الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَهَمَّنِي شَأْنَهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ" 1. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:"بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الْأَرْضِ، فَوُضِعَ فِي كَفِّي سُوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَ عَلَيَّ فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَذَهَبَا فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ" 2 وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَفِيمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ كِفَايَةٌ.
"فَهُوَ" مُحَمَّدٌ، صلى الله عليه وسلم "خِتَامُ الرُّسُلِ" فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَالرِّسَالَةُ مِنْ بَابِ أَوْلَى إِذْ لَا يُرْسَلُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَنَبَّأَ، فَالنُّبُوَّةُ وحي مطلق مجردا، فَإِنْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ فَرِسَالَةٌ، فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ وَلَا عَكْسَ "بِاتِّفَاقٍ" مِنْ كُلِّ كِتَابٍ مُنَزَّلٍ وَكُلِّ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَكُلِّ مُؤْمِنٍ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ "وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ" كُلُّهُمْ "عَلَى الِاطِّلَاقِ" بِلَا اسْتِثْنَاءٍ، قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [الْبَقَرَةِ: 253] . قَالَ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ: هُوَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ، صلى الله عليه وسلم:"أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ"3. وَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ عز وجل عَلَى جَمِيعِ الرُّسُلِ الْمِيثَاقَ فِي الْإِيمَانِ بِهِ وَنُصْرَتِهِ وَبَشَّرَ بِهِ كُلُّ نَبِيٍّ قَوْمَهُ وَبُعِثَ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ كَافَّةً، وَأُتِيَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ مَا لَمْ يُؤْتَهُ نَبِيٌّ قَبْلَهُ مِنَ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ وَحَنِينِ الْجِذْعِ إِلَيْهِ وَنَبْعِ الْمَاءِ مِنْ أَصَابِعِهِ وَتَسْلِيمِ الْأَشْجَارِ وَالْأَحْجَارِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
[أَعْظَمُ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْقُرْآنُ] :
وَأَعْظَمُ مُعْجِزَاتِهِ هَذَا الْقُرْآنُ مُعْجِزَةٌ خَالِدَةٌ أَبَدَ الْآبِدِينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ، لَا
1 البخاري "6/ 626-627" في المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، وفي المغازي، باب وفد بني حنيفة، وباب قصة الأسود العنسي، وفي التوحيد، باب قول الله تعالى:{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ، ومسلم "4/ 1780/ ح2273" في الرؤيا، باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم.
2 البخاري "12/ 423" في التعبر، باب النفخ في المنام، وفي المغازي، باب وفد بني حنيفة، ومسلم "4/ 1781/ ح2274" في الرؤيا، باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم.
3 تقدم تخريجه سابقا أخرجه مسلم وغيره.
تَفْنَى عَجَائِبُهُ، وَلَا يُدْرَكُ غَايَةُ إِعْجَازِهِ، وَلَا يَنْدَرِسُ بِمُرُورِ الْأَعْصَارِ، وَلَا يُمَلُّ مَعَ التَّكْرَارِ. بَلْ يُجْلَى مَعَ ذَلِكَ وَيَتَجَلَّى وَيَعْلُو عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُعْلَى، وَكُلُّ مُعْجِزَةٍ قَبْلَهُ انْقَضَتْ بِانْقِضَاءِ زَمَانِهَا وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا تِذْكَارُهَا، وَهُوَ كُلَّ يَوْمٍ بَرَاهِينُهُ فِي مَزِيدٍ وَمُعْجِزَاتُهُ فِي تَجْدِيدٍ {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلَتْ: 42] .
وَقَدْ ظَهَرَتْ فَضِيلَتُهُ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمْ إِمَامًا، وَعُلُوِّهِ فَوْقَ الْجَمِيعِ مَقَامًا حَتَّى جَاوَزَ السَّبْعَ الطِّبَاقَ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ عز وجل، وَاخْتُصَّ صلى الله عليه وسلم بِأَشْيَاءَ أُخَرَ فِي سَمَاحَةِ شَرِيعَتِهِ، وَوَضْعِ الْآصَارِ عَنْ أُمَّتِهِ وَكَوْنِهِ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا، وَكَذَلِكَ يَبْدُو فَضْلُهُ فِي الْآخِرَةِ بِكَوْنِهِ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلَ شَافِعٍ وَأَوَّلَ مُشَفَّعٍ وَأَوَّلَ مَنْ يَسْتَفْتِحُ بَابَ الْجَنَّةِ وَأَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنَ الْأُمَمِ أُمَّتُهُ، وَلَهُ الْحَوْضُ الْمَوْرُودُ وَهُوَ الْكَوْثَرُ، وَهُوَ أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ وَارِدًا، وَلَهُ اللِّوَاءُ الْمَعْقُودُ وَهُوَ لِوَاءُ الْحَمْدِ تَحْتَهُ آدَمَ فَمَنْ دُونَهُ. وَلَهُ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ كُلُّ الْخَلَائِقِ حَتَّى إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ وَأُمَّتُهُ أَوَّلُ مَنْ يَجُوزُ الصِّرَاطَ وَهُمْ ثُلْثُ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ لِمَا جَاءَ أَنَّهُمْ ثَمَانُونَ صَفًّا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْأُمَمِ أَرْبَعُونَ صَفًّا، وَهَذِهِ عِدَّةُ صُفُوفِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ صَفًّا، وَيَشْفَعُ الْوَاحِدُ مِنْ أُمَّتِهِ فِي مِثْلِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، وَلَهُ صلى الله عليه وسلم الْوَسِيلَةُ وَهِيَ أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ لَيْسَ فَوْقَهَا إِلَّا عَرْشُ الرَّحْمَنِ عز وجل، وَلَيْسَتْ هِيَ لِأَحَدٍ غَيْرَهُ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَقَامَاتِهِ الْعَلِيَّةِ الَّتِي لَا يَنَالُهَا غَيْرُهُ وَلَا يُدْرِكُهَا سِوَاهُ، وَهَذَا مَقَامٌ يَطُولُ ذكره ولا يقدر قدره. وَلَا يُحِيطُ بِغَايَتِهِ إِلَّا الَّذِي اصْطَفَاهُ لَهُ، وَأَكْرَمَهُ بِهِ. جَعَلَنَا اللَّهُ عز وجل مِمَّنِ اقْتَدَى بِهِ وَاهْتَدَى بِهَدْيِهِ وَكَانَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جَاءَ بِهِ آمِينَ.
مَسْأَلَةٌ:
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَتَهُ أُعْطِيَ بِهَا شَيْئًا كَرِهَهُ، فَقَالَ: لَا، وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ. فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَامَ فَلَطَمَ خَدَّهُ وَقَالَ: تَقُولُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ
وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا! فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ لِي ذِمَّةً وَعَهْدًا فَمَا بَالُ فُلَانٍ لَطَمَ وَجْهِي؟ فَقَالَ: "لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟ " فَذَكَرَهُ. فَغَضِبَ النبي صلى الله عليه وسلم حتى رؤي فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: "لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ عز وجل، فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ من في السموات ومن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ أَمْ بُعِثَ قَبْلِي؟ وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى" 1، وَلَهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى"2. وَلَهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أن يقول أَنْ خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى" 3. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ، يَعْنِي اللَّهُ تبارك وتعالى:"لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ لِي" 4 الْحَدِيثَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ، صلى الله عليه وسلم:"لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ" جَوَابُهُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ.
أحدها أنه صلى الله عليه وسلم قاله قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، فَلَمَّا عَلِمَ أَخْبَرَ بِهِ.
وَالثَّانِي: قَالَهُ أَدَبًا وَتَوَاضُعًا.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إِلَى تَنْقِيصِ الْمَفْضُولِ.
1 البخاري "5/ 70" في الخصومات، باب ما يذكر في الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهودي، وفي الأنبياء، باب وفاة موسى وذكره بعده، وباب قول الله تعالى:{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} ، وفي الرقاق، باب نفخ الصور، وفي التوحيد، باب في المشيئة، والإرادة وقول الله تعالى:{تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} . ومسلم "4/ 1843/ ح2373" في الفضائل، باب من فضائل موسى عليه السلام.
2 البخاري "6/ 450" في الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} ، وباب "هل أتاك حديث موسى"، وفي تفسير سورة الأنعام، باب قوله تعالى:{وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} وفي التوحيد، باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه، ومسلم "4/ 1846/ ح2377" في الفضائل، باب في ذكر يونس عليه السلام.
3 البخاري "6/ 451" في الأنبياء، باب قول الله تعالى:{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} ، وفي تفسير سورة النساء، وفي تفسير سورة الأنعام، وفي تفسير سورة الصافات.
4 مسلم "4/ 1846/ ح2376" في الفضائل، باب في ذكر يونس عليه السلام.
وَالرَّابِعُ: إِنَّمَا نَهَى عَنْ تَفْضِيلٍ يُؤَدِّي إِلَى الْخُصُومَةِ وَالْفِتْنَةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي سَبَبِ الْحَدِيثِ.
وَالْخَامِسُ: أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالتَّفْضِيلِ فِي نَفْسِ النُّبُوَّةِ فَلَا تَفَاضُلَ فِيهَا، وَإِنَّمَا التَّفَاضُلُ بِالْخَصَائِصِ وَفَضَائِلَ أُخْرَى1. ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهًا أَنَّ التَّفْضِيلَ لَيْسَ إِلَيْكُمْ وَإِنَّمَا هُوَ إِلَى اللَّهِ عز وجل، وَعَلَيْكُمُ الِانْقِيَادُ لَهُ وَالتَّسْلِيمُ والإيمان به2. ا. هـ.
قُلْتُ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ ضَعِيفٌ، وَالثَّانِي وَالْخَامِسُ فِيهِمَا نَظَرٌ، وَالرَّابِعُ قَرِيبٌ. وَيَقْوَى عِنْدِي الْوَجْهُ الثَّالِثُ مَعَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، فَلَيْسَ التَّفْضِيلُ بِالرَّأْيِ وَمُجَرَّدُ الْعَصَبِيَّةِ، وَلَا بِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَنَقُّصُ الْمَفْضُولِ وَالْحَطُّ مِنْ قَدْرِهِ، كُلُّ هَذَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ مُحَرَّمٌ قَطْعًا مَنْهِيٌ عَنْهُ شَرْعًا، وَهُوَ الَّذِي غَضِبَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ ذَلِكَ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَهِيُهُ عَنْ ذَلِكَ تَعْلِيمٌ عَامٌّ لِلْأُمَّةِ وَزَجْرٌ بَلِيغٌ لِجَمِيعِهِمْ كَيْلَا يَقَعَ ذَلِكَ أَوْ يَصْدُرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَيَهْلَكُ. وَأَمَّا التَّفْضِيلُ بِمَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ عز وجل وَرَفَعَ بِهِ دَرَجَتَهُ وَنَوَّهَ فِي الْوَحْيِ بِشَرَفِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا ذَكَرْنَا وَمِمَّا لَمْ نَذْكُرْ فَهُوَ الَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ وَالِانْقِيَادُ لَهُ وَالتَّسْلِيمُ، فَلَا يُؤْخَذُ عِلْمُ مَا يَخْتَصُّ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَّا عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا قَالَهُ صلى الله عليه وسلم فِي شَانِ يُونُسَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ هَذَا زَاجِرًا عَنْ أَنْ يَتَخَيَّلَ أَحَدٌ مِنَ الْجَاهِلِينَ شَيْئًا مِنْ حَطِّ مرتبة يونس عليه السلام، مِنْ أَجْلِ مَا فِي الْقُرْآنِ مَنْ قِصَّتِهِ؛ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَمَا جرى ليونس عليه السلام، لَمْ يُحِطَّهُ مِنْ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَخُصِّصَ يُونُسُ بِالذِّكْرِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ بِمَا ذُكِرَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ، صلى الله عليه وسلم:"مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ" فَالضَّمِيرُ قِيلَ يَعُودُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ يَعُودُ إِلَى الْقَائِلِ، أَيْ: لَا يَقُولُ ذَلِكَ بَعْضُ الْجَاهِلِينَ مِنْ
1 صحيح مسلم بشرح النووي "15/ 37-38".
2 ابن كثير "1/ 311 التفسير".
الْمُجْتَهِدِينَ فِي عِبَادَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَضَائِلِ، فَإِنَّهُ لَوْ بَلَغَ مِنَ الْفَضَائِلِ مَا بَلَغَ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ النُّبُوَّةِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا قَوْلُهُ، صلى الله عليه وسلم:"لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى" وَاللَّهُ أَعْلَمُ1.
1 صحيح مسلم بشرح النووي "15/ 132-133".