الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنه جل جناب هذا المقام من أن يطلع عليه إلا واحد بعد واحد، فالواحد السابق هو صلى الله عليه وسلم، والواحد اللاحق به:1 أنا إن شاء الله تعالى من جهة غرقي في لجيته" ا. هـ.
وقال عياض في أواخر الشفاء: وكذلك -أي: يكفر- من ادعى مجالسة الله تعالى، والعروج إليه، ومكالمته، أو حلوله في أحد الأشخاص، كقول بعض المتصوفة2.
لا شيء على من يكفر ابن الفارض:
وأما من أنكر عليه لأمثال ما رأيته من الألفاظ الصريحة بالنص في الكفر، فلا شيء عليه بإجماع المسلمين بقاعدة من كفر مسلما متأولا، فلا أضل ممن ترك طريقا مضمون السلامة، واتبع طريقا أخف أحواله أنه مظنون العطب والملامة [77] ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح، على تقدير تسليم أن يكون لهم فيما هم فيه مصلحة، ولي فيه -والله- مصلحة بوجه، فقد اعترف كل من يحامي له أن ظاهر كلامه منابذ للكتاب والسنة، وإلا لما احتاجوا إلى ادعاء تأويله، مع أن الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي ما سلك فجا إلا سلك الشيطان فجا غير فجه3، قد أنكر التأويل لغير كلام المعصوم4، ومنع منه رضي الله عنه، وأرضاه، وأهلك كل
1 يعني: ابن الفارض لأنه يتكلم بلسانه.
2 ص298 جـ2 الشفاء ط تركيا.
3 إشارة إلى الحديث المتفق عليه بين البخاري ومسلم، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "إيها يابن الخطاب! والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك" والفج: الطريق الواسع، أو المكان المتخرق بين الجبلين.
4 بل ما ثبت عن عمر، ولا عن غيره من الصحابة والتابعين لهم بإحسان =
من خالفه وأرداه، وبسيف الشرع قتله وأخزاه، فقال فيما رواه عنه البخاري في كتاب الشهادات من صحيحه:"إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر خيرا أمناه، وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، والله يحاسبه في سريرته. ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه، ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة" وقد أخذ هذا الأثر الصوفية، وأصلوا عليه طريقهم. منهم صاحب العوارف استشهد به في عوارفه، وجعله من أعظم معارفه، فمن خالف الفاروق رضي الله عنه كان أخف أحواله أن يكون رافضيا خبيثا، وأثقلها أن يكون كفارا عنيدا، وهذا الذي سماه الفاروق رضي الله عنه: ظاهرا هو الذي يعرف في لسان المتشرعة بالصريح، وهو ما قابل النص والكناية والتعريض، وقد تبع الفاروق رضي الله عنه على ذلك -بعد الصوفية- سائر العلماء، لم يخالف منهم أحد كما نقله إمام الحرمين1 عن الأصوليين كافة، وتبعه الغزالي، وتبعهما الناس. وقال الحافظ زين الدين العراقي أنه أجمع عليه الأمة من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل الاجتهاد الصحيح، وكذا قال الإمام أبو عمرو ابن عبد البر2 في التمهيد، وأصله إمامنا الشافعي رضي الله في كتاب
= تأويلهم لشيء ما من كلام المعصوم، وإنما كان الجميع يفهمون ما جاءهم عن الله ورسوله بمعانيه التي هي له في لغة العرب، لا بما اصطلحت عليه الفلسفة أو التصوف أو الكلام. فما عرف شيء من هذه الضلالات، ولا في عهد أصحابه. وقريب من الذكر تلك الضربات الهادية الشافية التي أنزلها عمر على رأس من جاء يسأله عن معنى الذاريات، إذ استشعر من وراء السؤال فكرا يهمس فيه الشك.
1 هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف أبو المعالي الجويني من زعماء الأشاعرة. ولد سنة 419هـ ولقب بإمام الحرمين. لأنه جاور بمكة والمدينة أربع سنين يدرس ويفتي. توفي سنة 478هـ.
2 هو يوسف بن عبد البر بن محمد حافظ المغرب. قال عنه ابن حزم "لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله. ولد سنة 368هـ وتوفي سنة 463هـ".