الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سعرت: أي توقدت، وتسعر جمرها، وعلا لهيبها.
وأزلفت: أي قربت ودنت من أهلها..
قوله تعالى:
«عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ» هو جواب «إذا» الشرطية الظرفية التي تواردت على هذه الأحداث التي تقع بين يدى الساعة، وفى يوم مجيئها..
ففى هذا اليوم تعلم كلّ نفس ما أحضرت معها من أعمال عملتها فى الدنيا من خير أو شر..
الآيات: (15- 29)[سورة التكوير (81) : الآيات 15 الى 29]
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)
وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (27) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَما تَشاؤُنَ إِلَاّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (29)
التفسير:
قوله تعالى:
قلنا، فى غير هذا الموضع، إن هذه الأقسام المنفية، يراد بها التعريض بالقسم، لا وقوع القسم ذاته.. إذ كان الأمر الواقع فى معرض القسم أظهر من أن يحتاج إلى توكيد وجوده بقسم.
والخنس: هى الكواكب، إذا طلع عليها النهار خنست أي غابت، واختفت معالمها عن الأنظار..
والجوار الكنس، هى هذه الكواكب فى حال ظهورها بالليل، ثم تغيبها فى الأفق الغربىّ، بفعل حركة الأرض، ودورانها اليومي من الغرب إلى الشرق.. والكناس، مأوى الظباء، وبيتها الذي تسكن إليه.
والخنس: جمع خنساء، وهى الظبية، تدخل فى كناسها، ومن هذا سمّى العرب به بعض بناتهم، ومنهن الخنساء الشاعرة المعروفة تشبيها بالظبية فى جمالها وتناسق أعضائها، ثم فى خفرها، وحيائها، وصونها.
هذا، ومن أسماء الشمس عند العرب «الغزالة» تشبيها لها بالغزالة فى جمالها وتحركها الرتيب الهادئ على مسرح مرعاها، حتى إذا غربت الشمس، عادت إلى كناسها، واختفت فيه. وخنست.. قال المعرى:
ولم أرغب عن اللذات إلّا
…
لأنّ خيارها عنّى خنسنه
والفاء فى قوله تعالى: «فلا أقسم» هو مرتبط بما وقع جوابا للشرط «إذا» فى أول السورة وهو قوله تعالى «عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ» أي إن هذا الحق واقع، فلا أقسم لكم على توكيده بِالْخُنَّسِ، الْجَوارِ الْكُنَّسِ» .
قوله تعالى «وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ» ..
عسعس الليل، أي قفل راجعا، وذهب ظلامه الذي كان مخيما على الكون.. ومنه العسس، وهم حراس الليل من الجنود، يعسّون فى الطرقات
أي يتحركون تحت جنح الظلام، ليروا ماذا يجرى من أحداث يحدثها أهل الشرّ تحت هذا الستار من الظلام.. فالليل، متحرك، وليس ثابتا.. إنه يجرى إلى كناسه، كما تجرى الكواكب إلى كناسها..
قوله تعالى:
«وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ» معطوف على قوله تعالى: «وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ» وتنفس الصبح، ظهوره، ودبيب الحياة فيه.
وفى التعبير عن ظهور الصبح بالتنفس، إشارة إلى أنه مولد حياة للأحياء جميعها، حيث تبعث الحياة من جديد فى الأحياء، مع الصباح، بعد أن غشيها النوم، وحبسها عن الحركة، فبدت وكأنها فى عالم الموتى.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ» (60: الأنعام) قوله تعالى:
«إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ» هو جواب القسم المنفي: «فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ
…
» أي فلا أقسم لكم بالخنس، الجوار الكنس، ولا بالليل إذا عسعس، ولا بالصبح إذا تنفس- بأن أخبار يوم القيامة وأحداثها، واقعة لا شك فيها، وأن هذه الأخبار التي تحدثكم عن هذا اليوم، هى قول رسول كريم، هو رسول الوحى، جبريل عليه السلام، بلّغ به كلمات ربه إليه.. لا أقسم لكم بهذه العوالم على وقوع هذا الخبر، فإنه بيّن ظاهر..
(م 93 التفسير القرآنى- ج 30)
ونسبة القول، وهو القرآن، إلى جبريل، لأنه هو المبلّغ له، القائل لما قيل له من ربه سبحانه وتعالى..
وقوله تعالى: «ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ» هو من صفة جبريل عليه السلام، وهو أنه ذو مكانة مكينة عند ذى العرش، وهو الله سبحانه وتعالى..
وقوله تعالى: «مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ» ومن صفات جبريل أيضا أنه مطاع هناك من ملائكة الرحمن، أمين على ما يحمل من كلمات الله إلى رسل الله، لا يبدل، ولا يحرّف.
قوله تعالى:
«وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ» وإذن فما صاحبكم هذا، وهو محمد- صلوات الله وسلامه عليه- ما هو بمجنون كما تقولون عنه، وإنما هو يتلقى هذا القول الذي يقوله لكم، من رسول أمين ممن السماء، يبلغ النبىّ رسالة ربه اليه.
قوله تعالى:
«وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ» المفسرون على أن الهاء فى قوله تعالى: «ولقد رآه» يعود إلى جبريل، عليه السلام، وأن المرئي لجبريل، هو النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الأفق المبين، هو الأفق العالي، أي أفق السموات العلا، حيث عرج بالنبي، فظهر له جبريل على صورته الملكية..
وإنه الأولى عندنا، أن يكون هذا الضمير عائدا على القرآن الكريم،
وهو هذا القول الذي تلقاه النبي من جبريل.. فلقد رأى النبي- صلوات الله وسلامه عليه- القرآن الكريم بالأفق المبين، العالي الواضح، فى معراجه إلى الملأ الأعلى، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:«لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى» (18: النجم) فالقرآن هو بعض ما رأى النبي الكريم فى معراجه.. حيث كان القرآن قد نزل إلى السماء الدنيا ليلة القدر، كما يذهب إلى ذلك أكثر العلماء فى تفسير قوله تعالى:«إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» قوله تعالى:
«وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ» أي وليس النبي- صلوات الله وسلامه عليه- بالذي يضن بأنباء الغيب التي يتلقاها من ربه، فيما تحمل إليه آيات الله من أحداث يوم القيامة، وغيرها، مما جاء فى القرآن الكريم، وإنما هو رسول من عند الله، ومطلوب منه أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه:«يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ» (67: المائدة) فالمراد بالغيب هنا، هو القرآن الكريم، وآياته التي حملت إلى النبي- صلوات الله وسلامه عليه- كثيرا من أنباء الغيب، من قصص وغيره، كما يقول سبحانه:«تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا» (49: هود) وقرىء: بضنين، بظنين، أي بمتهم.. أي ليس النبي- صلوات الله وسلامه عليه- بمتهم فيما يبلغ من آيات ربه.
قوله تعالى:
أي أن هذا القرآن هو من قول الله سبحانه وتعالى، الذي نقله رسول الوحى جبريل، وليس من وساوس الشيطان، ولا من مقولاته.. «وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ، وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ» (210- 212: الشعراء) وقوله تعالى:
«فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ» ؟
أي فإلى أي مذهب من مذاهب الضلال تذهبون، بعد هذا البيان المبين، وبعد تلك الحجة الواضحة؟
أهناك مذهب لكم إلى غير الله، وإلى غير ما تدعوكم إليه آيات الله؟ إن أي طريق آخر غير هذا الطريق هو الضلال والهلاك وقوله تعالى:
«إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ» أي هذا القرآن، ما هو إلا ذكر، وهدى، للعالمين وقوله تعالى:
«لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ» هو بدل بعض من كلّ من قوله تعالى: «للعالمين» أي هذا القرآن هو ذكر للعالمين جميعا.. وهو ذكر لمن شاء منكم أيها المشركون، أن يتلقى منه الموعظة والهدى، ويستقيم على طريق الحق ويسلك مسلك النجاة..
وقوله تعالى:
«وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ» .
الواو هنا للحال، أي من شاء منكم أن يستقيم، فليطلب الاستقامة، وليرد مواردها، وليأخذ بالأسباب إليها.. ثم إن مشيئتكم تلك مرتهنة بمشيئة الله العامة الشاملة، التي كل مشيئة منطوية تحتها، دائرة فى فلكها..
فالإنسان- وإن كانت له مشيئة- ليس بالذي يستقلّ بمشيئته عن مشيئة الله، فهو إذ يشاء شيئا، وإذ يمضى هذا الشيء، فإنما ذلك من مشيئة الله فيه..
وهذا ليس بالذي يدعو الإنسان إلى أن يعطل مشيئته، منتظرا مشيئة الله فيه، لأنه لا يعلم ما مشيئة الله فيه.. بل إن عليه أن يعمل مشيئته، كما يعمل جوارحه جميعها، فإذا وافقت مشيئته مشيئة الله، مضت ونفذت، وإن خالفت مشيئة الله لم تمض، ولم تنفذ، ومضت مشيئة الله! هذا هو المطلوب من العبد.. فإن أعطى مشيئته ما ينبغى أن يقدّمه بين يديها من بحث- ونظر، وعقل- جاءت مشيئته قائمة على طريق الحق، مثمرة له أطيب الثمر، تماما، كما إذا أيقظ حواسه، وعمل بها فى المحسوسات، كان له من معطياتها ما يصله بالحياة وصلا وثيقا، ويقيمه على طريقها دون أن يتعثر، أو يضلّ!