المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌البيوع والأطعمة والأشربة - معالم الدين من أحاديث الصادق الأمين

[محمد محب الدين أبو زيد]

الفصل: ‌البيوع والأطعمة والأشربة

‌البيوع والأطعمة والأشربة

73 -

عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ (1)، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ (2)، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ (3)، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ (4)، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ (5)، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً (6) (، إِذَا

(1) معناه: أن الحلال المحض بيِّن لا اشتباه فيه، وكذلك الحرام المحض، ولكن بين الأمرين أمور تشتبه على كثير من الناس، هل هي من الحلال أم من الحرام؟ وأما الراسخون في العلم، فلا يشتبه عليهم ذلك، ويعلمون مِن أيِّ القسمين هي.

(2)

استبرأ: طلب البراءة لدينه وعرضه من النقص والشين. والعرض: هو موضع المدح والذم من الإنسان، وما يحصل له بذكره بالجميل مدح، وبذكره بالقبيح قدح.

(3)

وذلك يكون بوجهين:

أحدهما: أن من لم يتق الله وتجرأ على الشبهات أفضت به إلى المحرمات، ويحمله التساهل في أمرها على الجرأة على الحرام.

والوجه الثاني: أن مَن أكثر مِن مواقعة الشبهات أظلم عليه قلبه لفقدان نور العلم ونور الورع، فيقع في الحرام وهو لا يشعر به، وقد يأثم بذلك إذا تسبب منه إلى تقصير.

(4)

رتعت الماشية: أي: أكلت ما شاءت، وجاءت وذهبت في المرعى.

(5)

هذا مثل ضربه لمحارم الله عز وجل، وأصله: أن العرب كانت تحمي مراعي لمواشيها وتتوعد بالعقوبة لمن قربها، فالخائف من عقوبة السلطان يبعد بماشيته عن ذلك الحمى؛ لأنه إن قرب منه فالغالب الوقوع فيه؛ لأنه قد تنفرد الفاذة -أي: الشاة التي تمشي وحدها- وتشذ الشاذة ولا ينضبط، فالحَذِر من يجعل بينه وبين ذلك الحمى مسافة يأمن فيها وقوع ذلك، وهكذا محارم الله عز وجل من القتل والربا والسرقة وشرب الخمر والقذف والغيبة والنميمة ونحو ذلك، لا ينبغي أن يحوم حولها مخافة الوقوع فيها.

(6)

المضغة: القطعة من اللحم وهي قدر ما يمضغه الماضغ، يعني بذلك: صغر حجمها وعظيم قدرها.

ص: 67

صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ (1)». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

74 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ (2) لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا (3)، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]. وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172](4). ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ (5) أَشْعَثَ أَغْبَرَ (6)، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ (7): يَا رَبِّ، يَا رَبِّ. وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ

(1) فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه واجتنابه المحرمات واتقاءه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه. فإذا كان قلبه سليمًا، ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه، صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها، وتوق للشبهات حذرًا من الوقوع في المحرمات. وإن كان القلب فاسدًا، قد استولى عليه اتباع هواه، وطلب ما يحبه ولو كرهه الله، فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب.

(2)

في الحديث إثبات اسم الطيب لله عز وجل. والطيب هنا معناه: الطاهر، والمعنى: أن الله تعالى مقدَّس منزَّه عن النقائص والعيوب كلها.

(3)

المراد: أنه لا يقبل من الاعتقادات إلا ما كان طيبًا خالصًا من الشرك والبدع، ولا من الأعمال إلا ما كان طيبًا طاهرًا من المفسدات كلها كالرياء والعجب، ولا من الأموال إلا ما كان طيبًا حلالًا.

(4)

المراد بهذا: أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فما دام الأكل حلالًا، فالعمل الصالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال، فكيف يكون العمل مقبولًا؟! وما ذكره بعد ذلك من الدعاء، وأنه كيف يُتَقَبَّل مع الحرام، فهو مثال لاستبعاد قبول الأعمال مع التغذية بالحرام.

(5)

معناه: أنه يطيل السفر في وجوه الطاعات، كحج وزيارة مستحبة وصلة رحم وغير ذلك. والله أعلم.

(6)

أي: ثائر الرأس غيَّر الغبار لونه.

(7)

هذا الموضع من أدلة علو الله على خلقه، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.

ص: 68

لِذَلِكَ؟ (1)». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

75 -

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ:«إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ، وَالمَيْتَةِ وَالخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ (2)» (3). فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ، فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ (4) فَقَالَ:«لَا، هُوَ حَرَامٌ» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: ...................................................................

(1) قال الإمام ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (1/ 269): «هذا الكلام أشار فيه صلى الله عليه وسلم إلى آداب الدعاء، وإلى الأسباب التي تقتضي إجابته، وإلى ما يمنع من إجابته، فذكر من الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء أربعة:

أحدها: إطالة السفر، والسفر بمجرده يقتضي إجابة الدعاء، كما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده» . ومتى طال السفر، كان أقرب إلى إجابة الدعاء؛ لأنه مظنة حصول انكسار النفس بطول الغربة عن الأوطان، وتحمل المشاق، والانكسار من أعظم أسباب إجابة الدعاء.

والثاني: حصول التبذُّل في اللباس والهيئة بالشعث والاغبرار، وهو أيضًا من المقتضيات لإجابة الدعاء، كما في الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم:«رب أشعث أغبر ذي طمرين، مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره» . ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء، خرج متبذلًا متواضعًا متضرعًا.

الثالث: مد يديه إلى السماء، وهو من آداب الدعاء التي يُرجى بسببها إجابته، وفي حديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله تعالى حيي كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين» .

والرابع: الإلحاح على الله بتكرير ذكر ربوبيته، وهو من أعظم ما يطلب به إجابة الدعاء.

وأما ما يمنع إجابة الدعاء: فقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى أنه التوسع في الحرام أكلًا وشربًا ولبسًا وتغذية» اهـ باختصار.

(2)

قال الإمام الخطابي في «معالم السنن» (3/ 133): «وفي تحريمه ثمن الأصنام دليل على تحريم بيع جميع الصور المتخذة من الطين والخشب والحديد والذهب والفضة، وما أشبه ذلك من اللعب ونحوها» اهـ.

(3)

هذا يدل على أن ما حرم الله الانتفاع به، فإنه يحرم بيعه وأكل ثمنه.

(4)

أي: ينوِّرون بها بيوتهم.

ص: 69

«قَاتَلَ (1) اللَّهُ اليَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ (2)، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ (3)» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

76 -

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» (4). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(1) قاتل: لعن.

(2)

جملوه: أذابوه حتى يزول عنه اسم الشحم.

(3)

وفي هذا بيان بطلان كل حيلة يحتال بها توصِل إلى محرم، وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيئته وتبديل اسمه.

(4)

هذا الحديث أصل في تحريم تناول جميع المسكرات، لا فرق في ذلك بين نوع وآخر، سواء كان هذا المسكر جامدًا أو سائلًا، وسواء كان مطعومًا أو مشروبًا، وسواء كان من حب أو ثمر أو لبن، أو غير ذلك.

ص: 70