الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله عنه بعد قدومه الكوفة بثلاثة أيام: "قد عرفنا خياركم من شراركم، قالوا: كيف؟ وما لك عندنا إلا ثلاثة أيام، قال: كان معنا خيار وشرار، فانضم خيارنا إلى خياركم، وشرارنا إلى شراركم" وحديث: "الأرواح جنود مجندة" 1 الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أعدل شاهد لذلك ويتعين على كل مسلم إنكار ما أنكره الشرع من مثل هذا.
قوله يوجب إراقة دمه:
وقد اعترف هو أن ما قاله موجب لإراقة الدم، وأنه قاله في الصحو والإفاقة لا في السكر والجذبة، فقال:
وثم أمور ثم لي كشف سترها
…
بصحو مفيق عن سواي تغطت
بها لم يبح من لم يبح دمه وفي الإ
…
شارة معنى ما العبارة حدت
قالوا في شرحه: "أي انكشفت لي أمور وأسرار بواسطة الصحو الذي حصل لي بعد السكر والإفاقة، وهي متغطية عن غيري من المحجوبين، ولم يظهر تلك الأسرار إلا من أباح دمه للمحجوبين2، فإنهم يقتلون العارفين الذين باحوا بأسرار التوحيد3" وقد صرح بأن ما يقوله حقيقة لا مجاز، فقال:
عليها مجازي سلامي، فإنما4
…
حقيقته مني علي تحيتي
1 نص الحديث: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" ولم يروه الشيخان -كما ذكر- عن أبي هريرة، وإنما رواه عنه مسلم وأبو داود، أما البخاري، فرواه عن عائشة رضي الله عنها.
2 يعني: المعتصمين بكتاب الله، والمستمسكين بظواهر الشريعة المؤمنين بالله وحده ربا، وبالخلق عبيدا لله رب العالمين.
3 أسرار التوحيد عندهم: اعتقاد أن الله سبحانه عين خلقه، وعن هذه المرتبة يقول الغزالي: إنها سر، وإفشاء سر الربوبية كفر.
4 في الأصل: لإنما، وهي في الديوان كما أثبتها.
قال الشراح: "أي: على حضرة المحبوبة سلامي في قولي: التحيات إلى آخره؛ مجاز لأنها عيني، لا غيري، فحقيقة السلام مني، وإلي" وقد مثلوا كون التشخص مجازيا، والإطلاق حقيقيا بأن الروح الكلي الذي هو الإله عندهم كالبحر، والأشخاص الناشئة عنه مثل البخار الصاعد من صورته البخارية ثم في صورة السحابية، ثم يرجع إلى الماء، ويختلط بالحبر، فيصير إياه، وهو بخار وسحاب حقيقة، وتلك الصورة العارضة مجاز1!!
فأين هذا الانهماك في اللذة قولا وفعلا، والانقياد للهوى عقدا وحلا، من رتبة الولاية التي يدعيها المتعصبون له، التي من شرطها الإعراض عن الانهماك في اللذات الدنيوية ومن رتبة الولاية التي يدعيها هو؟
1 مراده من هذا: إثبات أن المغايرة بين الحق والخلق مغايرة وهمية، أو اسمية، أو صورية، ويشبهها بالمغايرة بين الماء المطلق، وبينه في حال تعينه بصورة بخارية، أو سحابية. فالكل حقيقة واحدة، هي الماء، ولكنها تعينت مرة في صورة بخار، وأخرى في صورة سحاب، وكذلك الذات الإلهية عندهم، فإنها هي وذوات الخلق واحد في الحقيقة، كثير بالاعتبار، فهوية الحق قبل التعين تسمى وجودا مطلقا، أو حقا، ثم سميت خلقا بعد التعين، فهما واحد في الحقيقة، غيران بالنسب والإضافات. يقول التلمساني:
البحر لا شك عندي في توحده
…
وإن تعدد بالأمواج والزبد
فلا يغرنك ما شاهدت من صور
…
فالواحد الرب ساري العين في العدد
وأقول: هذا المثل حجة على الصوفية، فالماء لا يصير بخارا من نفسه، بل بتأثير شيء آخر خارج عنه يخالفه في حقيقته: هو الحرارة، وكذلك في صيرورته سحابا، فالمؤثر في هذه الصيرورة شيء غير الماء يخالفه في الحقيقة، فالمثل إذا يثبت وجود غيرين هما غير الماء حقيقية وصورة. والصوفية ينكرون الغيرية والكثرة، والمثل كما رأيت يثبتهما، ويثبت أيضا أن الماء في صيروراته يخضع لمؤثر خارجي، وهذا يستلزم كون رب الصوفية يتأثر بغير حقيقي خارجي. فما ذلك المؤثر، أو من هو؟
ومن هنا تعلم أنهم1 لا أرضوه، ولا أرضوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أحدا من المؤمنين، فإنه هو لا يرضى إلا أن يكون خليعا، وهم يقولون: متقيد، وهو يقول: أن ما قاله مبيح للدم، وهم يقولون: لا يبيحه، وهو يقول: إنه عاقل صاح، وهم يقولون: مجنون [76] سكران، وهو يقول: إن ما قاله: حقيقة، وهم يقولون: مجازا2، ولا يقدرون على تخريجه على المجاز وهو لا يرضى إلا أن يكون هو الله، وينهى عن ذكره بغير.
لماذا يزجر عن تكنيته بكنية، أو تلقيبه بلقب
وألغ الكنى عني ولا تلغ أكلنا3
…
بها، فهي من آثار صيغة صنعتي4
وعن لقبي بالعارف ارجع فإن ترى التـ
…
ـنابذ بالألقاب في الذكر تمقت
قال شراحها: "أي: أسقط الكنى عني، ولا تستعمل اللغو في إطلاقها على حال كونك عييا5 عن الكلام في تعريف مقامي، فإنها من آثار مصنوعاتي، إذ الإنسان صاغها، وهو من جملة مصنوعاتي التي أوجدتها، وارجع عن إطلاقك علي اسم العارف؛ لاتحادي بذات من لا يطلق عليه هذا الاسم".
فلم يدع جهدا في زجرهم عن تسميته بالعارف، ولم يدع النبي صلى الله عليه وسلم لبسا في أمرهم بتكفيره، وهم6 يعصون كلا من الأمرين،
1 يعني: شارح التائية.
2 الحق أن أكثر الشراح للتائية يدينون بأن قول ابن الفارض في الاتحاد والوحدة حقيقي، لا مجازي. والقائلون بالمجاز قلة من منافقي الصوفية خشية على السحت الذي يأكلون به مال اليتامى والأيامى.
3 يقصد: الإنسان.
4 لا تلغ: لا تكلم باللغو. والألكن: الثقيل اللسان في التكلم.
5 في الأصل: عيبا.
6 أي: اتباع ابن الفارض.