الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(108) سورة الكوثر
نزولها: مكية نزلت بعد سورة العاديات عدد آياتها: ثلاث آيات عدد كلماتها: عشر كلمات عدد حروفها: اثنان وأربعون حرفا
مناسبتها لما قبلها
فى سورة «الماعون» ، توعد الله الذين لا يقيمون الصلاة، ولا يؤدّون الزكاة لأنهم مكذبون بالدين، غير مؤمنين بالبعث والحساب، والجزاء- توعد الله سبحانه هؤلاء، بالويل والهلاك، والعذاب الشديد فى نار جهنم..
وفى مقابل هذا، جاءت سورة الكوثر تزفّ إلى سيد المؤمنين بالله واليوم الآخر، هذا العطاء الجزيل، وذلك الفضل الكبير من ربه.. ومن هذا العطاء، وذلك الفضل، ينال كلّ مؤمن ومؤمنة نصيبه من فضل الله، وعطائه على قدر ما عمل..
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات: (1- 3)[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
التفسير:
الكوثر: مبالغة فى الكثرة، والمراد بالكثرة هنا، الكثرة فى العطاء من الخير والإحسان، والخطاب هنا للنبى صلوات الله وسلامه عليه.
والمراد بهذا الخبر هو التنويه بمقام النبىّ الكريم عند ربه جلّ وعلا، وبرضاه عنه، ذلك الرضا الذي لا حدود له، والذي تملأ القطرة منه وجوه الوجود، بشاشة، ومسرّة، وإسعادا..
وفى إطلاق لفظ الكوثر، دون قيده بنوع، أو قدر- إشارة إلى تناوله كل ما هو خير، وبلوغه إلى ما لا يعرف له نهاية أو حدّ، كما أنه إشارة أخرى إلى أنه خير، وخير مطلق، مصفّى من كل شائبة، خالص من كل كدر.. ذلك أنه عطاء، والعطاء لا يكون إلا مما هو خير، وإحسان، فكيف إذا كان عطاء من يد الله سبحانه وتعالى؟ .. إن صفة هذا العطاء هى من صفات المعطى جلّ وعلا.. فلا تسل بعد هذا ما يكون هذا العطاء! «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ» .. وإنه لحسب المؤمن إذا دعا ربه أن يقول:«اللهم أعطنى، ولا تحرمنى» .. فإذا الله دعاءه، فليسعد السعادة كلها بما أعطى من عطاء ربه! فاللهم أعطنا ولا تحرمنا، واللهم استجب لنا ولا تردنا، فأنت خير من أعطى، وأكرم من سئل..
ولعلك تسأل: وماذا أعطى النبي الكريم؟.
لقد أعطى الله سبحانه وتعالى النبي الكريم خير ما أعطى عبدا من عباده..
وحسبه أنه خاتم النبيين، وحسبه القرآن الذي كمل به دين الله، وتمت به شريعته، وحسبه الدعوة التي قام عليها، وبلغ بها غايتها، وأقام بها دين الله فى الأرض، وغرس مغارسه فى مشارقها ومغاربها.. وحسبه أن رفع الله
تعالى ذكره فى العالمين إلى يوم الدين. وحسبه أن أسرى به مولاه إلى السموات العلا، واستضافه فى الملأ الأعلى، وأراه من آيات ربه الكبرى.. «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ، وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ» ..
«أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى، وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى، وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى» ..
(113: النساء) .. «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى» ..
هذا بعض ما أعطى الله سبحانه نبيّه الكريم، وإنّ عطية واحدة من هذه العطايا لنملأ الدنيا كلها خيرا وبركة، وتسع الناس جميعا سعادة ورضا! وهذا هو ميزان الرسول الكريم عند ربه، دون الناس جميعا.. وإنه ميزان ليرجح كل ما أعطى الناس من جزيل عطايا الله سبحانه وتعالى ومننه..
فكل ما أعطى الناس بعد هذا، أو قبل هذا، من مال وبنين، ومن علم ومعرفة، ومن هدى ونور، وكل ما أصابوا من خير مادى أو معنوى- هو من بعض هذا الذي أعطى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.. فما أعظم هذا الغنى وما أطيبه، وما أبقاه وأخلده.. «وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى» (131: طه) وهل يلتفت رسول الله بعد هذا إلى ما عند الناس مما رزقهم الله من مال وبنين؟ وهل يرى شيئا من حطام الدّنيا يجرى مع هذا الذي أعطاه الله، ويأخذ له مكانا فيه؟ وهل تشتهى نفس بين يديها مائدة حافلة بطيب الطعام، وصنوف المآكل، إلى فتات فى مزبلة يتداعى عليها الذباب؟
وقوله تعالى:
«فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» .
الفاء هنا للسببية، والتعقيب على هذه البشرى المسعدة التي شرح سبحانه
وتعالى بها صدر النبي الكريم، وملأ قلبه بها سعادة ورضا.. وإذن فليشكر ربّه، وليسبح بحمده، عرفانا بهذا العطاء الجزيل، وتقديرا لقدره..
والصلاة، هى أفضل القربات إلى الله، وأعظم وسائل الزّلفى إليه، والولاء له.. واللام فى قوله تعالى:«لربك» لام الملكية، أي صل الصلاة لله وحده، واجعلها خالصة له سبحانه، لا يدخل عليها شىء من الغفلة، أو الاشتغال بغير الله..
وقوله تعالى: «وانحر» أي أطعم الفقراء والمساكين.. فهذا من الزكاة التي هى أخت الصلاة..
وقد اختلف المفسرون فى هذه الصلاة: أهي صلاة عيد الأضحى، أم هى الصلاة على إطلاقها.. وكذلك اختلفوا فى النحر، وهل هو ما ينحر من الأضاحى، يوم عيد النحر، بعد الصلاة، أم هو النحر إطلاقا؟ والأولى عندنا أن تكون الصلاة مطلقة، لا يراد بها صلاة عيد الأضحى، بل المراد بالأمر بها المداومة عليها ولو كانت صلاة عيد الأضحى، لخفّ فى مقابلها وزن هذا العطاء الجزيل الذي أعطاه الله نبيه، فى قوله تعالى:«إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ» .. فصلاة عيد الأضحى ركعتان لا غير فى كل عام.. ثم إن صلاة العيد هذه ليست فرضا، وإنما هى سنة!! فهل هاتان الركعتان تتوازنان مع هذا العطاء الجزيل، وهل يقومان بواجب الشكر عليه؟
فالمراد بالصلاة إذن هى الصلاة مطلقة فى فرائضها، وسننها.. ونوافلها..
وهى صلاة تكاد تكون مستغرقة معظم الأيام والليالى مدى العمر.. وهذا ما يمكن أن يكون فى مقام الحمد والشكر على ما أعطى النبي الكريم من ربه، هذا العطاء الجليل الكثير، الذي لا حدود له..
وعلى هذا، فالقول بأن المراد بالنحر، هو نحر الأضحية بعد صلاة العيد،
قول متهافت، وأولى منه أن يراد به مطلق النحر، وأن يراد بمطلق النحر، إطعام الفقراء والمساكين، وأن يراد بإطعام الفقراء والمساكين الزكاة، إذ كان من بعضها ما يطعم منه الفقراء والمساكين.. وعبّر عن إطعامهم بما ينحر من ذبائح، لأن ذلك خير ما يطعمونه إذ كان اللحم هو الطعام الذي يتشهاه الفقراء والمحرمون، ولا يجدون سبيلا إليه، وإن وجدوا السبيل إلى لقمة العيش!! وقوله تعالى:
«إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» .
الشانئ: هو المبغض، والمعادى، والمتجنب لمن يبغضه ويعاديه..
والأبتر: المنقطع عن كل خير، المحروم من كل ما فيه غناء ونقع..
وشانىء النبىّ، هو المكذّب له، الكافر بما يدعو إليه من الإيمان بالله، واليوم الآخر، والعمل الصالح الذي يرضى الله، ويقرّب العبد من رحمته، فيخلص بهذا من عذاب الآخرة، وينجو من أهوالها وشدائدها..
وشانىء النبي، محروم من كل خير، منقطع عن موارد الهدى والنور، فهو إلى ضياع وهلاك، وإلى عذاب جهنم خالدا فيها أبدا.. إن شانىء النبي ومبغضه مصروف عن الإيمان بالله، واليوم الآخر.. وحسبه بهذا هلاكا وضياعا، وحرمانا من كل خير..
هذا هو حظ شانىء النبي ومبغضه، فى كل زمان ومكان.. إنه البعد عن كل خير، والحرمان من كل طيّب، ثم العذاب الأليم فى نار جهنم..
والروايات التي تحدّث عن أن هذه السورة نزلت فى العاص بن وائل، أو عقبة بن أبى معيط، أو أبى جهل، أو أبى لهب، وأنهم كانوا يعيّرون النبي صلى الله عليه وسلم بموت ولديه، القاسم، وعبد الله، وأنه لا نسل له غير هما من