الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوحيد
1 -
عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ (1)، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى (2)، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ (3)، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ (4)» (5). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2 -
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ (6) النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ:«يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي ما حَقُّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ؟ وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟» . قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا
(1) النية: هي قصد القلب، وليس من السنة التلفظ بها. والمراد: أن صلاح الأعمال وفسادها بحسب صلاح النية وفسادها.
(2)
أي: أن حظ العامل من عمله نيته، فإن كانت صالحة، فعمله صالح، فله أجره، وإن كانت فاسدة، فعمله فاسد، فعليه وزره.
(3)
أي: من قصد بهجرته وجه الله فهجرته مقبولة عند الله ورسوله، وقد وقع أجره على الله.
(4)
أي: من قصد بهجرته دنيا أو امرأة فهي حظه، ولا نصيب له في الآخرة.
(5)
قال الإمام الآجري في «الأربعين» (ص: 79): «اعلم أن هذا الحديث أصل من أصول الدين، لا يجوز لأحد من المسلمين أن يؤدي ما افترض الله عز وجل عليه من فريضة، ولا يتقرب إليه بنافلة إلا بنية خالصة صادقة، لا رياء فيها ولا سُمعة، ولا يريد بها إلا الله عز وجل، ولا يُشرك فيها مع الله عز وجل غيره؛ لأن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أُخلِص له وأُريد به وجهه، لا يختلف في هذا العلماء» اهـ.
أقول: ولكي يكون العمل مقبولًا فلابد أن يتوفر فيه شرطان:
أولهما: إخلاص العمل لله، وهو الذي يدل عليه هذا الحديث.
وثانيهما: متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه الحديث الآتي:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» .
فلابد لكي يُقبل العمل أن يكون خالصًا لله، على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(6)
أي: خلف.
يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» (1). فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ:«لَا تُبَشِّرْهُمْ، فَيَتَّكِلُوا (2)» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3 -
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ (3)، وَالجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ (4)» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
4 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ (5)؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا
(1) فحقه تعالى على عباده: أن يعبدوه، مخلصين له العبادة، ممتثلين ما أمرهم به وأوجبه عليهم، وأعظمه التوحيد، ومجتنبين ما نهاهم عنه وحرمه عليهم، وأعظمه الشرك، فإذا فعلوا ذلك، فحقهم عليه أن يغفر لهم ولا يعذبهم، وأن يدخلهم الجنة، وقد وعدهم ذلك، ووعده حق لا يُخلَف.
(2)
أي: يعتمدوا على هذا ويتركوا الاجتهاد في العمل.
(3)
«وكلمته ألقاها إلى مريم» : أي: قوله: «كن» ، وسُمِّي عيسى عليه السلام كلمة؛ لأنه كان بكلمة «كن» فحسب من غير أب، بخلاف غيره من بني آدم. «وروح منه»: أي: مخلوقة من عنده، وعلى هذا يكون إضافتها إليه إضافة تشريف، كناقة الله وبيت الله.
(4)
هذا محمول على إدخاله الجنة في الجملة، فإن كانت له معاص من الكبائر فهو في مشيئة الله، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، فإن عذبه لم يخلده في النار وختم له بالجنة.
(5)
فيه إثبات شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وهو من أصول أهل السنة. وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات: أما الشفاعة الأولى: فيشفع في أهل الموقف حتى يُقضى بينهم بعد أن تتراجع الأنبياء: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم عن الشفاعة حتى تنتهي إليه.
وأما الشفاعة الثانية: فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة. وهاتان الشفاعتان خاصتان له.
وأما الشفاعة الثالثة: فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصدِّيقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها، وهذه هي الشفاعة المرادة في الحديث المذكور.
الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ (1)، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ» (2). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
5 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ (3)، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الَارْضِ (4) خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» (5). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(1) فيه الترغيب على أخذ الحديث وحفظه والحرص عليه، والثناء على أبي هريرة بذلك.
(2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفرق بين عبادات أهل الإسلام وعبادات أهل الشرك» (ص: 128): «فأهل التوحيد المخلصون لله هم أحق الناس بشفاعته صلى الله عليه وسلم، فمن كان لا يدعو إلا الله، ولا يرجو إلا الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يدعو مخلوقًا، لا مَلَكًا، ولا بشرًا، لا نبيًّا، ولا صالحًا، ولا غيرهما، كان أحق بشفاعته ممن يدعوه، أو يدعو غيره من المخلوقين، فإن هؤلاء مشركون، والشفاعة إنما هي لأهل التوحيد. وإذا كان كذلك، فالذين يدعون المخلوقين، ويطلبون من الموتى والغائبين الدعاء والشفاعة، هم أبعد عن الشفاعة فيهم، والذين لا يدعون إلا الله هم أحق بالشفاعة لهم» اهـ.
(3)
العنان: السحاب.
(4)
أي: بما يقارب ملأها.
(5)
قال الإمام ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (2/ 406 - وما بعدها): «تضمن هذا الحديث الأسباب الثلاثة التي يحصل بها المغفرة:
أحدها: الدعاء مع الرجاء، فإن الدعاء مأمور به، وموعود عليه بالإجابة، كما قال تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، لكن الدعاء سبب مقتض للإجابة مع استكمال شرائطه، وانتفاء موانعه، وقد تتخلف إجابته، لانتفاء بعض شروطه، أو وجود بعض موانعه، ومن أعظم شرائطه: حضور القلب، ورجاء الإجابة من الله تعالى. وقوله:«إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك ما كان فيك ولا أبالي» يعني: على كثرة ذنوبك وخطاياك، لا يتعاظمني ذلك، ولا أستكثره، فذنوب العبد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها، فهي صغيرة في جنب عفو الله ومغفرته.
السبب الثاني للمغفرة: الاستغفار، ولو عظمت الذنوب، وبلغت الكثرة عنان السماء. والاستغفار: طلب المغفرة، والمغفرة: هي وقاية شر الذنوب مع سترها. والاستغفار التام الموجب للمغفرة هو ما قارن عدم الإصرار، كما مدح الله أهله، ووعدهم بالمغفرة.
السبب الثالث من أسباب المغفرة: التوحيد، وهو السبب الأعظم، فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة، قال تعالى:{إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض خطايا، لقيه الله بقرابها مغفرة، لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل، فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه، ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار، بل يخرج منها، ثم يدخل الجنة. فإنْ كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه، وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت، أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها، ومنعه من دخول النار بالكلية. فمن تحقق قلبُهُ بكلمة التوحيد، أخرجت منه كل ما سوى الله محبة وتعظيمًا وإجلالًا ومهابة وخشية ورجاء وتوكلًا، وحينئذ تحرق ذنوبَهُ وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر، وربما قلبتها حسنات» اهـ باختصار.
6 -
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ (1)، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ (2)، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ
(1)«احفظ الله» يعني: احفظ حدوده، وحقوقه، وأوامره، ونواهيه، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه. «يحفظك» يعني: أنَّ من حفظ حدود الله، وراعى حقوقه، حفظه الله في دينه ودنياه؛ فإن الجزاء من جنس العمل.
(2)
وفي رواية: «أمامك» . ومعناه: أن من حفظ حدود الله، وراعى حقوقه، وجد الله معه في كل أحواله حيث تَوَجَّه، يحوطه وينصره ويحفظه ويوفقه ويسدده.
يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ (1)». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
7 -
عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَا: لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2) طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً (3) لَهُ عَلَى وَجْهِهِ (4)، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا (5) كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ:«لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» . يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا (6). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1) هذه كناية عن تقدُّم كتابة المقادير كلها، والفراغ منها من أمد بعيد.
(2)
أي: نزل به الموت صلى الله عليه وسلم.
(3)
الخميصة: ثوب أسود أو أحمر له أعلام.
(4)
أي: يجعلها على وجهه من الحمى.
(5)
أي: إذا احتبس نَفَسُهُ عن الخروج.
(6)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «القاعدة الجليلة» (ص: 30): «فحرَّم صلى الله عليه وسلم أن تُتَّخذ قبورهم مساجد يُقصَد الصلوات فيها كما تُقصَد المساجد، وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده؛ لأن ذلك ذريعة إلى أن يقصدوا المسجد لأجل صاحب القبر ودعائه والدعاء به والدعاء عنده. فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده؛ لئلا يُتخَذ ذلك ذريعة إلى الشرك بالله، كذلك لما نهى عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، نهى عن قصدها للصلاة عندها؛ لئلا يُفضي ذلك إلى دعائهم والسجود لهم؛ لأن دعاءهم والسجود لهم أعظم تحريمًا من اتخاذ قبورهم مساجد.
ولهذا كانت زيارة قبور المسلمين على وجهين: زيارة شرعية وزيارة بدعية.
فالزيارة الشرعية: أن يكون مقصود الزائر الدعاء للميت، كما يقصد بالصلاة على جنازته الدعاء له.
وأما الزيارة البدعية: فهي التي يُقصَد بها أن يطلب من الميت الحوائج، أو يطلب منه الدعاء والشفاعة، أو يقصد الدعاء عند قبره لظن القاصد أن ذلك أجْوَبُ للدعاء، فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا فعلها الصحابة، لا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند غيره، وهي من جنس الشرك وأسباب الشرك.
ولو قصد الصلاةَ عند قبور الأنبياء والصالحين من غير أن يقصد دعاءهم والدعاء عندهم؛ مثل أن يَتخذ قبورهم مساجد، لكان ذلك محرَّمًا منهيًّا عنه، ولكان صاحبه متعرضًا لغضب الله ولعنته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» . وقال: «إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك» . فإذا كان هذا محرمًا وهو سبب لسخط الرب ولعنته، فكيف بمن يقصد دعاء الميت والدعاء عنده وبه، واعتقد أن ذلك من أسباب إجابة الدعوات ونيل الطَّلبات وقضاء الحاجات؟! وهذا كان أول أسباب الشرك في قوم نوح وعبادة الأوثان في الناس». اهـ باختصار.
8 -
عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ (1)» (2). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
9 -
عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: فَغَضِبَ، وَقَالَ:
مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إِلَيَّ شَيْئًا يَكْتُمُهُ النَّاسَ (3)، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ حَدَّثَنِي بِكَلِمَاتٍ أَرْبَعٍ. قَالَ: فَقَالَ: مَا هُنَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قَالَ: «لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ» (4). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(1) التمثال: الصورة. وطمسها: محوها. مُشرفًا: مرتفعًا.
(2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «الرد على الإخنائي» (ص: 396): «فأمره صلى الله عليه وسلم بطمس التماثيل وتسوية القبور العالية المشرفة؛ إذ كان الضالون أهل الكتاب أشركوا بهذا وبهذا، بتماثيل الأنبياء والصالحين، وبقبورهم» اهـ.
(3)
في هذا إبطال ما تزعمه الشيعة الرافضة من الوصية إلى علي وغير ذلك من أباطيلهم.
(4)
أما لعن الوالدين: فمن الكبائر، ومنه أن تلعن والدي الرجل فيلعن والديك.
وأما الذبح لغير الله: فالمراد به: أن يذبح باسم غير الله تعالى، كمن ذبح للصنم، أو للصليب، أو لموسى أو لعيسى عليهما السلام، أو للكعبة ونحو ذلك، فكل هذا حرام، ولاتحل هذه الذبيحة، سواء كان الذابح مسلمًا أو نصرانيًّا أو يهوديًّا، فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفرًا، فإن كان الذابح مسلمًا قبل ذلك صار بالذبح مرتدًّا.
والمحدِث: هو من يأتي بفساد في الأرض. ومنار الأرض: علامات حدودها، وتغييرها: أن يحوِّل الحد من مكانه ليقتطع جزءًا من أرض جاره.
10 -
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ (1)، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ» (2). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
(1) الإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه، وذلك أن النصارى أفرطوا في مدح عيسى وإطرائه بالباطل، وجعلوه ولدًا، فمنعهم النبي صلى الله عليه وسلم من أن يطروه بالباطل.
(2)
قال الشيخ سليمان النجدي في «تيسير العزيز الحميد» (ص: 262): «فأبى عُبَّاد القبور إلا مخالفةً لأمره صلى الله عليه وسلم، وارتكابًا لنهيه، وناقضوه أعظم المناقضة، وظنوا أنهم إذا وصفوه بأنه عبد الله ورسوله، وأنه لا يُدعى ولا يُستغاث به، ولا يُنذر له، ولا يُطاف بحجرته، وأنه ليس له من الأمر شيء، ولا يعلم من الغيب إلا ما علَّمه الله، أنَّ في ذلك هضمًا لجنابه، وغضًّا من قدره، فرفعوه فوق منزلته، وادَّعَوا فيه ما ادَّعت النصارى في عيسى أو قريبًا منه، فسألوه مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب.
ومن العجب أن الشيطان أظهر لهم ذلك في صورة محبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه ومتابعته، وهذا شأن اللعين، لا بد وأن يمزج الحق بالباطل ليروِّج على أشباه الأنعام أتباع كل ناعق، الذين لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق؛ لأن هذا ليس بتعظيم، فإن التعظيم النافع هو تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر، والموالاة والمعاداة والحب والبغض لأجله، وتحكيمه وحده، والرضى بحكمه، وأن لا يُتخذ من دونه طاغوت يكون التحاكم إلى أقواله فما وافقها من قوله صلى الله عليه وسلم قبله، وما خالفها رده أو تأوَّله أو أعرض عنه. والله سبحانه يشهد -وكفى به شهيدًا- وملائكته ورسله وأولياؤه: أن عُبَّاد القبور وخصوم الموحِّدين ليسوا كذلك، والله المستعان» اهـ باختصار.