الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفعال الخير
103 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلَاهُنَّ (1) مَنِيحَةُ العَنْزِ (2)، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا، وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا (3)، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الجَنَّةَ» . قَالَ حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ -أَحَدُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ: فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ العَنْزِ، مِنْ رَدِّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَنَحْوِهِ، فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً (4). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
104 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا» . قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ» . قَالَ:
(1) أي: أعظمهن ثوابا.
(2)
هي أنثى المعز يعطيها الرجلُ الرجلَ يحتلبها ويشرب من لبنها زمنًا ثم يعيدها إليه.
(3)
أي: مصدِّقًا بما وعد الله تعالى عليها من الأجر.
(4)
عَدَّ جماعة من أهل العلم هذه الخصال، فذكروا: الستر على المسلم، والذب عن عرضه، وإدخال السرور عليه، والتفسُّح في المجلس، والدلالة على الخير، والكلام الطيب، وإعانة الصانع، والصنعة للأخرق - وهو الذي ليس في يده صنعة يتكسَّب بها-، وإعطاء شسع النعل، والغرس والزرع، والشفاعة، وعيادة المريض، والمصافحة، والمحبة في الله، والبغض لأجله، والمجالسة لله، والتزاور، والنصح، ورحمة البهائم، وإماطة الأذى عن الطريق، والمشي إلى المساجد، وإفشاء السلام، ورده، وتشميت العاطس، وتقبيل العيال والرأفة بهم، والحمد بعد الأكل والشرب، ومجالسة أهل الذكر، والقناعة باليسير، ورجاء العبد عفو الرب مع معاودة الذنب، والنهي عن المنكر بالقلب، واتقاء النار باليسير من الصدقة، واحتساب المصيبة عند الله، وإنظار المعسر، وإيثار العيال على النفس، وترك التهاجر والتشاجر، وإطعام الجائع، وسقاية الظمآن، والتبسُّم في وجه المسلم، والهدية إلى الجار، والإصلاح بين الناس.
وفي هذه الخصال ما قد يُنازَع في كونه دون منيحة العنز. ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم الأربعين خصلة في الحديث، ومعلوم أنه كان عالمًا بها كلها لا محالة، وذلك - والله أعلم- خشية أن يكون التعيين لها والترغيب فيها مزهِّدًا في غيرها من أبواب المعروف وسبل الخير.
ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي (1). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
105 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» (2). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(1) قال الإمام العيني في «عمدة القاري» (5/ 14): «فإن قلتَ: ما الحكمة في تخصيص الذِّكر بهذه الأشياء الثلاثة؟
قلتُ: هذه الثلاثة أفضل الأعمال بعد الإيمان، مَن ضيَّع الصلاة التي هي عماد الدين مع العلم بفضيلتها، كان لغيرها من أمر الدين أشد تضييعًا وأشد تهاونًا واستخفافًا، وكذا مَن ترك بر والديه فهو لغير ذلك من حقوق الله أشد تركًا، وكذا الجهاد مَن تركه مع قدرته عليه عند تعيُّنه، فهو لغير ذلك من الأعمال التي يُتقرَّب بها إلى الله تعالى أشد تركًا، فالمحافظ على هذه الثلاثة حافظ على ما سواها، والمضيِّع لها كان لِمَا سواها أضيع» اهـ.
(2)
رحم الله الإمام ابن رجب إذ قال في «اختيار الأولى» (ص: 66) بعد ذكره لهذا الحديث: «فانظر إلى كم تُيَسَّر لك أسباب تكفير الخطايا لعلك تَطَهَّر منها قبل الموت فتلقاه طاهرًا، فتصلح لمجاورته في دار السلام، وأنت تأبى إلا أن تموت على خبث الذنوب فتحتاج إلى تطهيرها في كير جهنم.
يا هذا! أما علمت أنه لا يصلح لقربنا إلا طاهر؟! فإن أردت قربنا ومناجاتنا اليوم فطهِّر ظاهرك وباطنك لتصلح لذلك، وإن أردت قربنا ومناجاتنا غدًا فطهِّر قلبك من سوانا لتصلح لمجاورتنا {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88 - 89]، القلب السليم الذي ليس فيه غير محبة الله، ومحبة مَن يحبه الله، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، فما كل أحد يصلح لمجاورة الله تعالى غدًا، ولا كل أحد يصلح لمناجاة الله اليوم» اهـ.
106 -
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ (1)، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ (2)، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلَأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (3)، وَالصَّلَاةُ نُورٌ (4)، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ (5)، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ (6)، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ (7)، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ
(1) قيل: معناه أن الأجر فيه ينتهي تضعيفه إلى نصف أجر الإيمان. وقيل: معناه أن الإيمان يَجُبُّ ما قبله من الخطايا وكذلك الوضوء؛ لأن الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان فصار لتوقُّفه على الإيمان في معنى الشطر. وقيل: المراد بالإيمان هنا: الصلاة، كما قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُم} [البقرة: 143]، والطهارة شرط في صحة الصلاة، فصارت كالشطر، وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفًا حقيقيًّا، وهذا القول أقرب الأقوال.
(2)
معناه: عِظَم أجرها، وأنه يملأ الميزان، وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الأعمال، وثِقَل الموازين وخفتها.
(3)
أي: لو قُدِّر ثوابهما جسمًا لملأ ما بين السماوات والأرض، وسبب عِظَم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى بقوله:«سبحان الله» ، والتفويض والافتقار إلى الله تعالى بقوله:«الحمد لله» . والله أعلم.
(4)
أي: تمنع من المعاصي، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وتهدي إلى الصواب، كما أن النور يُستضاء به. وقيل: معناه أنه يكون أجرها نورًا لصاحبها يوم القيامة.
(5)
معناه: الصدقة حجة على إيمان فاعلها؛ فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها، فمن تصدَّق استُدِل بصدقته على صدق إيمانه.
(6)
الصبر المحبوب في الشرع: هو الصبر على طاعة الله تعالى، والصبر عن معصيته، والصبر على أنواع المكاره في الدنيا. قال إبراهيم الخواص: الصبر هو الثبات على الكتاب والسنة. وقال أبو علي الدقاق: حقيقة الصبر أن لا يعترض على المقدور. والمراد: أن الصبر محمود، ولا يزال صاحبه مستضيئًا مهتديًا مستمرًّا على الصواب.
(7)
أي: تنتفع به إن تلوتَه وعملتَ به، وإلا فهو حجة عليك.
مُوبِقُهَا (1)». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
107 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ (2)، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ (3)، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ (4)» (5). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
108 -
عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ المَرِيضِ (6)، وَاتِّبَاعِ الجِنَازَةِ (7)، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ (8)، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي (9)، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ (10)، ...................................................
(1) معناه: كل إنسان يسعى بنفسه، فمنهم مَن يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب، ومنهم مَن يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها أي: يهلكها. والله أعلم.
(2)
السُّلامى: عظام أصابع اليد والرِّجل، ومعناه: عظام البدن كلها، يريد أن في كل عضو ومفصل من بدنه عليه صدقة.
(3)
أي: يُصلح بينهما بالعدل.
(4)
أي: أن يدل من لا يعرف الطريق عليها.
(5)
وفي حديث آخر من رواية مسلم: «ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى» . أي: يكفي من هذه الصدقات عن هذه الأعضاء ركعتان؛ فإن الصلاة عمل لجميع أعضاء الجسد، فإذا صلى فقد قام كل عضو بوظيفته. والله أعلم.
(6)
أي: زيارته في مرضه.
(7)
أي: الصلاة عليها وتشييعها والمكث إلى الفراغ من دفنها.
(8)
أي: إذا حمد الله أن يقول له: يرحمك الله. فإن لم يحمد لم يشمِّته لتقصيره.
(9)
أي: لوليمة عرس أو غيرها.
(10)
أي: إشاعته وإكثاره وأن يبذله لكل مسلم.
وَنَصْرِ المَظْلُومِ (1)، وَإِبْرَارِ المُقْسِمِ (2). وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ، وَعَنِ الشُّرْبِ فِي الفِضَّةِ، أَوْ قَالَ: آنِيَةِ الفِضَّةِ (3)، وَعَنِ المَيَاثِرِ وَالقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالإِسْتَبْرَقِ (4). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
109 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ (5)، وَقِيلَ: قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. ثَلَاثًا، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ، عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ، أَنْ قَالَ:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، والتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: صَحِيحٌ.
110 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ (6)، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ
(1) أي: يمنع الظالم عن ظلمه وجوبًا على مَن قدر على ذلك بفعله أو قوله، حتى ولو كان المظلوم ذمِّيًّا.
(2)
أي: لو حلف أحد على أمر يُستقبل وأنت تقدر على تصديق يمينه بأن تفعل هذا الأمر، فافعل حتى لا يحنث في يمينه.
(3)
خواتيم الذهب مُحرَّمة على الرجال حلال للنساء. وآنية الفضة مُحرَّمة على الرجال والنساء معًا؛ لأن استعمالها من باب السرف والخيلاء وإضاعة المال.
(4)
المياثر: هي شيء كالفِراش الصغير تُتَّخذ من حرير تُحشَى بقطن أو صوف يجعلها الراكب على البعير تحته. والقسي والديباج والإستبرق: أنواع من الحرير، ولبس الحرير حرام على الرجال، حلال للنساء.
(5)
أي: ذهبوا مسرعين نحوه.
(6)
الولي: المؤمن التقي. «آذنته بالحرب» : أعلمته بأني محارب له، حيث كان محاربًا لي بمعاداة أوليائي.
عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ (1)، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا (2)، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا
(1) قال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (2/ 335): «لما ذكر أن معاداة أوليائه محاربة له، ذكر بعد ذلك وصف أوليائه الذين تحرم معاداتهم، وتجب موالاتهم، فذكر ما يُتقرَّب به إليه، فقسم أولياءه المقربين إلى قسمين: أحدهما: من تقرب إليه بأداء الفرائض، ويشمل ذلك فعل الواجبات، وترك المحرمات؛ لأن ذلك كله من فرائض الله التي افترضها على عباده. وهذه درجة المقتصدين أصحاب اليمين. والثاني: من تقرب إليه بعد الفرائض بالنوافل، وهذه درجة السابقين المقربين، وهم الذين تقربوا إلى الله بعد الفرائض بالاجتهاد في نوافل الطاعات، والانكفاف عن دقائق المكروهات بالورع.
فظهر بذلك أنه لا طريق يوصل إلى التقرب إلى الله تعالى، وولايته، ومحبته سوى طاعته التي شرعها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن ادعى ولاية الله، والتقرب إليه، ومحبته بغير هذه الطريق، تبين أنه كاذب في دعواه، كما كان المشركون يتقربون إلى الله تعالى بعبادة مَن يعبدونه مِن دونه، كما حكى الله عنهم أنهم قالوا:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]، وكما حكى عن اليهود والنصارى أنهم قالوا:{نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] مع إصرارهم على تكذيب رسله، وارتكاب نواهيه، وترك فرائضه» اهـ بتصرف واختصار.
(2)
قال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (2/ 345): «المراد بهذا: أن من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض ثم بالنوافل، قربه إليه، ورقاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله تعالى ومحبته، وعظمته وخوفه ومهابته وإجلاله والأنس به والشوق إليه، حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهدًا له بعين البصيرة. ولا يزال هذا الذي في قلوب المحبين المقربين يقوى حتى تمتلئ قلوبهم به، فلا يبقى في قلوبهم غيره، ولا تستطيع جوارحهم أن تنبعث إلا بموافقة ما في قلوبهم.
فمتى امتلأ القلب بعظمة الله تعالى، محا ذلك من القلب كل ما سواه، ولم يبق للعبد شيء من نفسه وهواه، ولا إرادة إلا لما يريده منه مولاه، فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره، ولا يتحرك إلا بأمره، فإن نطق نطق بالله، وإن سمع سمع به، وإن نظر نظر به، وإن بطش بطش به. ومن أشار إلى غير هذا فإنما يشير إلى الإلحاد من الحلول، أو الاتحاد، والله ورسوله بريئان منه» اهـ باختصار.
فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ (1)». رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
111 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ (2) يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ (3)، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ (4)، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ (5)، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ (6)، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ (7) ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ (8)، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا (9) فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1) قال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (2/ 356): «لما كان الموت شديدًا، والله تعالى قد حتمه على عباده كلهم، ولا بد لهم منه، وهو تعالى يكره أذى المؤمن ومساءته، سُمِّي ذلك تردُّدًا في حق المؤمن» اهـ.
(2)
أي: في ظل عرشه، كما ثبت ذلك في بعض الروايات، وذهب إليه الطحاوي والبيهقي وابن رجب وابن حجر وغيرهم.
(3)
وهو مَن يلي أمور المسلمين من الأمراء وغيرهم فيعدل فيهم.
(4)
خص الشاب؛ لأن العبادة في الشباب أشق؛ لكثرة الدواعي وغلبة الشهوات وقوة البواعث على اتباع الهوى، فملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى.
(5)
كأنه شبهه بمثل القنديل إشارة إلى طول الملازمة بقلبه، فجوزي لدوام محبة ربه وملازمته بيتَه بظل عرشه.
(6)
«ورجلان تحابا في الله» : أي: لله، أو في مرضاته. «اجتمعا عليه» أي: على الحب في الله إن اجتمعا «وتفرقا عليه» أي: على الحب إن تفرقا، يعني: يحفظان الحب في الحضور والغيبة.
(7)
أي: إلى الزنا بها.
(8)
ذكر هذا للمبالغة في إخفاء الصدقة والإسرار بها، وضَرَب المثل باليمين والشمال لقربهما وملازمتهما للإنسان.
(9)
«خاليًا» : أي: من الناس، أو من الرياء، أو مما سوى الله.
112 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَفَّسَ (1) عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ (2)، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ (3)، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ (4)، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ (5)، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ (6)» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
113 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ (7)» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
114 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ
(1) نفَّس: خفَّف.
(2)
أي: من كان له دين على فقير فسهَّل عليه بإمهال أو بترك بعضه أو كله.
(3)
السكينة: الطمأنينة والوقار.
(4)
أي: أحاطت بهم ملائكة الرحمة إلى سماء الدنيا، ورفرفت عليهم الملائكة بأجنحتهم يستمعون الذِّكر.
(5)
أي: أثنى عليهم فيمن عنده من الأنبياء وكرام الملائكة.
(6)
أي: أن العمل هو الذي يبلغ بالعبد درجات الآخرة، فمن أبطأ به عمله أن يبلغ به المنازل العالية عند الله تعالى، لم يُسرع به نسبه، فيُبَلِّغه تلك الدرجات، فإن الله تعالى رتب الجزاء على الأعمال، لا على الأنساب.
(7)
يصمت: يسكت.
عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ (1) يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ (2)، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي (3). فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ (4) فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ:«فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» (5). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1) يلهث: يُخرج لسانه من العطش.
(2)
الثرى: التراب الندي، يأكله من العطش من أجل أن يمص ما فيه من الماء.
(3)
الكلب: مفعول «بلغ» منصوب، وفاعله:«مثل» .
(4)
أي: صعد من قعر البئر.
(5)
معناه: في الإحسان إلى كل حيوان حي بسقيه وإطعامه أجر، وسُمِّي الحي ذا كبد رطبة؛ لأن الميت يجف جسمه وكبده، ففي هذا الحديث: الحث على الإحسان إلى الحيوان المحترم وهو ما لا يؤمر بقتله، فأما المأمور بقتله فيمتثل أمر الشرع في قتله، والمأمور بقتله: كالكافر الحربي، والمرتد، والفواسق الخمس وهي: الحدأة، والعقرب، والغراب، والفأرة، والكلب العقور.