الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رب الصوفية في صور العاشقات:
وصرح بإطلاق الجمال، ولا تقل
…
بتقييده ميلا لزخرف زينة
بها قيس لبني1هام، بل كل عاشق
…
كمجنون ليلى2، وكثير3 عزة
فكل صبا منهم إلى وصف لبسها
…
بصورة حسن لاح في حسن صورة
وما ذاك إلا أن بدت بمظاهر
…
فظنوا سواها، وهي فيها4 تجلت
ففي النشأة الأولى تراءت لآدم
…
بمظهر حوا5 قبل حكم الأمومة
فهام بها كيما يصير بها أبا
…
ويظهر بالزوجين سر البنوة
انظر إلى هذا التجاسر مع الكفر على صفي الله آدم عليه السلام في وصفه
1 في الأصل ليلى، وقيس المذكور هو ابن ذريح أحد مشاهير العشاق.
ما زال يشبب بلبنى بنت الحباب الكعبية، ويسعى سعيه حتى تزوج بها، ثم طلقها ثم تزوجها وكان في أيام معاوية "عن تزيين الأسواق للأنطاكي".
2 المجنون هو عامر بن ملوح بن مزاحم، وصاحبته ليلى بنت مهدي بن سعد سلبه عشق ليلى رشده. وكانا في أيام مروان ومن شعره فيها:
أراني إذا صليت يممت نحوها
…
بوجهي وإن كان المصلى ورائيا
وما بي إشراك ولكن حبها
…
وعظم الجوى أعيا الطبيب المداويا
3 هو كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة الأسود بن عامر كنيته أبو صخر الشاعر المشهور، كان رافضيا شديد التعصب لآل أبي طالب. توفي سنة 150هـ. وصاحبته عزة بن جميل بن حفص بن إياس، ومن شعره فيها:
الله يعلم لو أردت زيادة
…
في حب عزة ما وجدت مزيدا
رهبان مدين والذين عهدتهم
…
يبكون من حذر العذاب قعودا
لو يسمعون كما سمعت حديثها
…
خروا لعزة ركعا وسجودا
والميت ينشر أن تمس عظامه
…
مسا، ويخلد أن يراك خلودا
4 في الأصل: فيهم، والتصويب من الديوان، فالضمير يعود على المظاهر.
5 يفتري أن الذات الإلهية تعينت لآدم في صورة حواء.
بالهيام بالذات الأقدمين1 كما لا يخفى ولم لا يخفى:
وما برحت تبدو وتخفى لعلة
…
على حسب الأوقات في كل حقبة
وتظهر للعشاق في كل مظهر
…
من اللبس في أشكال حسن بديعة
ففي مرة لبنى، وأخرى بثينة
…
وآونة تدعى بعزة. عزت
ولسن سواها، لا ولا كن غيرها2
…
وما إن لها في حسنها من شريكة
كذاك بحكم الاتحاد، لحسنها
…
كما لي بدت في غيرها، وتزيت
بدوت لها في كل صب متيم
…
بأي بديع حسنه، وبأيت
وليسوا بغيري في الهوى لتقدم
…
علي بسبق في الليالي القديمة
وما القوم غيري في هواي، وإنما
…
ظهرت بهم للبس في كل هيئة
1 في الكلام خلل فلعله سقط منه شيء، ويعجب المؤلف من جسارة ابن الفارض على آدم، وليس بعجيب هذا من رجل قال قبل ذلك: إن الله هو جسد حواء!! وسبحان الله رب العالمين.
2 يفتري الزنديق أن لبنى وبثينة وعزة وليلى ما هن إلا الذات الإلهية تعينت في صور هؤلاء الغواني العاشقات، وأن قيسا وجميلا وكثيرا وعامرا عشاق أولئك النسوة، ما هم إلا الذات الإلهية تعينت في صور هؤلاء العشاق، فمن خصائص الإله الصوفي أنه يتجلى في صورة رجل عاشق، وفي صورة امرأة هلوك عاشقة، وأنه حين يعشق فإنما يعشق نفسه، فهو العاشق والعشق والمعشوق. وابن الفارض يختار لفظ العشق عن عمد تثيره الغريزة الملتهبة، فالعشق كما يعرفه صاحب القاموس "إفراط الحب، ويكون في عفاف وفي دعارة، أو عمي الحس عن إدراك عيوبه أو مرض وسواس يجلبه إلى نفسه بتسليط فكره على استحسان بعض الصور" والصوفية المعاصرة تعيب علينا الإيمان بصفات الله كما هي في الكتاب والسنة، وترجف بنا باغية في كل ناد أننا نجسم الله! ومعاذ الله أن ننسب إليه إلا ما نسب هو سبحانه إلى نفسه. ألا فلينظروا إلى ربهم الذي صنعته زندقة ابن الفارض، إنه يصوره شهوة عارمة النزوات، وبهذا لقبوه بسلطان العاشقين.
ففي مرة قيسا، وأخرى كثيرا
…
وآونة أبدو جميل بثينة1
[71]
تجليت فيهم ظاهرا، واحتجبت با
…
طنا بهم، فاعجب لكشف بسترة2
وهن، وهم3 -لا وهن وهم- مظاهر
…
لنا4 بتجلينا بحب، ونضرة
فكل فتى حب أنا هو، وهي حـ
…
ـب كل فتى، والكل أسماء لبسة
أسام بها كنت المسمى حقيقة
…
وكنت لي البادي بنفس تخفت
وما زلت إياها، وإياي لم تزل
…
ولا فرق، بل ذاتي لذاتي أحبت5
وليس معي فى الملك شيء سواي
…
والمعية لم تخطر على ألمعيتي
1 تكنى أم عبد الملك، وصاحبها جميل بن عبد الله بن معمر بن صباح وكلاهما من بني عذرة، قبيلة اشتهرت بالجمال والحب والعفة فيه، حتى قيل: هوى عذري، وجميل مضرب المثل في صدق الصبابة وعفة الحب، وكان وصاحبته في عهد عبد الملك بن مروان.
2 دائما يذكر ابن الفارض عن نفسه باعتباره أحد تعينات الذات الإلهية أنه يتجلى في صور رجال عاشقين، أما حين يتحدث عن الذات مطلقا فيزعم أنها تتجلى في صور نساء عاشقات وما من شك في أنه يريد بهذا تفضيل نفسه على كل تعينات الإله الصوفي، إذ الرجل قيم على المرأة.
3 العشيقات والعشاق الذين ذكروا قبل، والذين هم رمز عن الوجود المتعين.
4 أي: الذات الإلهية باعتبارها وجودا خاليا من التعين، ولها باعتبارها خلقا سمي بابن الفارض.
5 هذا وما قبله يؤكد أن ابن الفارض ممن يدينون بوحدة الوجود، لا بالاتحاد، ألا تراه يؤكد أن مظاهر الوجود المختلفة هي عين الذات، وأن الذات منذ أحبت أن تتعين وهي تتجلى في صور الوجود، وأن هذه الحقيقة -حقيقة تعين الحق في صور الخلق- لا يطيف بها وهم من الأوهام؟!