الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استدلاله على زندقته:
ثم قال بعد هذا بكثير في أواخر القصيدة، دالا على مذهبه فيما زعم:
وجاء حديث في اتحادي ثابت
…
روايته في النقل غير ضعيفة
يشير بحب الحق بعد1 تقرب
…
إليه بنفل، أو أداء فريضة
وموضع تنبيه الإشارة ظاهر
…
بكنت له سمعا كنور الظهيرة
قال شارحه: "إن الحب ميل باطني أثره رفع امتياز المحب والمحبوب، ورفع ما بينهما2، والمحب عين الحضرة الإلهية، والمحبوب ظهور كماله الذاتي والأسمائي، ولن يصح لقبول هذا الظهور المحبوب منصة إلا الحقيقة الإنسانية صورة ومعنى؛ لكمال جمعيتها، وتتميمها دائرة الأزلية والأبدية، والحديث المشير بهذا الاتحاد: لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ولسانا ورجلا3 وعبارة التلمساني في مقدمة شرحه: نص
1 في الأصل: عند. وهي كما أثبتها في الديوان.
2 أي: رفع كل ما بينهما من فروق ذاتية وصفاتية، حتى تصير الذاتان ذاتا واحدة هي الحق متلبسا. بصورة خلقية قال الجنيد: ويسمونه سيد الطائفة، ويزعم من لا يستبطن خبيئة التصوف: أن تصوف الجنيد أقباس من السنة، "سمعت السري السقطي يقول: لا تصلح المحبة بين اثنين حتى يقول الواحد للآخر: يا أنا" بهذا يؤمن الجنيد وخاله السري السقطي، والقشيري ناقل هذا في رسالته في باب الحب، فتأمل متى بدأ التصوف ينفث زندقته! فالجنيد والسقطي من رجال القرن الثالث الهجري. وكلاهما يؤمن أن غاية الحب صيرورة العبد ربا، حتى يقول الرب للعبد، والعبد للرب: يا أنا!
3 روي الحديث باختصار مخل، وليس في الحديث ذكر كلمة: لسان. وقد =
في المراد، وهي:"فالسمع والبصر، وغيرهما من الصفات في أي موصوف كان هو الله حقيقة" وسيأتي كلام القشيري [72] والسهروردي: أن هذا زندقة، وساق ابن الفارض بعد الأبيات الماضية ما زعم أنه يدل على دعواه الاتحاد وأنه إذا دل على ذلك انتفى الحلول، فقال:
ولست على غيب أحيلك لا، ولا
…
على مستحيل موجب سلب حليتي
وكيف، وباسم الحق ظل تحققي
…
تكون أراجيف الضلال مخيفتي؟
وها دحية1 وافى الأمين2 نبينا
…
بصورته في بدء وحي النبوة
= سبق الحديث وبيان سنده والرد على ما استنبطه منه الزنادقة. وأنقل لك هنا طرفا مما شرح به ابن قيم الحديث لترى كيف يفهم المؤمنون، ويهرف بالزندقة الصوفيون "وخص في الحديث السمع والبصر واليد والرجل بالذكر، فإن هذه آلات الإدراك وآلات الفعل، والسمع والبصر يوردان على القلب الإرادة والكراهة، ويجلبان إليه الحب والبغض، فتستعمل اليد والرجل، فإذا كان سمع العبد بالله وبصره به كان محفوظا في آلات إدراكه، فكان محفوظا في حبه وبغضه، فحفظه في بطشه ومشيه، فمتى كان العبد بالله هانت عليه المشاق، وانقلبت المخاوف في حقه أمانا، فبالله يهون كل صعب، ويسهل كل عسير، ويقرب كل بعيد، وبالله تزول الأحزان والهموم والغموم، فلا هم مع الله، ولا غم مع الله، ولا حزن مع الله. ولما حصلت هذه الموافقة مع العبد لربه في محابه، حصلت موافقة الرب لعبده في حوائجه ومطالبه، فقال: "ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه" أي: كما وافقني في مرادي بامتثال أوامري والتقرب إلي بمحابي، فأنا أوافقه في رغبته ورهبته فيما يسألني أن أفعل به، ويستعيذني أن يناله مكروه" اقرأ الشرح كاملا في الجواب الكافي لابن قيم ط السنة المحمدية ص202 وما بعدها.
1 هو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة، صحابي مشهور، أول مشاهده الخندق، وقيل: أحد. كان مضرب المثل في حسن الصورة، حتى كان جبريل ينزل بصورته، عاش رضي الله عنه إلى خلافة معاوية "أسد الغابة، الإصابة، الاستيعاب"
2 جبريل عليه السلام.