الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزهد
115 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبِي، فَقَالَ:«كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» (1). وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ (2)، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ (3). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
116 -
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ» (4). رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ.
117 -
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزُولُ قَدَمَا
(1) هذا الحديث أصل في قِصَر الأمل في الدنيا، وأن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنًا ومسكنًا، فيطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر، يهيئ جهازه للرحيل. وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم، قال تعالى حاكيًا عن مؤمن آل فرعون أنه قال:{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39].
(2)
وصية ابن عمر رضي الله عنهما مأخوذة من هذا الحديث الذي رواه، وهي متضمنة لنهاية قِصَر الأمل، وأن الإنسان إذا أمسى لم ينتظر الصباح، وإذا أصبح لم ينتظر المساء، بل يظن أن أجله يدركه قبل ذلك.
(3)
يعني: اغتنم الأعمال الصالحة في الصحة قبل أن يحول بينك وبينها السقم، وفي الحياة قبل أن يحول بينك وبينها الموت.
(4)
روى ابن أبي الدنيا في «الزهد» (رقم: 107) عن يونس بن ميسرة، قال: ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن يكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تُصَب بها سواء، وأن يكون مادحك وذامك في الحق سواء.
عَبْدٍ (1) يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ (2)، وَعَنْ عِلْمِهِ مَا فَعَلَ بِهِ (3)، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ (4)، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ (5)». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
118 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا (6) بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ إِذَا سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ (7)، قَدْ أَضَلَّهُ بِأَرْضِ فَلَاةٍ (8)» (9). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1) أي: من موقفه للحساب إلى جنة أو نار.
(2)
«عن عمره» : أي: حياته وبقائه في الدنيا «فيم أفناه» : في طاعة أم معصية.
(3)
أي: تعلمه لوجه الله تعالى خالصًا فيُثاب عليه، أو رياء وسمعة فيُعاقب عليه إن شاء الله تعالى، وهل عمل به أم لم يعمل؟
(4)
«من أين اكتسبه» : أمِن حلال أو حرام؟ «وفيم أنفقه» : أي: في طاعة أو معصية.
(5)
أي: في طاعة مولاه أم في معصيته.
(6)
فيه إثبات صفة الفرح لله عز وجل، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. تعالى الله عما يقول المعطِّلة علوًّا كبيرًا.
(7)
أي: وقع عليه وصادفه من غير قصد.
(8)
أضله: فقده. فلاة: صحراء.
(9)
قال الإمام ابن القيم في «مفتاح دار السعادة» (1/ 286): «فالله سبحانه يحب التوابين، حتى إنه من محبته لهم يفرح بتوبة أحدهم أعظم فرح، ولولا المحبة التامة للتوبة ولأهلها لم يحصل هذا الفرح، يقول بعض العارفين: لو لم تكن التوبة أحب الاشياء إليه لَمَا ابتلى بالذنب أكرم المخلوقات عليه.
فالتوبة هي غاية كمال كل آدمي، وإنما كان كمال أبيهم بها، فكم بين حاله وقد قيل له:{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه: 18 - 19] وبين قوله: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 122] فالحال الأولى حال أكل وشرب وتمتُّع، والحال الأخرى حال اجتباء واصطفاء وهداية، فيا بُعد ما بينهما! ولمَّا كان كماله بالتوبة كان كمال بنيه أيضا بها، فكمال الآدمي في هذه الدار بالتوبة النصوح، وفي الآخرة بالنجاة من النار ودخول الجنة، وهذا الكمال مرتَّب على كماله الأول.
والمقصود أنه سبحانه لمحبته التوبة وفرحه بها يقضي على عبده بالذنب، ثم إن كان ممن سبقت له الحسنى قضى له بالتوبة، وإن كان ممن غلبت عليه شقاوته أقام عليه حجة عدله وعاقبه بذنبه» اهـ باختصار.
119 -
عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ (1) لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا (2)» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(1) حقيقة التوكل: هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح، ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة كلها، وَكِلَة الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه. واعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه المقدورات بها، وجرت سنته في خلقه بذلك، فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به.
(2)
«تغدو خماصًا» : أي: تخرج أول النهار ضامرة البطون من الجوع. «وتروح بطانًا» : أي: ترجع آخر النهار ممتلئة البطون من الشبع.