، وضلاله.. ويجوز أن تكون «ما» للاستفهام.. أي قتل الإنسان ماذا دعاه إلى الكفر؟

والمراد بالإنسان هنا، هو جنس هذا الإنسان الضال العنيد، لا كل الإنسان على إطلاقه..

قوله تعالى:

«مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ؟» هو كشف عن شناعة ضلال هذا الضال، وكفره بربه.. إنه من ضلاله البعيد، ينسى أن له خالقا خلقه من عدم أو ما يشبه العدم.

قوله تعالى:

«مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ. ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ» هو جواب على هذا السؤال، الذي كان من شأن الإنسان أن يجيب عليه، ولو أنه أجاب على هذا السؤال الجواب الصحيح لآمن بربه، وشكر له.. ولكنه لم يسأل نفسه، هذا السؤال، ولم يجب أو لم يحسن الإجابة على هذا السؤال إذا

ص: 1454

سئل.. وألا فليسمع الجواب الصحيح، إن كانت له أذنان يسمع بهما

«مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ، فَقَدَّرَهُ» .. فهذا هو الجواب وقوله تعالى: «فقدره» أي فقدر خلقه، وحدد صورته، وشكّل ذاته من تلك النطفة على الوجه الذي اقتضته إرادة الخالق جل وعلا فيه.. فكان ذكرا أو أنثى، جميلا أو قبيحا، ذكيّا أو غبيّا، غنيّا أو فقيرا.. إلى غير ذلك مما يتصل بالإنسان، ذاتا، وحياة..

قوله تعالى:

«ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ» أي ثم بعد أن تمّ تكوينه وخلقه، يسّره الله سبحانه وتعالى إلى الطريق الذي يسلكه فى الحياة، من استقامة وعوج، ومن هدى وضلال، ومن إيمان وكفر، كما يقول سبحانه:«وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» (10: البلد) قوله تعالى:

«ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ» ثم أمات الله هذا الإنسان بعد أن انتهى أجله المقدور له فى الحياة الدنيا، وجعل له بعد الموت قبرا يدفن ويوارى جسده فى ترابه، فلا تظهر الأحوال التي تعرض له بعد الموت، من تعفن، وتفسخ وتحلل، والتي من شأنها أن تثير الاشمئزاز والهوان للكائن الإنسانى كله.. فكان هذا الدفن فى القبر مواراة لهذه السوءات، ولهذا قيل:«من تكريم الميت التعجل بدفنه» .

قوله تعالى:

«ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ» .

ص: 1455

أي أنه حين يشاء الله نشر هذا الميت، وبعثه من قبره- نشره بقدرته التي لا يعجزها شىء والنشر لا يكون إلا بعد طىّ، وقد كان الإنسان حيّا، ثم طويت حياته بالموت، ثم ها هو ذا ينشر بعد طىّ، بالبعث والحياة بعد الموت.

قوله تعالى:

«كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ» وهذا النفي فى قوله تعالى: «كلا» هو جواب على سؤال يرد عند عرض هذه الآيات التي تتحدث عن قدرة الله سبحانه وتعالى، وعن آثارها فى هذا الإنسان الذي كفر بربه، بعد أن خلقه من نطفة، ثم سوّاه رجلا..

والسؤال هو: هل آمن هذا الكافر الذي تتمثل فيه وجوه هؤلاء المشركين جميعا، بعد أن عرضت عليه هذه الآيات؟

فكان الجواب: كلا.. لمّا يقض ما أمره الله به، ودعاه إليه، من الإيمان والعمل الصالح.. وفى نفى هذا الخبر عن الإنسان بحرف النفي «لما» التي تفيد امتداد النفي إلى الوقت الحاضر، ولا تتجاوزه إلى المستقبل، الذي لم يحكم عليه إلى الآن بالنفي أو الإيجاب- فى هذا ما يشير إلى أن هؤلاء المخاطبين من المشركين فى شخص هذا الإنسان، وإن كانوا لم يؤمنوا بالله بعد، فهم ما زالوا فى معرض الإيمان، لم ينقطع بهم الطريق إليه، وأنه يرجى منهم أن يؤمنوا، أو أن يؤمن معظمهم.. وقد كان.. فهؤلاء المشركون، قد آمنوا بالله بعد هذا، ودخلوا فى دين الله أفواجا، ولم يبق منهم بعد الفتح مشرك.

والمراد بالأمر فى قوله تعالى: «ما أمره» - هو الأمر التكليفي،

ص: 1456

لا الأمر الخلقي التقديري.. إذ لو كان أمرا تقديريّا لكان نافذا لا يرد، ولما كان للمأمور أن يخرج عن هذا الأمر..

قوله تعالى:

«فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ. أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا. فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا. وَعِنَباً وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا. وَحَدائِقَ غُلْباً. وَفاكِهَةً وَأَبًّا» وفى هذه الآيات لقاء مع الإنسان أمام معرض آخر من معارض قدرة الله، بعد أن عرضت عليه ذاته الإنسانية، وما لله سبحانه وتعالى فيها من عجيب الخلق وبديع الصنع، فلم يحدث له ذلك ذكرا، ولم يفتح له طريقا إلى الإيمان بالله.

وفى هذا المعرض، يرى الإنسان دلائل قدرة الله، فبما هو خارج عن ذاته الإنسانية، إذ قد يرى الإنسان ما هو خارج عن ذاته، دون أن يرى هذه الذات ولا ما بداخلها..

فهذا الطعام الذي يأكله الإنسان.. من أين جاء؟ ومن جاء به؟

فلينظر الإنسان إلى هذا الطعام، ولينظر إلى أنا قد صببنا الماء صبّا، أي أنزلناه من السماء، ثم شققنا الأرض شقّا بما يخرج منها من نبات، فخرج من هذه التشققات الحبّ، وهو كل ما حصد من برّ، وأرز، وشعير، وذرة، ونحوها..

كما خرج منها العنب، والقضب، وهو ما يؤكل من النبات رطبا، كالبصل، والفجل، ونحوها.

وخرج منها الزيتون، الذي يستخرج منه الزيت، ليكون إداما، والنخل الذي يثمر النمر الذي يتفكّه به بعد الطعام م 92- التفسير القرآن ج 30

ص: 1457

فالحب يتخذ منه الخبز، والعنب يتخذ منه الخل، والقضب- كالخس، والبصل ونحوهما- تتخذ منه المخللات، والزيتون، يتخذ منه الزيت، والنخل، يؤخذ منه التمر.. ومن هذا جميعه تنتصب مائدة كاملة بين يدى الإنسان، فيها طعامه وإدامه، وما يتخلل به أثناء طعامه، وما يتفكه به بعد الطعام!! كذلك خرج من هذه الأرض الحدائق الغلب، أي كثيرة الأشجار ذات الظلال، والفواكه، وفى هذه الحدائق متعة العين، وبهجة النفس، ومسرة القلب، يجىء إليها الإنسان، لينعم، ويهنأ بالاستظلال بظلها، بعد أن يستوفى حاجته من الطعام.. فتتم بذلك النعمة، ويكمل النعيم.

وفى هذه الحدائق الغلب، ذات الظلال الممدودة، والفواكه الدانية القطوف، بسط ممدودة من العشب، الذي يكسو أرض هذه الحدائق بهجة، وجمالا..

وهذا العشب هو «الأبّ» الذي يمسك بالأرض، ويلتصق بها، ويتأبّى- مع صغره، وضعف سوقه- على الرياح والعواصف أن تنتزعه من مكانه.. هذا، وفى تلك النعم التي ينعم بها الإنسان، جانب تناله الأنعام وتأكل منه، كورق الشجر، والعنب، والقضب ونحوه. ولهذا جاء قوله تعالى تعقيبا على هذه النعم:«مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ» .

وقد اختلف العلماء فى معنى كلمة «الأبّ» وتواردت عليها كثير من الآراء، والروايات، لما رأوا من غرابة هذه الكلمة، وقلة دورانها على الألسنة، ومجيئها فى سياق كلمات معروفة، كثيرة التداول، كالحبّ والعنب، والقضب، والزيتون والنخل.

وحين تكثر الآراء حول معنى كلمة من الكلمات، تجلب لها الروايات التي تضيف أقوالا إلى صحابة رسول الله، بل إلى رسول الله أحيانا، يسند بها كل

ص: 1458

ذى رأى رأيه، حتى ليجد المرء نفسه بين هذه الآراء المتعارضة المتضاربة، أن الأولى به أن يدعها جميعها، وأن يجعل هذه الكلمات من كتاب الله، من المتشابه، الذي لا يعلم تأويله إلا الله!! ومن الروايات التي رويت حول كلمة «الأبّ» ما يروونه مضافا إلى أبى بكر رضى الله عنه، وقد سئل عن معنى الأب، فقال:«أي سماء تظلنى، وأي أرض تقلنى إذا قلت فى كتاب الله ما لا علم لى به» !! كذلك يروون أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، قرأ هذه الآية مرة، فقال:

«كلّ هذا قد عرفنا.. فما الأب» ؟ قالوا: «ثم رفض عمر عصا كانت بيده- أي كسرها غضبا على نفسه، ولوما لها- وقال: «هذا لعمرو الله التكلف..

وما عليك يا بن أم عمر أن لا تدرى ما الأب؟» .. ثم قال: «اتّبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب، ومالا، فدعوه!!» .

ونحن نقطع بتلفيق هذين الخبرين، وإلا كان علينا أن نلغى عقولنا، وأن نعطل مداركنا، ولنا على القطع بتلفيق هذين الخبرين أكثر من شاهد:

فأولا: هذه الآية، فى سورة مكية، ومن أوائل ما نزل بمكة من آيات الله.. وهذا يعنى أن هذه الآية كانت على ألسنة السابقين الأولين من المسلمين، كأبى بكر وعمر- رضى الله عنهما- وأنها كانت مما يتلى من آيات الله كل يوم مرات كثيرة، وليس يعقل- مع هذا- أن تظل كلمة «الأب» خفية الدلالة، بين هذه المجموعة من الكلمات التي تعدد نعم الله، والأب لا شك نعمة من تلك النعم، وصنف من أصنافها- نقول لا يعقل أن تظل هذه الكلمة- وهذا شأنها- خفيّة الدلالة على أصحاب رسول الله، ثم لا يتوجهون إليه- صلوات الله وسلامه عليه- بالسؤال عنها، إن كان معناها غائبا عنهم! وثانيا: لا يعقل أيضا أن يمضى العهد المكي، ثم العهد المدني، دون أن

ص: 1459

تحدّث عمر نفسه هذا الحديث الذي تحدث به عن الأبّ، إلا بعد أن يفارق رسول الله- صلى الله عليه وسلم هذه الدنيا، ويلحق بالرفيق الأعلى، ثم يجد عمر هذه الكلمة، وكأنه يتلوها لأول مرة!! وثالثا: لا يعقل أيضا أن يأتى القرآن الكريم فى معرض آياته التي تحدث المشركين عن نعم الله التي أفاضها عليهم، بكلمة لا يعرفون لها مدلولا، ولا يجدون لها فيما بين أيديهم من نعم- مكانا!!.

ورابعا: ورد فى الشعر العربي الجاهلى، أكثر من شاهد، يدل على أن العرب كانوا يعرفون كلمة الأب فى قاموس لغتهم، وكانوا يستعملونها فى المعنى المناسب لها..

ومن الأشعار المروية، ما يروى عن الأعشى من قوله فى الفخر:

جذمنا قيس وسعد دارنا

ولنا الأبّ بها والمكرع «1»

هذا، ويعلق الإمام محمد عبده، على الرواية المنسوبة إلى سيدنا عمر ابن الخطاب- على فرض التسليم بصحتها- فيقول:

«إذا سمعت هذه الروايات، فلا تظنّ أن سيدنا عمر بن الخطاب ينهى عن تتبع معانى القرآن، والبحث عن مشكلاته، ولكنه يريد أن يعلمك أن الذي عليك من حيث أنت مؤمن، إنما هو فهم جملة المعنى.. فالمطلوب منك فى هذه الآيات، هو أن تعلم أن الله يمنّ عليك بنعم أسداها إليك فى نفسك، وتقويم حياتك، وجعلها متاعا لك ولأنعامك.. فإذا جاء فى سردها لفظ لم تفهمه، لم يكن من جدّ المؤمن- أي من حظه- أن ينقطع لطلب هذا المعنى، بعد فهم

(1) الجذم: الأصل: ويروى جدنا بدلا من جذمنا، والمكرعات: النخل التي على الماء، والمكرع: الماء نفسه، والمهل الذي يروى منه.

ص: 1460