المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كل ما وقع فيه الخلاف يحتكم فيه إلى الكتاب والسنة: - معارج القبول بشرح سلم الوصول - جـ ٣

[حافظ بن أحمد حكمي]

فهرس الكتاب

- ‌فَصْلٌ: الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ

- ‌الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: الْإِيمَانُ بِعِلْمِ اللَّهِ عز وجل الْمُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ

- ‌الْإِيمَانُ بِكِتَابَةِ الْمَقَادِيرِ يَدْخُلُ فِيهِ خَمْسَةُ تَقَادِيرَ:

- ‌الْأَوَّلُ" التَّقْدِيرُ الْأَزَلِيُّ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

- ‌الرَّابِعُ التَّقْدِيرُ الْحَوْلِيُّ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ

- ‌الْخَامِسُ التَّقْدِيرُ الْيَوْمِيُّ وَهُوَ سَوْقُ الْمَقَادِيرِ إِلَى الْمَوَاقِيتِ

- ‌الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ:

- ‌ الْقَدَرُ السَّابِقُ لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ وَلَا يُوجِبُ الِاتِّكَالَ

- ‌ أَقْوَالِ التَّابِعِينَ:

- ‌الْكَلَامُ عَلَى النَّوْءِ:

- ‌مَا وَرَدَ فِي الْعَدْوَى:

- ‌الْجَمْعُ بَيْنَ نَفْيِ الْعَدْوَى وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ إِيرَادِ الْمُمْرِضِ عَلَى الْمُصِحِّ:

- ‌[[الفصل العاشر: في ست مسائل تتعلق بمباحث الدين]]

- ‌1- الْإِيمَانُ يزيد وينقص:

- ‌2- تُفَاضُلُ أَهْلِ الْإِيمَانِ:

- ‌3- فَاسْقُ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مُؤْمِنٌ نَاقِصُ الْإِيمَانِ:

- ‌4- الْعَاصِي لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ:

- ‌[6 - التَّوْبَةُ فِي حَقِّ كُلِّ فَرْدٍ إِذَا اسْتُكْمِلَتْ شُرُوطُهَا مَقْبُولَةٌ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ] :

- ‌[شُرُوطُ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ] :

- ‌[[الفصل الحادي عشر معرفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم]]

- ‌مَوْلِدُهُ

- ‌[دَعْوَتُهُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ]

- ‌حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ:

- ‌[هَلْ رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ] :

- ‌حَدِيثُ الْهِجْرَةِ:

- ‌الْإِذْنُ بِالْقِتَالِ:

- ‌وَفَاتُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ:

- ‌تَبْلِيغُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ رِسَالَةَ اللَّهِ:

- ‌[أَعْظَمُ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْقُرْآنُ] :

- ‌[[الفصل الثاني عشر: فيمن هو أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الصحابة بمحاسنهم، والكف عن مساوئهم وما شجر بينهم، رضي الله عنهم]]

- ‌الْكَلَامُ عَلَى التَّابِعِينَ رضي الله عنهم:

- ‌إِجْمَاعُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى وُجُوبِ السُّكُوتِ عَمَّا كَانَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم:

- ‌ تَحْرِيمِ الْقَوْلِ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ

- ‌ عِظَمِ إِثْمِ مَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ:

- ‌كُلُّ مَا وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ يُحْتَكَمُ فِيهِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:

الفصل: ‌كل ما وقع فيه الخلاف يحتكم فيه إلى الكتاب والسنة:

‌كُلُّ مَا وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ يُحْتَكَمُ فِيهِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:

"وَكُلُّ مَا فِيهِ الْخِلَافُ" بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ "نَصَبَ" مِنْ فُرُوعِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ "فَرَدُّهُ" أَيِ: الْمُخْتَلَفُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ "إِلَيْهِمَا" أَيْ: إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ "قَدْ وَجَبَ" عَلَى الْمُعْتَبِرِ، قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النِّسَاءِ: 59] وَالرَّدُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الرَّدُّ إِلَى كِتَابِهِ وَإِلَى الرَّسُولِ إِلَى سُنَّتِهِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ، فَمَا وَافَقَهُمَا قُبِلَ وَمَا خَالَفَهُمَا رُدَّ عَلَى قَائِلِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ "فَالدِّينُ" الْإِسْلَامُ وَشَرَائِعُهُ "إِنَّمَا أَتَى" حَصَلَ بَيَانُهُ "بِالنَّقْلِ" عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ "لَيْسَ" هُوَ "بِالْأَوْهَامِ" مِنْ آحَادِ الْأُمَّةِ "وَحَدْسِ" تَخْمِينِ "الْعَقْلِ"، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أَرْجَحُ الْخَلَائِقِ عَقْلًا وَأَوْلَاهُمْ بِكُلِّ صَوَابٍ:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النِّسَاءِ: 105] الْآيَاتِ، وَلَمْ يَقُلْ بِمَا رَأَيْتَ.

وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الْإِسْرَاءِ: 36] وَقَالَ تَعَالَى لَهُ: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزُّخْرُفِ: 43] وَأَمْثَالُ هَذَا مِنَ الْآيَاتِ مَا لَا يُحْصَى.

وَتَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ جُمْلَةً وَاحِدَةً. وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَقُولُ فِي التَّشْرِيعِ إِلَّا عَنِ اللَّهِ عز وجل، وَلِهَذَا لَمْ يُجِبِ الْيَهُودَ فِي سُؤَالِهِمْ إِيَّاهُ عَنِ الرُّوحِ، وَلَا جَابِرًا فِي سُؤَالِهِ عَنْ مِيرَاثِ الْكَلَالَةِ، وَالْمُجَادِلَةَ فِي سُؤَالِهَا عَنْ حُكْمِ الظِّهَارِ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ بِتَفْصِيلِ ذَلِكَ وَبَيَانِهِ، وأمثال هذا كثير {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الْفُرْقَانِ: 33] وَفِي قِصَّةِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ قَالَ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا1.

1 رواه البخاري "5/ 232" في الشروط، باب الشروط في الجهاد.

ص: 1237

وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ: اتَّهِمُوا الرَّأْيَ فِي دِينِكُمْ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَرَدَدْتُهُ1.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفِّهِ2.

وَأَفْتَى عُمَرُ السَّائِلَ الثَّقَفِيَّ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي حَاضَتْ بَعْدَ أَنْ زَارَتِ الْبَيْتَ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ لَا تَنْفِرَ، فَقَالَ لَهُ الثَّقَفِيُّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْتَانِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ مَا أَفْتَيْتَ بِهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ يَضْرِبُهُ بِالدِّرَّةِ وَيَقُولُ لَهُ: لِمَ تَسْتَفْتِينِي فِي شَيْءٍ قَدْ أَفْتَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم؟

وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَفْتَى بِأَشْيَاءَ فَأَخْبَرَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِهِ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى الَّذِينَ أَفْتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ4.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العزيز: لا رأي لِأَحَدٍ مَعَ سُنَّةٍ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ5. وَالْآثَارُ فِي هَذَا عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا تُحْصَى.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ6. وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا قَوْلَ لِأَحَدٍ مَعَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ7. وَقَالَ رحمه الله: إِذَا وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِي

1 تقدم ذكره قبل قليل.

2 رواه أبو داود "1/ 41-42/ ح162 و163 و164" في الطهارة، باب كيف المسح. وهو حديث صحيح.

3 أبو داود "2/ 208/ ح2004" في المناسك، باب الحائض تخرج بعد الإفاضة وسنده صحيح. ورواه الترمذي "3/ 282/ ح946" في الحج، باب 101 وفيه الحجاج بن أرطأة وهو كثير التدليس وعبد الرحمن البيلماني وهو ضعيف ورواه النسائي في الكبرى كما في التحفة "ح3278" بسند صحيح.

4 انظر إعلام الموقعين "2/ 282".

5 رواه أبو بكر بن أبي شيبة وانظر إعلام الموقعين "2/ 283".

6 إعلام الموقعين "2/ 283" وتحفة الأنام "ص86" والإيقاظ "ص58، 103".

7 إعلام الموقعين "2/ 283".

ص: 1238

خِلَافَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُولُوا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَعُوا مَا قُلْتُ. وَفِي لَفْظٍ: فَاضْرِبُوا بِقَوْلِي عُرْضَ الْحَائِطِ1. وَقَالَ رحمه الله: إِذَا وَجَدْتُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خِلَافَ قَوْلِي فَخُذُوا بِالسُّنَّةِ وَدَعُوا قَوْلِي فَإِنِّي أَقُولُ بِهَا2. وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: كُلُّ مَسْأَلَةٍ تَكَلَّمْتُ فِيهَا صَحَّ الْخَبَرُ فِيهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ بِخِلَافِ مَا قُلْتُ فَأَنَا رَاجِعٌ عَنْهَا فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ مَوْتِي3. وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -وَرَوَى حَدِيثًا- فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: تَأْخُذُ بِهَذَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: مَتَى رَوَيْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا صَحِيحًا فَلَمْ آخُذْ بِهِ فَأُشْهِدُكُمْ أَنَّ عَقْلِي قَدْ ذَهَبَ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى رُءُوسِهِمْ4. وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَفْتَاهُ وَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَذَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَتَقُولُ بِهَذَا؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ فِي وَسَطِي زُنَّارًا؟ أَتُرَانِي خَرَجْتُ مِنَ الْكَنِيسَةِ؟ أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ لِي أَقُولُ بِهَذَا!! أَرْوِي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَقُولُ بِهِ5؟! وَفِي لَفْظٍ: فَارْتَعَدَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَاصْفَرَّ لَوْنُهُ وَقَالَ: وَيْحَكَ، أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي إِذَا رَوَيْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَلَمْ أَقُلْ بِهِ. نَعَمْ عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ6. وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَتَذْهَبُ عَلَيْهِ سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَعْزُبُ عَنْهُ، فَمَهْمَا قُلْتُ مِنْ قَوْلٍ وَأَصَّلْتُ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خِلَافَ مَا قُلْتُ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قَوْلِي7. وَجَعَلَ يُرَدِّدُ هَذَا الْكَلَامَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَيْضًا: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا نَسَبَتْهُ الْعَامَّةُ أَوْ نَسَبَ نَفْسَهُ إِلَى عِلْمٍ يُخَالِفُ فِي أَنَّ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى اتباع أمر سول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالتَّسْلِيمَ لِحُكْمِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ إِلَّا اتِّبَاعَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَوْلُ رَجُلٍ قَالَ إِلَّا بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ مَا سِوَاهُمَا تَبَعٌ لَهُمَا، وَأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ عَلَيْنَا

1 الحلية "9/ 107" والإعلام "2/ 288" والإيقاظ "ص63".

2 الحلية "1/ 471، 472" وتاريخ ابن عساكر "15/ 10/ 1" وتوالي التأسيس "ص63".

3 إعلام الموقعين "2/ 285".

4 الحلية "9/ 106" وإعلام الموقعين "2/ 285".

5 حلية الأولياء "9/ 106" وتاريخ ابن عساكر "15/ 10/ 2" ومناقب الشافعي "1/ 474" وتوالي التأسيس "ص63".

6 الحلية الأولياء "9/ 106" وتاريخ ابن عساكر "15/ 10/ 2" ومناقب الشافعي "1/ 475"

7 إعلام الموقعين "2/ 286".

ص: 1239

وَعَلَى مَنْ بَعْدَنَا وَقَبْلَنَا فِي قَبُولِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ1.

وَقَالَ الرَّبِيعُ سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنِ الطِّيبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِمَا يَبْقَى رِيحُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَبَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ وَالْحِلَاقِ وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ، فَقَالَ: جَائِزٌ وَأُحِبُّهُ وَلَا أَكْرَهُهُ، لِثُبُوتِ السُّنَّةِ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْأَخْبَارِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. فَقُلْتُ: وَمَا حُجَّتُكَ فِيهِ؟ فَذَكَرَ الْأَخْبَارَ فِيهِ وَالْآثَارَ ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: مَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ. فَقَالَ سَالِمٌ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ. وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ2. قَالَ: وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّالِحُونَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ، فَأَمَّا مَا تَذْهَبُونَ إِلَيْهِ مِنْ تَرْكِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهَا، وَتَرْكِ ذَلِكَ لِغَيْرِ شَيْءٍ بَلْ لِرَأْيِ أَنْفُسِكُمْ فَالْعِلْمُ إِذًا إِلَيْكُمْ تَأْتُونَ مِنْهُ مَا شِئْتُمْ وَتَدَعُونَ مَا شِئْتُمْ. وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ تَبِعَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَافَقْتُهُ، وَمَنْ خَلَّطَ فَتَرَكَهَا خَالَفْتُهُ. صَاحِبِي الَّذِي لَا أُفَارِقُ الْمُلَازِمُ الثَّابِتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ بَعُدَ، وَالَّذِي أُفَارِقُ هُوَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ قَرُبَ.

وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي خُطْبَةِ كِتَابِ "إِبْطَالِ الِاسْتِحْسَانِ": الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَكَمَا يَنْبَغِي لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بَعَثَهُ بِكِتَابٍ عَزِيزٍ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مَنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، فَهَدَى بِكِتَابِهِ ثُمَّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، ثُمَّ أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَأَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَى خَلْقِهِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَقَالَ:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً} [النَّحْلِ: 89]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النَّحْلِ: 44] وَفَرَضَ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعَ مَا أَنْزَلَ إِلَيْهِمْ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

1 إعلام الموقعين "2/ 286".

2 إعلام الموقعين "2/ 288".

ص: 1240

فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الْأَحْزَابِ: 36] فَاعْلَمْ أَنَّ مَعْصِيَتَهُ فِي تَرْكِ أَمْرِهِ وَأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إِلَّا اتِّبَاعَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:{وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ} [الشُّورَى: 52-53] مَعَ مَا عَلَّمَ نَبِيَّهُ. ثُمَّ فَرَضَ اتِّبَاعَ كِتَابِهِ فَقَالَ: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} [الزُّخْرُفِ: 43] وَقَالَ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [الْمَائِدَةِ: 49] وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ كَمَّلَ لَهُمْ دِينَهُمْ فَقَالَ عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [الْمَائِدَةِ: 3] . إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِمَا آتَاهُمْ مِنَ الْعِلْمِ فَأَمَرَهُمْ بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يَقُولُوا غَيْرَهُ إِلَّا مَا عَلَّمَهُمْ فَقَالَ لِنَبِيِّهِ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشُّورَى: 52] وَقَالَ لِنَبِيِّهِ، صلى الله عليه وسلم:{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الْأَحْقَافِ: 9] وَقَالَ لِنَبِيِّهِ، صلى الله عليه وسلم:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الْكَهْفِ: 23] ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ أَنَّهُ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَرِضْوَانَهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ أَوَّلُ شَافِعٍ وَمُشَفَّعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَيِّدُ الْخَلَائِقِ وَقَالَ لِنَبِيِّهِ، صلى الله عليه وسلم:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الْإِسْرَاءِ: 36] وَجَاءَهُ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فِي امْرَأَةِ رَجُلٍ رَمَاهَا بِالزِّنَا فَقَالَ لَهُ: يَرْجِعُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ آيَةَ اللِّعَانِ فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النَّمْلِ: 65] وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لُقْمَانِ: 34] الْآيَةَ، وَقَالَ لِنَبِيِّهِ، صلى الله عليه وسلم:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} [النَّازِعَاتِ: 42] فَحَجَبَ عَنْ نَبِيِّهِ عِلْمَ السَّاعَةِ، وَكَانَ مَنْ عَادَى مَلَائِكَةَ الله المقربين وأنبيائه الْمُصْطَفِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَقْصَرَ عِلْمًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَأَنْبِيَائِهِ، وَاللَّهُ عز وجل فَرَضَ عَلَى خَلْقِهِ طَاعَةَ نَبِيِّهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ مِنَ الْأَمْرِ شَيْئًا.

وَكَلَامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرٌ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ تَحْكِيمِ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَطَرْحِ مَا خَالَفَهُمَا هُوَ الَّذِي نَطَقَا بِهِ وَصَرَّحَتْ

ص: 1241

بِهِ نُصُوصُهُمَا وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ كَمَا حُكِيَ إِجْمَاعُهُمْ هُوَ وَغَيْرُهُ وَكَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ سِيرَتِهِمْ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَنُصُوصُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ مِلْءُ الدُّنْيَا، وَتَصَانِيفُهُمْ فِي ذَلِكَ قَدْ طَبَّقَتْ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَلَوْ رَأَوْا مَا عَلَيْهِ مُقَلِّدُوهُمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَتَبَرَّءُوا مِنْهُمْ وَمَقَتُوهُمْ أَشَدَّ الْمَقْتِ، فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَلَا اهْتَدَوْا إلى ما أرشدوهم إِلَيْهِ، بَلِ اخْتَلَفُوا اخْتِلَافًا شَدِيدًا وَافْتَرَقُوا افْتِرَاقًا بَعِيدًا، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَحْصُرُ الْحَقَّ فِي إِمَامِهِ وَيَرَى مَا خَالَفَهُ بَاطِلًا، وَيَرَى سَائِرَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَفْضُولِينَ وَإِمَامَهُ فَاضِلًا، وَإِذَا خالف مذهبه نصا ضَرَبَ لَهُ الْأَمْثَالَ، وَتَكَلَّفَ لَهُ التَّأْوِيلَ الْمُحَالَ، وَيُقَابِلُهُ الْآخَرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَهُمْ بَيْنَ رَادٍّ وَمَرْدُودٍ وَحَاسِدٍ وَمَحْسُودٍ، وَكَانَ فِيهِمْ شَبَهٌ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ:{مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الرُّومِ: 32] ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينُ أَنَّ سَلَفَهُمُ الصَّالِحَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ كَانُوا أَبْعَدَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ بُعْدَ مَا بَيْنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، بَلْ كَانُوا رضي الله عنهم وَأَرْضَاهُمْ أَجَلَّ شَأْنًا وَأَكْمَلَ إِيمَانًا مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، بَلْ هُمْ تَبَعٌ لَهُ فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَلَنُصُوصُ الشَّرْعِ أَعْظَمُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهَا آرَاءَ الرِّجَالِ، وَهِيَ أَجَلُّ قَدْرًا فِي صَدُّورِهُمْ مِنْ أَنْ تُضْرَبَ لَهَا الْأَمْثَالُ، وَأَعْلَى مَنْزِلَةً مِنْ أَنْ تُدْفَعَ بِالْأَقْيِسَةِ وَالتَّأْوِيلِ الْمُحَالِ، وَإِنَّمَا الْمُقْتَدِي بِهِمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَاتَّبَعَ سِيَرَهُمْ وَحَفِظَ وَصِيَّتَهُمْ وَأَحْيَا سُنَّتَهُمْ فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَأَخْذَهُ أَيْنَ وَجَدَهُ، وَالْوُقُوفُ عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا بَلَغَتْهُ، فَكَمَا كَانَ اجْتِهَادُ السَّلَفِ رحمهم الله في جمع الْأَدِلَّةِ وَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْهَا فَالْوَاجِبُ عِنْدَ الْخِلَافِ تَتَبُّعُ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ وَالِاسْتِنْبَاطَاتِ وَالْأَخْذِ بِالْأَصَحِّ مِنْهَا مَعَ من كان وبيد من وجد، فَإِنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ لَا يُجَزِّئُهُ الِاخْتِلَافُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أُولَئِكَ الْأَئِمَّةِ يَدْأَبُ فِي طَلَبِهِ جَادًّا مُجْتَهِدًا إِنْ أَصَابَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَهُ فَلَهُ أَجْرٌ وَالْخَطَأُ مَغْفُورٌ، وَهَذِهِ أَقْوَالُهُمْ مُدَوَّنَةٌ فِي كُتُبِهِمْ، كُلُّهَا تَذُمُّ الرَّأْيَ فِي الدِّينِ، وَتَحُثُّ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى اقْتِفَاءِ أَثَرِهِمْ فِي طَلَبِ الْحَقِّ أَيْنَ مَا كَانَ، وَلَمْ يَدْعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى تَقْلِيدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعْصُومًا وَلَا ادَّعَى ذَلِكَ وَلَا قَالَ: إِنَّ الْحَقَّ مَعِي لَا يُفَارِقُنِي فَتَمَسَّكُوا بِمَا أَقُولُ وَأَفْعَلُ، وَلَا كَانَ لِأَحَدٍ مِنْهُمُ الْتِزَامُ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ آحَادِ الْأُمَّةِ لَا

ص: 1242

مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُمْ وَلَا مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ فَضْلًا عَمَّنْ هُوَ دُونَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَلْتَزِمُوهُ فِيمَا خَالَفَ النَّصَّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْهُ أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَسَبَقُونَا إِلَيْهِ، بَلْ كَانَ إِمَامُ الْجَمِيعِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي بَيَّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ، وَيَتَّبِعُونَ آثَارَهُ مِنَ الْأَفْعَالِ والأقوال والتقريرات يتلقنونها مِنْ حُفَّاظِهَا مَنْ كَانُوا وَأَيْنَ كَانُوا وَبِيَدِ مَنْ وَجَدُوهَا وَقَفُوا عِنْدَهَا وَلَمْ يَعْدُوهَا إِلَى غَيْرِهَا. وَكَانَتْ طَرِيقَتُهُمْ فِي تَلَقِّي النُّصُوصِ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ الْمُتَشَابِهَ إِلَى الْمُحْكَمِ وَيَأْخُذُونَ مَا يُفَسِّرُ لَهُمُ الْمُتَشَابِهَ وَيُبَيِّنُهُ لَهُمْ فَتَتَّفِقُ مَعَ دَلَالَةِ الْمُحْكَمِ وَتُوَافِقُ النُّصُوصُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَإِنَّهَا كُلُّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا تَنَاقُضَ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ وَالتَّنَاقُضُ فِيمَا كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النِّسَاءِ: 82] .

ص: 1243

الْخَاتِمَةُ:

ثُمَّ إِلَى هُنَا قَدِ انْتَهَيْتُ

وَتَمَّ مَا بِجَمْعِهِ عُنِيتُ

سَمَّيْتُهُ بِسُلَّمِ الْوُصُولِ

إِلَى سَمَا مَبَاحِثِ الْأُصُولِ

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى انْتِهَائِي

كَمَا حَمِدْتُ اللَّهَ فِي ابْتِدَائِي

أَسْأَلُهُ مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ

جَمِيعِهَا وَالسَّتْرَ لِلْعُيُوبِ

ثُمَّ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَبَدَا

تَغْشَى الرَّسُولَ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدَا

ثُمَّ جَمِيعَ صَحْبِهِ وَالْآلِ

السَّادَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَبْدَالِ

تَدُومُ سَرْمَدًا بِلَا نَفَادِ

مَا جَرَتِ الْأَقْلَامُ بِالْمِدَادِ

ثُمَّ الدُّعَا وَصِيَّةُ الْقُرَّاءِ

جَمِيعِهِمْ مِنْ غَيْرِ مَا اسْتِثْنَاءِ

أَبْيَاتُهَا يُسْرٌ بعد الجمل

تأريخها الْغُفْرَانُ فَافْهَمْ وَادْعُ لِي

"ثُمَّ إِلَى هُنَا" الْإِشَارَةُ إِلَى آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَنَاسَبَ جَعْلُ ذَلِكَ هُوَ الْخَاتِمَةُ بِكَوْنِ الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ هِيَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلْ وهي قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [الْمَائِدَةِ: 3] بَلِ السُّورَةُ كُلُّهَا مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، وَرُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ جُمْلَةً، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الِاعْتِصَامَ بِهَا آخَرُ مَا أَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ فِي خُطْبَتِهِ فِي غَدِيرِ خُمٍّ ثُمَّ كَانَ مِنْ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الدُّنْيَا. "قَدِ انْتَهَيْتُ" أَيِ: اقْتَصَرْتُ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ، وَفِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كِفَايَةٌ "وَتَمَّ" أَيْ: قَضَى "مَا" أَيِ: الَّذِي "بِجَمْعِهِ" فِي نَظْمِي "عُنِيتُ" اهْتَمَمْتُ لَهُ. "سَمَّيْتُهُ" حِينَ تَمَّ "بِسُلَّمِ" أَيِ: الْمِرْقَاةِ الَّتِي يُصْعَدُ فِيهَا لِأَجَلِ "الْوُصُولِ إِلَى سَمَا" بِتَثْلِيثِ السِّينِ "مَبَاحِثِ" جَمْعُ مَبْحَثٍ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِهِ فَهْمُ الحكم "الأصول" حمع أَصْلٍ وَهُوَ مَا يُبْنَى عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أُصُولِ الدِّينِ، وَهُوَ مَا يجب اعتقاده فيه وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَأَمَّا إِذَا أُضِيفَتْ فَهِيَ بِحَسَبِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ: فَأُصُولُ الْحَدِيثِ عِلْمُ الِاصْطِلَاحِ الَّذِي يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ تَفَاصِيلِ أَحْوَالِ السَّنَدِ وَالْمَتْنِ وَأَحْكَامِهَا. وَأُصُولُ الْفِقْهِ عِلْمٌ يُبْحَثُ فِيهِ عَنِ الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ وَحَالِ الْمُسْتَدِلِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأُصُولُ الْعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ وَالصَّرْفِ وَالْمَعَانِي.

ص: 1244

وَالْبَدِيعِ كُلٍّ بِحَسَبِهِ وَتَعْرِيفِهِ فِي فَنِّهِ. وَقَوْلُنَا: "سَمَا مَبَاحِثِ الْأُصُولِ" وَصْفٌ لَهُ بِالسُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ أَعْلَى الْعُلُومِ وَأَهُمُّهَا وَأَوْجَبُهَا وَأَلْزَمُهَا لِأَنَّهُ مَعْرِفَةُ مَا خَلَقَ اللَّهُ لَهُ الْخَلْقَ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَبِهِ أَرْسَلَ اللَّهُ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ، وَفِيهِ وَلَهُ شُرِعَ الْجِهَادُ، وَعَلَيْهِ يُرَتَّبُ الْجَزَاءُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَحَقِيقٌ بِعِلْمِ هَذَا قَدْرُهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَوَّلَ مَا يَهْتَمُّ بِهِ الْعَبْدُ وَأَعْظَمَ مَا يَبْذُلُ فِيهِ جُهْدَهُ وَيُنْفِقُ فِيهِ عُمْرَهُ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ. وَنَاسِبَ تَسْمِيَةَ الشَّرْحِ بِمَعَارِجِ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْعُرُوجَ هُوَ الصُّعُودُ وَالْمَعَارِجُ الْمَصَاعِدُ فَكَانَ الْقَارِئُ فِي هَذَا الشَّرْحِ يصعد في هذا السُّلَّمِ. وَأُضِيفَتِ الْمَعَارِجُ إِلَى الْقَبُولِ لِمُنَاسَبَةِ الْوُصُولِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُقْبَلْ لَمْ يَصِلْ بَلْ يُرَدُّ أَوْ يَنْقَطِعُ.

"وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى" جَزِيلِ النِّعْمَةِ الَّتِي مِنْهَا أَنْ قَدَّرَ "انْتِهَائِي" أي: إتمامي هذا الْمَتْنَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَدِينِهِ وَرَسُولِهِ، صلى الله عليه وسلم "كَمَا حَمِدْتُ اللَّهَ فِي ابْتِدَائِي" فِي نَظْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ اقْتِدَاءٌ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ افْتَتَحَ ذِكْرَ الْخَلْقِ بِالْأَمْرِ فَقَالَ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الْأَنْعَامِ: 1] وَخَتَمَ ذِكْرَهُمْ فِيمَا يَنْتَهُونَ إِلَيْهِ مِنَ الدَّارَيْنِ بِالْحَمْدِ فَقَالَ: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يُونُسَ: 10] . "أَسْأَلُهُ" أَيْ: أَسْأَلُ اللَّهَ "مَغْفِرَةَ" أَيْ: مَغْفِرَتَهُ تَعَالَى "الذُّنُوبِ" ذُنُوبِي وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَغْفِرَةُ سَتْرُ الذَّنْبِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْعَفْوُ عَنْهُ وَعَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ "جَمِيعِهَا" مِنْ صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ، وَالِاسْتِغْفَارُ مِنْ أَعْلَى أَنْوَاعِ الذِّكْرِ "وَالسَّتْرَ" مِنْهُ تَعَالَى "لِلْعُيُوبِ" مِنِّي وَمِنْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. "ثُمَّ" عَطَفَ عَلَى الْحَمْدِ وَالِاسْتِغْفَارِ "الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ" تَقَدَّمَ مَعْنَاهُمَا "تَغْشَى الرَّسُولَ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدَا" تَغْمُرُهُ مِنْ رَبِّهِ عز وجل "ثُمَّ" تَغْشَى "جَمِيعَ صَحْبِهِ وَالْآلِ" تَقَدَّمَ تَعْرِيفَهُمَا "السَّادَةِ" جَمْعُ سَيِّدٍ وَهُوَ النَّقِيبُ الْمُقَدَّمُ "الْأَئِمَّةِ" الْمُقْتَدَى بِهِمْ فِي الدِّينِ "الْأَبْدَالِ" أَوِ الْأَوْلِيَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى "تَدُومُ" مُتَوَاصِلَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ "سَرْمَدًا" تَأْكِيدًا لِلدَّوَامِ يُفَسِّرُهُ "بِلَا نَفَادِ" فَنَاءٍ وَانْقِطَاعٍ "ما جرت الأقالم بالمداد" أَيْ: عَدَدُ مَا جَرَتْ بِهِ. "ثُمَّ الدُّعَا" لِجَامِعِ هَذَا الْعَقْدِ مَتْنًا وَشَرْحًا "وَصِيَّةَ" مِنْهُ يَلْتَمِسُهُ مِنَ "الْقُرَّاءِ" أَنْ يَدْعُوَ لَهُ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ "جَمِيعِهِمْ" شَاهِدِهِمْ وَغَائِبِهِمْ مُعَاصِرِيهِ وَمَنْ يَأْتِي بَعْدَ عَصْرِهِ "مِنْ غَيْرِ مَا" صِلَةٌ أَيْ: مِنْ غَيْرِ "اسْتِثْنَاءِ" إِخْرَاجِ أَحَدٍ مِنْهُمْ

ص: 1245

مِنْ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ. "أَبْيَاتُهَا" أَيْ: عِدَّتُهَا رَمْزُ حُرُوفِ "يُسْرٌ" وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَسَبْعُونَ "بِعَدِّ الْجُمَّلِ" الْحُرُوفِ الْأَبْجَدِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعَرَبِ، وَبِمَا زِدْتُ فِيهَا أَقُولُ:"أَبْيَاتُهَا الْمَقْصُودُ" أَيِ: الَّذِي فِيهِ الْأَحْكَامُ وَالْمَسَائِلُ "يُسْرٌ فَاعْقِلِ" عَنِّي. "تَأْرِيخُهَا" الَّذِي أُلِّفَتْ فِيهِ رَمْزُهُ حُرُوفُ "الْغُفْرَانُ" وَذَلِكَ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ، أَيْ: عَامَئِذٍ. نَسْأَلُ اللَّهَ الْغُفْرَانَ "فَافْهَمِ" مَا فِي ذَا الْمُعْتَقَدِ "وَادْعُ لِي" بِصَالِحِ الدَّعَوَاتِ فِي أَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ كَمَا أَوْصَيْتُكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمَ الصَّدَقَاتِ {إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يُوسُفَ: 88] .

اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يا بديع السموات وَالْأَرْضِ، بِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ. اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ نَرْجُو فَلَا تَكِلْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا وَلَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. اللَّهُمَّ مَغْفِرَتُكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِنَا، وَرَحْمَتُكَ أَرْجَى عِنْدَنَا مِنْ أَعْمَالِنَا، فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا إِنَّكَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. اللَّهُمَّ مَا كَانَ فِي هَذَا السَّفَرِ مِنْ حَقٍّ وَصَوَابٍ فَبِتَعْلِيمِكَ وَإِلْهَامِكَ، وَفَضْلِكَ وَإِنْعَامِكَ، أَنْتَ أَهْلُهُ وَمُوَلِّيهِ، فَلَكَ الْحَمْدُ كَمَا أَنْتَ أهله، فانفعنا الله بِتَفَهُّمِهِ، وَارْزُقْنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلِمْنَا وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ خَطَأٍ وَزَلَلٍ فَمِنْ نَفْسِي وَشَيْطَانِي، فَأَلْهِمْنِي اللَّهُمَّ رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نفسي، وقيض له مَنْ يُصْلِحُهُ وَيَسُدُّ خَلَلَهُ، وَأَعِذْنِي أَنْ أَضِلَّ عَنْ سَوَاءِ صِرَاطِكَ الْمُسْتَقِيمِ، أَوْ يَضِلَّ بِخَطَئِي أَحَدٌ مِنْ عِبَادِكَ، وَاغْفِرْ لِي وَلِوَالِدِيَّ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى سيدنا ونبينا محمد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَخَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ وَوَالِدَيْنَا وَإِخْوَانِنَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ آمِينَ.

وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْ تَسْوِيدِهِ نَهَارَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الأولى سنة 1366هـ لِلْهِجْرَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وأتم التسليم.

ص: 1246