الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"إن لم تكن الفقهاء أولياء لله، فليس لله ولي1" نقله عنهما النووي في تبيانه عن الخطيب البغدادي، ودليله:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] ، {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63] . فقد أرشد الله تعالى إلى أن الولي هو العالم، وأن العالم هو العامل بعلمه.
دفاع وادعاء:
وإن قالوا: أنت تبغض الصوفية، فقل: هذه مباهتة. إنما أبغض من كفره من أجمعنا على أنهم صوفية، مثل الجنيد، وسري2 وأبي يزيد3،
1 ما من شك في أن الإمامين الجليلين يقصدان بالفقيه: ذلك المؤمن العالم الذي يستمد فقهه من الكتاب والسنة، ويبذل الجهد في سبيل دعوة المسلمين إلى اتباع الكتاب والسنة، لا ذلك الذي تدفعه عصبية حمقاء إلى عبادة مذهب خاص، ودعوة الناس إلى الاقتداء بغير رسول الله، والتدين بكتاب غير كتاب الله سبحانه مثل هذا هو من يسميه الناس اليوم وقبل اليوم بالفقيه، وإنه لفقيه ضلالة، وداعية إلى اتخاذ عبيد الله أربابا من دون الله.
2 هو سري بن المغلس السقطي، خال الجنيد. ومن قوله:"كل ما أنا فيه فمن بركات معروف الكرخي" توفي سنة 257هـ، فهل قائل هذه الكلمة يعتبر مسلما؟.
3 هو طيفور بن عيسى البسطامي المتوفى سنة 261هـ ومن قوله: "سبحاني ما أعظم شاني، تالله، إن لوائي أعظم من لواء محمد، ولأن تراني مرة خير لك من أن ترى ربك ألف مرة" انظر ترجمة المناوي لأبي يزيد ولطائف المنن والأخلاق جـ1 ص125، 126 وعجيب من المؤلف أن يستشهد بمثل هذا الزنديق على تكفير صوفي، وهو زعيمهم الذي ألهبهم جرأة وقحة على جلال الربوبية وكبرياء الإلهية، وهو القائل أيضا:"رفعني الله مرة بين يديه وقال: إن خلقي يحبون أن يروك، فقلت: زيني بوحدانيتك، وألبسني أنانيتك، وارفعني إلى أحديتك حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك، فتكون أنت ذاك، ولا أكون أنا هناك" اللمع ص382.
وأبي سعيد الخراز، والأستاذ أبي القاسم القشيري، والشيخ عبد القادر الكيلاني والشيخ شهاب الدين عمر السهروردي صاحب العوارف، فإن بعضهم قال: طريقنا، مشبك بالكتاب والسنة، فمن خالفهما، فليس منا، وبعضهم جعل أثر عمر رضي الله عنه أصلا، وبنى عليه طريقهم، وبعضهم قال: من قال: إن الشريعة خلاف الحقيقة فهو زنديق، ومن قال: إن المراد بمحبة الله تعالى، ووصوله إليه غير كمال المتابعة للكتاب والسنة، أو بمحبة الله غير إكرامه بحسن الثواب؛ فهو زنديق1، إلى غير ذلك مما حدوه، فتعداه من عاديتمونا بسببهم
1 الخبير بحال الصوفية -سلفهم وخلفهم- والمتأمل في كتبهم يوقن أن الصوفية منذ نشأت، وهي حرب دنيئة -خفية أو مستعلنة- على الإسلام. هذا القشيري الصوفي القديم "ولد سنة 376هـ وتوفي سنة 465هـ" هذا هو يقول في رسالته عنهم "ارتحل عن القلوب حرمة الشريعة، فعدوا قلة المبالاة بالدين أوثق ذريعة، ورفضوا التمييز بين الحلال والحرام، ودانوا بترك الاحترام وطرح الاحتشام واستخفوا بأداء العبادات، واستهانوا بالصوم والصلاة. وركنوا إلى اتباع الشهوات.
وادعوا أنهم تحروا عن رق الأغلال. وتحققوا بحقائق الوصال، وأنهم كوشفوا بأسرار الأحدية، واختطفوا عنهم بالكلية، وزالت عنهم أحكام البشرية، وبقوا بعد فنائهم عنهم بأنوار الصمدانية" ص2، 3 الرسالة للقشيري. هذه شهادة عليهم في القرن الرابع الهجري من رجل يعدونه المثل الأعلى للصوفية العملية المعتدلة، وإنها لتدل على أن الصوفية من قديم تواصوا بالكيد للإسلام، وإنا لا تخدعنا هذه الشفوف من النفاق الصوفي، إذ هم السم الناقع يتراءى شهدا مذابا. فالقائلون بما هلل له البقاعي هم عين القائلين بما يخنقك منهم يحموم الزندقة، فالقشيري نفسه يقول في مقدمة رسالته عن أهل الطريقة: "جعل الله هذه الطائفة صفوة أوليائه، وفضلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه" يفضل الصوفية على السابقين من المهاجرين والأنصار، ثم يقول: "وجعل قلوبهم معادن أسراره، واختصهم من بين الأمة بطوالع أنواره، فهم الغياث للخلق" وماذا بقي لله إذا كان هؤلاء غياثا للخلق؟ وماذا للصحابة من طوالع الأنوار ومعادن الأسرار إذا كان هؤلاء وحدهم كذلك؟ ثم يقول: "ورقاهم إلى محال المشاهدات بما تجلى لهم من حقائق الأحدية =
بل أنتم بعد بغضكم للصوفية نابذتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموالاتكم من نابذ شريعته، ونحن نذب عنها وأنتم تناضلون عمن يهدمها من غير فائدة في ذلك، وتقولون: إنهم أرادوا بكلامهم الذي ظاهره قبيح غير ظاهره، ولو قال أحد من الناس لأحد منكم كلمة توهم نقصا "كالعلق" الذي قال أهل اللغة أن معناه: الشيء النفيس1؛ عاداه، وإن حلف له أنه ما قصد ذما، وإن كرر ذلك كانت القاصمة، فتحرر بذلك أن نابذتم أهل الدين من الفقهاء والصوفية2 المجمع
= وأشهدهم مجاري أحاكم الربوبية" إذا فهم عند القشيري أعظم مقاما من خليل الله إبراهيم، ومن محمد عليه الصلاة والسلام؟! فتأمل في الأستاذ القشيري، وفي قوله، وفيما خلفه في رسالته، ثم اسمع إليه ينقل في رسالته: "لا تصلح المحبة بين اثنين حتى يقول الواحد للآخر: يا أنا، المحبة سكر لا يصحو صاحبه إلا بمشاهدة محبوبه" انظر مقدمة الرسالة وص146منها. وهذه زمزمة قديمة بزندقة الاتحاد ووحدة الشهود.
1 في القاموس: "العلق: بالكسر" النفيس من الشيء.
2 وضع الصوفية بجانب الفقهاء من المؤلف يوحي بأن هناك طريقان: طريق الفقهاء، وطريق الصوفية، ويوحي بأن الدين فقه وتصوف، وأن الطريقين مختلفان، وأن الفقه والتصوف متغايران. فما طريق الفقهاء، وما طريق الصوفية؟ وما الفقه، وما التصوف؟ إن كان أحدهما عين الآخر بطلت التسمية، وإن كان غيره، استلزم النقص في أحدهما، أعني استلزم أن يكون أحدهما لا يمثل الشريعة الإسلامية في كل أصولها وفروعها. والصوفية يزعمون أنهم يمثلون الجانب الروحي والحقائق الباطنة في الإسلام. ويدمغون الفقهاء بأنهم علماء الرسوم. في حين يقول الفقهاء عن الصوفية: إنهم يتحللون من تكاليف الشريعة بهذه الدعوى!! فأي الفريقين على بينة من قوله؟ لا بد من العودة إلى الكتاب والسنة لنحكم على قيم الأشياء بما حدد القرآن من مفاهيم لهذه القيم، وثمت نجد أمين الله جبريل يسأل الرسول: ما الإسلام؟ ثم: ما الإيمان؟ ثم: ما الإحسان؟ ونجد الرسول صلى الله عليه وسلم يجيب إجابة واضحة صريحة لا لبس فيها ولا غموض، محددا هذه الحقائق العليا تحديدا جليا مشرقا، فلنجعل قلوبنا ونياتنا وأعمالنا مظهرا لها في صدق وإخلاص ولندع تلك التفريعات، والتقسيمات، والتسميات، لنستمد معارفنا عن الدين من الكتاب والسنة، فلا تستبد بنا حيرة، ولا يعصف بنا شك ولا يستعبدنا بعض خلق الله.