الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا"1.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ -وَقَالَ: حَسَنٌ- عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُنَا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ:"صَدَقَ اللَّهُ {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التَّغَابُنِ: 15] نَظَرَتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا"2.
وَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: الْحَسَنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ وَالْحُسَيْنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ3.
1 البخاري "7/ 95" في فضائل الصحابة، باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما، وفي الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته.
2 الترمذي "5/ 658/ ح3774" في المناقب، مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما. وأبو داود "1/ 290/ ح1109" في الصلاة، باب قطع الخطبة للأمر يحدث، والنسائي "3/ 108" في الجمعة، باب نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة وقطعه كلامه ورجوعه إليه يوم الجمعة. وأحمد "5/ 354" وابن حبان "ح2231 -موارد" والحاكم "1/ 287" وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
3 الترمذي "5/ 660/ ح3779" في المناقب، مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما. وابن حبان في صحيحه "9/ 60 -أحسان". وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. وفيه هاني بن هاني: قال الشافعي: أهل العلم بالحديث لا ينسبون حديثه لجهالة حاله.
الْكَلَامُ عَلَى التَّابِعِينَ رضي الله عنهم:
"وَتَابِعِيهِ" تَابِعُو الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ "السَّادَةِ" مِنْ سَادَ يَسُودُ "الْأَخْيَارِ" عَلَى مَرَاتِبِهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ عَلَى التَّرْتِيبِ: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التَّوْبَةِ: 100] الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي ذِكْرِ التَّابِعِينَ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابَةِ: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الْجُمُعَةِ: 2] هَذَا فِي الصَّحَابَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّابِعِينَ:{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الْجُمُعَةِ: 3-4] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنْ قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا" قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ" 1 الْحَدِيثَ.
وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:"وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي" قَالَ: فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: نَحْنُ إِخْوَانُكَ. قَالَ: "أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَلَكِنَّ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي" 2 إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَدْ صُحِّحَ.
وَفِيهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنهما قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:"طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي، وَطُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِي سَبْعَ مَرَّاتٍ"3.
وَرَوَى الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ جُلُوسًا فَذَكَرْنَا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا سَبَقُونَا بِهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَمْرَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَانَ بَيِّنًا لِمَنْ رَآهُ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا آمَنَ أَحَدٌ قَطُّ إِيمَانًا أَفْضَلَ مِنْ إِيمَانٍ بِغَيْبٍ، ثُمَّ قَرَأَ {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ
1 البخاري "1/ 235" في الوضوء، باب فضل الوضوء والغر المحجلون، ومسلم "1/ 218/ ح 249" في الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء.
2 أحمد "3/ 155" وفي سنده جسر بن الحسن وهو ضعيف. والحديث صحيح لشاهده المتقدم.
3 أحمد "3/ 71 و5/ 248 و257 و264" والحاكم في المستدرك "3/ 86" والخطيب في التاريخ "3/ 49 و306 و13/ 127". وابن حبان "ح2303 -موارد" وأخرجه الطيالسي من حديث ابن عمر "ح/ 1845" وأخرجه من حديث أبي سعيد بن حبان "ح/ 2302 -موارد" وأحمد "3/ 71" والخطيب في التاريخ "4/ 91" وأخرجه أحمد "4/ 152" من حديث أبي عبد الرحمن الجهني. وهو حديث صحيح.
يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} إِلَى قَوْلِهِ: {الْمُفْلِحُونَ} [الْبَقَرَةِ: 1-5] وَقَالَ: عَلَى شَرْطِهِمَا1.
وَبِالْجُمْلَةِ
فَكُلُّهُمْ فِي مُحْكَمِ الْقُرْآنِ
…
أَثْنَى عَلَيْهِمْ خَالِقُ الْأَكْوَانِ
فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ "كَالْفَتْحِ" أَيْ: سُورَةِ الْفَتْحِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا "وَ" سُورَةِ "الْحَدِيدِ" كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهَا: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الْحَدِيدِ: 10] الْآيَاتِ.
"وَ" سُورَةِ "الْقِتَالِ" كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} [مُحَمَّدٍ:2-3] الْآيَاتِ.
"وَ" سُورَةِ "الْحَشْرِ" إِلَى آخِرِهَا، وَقَدْ رَتَّبَ تَعَالَى فِيهَا الصَّحَابَةَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ وَتَفَاضُلِهِمْ، ثُمَّ أَرْدَفَهُمْ بِذِكْرِ التَّابِعِينَ فَقَالَ تَعَالَى:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الْحَشْرِ: 8-10] أخرج الله بهده الْآيَةِ وَغَيْرِهَا شَاتِمَ الصَّحَابَةِ مِنْ جَمِيعِ الْفِرَقِ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ غِلٌّ لَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلِهَذَا مَنَعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْفَيْءَ وَحَرَّمُوهُ عَلَيْهِمْ.
1 الحاكم في المستدرك "2/ 260" وقد تقدم تخريجه سابقا.
"وَ" فِي سُورَةِ "التَّوْبَةِ وَ" سُورَةِ "الْأَنْفَالِ" بِكَمَالِهَا تَارَةً فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَتَارَةً فِي تَحْذِيرِهِمْ مِنْ عَدُّوهِمِ وَوَصْفِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ بِأَنْوَاعِهِمْ وَسِمَاهُمْ لِيَحْذَرُوهُمْ، وَتَارَةً فِي حَثِّهِمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِثْخَانِ فِي الْكُفَّارِ وَالثَّبَاتِ لَهُمْ عِنْدَ لِقَائِهِمْ إِيَّاهُمْ وَعَدَمِ فِرَارِهِمْ مِنْهُمْ، وَوَعْدِهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ بِالنَّصْرِ عَلَى عَدْوِهِمْ، وَتَارَةً بِتَذْكِيرِهِمْ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَامْتِنَانِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ هَدَاهُمْ لِلْإِسْلَامِ وَجَنَّبَهُمُ السُّبُلَ الْمُضِلَّةَ. وَأَلَّفَ بَيْنِ قُلُوبِهِمْ وَآوَاهُمْ وَأَيَّدَهُمْ بِنَصْرِهِ بَعْدَ إِذْ كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ أَذِلَّةً.
وَتَارَةً يُخْبِرُهُمْ وَيُهَيِّجُهُمْ وَيُشَوِّقُهُمْ بِمَا أَعَدَ لَهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ عَلَى قِيَامِهِمْ بِطَاعَتِهِ تَعَالَى وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَجِهَادِهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ فِي سَبِيلِهِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ "كَذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ" الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ عَلَى مُوسَى عليه السلام "وَ" فِي "الْإِنْجِيلِ" الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ عَلَى عِيسَى عليه السلام "صِفَاتُهُمْ" الَّتِي جَعَلَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهَا "مَعْلُومَةُ التَّفْصِيلِ" كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عز وجل:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} صلى الله عليه وسلم {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} [الْفَتْحِ: 29] هُنَا تَمَّ الْكَلَامُ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الْفَتْحِ: 29] .
وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْأُسْقُفِّ لِعُمَرَ وَصِفَةُ الْخُلَفَاءِ رضي الله عنهم، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
"وَذِكْرُهُمْ" بِالْمَنَاقِبِ الْجَمَّةِ وَالْفَضَائِلِ الْكَثِيرَةِ "فِي سُنَّةِ الْمُخْتَارِ" مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنَ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ "قَدْ سَارَ" انْتَشَرَ وَأُعْلِنَ "سَيْرَ الشَّمْسِ فِي الْأَقْطَارِ" تَمْثِيلًا لِشُهْرَةِ فَضَائِلِهِمْ وَوُضُوحِهَا لَا تُحْصِيهَا الْأَسْفَارُ الْكِبَارُ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ الْمَغْرِبَ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ، قَالَ: فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: "مَا زِلْتُمْ هَهُنَا" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ. قَالَ: "أَحْسَنْتُمْ" أَوْ "أَصَبْتُمْ" قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ؛ وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: "النُّجُومُ أَمَنَةُ السَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ"1.
وَفِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ"2.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "أَقْرَانِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَبْدُرُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَتَبْدُرُ يَمِينُهُ شَهَادَتَهَ"3.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:"خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَذَكَرَ الثَّالِثَ أَمْ لَا "ثُمَّ يَخْلُفُ قَوْمٌ يُحِبُّونَ السَّمَانَةَ، يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا"4.
1 مسلم "4/ 1961/ ح2531" في فضائل الصحابة، باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه.
2 البخاري "7/ 3" في فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الجهاد، باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، وفي الأنبياء، باب علامات النبوة في الإسلام، ومسلم "4/ 1962/ 2532" في فصائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم.
3 البخاري "7/ 3" في فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، وفي الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد، وفي الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، وفي الأيمان والنذور، باب إذا قال: أشهد بالله أو شهدت بالله، ومسلم "4/ 1962/ ح2533" في فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم.
4 مسلم "4/ 1963/ ح2534" في فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم.
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ،ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" قَالَ عِمْرَانُ: فَلَا أَدْرِي أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا "ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيُنْذِرُونَ وَلَا يُوَفُّونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ" زَادَ فِي رِوَايَةٍ "وَيَحْلِفُونَ وَلَا يُسْتَحْلَفُونَ"1.
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ"2.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:"لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ"3.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ فَسَبَّهُ خَالِدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:"لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ"4.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي قِصَّةِ كِتَابِ حَاطِبٍ مَعَ الضَّعِينَةِ -وَفِيهِ- فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَدَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَالَ: "أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ" فَقَالَ، صلى الله عليه وسلم:"لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةَ" أَوْ "فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ" فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرُ رضي الله عنه وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ5.
1 البخاري "7/ 3" في فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الشهادات، باب لا يشهد جور إذا شهد، وفي الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا وزينتها والتنافس فيها، وفي الأيمان والنذور، باب إثم من لا يفي بالنذر، ومسلم "4/ 1964/ ح2535" في فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم.
2 مسلم "4/ 1965/ ح2536" في فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم..
3 مسلم "4/ 1967/ ح2540" في فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم.
4 البخاري "7/ 17" في فضائل الصحابة، باب قول النبي، صلى الله عليه وسلم:"لو كنت متخذا خليلا"، ومسلم "4/ 1967/ ح2541" فيه، باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم.
5 البخاري "7/ 519" في المغازي، باب غزوة الفتح، وفي التفسير، وفي الأدب، وفي الجهاد، ومسلم "4/ 1941/ ح2494" في فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة.
وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنِي أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّهُمْ كَانُوا عِدَّةَ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهْرَ: بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثُمِائَةٍ، قَالَ الْبَرَاءُ: لَا وَاللَّهِ مَا جَاوَزَ مَعَهُ النَّهْرَ إِلَّا مُؤْمِنٌ1.
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الْفَتْحِ: 1] قَالَ: الْحُدَيْبِيَةَ، قَالَ أَصْحَابُهُ: هَنِيئًا مَرِيئًا فَمَا لَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الْفَتْحِ: 5] 2 وَكُلُّ هَذَا فِي الصَّحِيحِ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:"لَا يَدْخُلِ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ" وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ3.
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي فَضَائِلَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رضي الله عنهم مِنْهَا عَامَّةٌ وَمِنْهَا خَاصٌّ بِالْمُهَاجِرِينَ وَمِنْهَا خَاصٌّ بِالْأَنْصَارِ وَمِنْهَا خَاصٌّ بِالْآحَادِ فَرْدًا فَرْدًا، وَمِنْهَا الْقَطْعُ لِأَحَدِهِمْ بِالْجَنَّةِ مُطْلَقًا، وَمِنْهَا الْقَطْعُ لِبَعْضِهِمْ بِمُجَاوَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنَّةِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهَا.
1 البخاري "7/ 290" في المغازي، باب عدة أصحاب بدر.
2 البخاري "7/ 450-451" في المغازي، باب غزوة الحديبية، وفي تفسير سورة الفتح، باب قوله تعالى:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} ، ومسلم "3/ 1413/ ح1786" في الجهاد، باب صلح الحديبية.
3 مسلم "4/ 1942/ ح2496" في فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان، والترمذي "5/ 695/ ح3860" في المناقب، باب ما جاء في فضل من بايع تحت الشجرة، وأبو داود "4/ 213/ ح4653" في السنة، باب في الخلفاء.