الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمن قال، أو من طال، أو صال إنما
…
يمن بإمدادي له برقيقة
وما سار فوق الماء، أو طار في الهوا
…
أو اخترق النيران إلا بهمتي
وعني من أمددته برقيقة
…
تصرف1 عن مجموعة في دقيقة
ومني لو قامت بميت لطيفة
…
لردت إليه نفسه، وأعيدت
ولا تحسبن الأمر عني خارجا
…
فما ساد إلا داخل في عبودتي
فلا حي إلا عن حياتي حياته
…
وطوع مرادي كل نفس مريدة2
[ولولاي لم يوجد وجود، ولم يكن
…
شهود، ولم تعهد عهود بذمة] 3
ولا قائل إلا بلفظي محدث
…
ولا ناظر إلا بناظر مقلتي
هذا لا يصح كونه عنه، ولا عن الله4!!
زعمه أن صفات الله عين صفاته:
ويقول أيضا أن الله يتحد به، بحيث يصير الذاتان ذاتا واحدة، فمن ذلك قوله:
ولا منصت إلا بسمعي؟؟ سامع
…
ولا با طش إلا بأزلي وشدتي
ولا ناطق غير، ولا ناظر، ولا
…
سميع سوائي5 من جميع الخليقة
1 في الأصل: في.
2 في الأصل: أبيه. والتصويب من الديوان.
3 هذا البيت ساقط من الأصل، وأثبته عن الديوان.
4 هذا رد على زعم شراح التائية أن ابن الفارض يتكلم بلسان الحضرة الإلهية.
5 في الأصل: سواي. وهي في الديوان كما أثبتها.
وهأنا أبدي في اتحادي مبدئي
…
وأنهي انتهائي في تواضع رفعتي
جلت في تجليها الوجود لناظري
…
ففي كل مرئي أراها برؤية
وأشهدت غيبي إذ بدت فوجدتني
…
هنالك إياها بجلوة خلوتي
فوصفي -إذ لم تدع باثنين- وصفها
…
وهيئتها -إذ واحد نحن- هيئتي1
1 زعم الزنديق قبل أنه قطب الأقطاب، وأن له وحده القدرة المهيمنة، والعلم المحيط بما في عالمي الغيب والشهادة، وفي هذه الأبيات يوغل أيضا في التزندق إيغالا فاجرا، فيزعم أنه السيد لكل سيد، وأنه مفيض الحياة والوجود، وأنه المهيمن على إرادة كل مريد، فلولاه ما وجد موجود، ولا خلق كائن، ولا أخذ العهد على الآدمية أن تعبد الله، ولا دعا إلى الله -بالحق- نبي أو رسول. لأنه الآخذ لهذا العهد على عبيده، المرسل للرسل المانح المعطي كل كائن وجوده وحياته، ولما كان ابن الفارض يدين بأن الله سبحانه هو عين خلقه، وأنه -أي: ابن الفارض- هو الله، فقد هوى هنا في هذه الأبيات مع الزندقة إلى غورها السحيق، إذ يزعم أن ما تلفظه الشفاه هو في الحقيقة ألفاظ الله، وأن ما تسمعه الآذان، وتراه العيون، عين ما يسمع الله ويرى، بل الآذان والعيون هي في حقيقتها آذان الله وعيونه، وتعالى الله عما يشركون، مشيرا في لآمة ماكرة إلى الحديث القدسي "كنت سمعه..إلخ" ملمحا بهذه الإشارة إلى أن السنة تؤيد بهتان مجوسيته. وقد سبق الرد على ما يدندن به الصوفية حول هذا الحديث.. كل هذا يهدف به مخبول الزندقة، ليؤكد لك عشرات المرات أنه هو الله، ورغم جلاء الكفر الآثم في شعره، فإنا ما زلنا نسمع من الأحبار أن ابن الفارض سلطان العاشقين، في حين أن كفر ابن الفارض أشد جحودا، وأخبث وسيلة وغاية من كفر الشيطان، فإبليس في لحظة تحدي العبودية الآبقة للربوبية المهيمنة، لم يذهله التحدي عن عزة الله، وأنه سبحانه هو الأعظم الأكبر، فلم يقسم بغير عزة الله {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] وإبليس في لحظة الجحود والعناد لم يزعم لنفسه القدرة الشاملة، ولا التصرف الكامل، فقال:{إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} وإبليس في لحظة التخايل بالكبر المقيت، لم يزعم لنفسه أنه غني عن الله، ولا أن حياته طوع إرادته هو، فدعا الله سبحانه دعاء المفتقر إلى من يؤمن بأنه غني أن ينظره الله إلى يوم البعث {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر: 36] فتأمل في كفر إبليس وكفر ابن الفارض، وثمت تقول مع الحق: وأين من كفر الزنديق كفر إبليس؟!!
فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن
…
منادى أجابت من دعاني، ولبت
[70]
وإن نطقت كنت المناجي، كذلك إن
…
قصصت حديثا إنما هي قصت
فقد رفعت تاء المخاطب بيننا1
…
وفي رفعها عن فرقة الفرق2 رفعتي
فإن لم يجوز رؤية اثنين واحدا
…
حجاك، ولم يثبت لبعد تثبت
سأجلو إشارات عليك خفية
…
بها، كعبارات لديك جلية
وأثبت بالبرهان قولي. ضاربا
…
مثال محق، والحقيقة عمدتي
بمتبوعة ينبيك في الصرع غيرها
…
على فمها في مسها حين جنت3
ومن لغة تبدو بغير لسانها
…
عليه براهين الأدلة صحت
وفي العلم حقا أن مبدي غريب ما
…
سمعت سواها، وهي في الحس أبدت
1 الخطاب يستلزم الاثنينية، إذ يقتضي وجود مخاطب، ومخاطب، لذا ينفي ابن الفارض الخطاب، ليثبت من وراء نفيه، أنه ما ثم غيره حتى يخاطبه، وإنما هناك ذات واحدة، هي الذات الإلهية المتعينة في صورة ابن الفارض، أو لعله يريد أن تاء المخاطب -وهي مفتوحة- تحولت إلى تاء المتكلم وهي مضمومة، فبدل أن يقول: أنت خلقت، أصبح يقول: أنا خلقت.
2 الفرق عند الصوفية: "شهود قيام الخلق بالحق، ورؤية الوحدة في الكثرة، والكثرة في الوحدة من غير احتجاب صاحبه بأحدهما عن الآخر" جامع الأصول في الأولياء. فالفرق لا يزال مشوبا بالغيرية، لذا يزعم ابن الفارض أنه تسامى عن هذه المرتبة التي يشعر فيها السالك أن ثمت بينه وبين الله سبحانه وجها ما من وجوه الغيرية، وأنه في أفق يوقن فيه وتحقق منه أنه هو عين الذات الإلهية.
3 سبق هذا البيت وتعليقي عليه.
قال الإمام شمس الدين البساطي في شرح هذه الآيات: "ومن ظن هذا برهانا، فجنونه أعظم من جنون المتبوعة" وقال قبل ذلك:
زعمه أن الله سبحانه يصلي له:
ولا غرو أن صلى الأنام إلي أن
…
ثوت بفؤادي، وهي قبل قبلتي
لها صلواتي بالمقام أقيمها
…
وأشهد فيها أنها لي صلت
كلانا مصل واحد ساجد إلى
…
حقيقته بالجمع1 في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي2 ولم تكن
…
صلاتي لغيري في أدا كل ركعة
ثم قال بعد ذلك:
وفارق ضلال الفرق فالجمع، منتج
…
هدى فرقة بالاتحاد تحدث
1 الجمع عند الصوفية: "شهود الحق بلا خلق، أو الإشارة إلى حق بلا خلق، وهو ما يسمى: وحدة الشهود" غير أن ابن الفارض يعني به هنا ما هو أشد كفرا، إذ يزعم أنه حين يسجد، فالساجد والمسجود له حقيقة واحدة هي الحق في صورة خلق، يعني الإله باعتبار الإطلاق، والإله باعتبار التعين في صورة ابن الفارض.
2 فيما قبله عبر بقوله: كلانا مصل وكلا. والضمير الذي بهما يشعران بأنه ثم اثنان يؤديان الصلاة- وإن كان قد عقبه بما ينفي الاثنينية المفهومة من "كلانا" وهو قوله "واحد ساجد". غير أنه لم يكتف بهذا في نفي الاثنينية، فنظم هذا البيت "وما كان لي صلى سواي.. إلخ" توكيدا لنفي ما نفاه من قبل، وتوكيدا لمعنى الوحدة بينه وبين الله سبحانه، ومعنى قوله: احذر أن تفهم أن المصلى غير من صلى له، فإنما هما حقيقة واحدة تخدع غير العارف بتجليها في مظهرين غيبي وشهودي، أو مصلى له ومصل، المصلي أنا، والمصلى له أنا!! غير أني أقول للزنديق وعبيده: ما زال ثم غير. هو مكان الصلاة، فلا يثبت لك نفي الغيرية والاثنينية.