المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أصول عامة 29 - عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ - معالم الدين من أحاديث الصادق الأمين

[محمد محب الدين أبو زيد]

الفصل: ‌ ‌أصول عامة 29 - عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ

‌أصول عامة

29 -

عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الدِّينُ النَّصِيحَةُ» . قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ» (1). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

30 -

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ (2): أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» (3). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

31 -

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ

(1) قال الإمام الخطابي في «معالم السنن» (4/ 126): «معنى النصيحة لله سبحانه: صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته. والنصيحة لكتاب الله: الإيمان به، والعمل بما فيه. والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم: التصديق بنبوته، وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه. والنصيحة لأئمة المؤمنين: أن يطيعهم في الحق، وأن لا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا. والنصيحة لعامة المسلمين: إرشادهم إلى مصالحهم» اهـ.

(2)

«حلاوة الإيمان» : استلذاذ الطاعات، وتحمُّل المشقات في رضى الله سبحانه، وإيثار ذلك على عَرَض الدنيا، ومحبة العبد ربه سبحانه وتعالى، بفعل طاعته وترك مخالفته، وكذلك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(3)

قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (10/ 190): «فهذا وافق ربه فيما يحبه وما يكرهه، فكان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأحب المخلوق لله لا لغرض آخر، فكان هذا من تمام حبه لله؛ فإن محبة محبوب المحبوب من تمام محبة المحبوب، فإذا أحب أنبياء الله وأولياء الله لأجل قيامهم بمحبوبات الحق، لا لشيء آخر، فقد أحبهم لله لا لغيره. وقد قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]. ولهذا قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [آل عمران: 31] فإن الرسول يأمر بما يحبه الله، وينهى عما يبغضه الله، ويفعل ما يحبه الله، ويخبر بما يحب الله التصديق به، فمن كان محبًّا لله لزم أن يتبع الرسول، فيصدقه فيما أخبر، ويطيعه فيما أمر، ويتأسى به فيما فعل، ومن فعل هذا فقد فعل ما يحبه الله؛ فيحبه الله» اهـ.

ص: 40

- صلى الله عليه وسلم: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» (1). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه: قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» . قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ (2).

32 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ

(1) قال الإمام ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (9/ 332): «علامة حبِّ الله حبُّ رسوله، واتباع سبيله، والاقتداء بسنته؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: «المرء مع من أحب» . فدل هذا أن من أحب عبدًا في الله فإن الله جامع بينه وبينه في جنته ومُدْخِلُه مُدْخَلَه وإن قصر عن عمله، وهذا معنى قوله:«ولم يلحق بهم» يعني: فى العمل والمنزلة. وبيان هذا المعنى -والله أعلم-: أنه لما كان المحب للصالحين وإنما أحبهم من أجل طاعتهم لله، وكانت المحبة عملًا من أعمال القلوب واعتقادًا لها، أثاب الله معتقد ذلك ثواب الصالحين؛ إذ النية هي الأصل، والعمل تابع لها، والله يوتي فضله من يشاء» اهـ.

(2)

فإن قال قائل: فالشيعة الرافضة يحبون عليًّا، فهل هم معه؟

فالجواب: لا، لأن محبة الصحابة شرعية، فينبغي أن تكون على وجه يأذن الشرع فيه، ومن ضروراتها اتباع المحبوب، وعلي لا يرضى بالبراءة من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بل قد كان يرى أنهما أفضل منه، روى البخاري في «صحيحه» عن محمد ابن الحنفية قال: قلت لأبي علي بن أبي طالب: يا أبت، من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أبو بكر. فقلت: ثم من؟ قال: عمر. وقد كان يقول: لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته جلد المفتري.

فهؤلاء الشيعة الرافضة المخذولون لو رآهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهم يفضلونه على أبي بكر وعمر لجلدهم وعاقبهم أشد العقاب، فكيف وهم يلعنونهما ومعظم الصحابة، بل ويكفرونهم ويزعمون أنهم ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا شك في كفر من يفعل ذلك منهم، كما قرره أئمة أهل العلم، ويُنظر:«الصارم المسلول» (ص: 586).

ص: 41

عَمَلُهُ». قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ (1)، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا (2)» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

33 -

عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تبارك وتعالى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا (3)، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي (4)

(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (8/ 70): «ليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة، بل هي سبب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله» . قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» . وقد قال: {ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فهذه باء السبب، أي: بسبب أعمالكم.

والذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم باء المقابلة، كما يقال: اشتريت هذا بهذا. أي: ليس العمل عوضًا وثمنًا كافيًا في دخول الجنة، بل لا بد من عفو الله وفضله ورحمته، فبعفوه يمحو السيئات، وبرحمته يأتي بالخيرات، وبفضله يضاعف البركات» اهـ.

(2)

سددوا: الزموا السداد وهو الصواب من غير إفراط ولا تفريط. قاربوا: أي: إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه. اغدوا: استعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشطة، والغدوة: سير أول النهار، وهو ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس. والروحة: السير بعد الزوال إلى آخر النهار. والدلجة: سير آخر الليل، وقيل: سير الليل كله، ولهذا عبر فيه بالتبعيض، ولأن عمل الليل أشق من عمل النهار.

وهذه الأوقات أطيب أوقات المسافر، وكأنه صلى الله عليه وسلم خاطب مسافرًا إلى مقصد فنبهه على أوقات نشاطه؛ لأن المسافر إذا سافر الليل والنهار جميعًا عجز وانقطع، وإذا تحرى السير في هذه الأوقات المنشطة أمكنته المداومة من غير مشقة. وحسن هذه الاستعارة أن الدنيا في الحقيقة دار نقلة إلى الآخرة، وأن هذه الأوقات بخصوصها أروح ما يكون فيها البدن للعبادة. وقوله:«القصد القصد» بالنصب فيهما على الإغراء، والمعنى: اقتصدوا في العبادة، ولا تتحملوا منها ما لا تطيقونه.

(3)

هذه الجملة تجمع الدين كله؛ فإن ما نهى الله عنه راجع إلى الظلم، وما أمر به راجع إلى العدل، وأعظم العدل توحيد الله، وأعظم الظلم الشرك بالله.

(4)

أي: اطلبوا الهداية مني.

ص: 42

أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي (1)، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ (2)، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ». قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ (3). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

34 -

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ

ص: 43

اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ (1)، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللَّهُ يُعْطِي (2)، وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ (3)». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

35 -

عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ (4). ثَلَاثُ خِصَالٍ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ أَبَدًا (5):

(1) قال الإمام الآجري في «الأربعين» (ص: 73): «هذا الحديث يدل على أنه مَن لم يتفقه في دينه فلا خير فيه. فإن قلت: كيف صفة من فقَّهه الله عز وجل في دينه حتى يكون ممن قد أراده الله الكريم بخير؟

قيل له: هو الرجل المسلم العاقل الذي قد علم أن الله عز وجل قد تعبَّده بعبادات وجب عليه أن يعبده فيها كما أمره، لا كما يريد هو، ولكن بما أوجب العلم عليه، فطَلَبَ العلم ليفقه ما تعبَّده الله عز وجل به من أداء فرائضه واجتناب محارمه، لا يسعه جهله ولا يعذره به العلماء العقلاء في تركه، وذلك مثل الطهارة، ما فرائضها، وما سننها، وما يفسدها، وما يصلحها؟ ومثل علم صلاة الخمس لله عز وجل في اليوم والليلة، وكيف يؤديها إلى الله عز وجل؟ ومثل علم الزكاة، وما يجب لله عز وجل عليه فيها؟ ومثل صيام شهر رمضان، وما يجب لله عز وجل فيه؟ ومثل الحج، متى يجب، وإذا وجب ما يلزم من أحكامه، كيف يؤديه إلى الله عز وجل؟ ومثل الجهاد، ومتى يجب، وإذا وجب ما يلزمه من أحكامه؟ وعلم المكاسب، وما يحل منها وما يحرم؟ وليأخذ الحلال بعلم ويجتنب الحرام بعلم، وعلم النفقات الواجبات عليه وغير الواجبات، وعلم بر الوالدين والنهي عن العقوق، وعلم صلة الأرحام والنهي عن قطعها، وعلم حفظ كل جارحة من جوارحه مما أمره الله عز وجل بحفظها، وعلوم كثيرة يطول شرحها، لا بد من علمها والعمل بها. فاعقلوا -رحمكم الله- ما حثكم عليه نبيكم صلى الله عليه وسلم حتى يكون فيكم خير تحمدون عواقبه في الدنيا والآخرة» اهـ.

(2)

معناه: أن المعطي حقيقة هو الله تعالى، ولست أنا معطيًا، وإنما أنا خازن على ما عندي، ثم أقسم ما أُمرت بقسمته على حسب ما أُمرت به، فالأمور كلها بمشيئة الله تعالى وتقديره، والإنسان مُصَرَّف مربوب.

(3)

قال ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (1/ 155): «يريد أن أمته آخر الأمم، وأن عليها تقوم الساعة، وإن ظهرت أشراطها، وضعف الدين، فلابد أن يبقى من أمته من يقوم به، والدليل على ذلك قوله: «لا يضرهم من خالفهم» ، وفيه أن الإسلام لا يذل، وإن كثر مطالبوه» اهـ.

(4)

«نضر الله» : معناه: الدعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة.

قال المُلَّا علي القاري في «مرقاة المفاتيح» (1/ 306 وما بعدها): «وقد استجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم، فلذلك تجد أهل الحديث أحسن الناس وجهًا وأجملهم هيئة. ورُوي عن سفيان بن عيينة أنه قال: ما من أحد يطلب الحديث إلا وفي وجهه نضرة. وخص مبلغ الحديث كما سمعه بهذا الدعاء؛ لأنه سعى في نضارة العلم وتجديد السنة فجازاه بالدعاء بما يناسب حاله، وهذا يدل على شرف الحديث وفضله ودرجة طلَّابه حيث خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بدعاء لم يشرك فيه أحدًا من الأمة، ولو لم يكن في طلب الحديث وحفظه وتبليغه فائدة سوى أن يستفيد بركة هذه الدعوة المباركة لكفى ذلك فائدة وغَنْمًا، وجلَّ في الدارين حظًّا وقسمًا» اهـ باختصار وتصرف.

(5)

أي: لا يكون القلب عليهن ومعهن غليلًا أبدًا، يعني: لا يكون فيه مرض ولا نفاق إذا حقق هذه الأمور الثلاثة.

ص: 44

إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ (1)، وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ (2)، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ (3)، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ (4). وَقَالَ: مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ، جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ

ص: 45

فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ (1)». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ بِاخْتِصَارٍ وَحَسَّنَهُ.

36 -

عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الَأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي (2). فَقَالَ: «مَا عِنْدِي» . فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ (3)» (4). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

37 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الَاجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» (5).

(1)«من كان همه الآخرة» أي: قصده مرضاة مولاه. «جمع الله شمله» أي: أموره المتفرِّقة بأن جعله مجموع الخاطر بتهيئة أسبابه من حيث لا يشعر به. «جعل غناه في قلبه» أي: جعله قانعًا بالكفاف؛ كيلا يتعب في طلب الزيادة. «أتته الدنيا» أي: ما قُدِّر وقُسِم له منها. «وهي راغمة» أي: ذليلة حقيرة تابعة له، لا يحتاج في طلبها إلى سعي كثير، بل تأتيه هينة لينة، على رغم أنفها وأنف أربابها. «ومن كانت نيته الدنيا فرق الله عليه ضيعته» أي: تشعَّبت الهموم قلبه وتوزَّعت أفكاره، فيبقى متحيِّرًا ضائعًا، لا يدري ممن يطلب رزقه، ولا ممن يلتمس رفقه. «وجعل فقره» أي: الاحتياج إلى الخلق. «ولم يأتيه من الدنيا إلا ما كُتب له» أي: وهو راغم، فلا يأتيه ما يطلب من الزيادة، على رغم أنفه وأنف أصحابه. فيكون معنى الأول: وأتاه ما كُتب له من الدنيا وهي راغمة، ومعنى الثاني: وأتاه ما كُتب له من الدنيا وهو راغم.

(2)

أي: هلكت دابتي وهي مركوبي، فركِّبني دابة غيرها.

(3)

المراد: أن له ثوابًا بذلك الفعل، كما أن لفاعله ثوابًا، ولا يلزم أن يكون قدر ثوابهما سواء.

(4)

في الحديث: فضيلة الدلالة على الخير والتنبيه عليه والمساعدة لفاعله، وفيه فضيلة تعليم العلم ووظائف العبادات، لاسيما لمن يعمل بها من المتعبِّدين وغيرهم.

(5)

قال الإمام ابن عبد البر في «التمهيد» (24/ 329): «هذا الحديث أبلغ شيء في فضائل تعليم العلم والدعاء إليه وإلى جميع سبل البر والخير، وعلى قدر فضل معلِّم الخير وأجره، يكون وزر من علَّم الشر ودعا إلى الضلال؛ لأنه يكون عليه وزر من تعلَّمه منه ودعا إليه وعمل به، عصمنا الله برحمته» اهـ بتصرف واختصار.

ص: 46

رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

38 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» (1). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

39 -

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ (2) الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» (3). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

40 -

عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ، فَقَالَ:«الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ (4).

(1) قال الإمام ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (1/ 252): «من امتثل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وانتهى عما نهى عنه، وكان مشتغلًا بذلك عن غيره، حصل له النجاة في الدنيا والآخرة، ومن خالف ذلك، واشتغل بخواطره وما يستحسنه، وقع فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم من حال أهل الكتاب الذين هلكوا بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، وعدم انقيادهم وطاعتهم لرسلهم» اهـ.

(2)

الثيب: من تزوج وحصل له الوطء، يقال للأنثى وللذكر.

(3)

القتل بكل واحدة من هذه الخصال الثلاث متفق عليه بين المسلمين: فأما زنا الثيب: فأجمع المسلمون على أن حدَّه الرجم حتى يموت. وأما النفس بالنفس: فمعناه أن المكلف إذا قتل نفسًا بغير حق عمدًا، فإنه يُقتل بها. وأما التارك لدينه المفارق للجماعة: فالمراد به: من ترك الإسلام، وارتد عنه، وفارق جماعة المسلمين، فإنه يُقتل.

(4)

انظر التعليق على الحديث الآتي، فقد جعلهما الإمام النووي بمثابة حديث واحد فاتبعته في ذلك.

ص: 47

وعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْأَسَدِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ:«جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ؟» . قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ فَضَرَبَ بِهَا صَدْرَهُ، وَقَالَ:«اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، اسْتَفْتِ قَلْبَكَ يَا وَابِصَةُ -ثَلَاثًا- الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ» (1). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارِمِيُّ، وَحَسَّنَهُ النَّوَوَيُّ.

(1) قال الإمام ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (2/ 97): «حديث النواس بن سمعان فسَّر النبي صلى الله عليه وسلم فيه البر بحسن الخلق، وفسَّره في حديث وابصة بما اطمأن إليه القلب والنفس، وإنما اختلف تفسيره للبر؛ لأن البر يُطلَق باعتبار معينين: أحدهما: باعتبار معاملة الخلق بالإحسان إليهم. والثاني: أن يراد به فعل جميع الطاعات الظاهرة والباطنة.

وقد يكون جواب النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النواس شاملًا لهذه الخصال كلها؛ لأن حسن الخلق قد يراد به التخلق بأخلاق الشريعة، والتأدب بآداب الله التي أدب بها عباده في كتابه، كما قال تعالى لرسوله:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وقالت عائشة:«كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن» ، يعني: أنه يتأدب بآدابه، فيفعل أوامره، ويتجنب نواهيه.

وأما في حديث وابصة، فقال:«البر ما اطمأن إليه القلب، واطمأنت إليه النفس» . وفي رواية: «ما انشرح إليه الصدر» . وهذا يدل على أن الله فطر عباده على معرفة الحق، والسكون إليه وقبوله، وركز في الطباع محبة ذلك، والنفور عن ضده. وقد يدخل هذا في قوله صلى الله عليه وسلم:«كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه» . ولهذا أخبر الله تعالى أن قلوب المؤمنين تطمئن بذكره، فالقلب الذي دخله نور الإيمان، وانشرح به وانفسح، يسكن للحق، ويطمئن به ويقبله، وينفر عن الباطل ويكرهه ولا يقبله.

فدل حديث وابصة وما في معناه على الرجوع إلى القلوب عند الاشتباه، فما إليه سكن القلب، وانشرح إليه الصدر، فهو البر والحلال، وما كان خلاف ذلك، فهو الإثم والحرام.

وقوله في حديث النواس: «الإثم ما حاك في الصدر، وكرهت أن يطلع عليه الناس» إشارة إلى أن الإثم ما أثَّر في الصدر حرجًا، وضيقًا، وقلقًا، واضطرابًا، فلم ينشرح له الصدر، ومع هذا فهو عند الناس مستنكر، بحيث ينكرونه عند اطلاعهم عليه، وهذا أعلى مراتب معرفة الإثم عند الاشتباه، وهو ما استنكره الناس على فاعله وغير فاعله. ومن هذا المعنى قول ابن مسعود:«ما رآه المؤمنون حسنا، فهو عند الله حسن، وما رآه المومنون قبيحا، فهو عند الله قبيح» .

وقوله في حديث وابصة: «وإن أفتاك المفتون» يعني: أن ما حاك في صدر الإنسان فهو إثم، وإن أفتاه غيره بأنه ليس بإثم، فهذه مرتبة ثانية، وهو أن يكون الشيء مستنكرًا عند فاعله دون غيره، وقد جعله أيضًا إثمًا، وهذا إنما يكون إذا كان صاحبه ممن شُرح صدره بالإيمان، وكان المفتي يفتي له بمجرد ظن أو ميل إلى هوى من غير دليل شرعي، فأما ما كان مع المفتي به دليل شرعي، فالواجب على المستفتي الرجوع إليه، وإن لم ينشرح له صدره، وهذا كالرخصة الشرعية، مثل: الفطر في السفر والمرض، وقصر الصلاة في السفر، ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدور كثير من الجهال، فهذا لا عبرة به» اهـ باختصار.

ص: 48

41 -

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (1). رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ.

42 -

عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ السَّعْديِّ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما: مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْهُ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» (2). رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

43 -

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عز وجل قَالَ: قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا

(1)«لا ضرر» : أي: لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئًا من حقه. «ولا ضرار» : أي: لا يجازي من ضره بإدخال الضرر عليه بل يعفو. وفيه: تحريم سائر أنواع الضرر إلا بدليل؛ لأن النكرة في سياق النفي تعم.

(2)

أي: اترك ما تشك فيه من الأقوال والأعمال أنه نُهي عنه أو لا؟ أو هو سنة أو بدعة؟ وخذ ما لا تشك فيه منه. والمقصود: أن يبني المرء أمره على اليقين البحت، ويكون على بصيرة في دينه.

ص: 49

كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً» (1). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

44 -

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (2). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

45 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ (3)» . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ:«الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ (4)، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ (5)» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

46 -

عن أَبِي عَامِرٍ أَوْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

(1) قال الإمام النووي في «الأربعين» (ص: 106): «فانظر يا أخي -وفقنا الله وإياك- إلى عظيم لطف الله تعالى، وتأمل هذه الألفاظ، وقوله: «عنده» إشارة إلى الاعتناء بها، وقوله:«كاملة» للتأكيد وشدة الاعتناء بها، وقال في السيئة التي هَمَّ بها ثم تركها:«كتبها الله عنده حسنة كاملة» فأكَّدها بـ «كاملة» ، «وإن عملها كتبها سيئة واحدة» فأكد تقليلها بـ «واحدة» ، ولم يؤكدها بـ «كاملة» ، فلله الحمد والمنة، سبحانه لا نحصي ثناء عليه، وبالله التوفيق» اهـ.

(2)

الراعي: هو الحافظ المؤتمَن الملتزِم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره. ففيه: أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه.

(3)

الموبقات: المهلكات.

(4)

أي: الفرار عن قتال الكفار.

(5)

أي: رمي الحرائر العفيفات بالزنا.

ص: 50

«لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ (1) وَالحَرِيرَ (2) وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ (3)، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ (4)، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ (5) بِسَارِحَةٍ (6) لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ لِحَاجَةٍ (7) فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا. فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ (8)، وَيَضَعُ العَلَمَ (9)، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

47 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا (10)، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ (11)، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ (12) .....................................................................

(1) الحِرَ: الفَرْج. والمعنى: أنهم يستحلون الزنا.

(2)

أي: يستحل الرجال لبس الحرير.

(3)

المعازف: اسم لكل آلات الملاهي التي يُعزَف بها، كالمزمار، والطبلة، والدف، والعود، والشبابة. قال الإمام ابن القيم في «مدارج السالكين» (1/ 496):«ومعلوم عند الخاصة والعامة: أن فتنة سماع الغناء والمعازف أعظم من فتنة النَّوْح بكثير، والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارب: أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم، وفشت فيهم، واشتغلوا بها، إلا سلَّط الله عليهم العدو، وبُلُوا بالقحط والجدب وولاة السوء، والعاقل يتأمل أحوال العالم وينظر، والله المستعان» اهـ.

(4)

علم: جبل، أو هو رأس الجبل.

(5)

أي: راعيهم.

(6)

بسارحة: بغنم.

(7)

يعني: الفقير.

(8)

أي: يُهلكهم في الليل.

(9)

أي: يَدُكُّ الجبل ويوقعه على رؤوسهم.

(10)

أي: سيكون بعدي.

(11)

أصحاب السياط: هم الظلمة من أصحاب الشرطة، الذين يضربون الناس بغير حق.

(12)

قيل معناه: أنهن يلبسن ثيابًا رقاقًا تصف ما تحتها، فهن كاسيات في الظاهر، عاريات في المعنى. وقيل: إنهن يكشفن بعض أجسامهن، ويسترن بعضه. وقيل: كاسيات من نعم الله عز وجل عاريات من شكرها.

ص: 51

مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ (1)، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ (2) الْمَائِلَةِ (3)، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» (4). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

48 -

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ (5) الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ (6) لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ (7)» . قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ:«فَمَنْ؟ (8)» (9). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(1) قيل معناه: مائلات إلى الشر مميلات للرجال إلى الافتتان بهن. وقيل: مائلات زائغات عن طاعة الله، مميلات أي: معلمات غيرهن الدخول في مثل فِعلهن المذموم. وقيل: مائلات أي: متبخترات في مشيتهن، مميلات أعطافهن وأكتافهن. وقيل: مائلات يمشطن المشطة المائلة وهي مشطة البغايا، مميلات يمشِّطن غيرَهن تلك المشطة.

(2)

البُخت: الإبل.

(3)

قيل معناه: أنهن يُكَبِّرن رؤوسهن بما يصِلْنه من الشعر أو بِلَفِّ عمامة أو عصابة أو نحوها، فيشبه أسنمة الإبل في ارتفاعها. وقيل: إنهن يطمحن إلى الرجال، ولا يغضضن أبصارهن، ولا ينكِّسن رؤوسهن.

(4)

وهذه هي شروط حجاب المرأة المسلمه: الشرط الأول: استيعاب جميع البدن، على خلاف في الوجه والكفين. الثاني: أن لا يكون زينة في نفسه. الثالث: أن يكون صفيقًا لا يشف. الرابع: أن يكون فضفاضًا غير ضيق فيصف شيئًا من جسمها. الخامس: أن لا يكون مبخرًا مطيبًا. السادس: أن لا يشبه لباس الرجل. السابع: أن لا يشبه لباس الكافرات. الثامن: أن لا يكون لباس شهرة. وقد فصَّل هذه الشروط وذكر أدلتها الشيخُ الألباني رحمه الله في «جلباب المرأة المسلمة» (ص: 131 وما بعدها).

(5)

سنن: طريق.

(6)

وهو من أضيق الجحور وأخبثها.

(7)

هذا كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي.

(8)

أي: فمن غيرهم؟ وهذا استفهام على وجه الإنكار، أي: ليس المراد غيرهم.

(9)

قال الإمام ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (10/ 366): «فأخبر صلى الله عليه وسلم أن أمته قبل قيام الساعة يتبعون المحدثات من الأمور، والبدع والأهواء المضلَّة، كما اتبعتها الأمم السابقة من اليهود والنصارى، حتى يتغير الدين عند كثير من الناس، وقد أنذر صلى الله عليه وسلم فى كثير من حديثه أن الآخر شر، وأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، وأن الدين إنما يبقى قائمًا عند خاصة من المسلمين لا يخافون العداوات، ويحتسبون أنفسهم على الله فى القول بالحق، والقيام بالمنهج القويم فى دين الله» اهـ بتصرف يسير.

ص: 52

49 -

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» (1). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ، وَابْنُ حَجَرٍ.

(1) هذا الحديث يقتضي تحريم التشبه بأهل الكفر والفسوق والعصيان، وقد تضافرت نصوص الشريعة بتحريم التشبه بالكفار من اليهود والنصارى وغيرهم في شيء من أمور دينهم وأعيادهم وعاداتهم ومظهرهم وسلوكهم.

ص: 53