الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتِّباع السنة والجماعة
والتحذير من البدعة والفُرقة
50 -
عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ (1)، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ:«أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ (2)، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا (3)، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ (4)، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» (5). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(1)«موعظة بليغة» : يعني: بلغت إلينا وأثَّرت في قلوبنا. «ذرفت منها العيون» : جرى دمعها. «وجلت منها القلوب» : أي: خافت.
(2)
يعني: لولاة الأمور، ما لم يأمروا بمعصية.
(3)
قال الإمام المباركفوري في «تحفة الأحوذي» (7/ 366): «أي: وإن تأمَّر عليكم عبد حبشي، أي: صار أميرًا أدنى الخلق، فلا تستنكفوا عن طاعته، أو لو استولى عليكم عبد حبشي فأطيعوه مخافة إثارة الفتن» اهـ.
(4)
كناية عن شدة التمسك بها، والنواجذ: الأضراس.
(5)
قال الإمام الآجري في «الأربعين» (ص: 95): «في هذا الحديث علوم كثيرة يحتاج إلى علمها جميع المسلمين ولا يسعهم جهلها:
منها: أنه أمرهم صلى الله عليه وسلم بما أمرهم الله عز وجل بتقواه، ولا يعلمون تقواه إلا بالعلم، قال بعض الحكماء: كيف يكون متقيًا من لا يدري ما يتقي. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا يتَّجر في أسواقنا إلا من قد فقه في دينه، وإلا أكل الربا» . قلت: فعلى جميع المسلمين أن يتقوا الله عز وجل في أداء فرائضه، واجتناب محارمه.
ومنها: أنه أمرهم بالسمع والطاعة لكل من وَلِيَ عليهم من عبد أسود وغير أسود، ولا تكون الطاعة إلا بالمعروف؛ لأنه أعلمهم أنه سيكون اختلاف كثير بين الناس، فأمرهم بلزوم سنته وسنة أصحابه الخلفاء الراشدين المهديين، وحثهم على أن يتمسكوا بها التمسك الشديد، مثل ما يعض الإنسان بأضراسه على الشيء يريد أن لا يفلت منه، فواجب على كل مسلم أن يتبع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعمل شيئًا إلا بسنته وسنة الخلفاء الراشدين بعده: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وكذا لا يخرج عن قول صحابته رحمة الله عليهم، فإنه يرشد إن شاء الله.
ومنها: أنه حذرهم البدع وأعلمهم أنها ضلالة، فكل من عمل عملًا أو تكلم بكلام لا يوافق كتاب الله عز وجل، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين، وقول صحابته رضي الله عنهم فهو بدعة، وهو ضلالة، وهو مردود على قائله أو فاعله.
ومنها: أن عرباض بن سارية قال: «وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب» قلت: فميِّزوا هذا الكلام، لم يقل: صرخنا من موعظة، ولا زعقنا، ولا طرقنا على رءوسنا، ولا ضربنا على صدورنا، ولا رقصنا، كما فعل كثير من الجهال، يصرخون عند المواعظ ويزعقون، وينغاشون، وهذا كله من الشيطان يلعب بهم، وهذا كله بدعة وضلالة.
يقال لمن فعل هذا: اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أصدق الناس موعظة، وأنصح الناس لأمته، وأرق الناس قلبًا، وأصحابه أرق الناس قلوبًا، وخير الناس ممن جاء بعدهم، ولا يشك في هذا عاقل، ما صرخوا عند موعظته، ولا زعقوا، ولا رقصوا، ولو كان هذا صحيحًا لكانوا أحق الناس بهذا أن يفعلوه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه بدعة وباطل ومنكر، فاعلم ذلك. فتمسكوا رحمكم الله بسنته، وسنة الخلفاء من بعده الراشدين المهديين، وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين» اهـ.
51 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» (1). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (2).
(1) أحدث: ابتدع. أمرنا: ديننا. رد: مردود باطل غير معتد به.
(2)
قال الإمام النووي في «شرح مسلم» (12/ 16): «هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات. وفي الرواية الثانية زيادة، وهي أنه قد يعاند بعض الفاعلين في بدعة سُبِق إليها، فإذا احتُجَّ عليه بالرواية الأولى يقول: أنا ما أحدثت شيئا. فيُحتَج عليه بالثانية التي فيها التصريح برد كل المحدثات، سواء أحدثها الفاعل أو سُبِق بإحداثها» اهـ.
52 -
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً» . قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ:«مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي» (1). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْآجُرِّيُّ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ كَثِيرٍ.
53 -
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» (2). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1) قال الإمام الآجري في «الأربعين» (ص: 116): «فالمؤمن العاقل يجتهد أن يكون من هذه الفرقة الناجية، باتباعه لكتاب الله عز وجل، وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم، وسنن أصحابه رحمة الله عليهم، وسنن التابعين بعدهم بإحسان، وقول أئمة المسلمين ممن لا يُستوحش من ذكرهم، مثل: سفيان الثوري، والأوزاعي، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد القاسم بن سلام، ومن كان على طريقهم من الشيوخ، فما أنكروه أنكرناه، وما قبلوه وقالوا به قبلناه وقلنا به، ونبذنا ما سوى ذلك» اهـ.
(2)
ذَكَرَ أئمةُ أهل السنة مثل: يزيد بن هارون، وعبد الله بن المبارك، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وابن حبان، والحاكم، واللالكائي، والخطيب البغدادي: أن المقصود بهذه الطائفة القائمة بأمر الله الناجية المنصورة: «أهل الحديث» . وليس المقصود بـ «أهل الحديث» المحدثين المعتنين بسماع الحديث وكتابته وروايته، بل المعنى أوسع من هذا، فكل من كان متبعًا لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح في الاعتقاد والعبادات والمعاملات والأخلاق فهو من أهل الحديث، سواء كان محدثًا أو فقيهًا أو مفسرًا أو مجاهدًا أو غير ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (3/ 347): «وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية: أهل الحديث والسنة؛ الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزًا بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها، وأهل معرفة بمعانيها، واتباعًا لها: تصديقًا وعملًا وحبًّا وموالاة لمن والاها ومعاداة لمن عاداها، الذين يردون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم وجُمَل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول، بل يجعلون ما بُعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه.
وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك يردونه إلى الله ورسوله، ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف؛ فما كان من معانيها موافقًا للكتاب والسنة أثبتوه؛ وما كان منها مخالفًا للكتاب والسنة أبطلوه؛ ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس؛ فإن اتباع الظن جهل، واتباع هوى النفس بغير هدًى من الله ظلم» اهـ.