الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجبريل قل لي: كان دحية إذ بدا
…
لمهدي الهدى في هيئة بشرية
وفي علمه عن حاضريه مزية
…
بماهية1 المرئي من غير مرية
يرى ملكا يوحي إليه، وغيره
…
يرى رجلا يرعى لديه لصحبة
ولي من أصح الرؤيتين إشارة
…
تنزه عن رأي الحلول عقيدتي
يدين بتلبس الله بصورة خلقه:
قالوا: "إن المراد -كما هو ظاهر جدا- أن جبريل عليه السلام ظهر في صورة دحية من غير حلول فيه، ولأجل ظهوره كذلك ادعى أن الله تعالى تجلى بصورة الناظم، لم يدع حلوله2 فيه".
1 ماهية الشيء: حقيقته التي تقال في جواب: ما هو؟
2 مع كفره البين بقياس شأن الله على شأن عبده جبريل، وحكمه بوقوع تلبس الخالق بصور الخلق، قياسا على ما وقع لجبريل، إذ تلبس بصورة دحية.
أقول: مع كفره بهذا، فالحديث ناطق بالحق يهدم ما بنى ابن الفارض ومخانيثه عليه من باطل، فهو لا يثبت إلا ظهور جبريل بصورة دحية، فلم يكن ثم -إذا- ذاتان اتحدت إحداهما بالأخرى، أو صورتان لحقيقة واحدة، وإنما كان ثم غيران منفصلان تمام الانفصال، ليسا متحدين لا في ذات، ولا في صفة، ولا في فعل بل ولا في ماهية أو هوية، ولكل منهما خصائصه، ومقوماته وحياته التي لا تشبه الأخرى في أدنى شيء، أو تقاربها، كان ثم الحقيقة الملكية، وكان ثم الحقيقة الآدمية. وهذا نقيض ما يدين به ابن الفارض، إذ يدين بالوحدة التامة بينه وبين الله في الهوية والماهية والذات والصفة، يؤمن بأن هذه الكائنات التي لا تتناهى هي عين الذات الإلهية. وأنت -ولا ريب- قد آمنت بأن الحديث حجة عليه لا له. ثانيا: فصل الرسول صلى الله عليه وسلم -وهو سيد العارفين، كما يوقنون- بحكمه عن بينة بين جبريل، وبين دحية، وهذا الفصل يقتضي أن ذات جبريل غير ذات دحية، أعني يستلزم الغيرية بالحقيقية. وابن الفارض يدين بعدم الغيرية، وينكرها بتاتا. ثالثا: حينما ظهر جبريل بصورة دحية كان ثم أغيار كثيرون حقيقيون غيره. هم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكان ثم المكان. =
قال البساطي: "لكن دعوى تجلي الله بصورة ما مكفر بها1 شرعا بإجماع المسلمين والكافرين من آمن به، وإن لم يكن حلولا".
ثم قال: دالا على أن ما قاله بزعمه في الكتاب والسنة:
وفي الذكر2 ذكر اللبس ليس بمنكر
…
ولم أعد عن حكمي كتاب وسنة
وشرحه الشراح كلهم بقوله تعالى في الكتاب العزيز: {نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ} [القصص: 30]
= والصوفية يدينون بأنه ما ثم غير من الأغيار، وإنما الكل عندهم عين الذات.
رابعا: حينما ظهرت الملائكة لإبراهيم الخليل عليه السلام ظنهم رجالا -والعارف الحق عندهم من لا تخدعه الصورة عن الحقيقة- فقدم لهم طعاما، فلم ينالوا منه شيئا، وهذا دليل على أن الملائكة -رغم ظهورهم في صور بشرية- ظلت على خصائصها الملكية، ولم تنزل على حكم البشرية، فتأكل وتشرب، في حين يدين الصوفية بأن الله سبحانه عين الماهية والهوية من كل موجود، وله خصائصه الحيوانية، والإنسانية، أو الجمادية، فيأكل ويشرب ويتزوج وغير ذلك.
قال الحافظ بن حجر في الفتح "والحق أن تمثل الملك رجلا ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلا، بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسا لمن يخاطبه" لكن الصوفية -يعبر عنها ابن الفارض وابن عربي وغيرهما- تدين بأن ذات الحق عين الخلق فيجوز عليها كل ما يجوز عليهم، فهي حقيقة القاتل من فاعل القتل، وشارب الخمر من شاربها، فما من فاعل يأتي بشيء، وما من مجرم يقترف إثما إلا وهو الله حقيقة عند الصوفية، وتعالى الله الملك الحق عما يصفون!!
1 سبق ذكر هذا النص وتعليقي عليه.
2 القرآن.
3 يفتري الزنديق أن من كلم موسى هي الشجرة، وأنها كانت هي الله سبحانه متجليا في صورة شجرة، ثم يأخذ من هذا الإفك الأثيم دليلا على دعواه، وهو تعين الله في صورة خلقية، وتجليه في صورة ابن الفارض، ورغم هذا البهتان المجوسي، فالآية تدمغهم، فإنها تثبت وجود أغيار كثيرة غير الرب الذي ظنوه شجرة. تثبت وجود موسى، والشاطئ، والبقعة المباركة، وابن الفارض ومخانيثه يدينون بأنه ما ثم غير أبدا، فعندهم أن الله سبحانه عين كل شيء. وهم يزعمون هنا أن الشجرة وحدها كانت هي الله، فما استدلوا به يناقض ما يدينون به.
وقوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} 1 [الأنفال: 17]
1 يتخذ الصوفية -كدأبهم في التلبيس الزنديقي- من هذه الآية دليلا على أن فعل العبد عين فعل الله، ليثبتوا من ورائه أن ذات العبد عين ذات الله سبحانه وإليك ما يرد به الإمام ابن تيمية بهتانهم" قوله تعالى:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} لم يرد به أن فعل العبد هو فعل الله، كما تظنه طائفة من الغالطين فإن ذلك لو كان صحيحا، لكان ينبغي أن يقال لكل أحد حتى يقال للماشي: ما مشيت، ولكن الله مشى، ويقال مثل ذلك للآكل والشارب والصائم والمصلي ونحو ذلك، وطرد ذلك يستلزم أن يقال: وما كفرت إذ كفرت، ولكن الله كفر، ويقال للكاذب.. ومن قال هذا فهو ملحد خارج عن العقل والدين.
ولكن معنى الآية: أن النبي -صلي الله عليه وسلم- يوم بدر رماهم، ولم يكن في قدرته أن يوصل الرمي إلى جميعهم، فإنه إذا رماهم بالتراب، وقال "شاهت الوجوه" ولم يكن في قدرته أن يوصل ذلك إليهم كلهم، فالله تعالى أوصل ذلك الرمي إليهم بقدرته يقول: وما أوصلت إذ حذفت ولكن الله أوصل، فالرمي الذي أثبته ليس هو الرمي الذي نفاه عنه، وهو الإيصال والتبليغ، وأثبت له الحذف والإلقاء" باختصار قليل جدا عن مجموعة الرسائل والمسائل ص96 جـ1 وأقول: تثبت الآية وجود رام، وشيء رمي، وقوم أصيبوا بما رمي، فعلى فرض صحة إفكهم أن الرامي هو الله في صورة محمد، فمن هم أولئك الذين رماهم الله؟ وما ذلك الشيء الذي رماهم به، أهم عين الله، أم هم غيره؟ إن قيل بالأول لزمهم كون ربهم من عتاة الجاهلية عباد الصنم، وأنه غلب على أمره. وأصيب بما لم يملك له دفعا. وهذا هو إله الصوفية الذي تصنعه الأوهام والشهوات. وإن قيل بالثاني لزم وجود غير، بل أغيار كثيرة، وهذا نقيض ما يدعونه، وهو أن الله سبحانه عين كل شيء، وتعالى الله عما يصفون.
وقوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} 1 [الفتح: 10] وفي السنة حديث الإتيان في الصورة التي تنكر يوم القيامة، ثم في الصورة التي تعرف2. ثم قال3:"فعلم أنه تعالى يتلبس بأي لباس صورة شاء مما يعرف، ومما ينكر من غير حلول، فكان ظهوره بصورتي جائزا من غير حلول، فصح بهذا دعوى اتحادي مع نفي الحلول" ا. هـ. وليس وراءه تصريح بالكفر. نسأل الله العافية. وقالوا في شرح البيت الثاني4: "إن الحق من أسماء الذات، ومن اتصف بأسماء
1 يزعم الصوفية أن قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} تؤيد بهتانهم في الاتحاد والوحدة، وإليك رد الإمام ابن تيمية عليهم:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} لم يرد به أنك أنت الله، وإنما أراد به أنك أنت رسول الله ومبلغ أمره ونهيه، فمن بايعك، فقد بايع الله، كما أن من أطاعك فقد أطاع الله، ومن ظن في قوله:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} الآية: أن المراد به أن فعلك هو فعل الله، أو المراد أن الله حال فيك ونحو ذلك فهو مع جهله وضلاله بل كفره وإلحاده قد سلب الرسول خاصيته، وجعله مثل غيره، وذلك أنه لو كان المراد به أني خالق لفعلك، لكان هنا قدر مشترك بينه وبين سائر الخلق، وكان من بايع أبا جهل فقد بايع الله، ومن بايع مسيلمة فقد بايع الله، ومن بايع قادة الأحزاب، فقد بايع الله، وعلى هذا التقدير؛ فالمبايع هو الله أيضا، فيكون الله قد بايع الله، إذ الله خالق لهذا ولهذا، وكذلك إذا قيل بمذهب أهل الحلول والوحدة والاتحاد، فإنه عام عندهم في هذا وهذا، فيكون الله قد بايع الله، وهذا يقوله كثير من شيوخ هؤلاء الحلولية، حتى إن أحدهم إذا أمر بقتال العدو، يقول: أأقاتل الله؟! " باختصار قليل جدا عن مجموعة الرسائل والمسائل ص97جـ1.
2 سبق ذكر الحديث والرد على استدلال الصوفية به على معتقدهم.
3 أي: شارح التائية.
4 هذا البيت هو:
وكيف، وباسم الحق ظل تحققي
…
تكون أراجيف الضلال مخيفتي