الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ السَّلَمِ
هُوَ بَيْعُ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ
ــ
[مغني المحتاج]
[كِتَابُ السَّلَمِ]
(كِتَابُ السَّلَمِ) وَيُقَالُ لَهُ السَّلَفُ، يُقَالُ: أَسْلَمَ وَسَلَّمَ، وَأَسْلَفَ وَسَلَّفَ، وَالسَّلَمَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالسَّلَفُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، سُمِّيَ سَلَمًا لِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ، وَسَلَفًا لِتَقْدِيمِ رَأْسِ الْمَالِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - نَزَلَتْ فِي السَّلَمِ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (هُوَ بَيْعُ) شَيْءٍ (مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ) ، قَالَ
يُشْتَرَطُ لَهُ مَعَ شُرُوطِ الْبَيْعِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ أُطْلِقَ ثُمَّ عَيَّنَ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ.
وَلَوْ أَحَالَ بِهِ
ــ
[مغني المحتاج]
الشَّارِحُ: هَذِهِ خَاصَّتُهُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا: أَيْ وَأَمَّا لَفْظُ السَّلَمِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يَخْتَصُّ بِصِيغَةٍ إلَّا هَذَا وَالنِّكَاحُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِ السَّلَمِ بَيْعًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إسْلَامُ الْكَافِرِ فِي الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ صَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ صِحَّتَهُ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ، وَمِثْلُ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ الرَّقِيقُ الْمُرْتَدُّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْبَيْعِ (يُشْتَرَطُ لَهُ مَعَ شُرُوطِ الْبَيْعِ) الْمُتَوَقِّفِ صِحَّتُهُ عَلَيْهَا غَيْرُ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ سَلَمَ الْأَعْمَى يَصِحُّ كَمَا مَرَّ لِيَصِحَّ هُوَ أَيْضًا (أُمُورٌ) سِتَّةٌ:(أَحَدُهَا - تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ) وَهُوَ الثَّمَنُ (فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَبْلَ لُزُومِهِ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ كَالتَّفَرُّقِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْخِيَارِ إذْ لَوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ فِي مَعْنَى بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ؛ وَلِأَنَّ فِي السَّلَمِ غَرَرًا فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرُ تَأْخِيرِ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا بُدَّ مِنْ حُلُولِ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَالصَّرْفِ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ شَرْطُ تَسْلِيمِهِ فِي الْمَجْلِسِ، فَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَلْزَمَاهُ بَطَلَ الْعَقْدُ، أَوْ قَبْلَ تَسْلِيمِ بَعْضِهِ بَطَلَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ، وَفِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَصَحَّ فِي الْبَاقِي بِقِسْطِهِ قَالَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ فَيَتْلَفُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْأَنْوَارِ وَإِنْ جَزَمَ السُّبْكِيُّ بِخِلَافِهِ. وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ: أَقَبَضْتُكَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ: قَبْلَهُ، وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَعَ مُوَافَقَتِهَا الظَّاهِرَ نَاقِلَةٌ، وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحِبَةٌ وَلَا يَكْفِي قَبْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ الْحَالِّ فِي الْمَجْلِسِ عَنْ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ فِيهِ تَبَرُّعٌ، وَأَحْكَامُ الْبَيْعِ لَا تُبْنَى عَلَى التَّبَرُّعَاتِ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَسْلَمْت إلَيْك الْمِائَةَ الَّتِي فِي ذِمَّتُك مَثَلًا فِي كَذَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ، وَهُوَ كَذَلِكَ (فَلَوْ أَطْلَقَ) كَأَسْلَمْتُ إلَيْكَ دِينَارًا فِي ذِمَّتِي فِي كَذَا (ثُمَّ عَيَّنَ) الدِّينَارَ (وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ) قَبْلَ التَّخَايُرِ (جَازَ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ حَرِيمُ الْعَقْدِ فَلَهُ حُكْمُهُ، فَإِنْ تَفَرَّقَا أَوْ تَخَايَرَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ.
(وَلَوْ أَحَالَ) الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ (بِهِ) أَيْ
وَقَبَضَهُ الْمُحَالُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا.
وَلَوْ قَبَضَهُ وَأُودَعَهُ الْمُسْلِمُ جَازَ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مَنْفَعَةً،
ــ
[مغني المحتاج]
رَأْسِ الْمَالِ (وَقَبَضَهُ الْمُحَالُ) وَهُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (فِي الْمَجْلِسِ فَلَا) يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَذِنَ فِي قَبْضِهِ الْمُحِيلُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ بِالْحَوَالَةِ يَتَحَوَّلُ الْحَقُّ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَهُوَ يُؤَدِّيهِ عَنْ جِهَةِ نَفْسِهِ لَا عَنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِ، نَعَمْ إنْ قَبَضَهُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ قَبْضِهِ بِإِذْنِهِ وَسُلِّمَ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، وَإِنْ أَمَرَهُ الْمُسْلِمُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَفَعَلَ لَمْ يَكْفِ لِصِحَّةِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي إزَالَةِ مِلْكِهِ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ، لَكِنْ يَصِيرُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَكِيلًا لِلْمُسْلِمِ فِي قَبْضِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ السَّلَمُ يَقْتَضِي قَبْضًا آخَرَ، وَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ جَرَتْ الْحَوَالَةُ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَإِنْ جَعَلْنَا الْحَوَالَةَ قَبْضًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ، وَلِهَذَا لَا يَكْفِي عَنْهُ الْإِبْرَاءُ، نَعَمْ إنْ أَمَرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْمُسْلِمَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُحْتَالِ فَفَعَلَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ الْقَبْضُ وَكَانَ الْمُحْتَالُ وَكِيلًا فِيهِ عَنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى خِلَافِ مَا مَرَّ فِي إحَالَةِ الْمُسْلِمِ، وَالْفَرْقُ مَا وَجَّهُوا بِهِ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ يُقْبَضُ عَنْ غَيْرِ جِهَةِ السَّلَمِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَالْحَوَالَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ فَاسِدَةٌ لِتَوَقُّفِ صِحَّتِهَا عَنْ صِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْمُحَالِ بِهِ وَعَلَيْهِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ؛ وَلِأَنَّ صِحَّتَهَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ السَّلَمِ بِغَيْرِ قَبْضٍ حَقِيقِيٍّ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَقَبَضَهُ الْمُحَالُ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ غَايَةً، فَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَأَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، فَلَوْ قَالَ: وَإِنْ قَبَضَ كَانَ أَوْلَى، وَلَوْ صَالَحَ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ.
وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ رَقِيقًا فَأَعْتَقَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا، ثُمَّ إنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ الْقَبْضِ بَانَ صِحَّةُ الْعَقْدِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَنَفَذَ الْعِتْقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَفَّارِ الْقَزْوِينِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ صَحَّحَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحِجَازِيُّ فِي مُخْتَصَرِهَا، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَلَوْ كَانَ الرَّقِيقُ يَعْتِقُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، فَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ الصِّحَّةُ إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَإِلَّا فَلَا (وَلَوْ قَبَضَهُ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ (وَأُودَعَهُ الْمُسْلِمُ) قَبْلَ التَّفَرُّقِ (جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تَسْتَدْعِي لُزُومَ الْمِلْكِ، وَكَذَا يَجُوزُ لَوْ رَدَّهُ إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرِّبَا وَصَحَّحَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ هُنَا كَالْبَغَوِيِّ خِلَافًا لِمَا نَقَلَاهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ هُنَا وَأَقَرَّاهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْآخَرِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا كَانَ مَعَ غَيْرِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ تَقْتَضِي إسْقَاطَ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْخِيَارِ، أَمَّا مَعَهُ فَيَصِحُّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ إجَازَةً مِنْهُمَا (وَيَجُوزُ كَوْنُهُ) أَيْ رَأْسِ الْمَالِ (مَنْفَعَةً) مَعْلُومَةً كَمَا يَجُوزُ جَعْلُهَا ثَمَنًا أَوْ
وَتُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ.
وَإِذَا فُسِخَ السَّلَمُ وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ اسْتَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ، وَقِيلَ: لَلْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهِ إنْ عَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ الْعَقْدِ، وَرُؤْيَةُ رَأْسِ الْمَالِ تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ.
الثَّانِي كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا فَلَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك هَذَا الثَّوْبَ
ــ
[مغني المحتاج]
أُجْرَةً وَصَدَاقًا (وَتُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ اكْتَفَى بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ فِي قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا، وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ رَأْسُ الْمَالِ عَقَارًا غَائِبًا وَمَضَى فِي الْمَجْلِسِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُضِيُّ إلَيْهِ وَالتَّخْلِيَةُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ بِذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مُتَعَلِّقَةً بِبَدَنِهِ كَتَعْلِيمِ سُورَةٍ وَخِدْمَةِ شَهْرٍ صَحَّ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ فَبَحَثَهُ، لَكِنْ اسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ. ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَا اسْتَثْنَاهُ مَرْدُودٌ إذْ لَا يُمْكِنُهُ إخْرَاجُ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ.
(وَإِذَا فُسِخَ السَّلَمُ) بِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ كَانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ حُلُولِهِ (وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ) لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ ثَالِثٍ (اسْتَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ) وَلَيْسَ لَلْمُسْلَمِ إلَيْهِ إبْدَالُهُ، سَوَاءٌ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الذِّمَّةِ ثُمَّ عُيِّنَ فِي الْمَجْلِسِ (وَقِيلَ: لَلْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهِ إنْ عَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ الْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْ عَيْنَهُ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ بِمَثَابَةِ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ. أَمَّا إذَا كَانَ تَالِفًا فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ بَدَلَهُ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ، وَلَوْ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي الذِّمَّةِ حُمِلَ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبٌ بَيَّنَ النَّقْدَ الْمُرَادَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ أَسْلَمَ عَرْضًا فِي الذِّمَّةِ وَجَبَ ذِكْرُ قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ (وَرُؤْيَةُ رَأْسِ الْمَالِ) الْمِثْلِيِّ (تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ) كَالثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنْ اتَّفَقَ فُسِخَ وَتَنَازَعَا فِي الْقَدْرِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَالثَّانِي: لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ بِالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ أَوْ الْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَالذَّرْعُ فِي الْمَذْرُوعِ مَرْجُوحٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ وَيَنْفَسِخُ السَّلَمُ فَلَا يَدْرِي بِمَ يَرْجِعُ، وَاعْتُرِضَ بِإِتْيَانِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ. أَمَّا رَأْسُ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ فَتَكْفِي رُؤْيَتُهُ عَنْ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ قَطْعًا، وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا تَفَرَّقَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْقَدْرِ وَالْقِيمَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ السَّلَمِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ.
(الثَّانِي) مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْرُوطَةِ (كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ السَّلَمِ مَوْضُوعٌ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ الدَّيْنِيَّةِ دَاخِلَةٌ فِي حَقِيقَةِ السَّلَمِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ جَعْلُهَا شَرْطًا؟ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ خَارِجٌ عَنْ الْمَشْرُوطِ. .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ يُرِيدُونَ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، فَيَتَنَاوَلُ حِينَئِذٍ جُزْءَ الشَّيْءِ (فَلَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك هَذَا الثَّوْبَ
فِي هَذَا الْعَبْدِ فَلَيْسَ بِسَلَمٍ وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَقَالَ بِعْتُكَ انْعَقَدَ بَيْعًا وَقِيلَ سَلَمًا.
الثَّالِثُ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ، أَوْ يَصْلُحُ وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ اُشْتُرِطَ بَيَانُ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ وَإِلَّا فَلَا.
ــ
[مغني المحتاج]
فِي هَذَا الْعَبْدِ) فَقَبِلَ (فَلَيْسَ بِسَلَمٍ) قَطْعًا لِانْتِفَاءِ الدَّيْنِيَّةِ (وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا فِي الْأَظْهَرِ) لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ، فَإِنَّ اسْمَ السَّلَمِ يَقْتَضِي الدَّيْنِيَّةَ، وَالدَّيْنِيَّةُ مَعَ التَّعْيِينِ يَتَنَاقَضَانِ، وَالثَّانِي: يَنْعَقِدُ بَيْعًا نَظَرًا لِلْمَعْنَى (وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْك ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَقَالَ: بِعْتُكَ انْعَقَدَ بَيْعًا) اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي الشَّرْحَيْنِ هُنَا بِتَرْجِيحٍ (وَقِيلَ سَلَمًا) اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى، وَاللَّفْظُ لَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ سَلَمٍ بَيْعٌ كَمَا أَنَّ كُلَّ صَرْفٍ بَيْعٌ، فَإِطْلَاقُ الْبَيْعِ عَلَى السَّلَمِ إطْلَاقٌ لَهُ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ، وَنَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّهُ وَجْهٌ صَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْفَتْوَى عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَهُ لَفْظُ السَّلَمِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ سَلَمًا أَوْ اشْتَرَيْته سَلَمًا فَسَلَمٌ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
تَنْبِيهٌ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْمَسْأَلَةَ بِالدَّرَاهِمِ الْمُعَيَّنَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ لَوْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ كَانَتْ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ أَيْضًا.
(الثَّالِثُ)، مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْرُوطَةِ: مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: (الْمَذْهَبُ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ أَوْ يَصْلُحُ وَلِحَمْلِهِ) أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ (مُؤْنَةٌ اُشْتُرِطَ بَيَانُ مَحَلِّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ: أَيْ: مَكَانِ (التَّسْلِيمِ) لَلْمُسْلَمِ فِيهِ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ فِيمَا يُرَادُ مِنْ الْأَمْكِنَةِ فِي ذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ صَلَحَ التَّسْلِيمُ وَلَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ (فَلَا) يُشْتَرَطُ مَا ذُكِرَ وَيَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ لِلْعُرْفِ، وَيَكْفِي فِي تَعْيِينِهِ أَنْ يَقُولَ: تُسَلِّمْ لِي فِي بَلْدَةِ كَذَا إلَّا أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ، وَيَكْفِي إحْضَارُهُ فِي أَوَّلِهَا، وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ إلَى مَنْزِلِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَيُّ الْبِلَادِ شِئْتَ فَسَدَ أَوْ فِي أَيِّ مَكَان شِئْتَ مِنْ بَلَدِ كَذَا، فَإِنْ اتَّسَعَ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ، أَوْ بِبَلَدِ كَذَا وَبَلَدِ كَذَا فَهَلْ يَفْسُدُ أَوْ يَصِحُّ، وَيُنَزَّلُ عَلَى تَسْلِيمِ النِّصْفِ بِكُلِّ بَلَدٍ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الشَّاشِيُّ الْأَوَّلُ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ فِي بَلَدِ كَذَا وَتَسْلِيمِهِ فِي شَهْرِ كَذَا حَيْثُ لَا يَصِحُّ اخْتِلَافُ الْغَرَضِ فِي الزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ سِتَّةُ طُرُقٍ ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ، فَلْيَنْظُرْهَا فِي شَرْحِهِ مَنْ أَرَادَ، وَمَتَى شَرَطْنَا التَّعْيِينَ فَتَرَكَهُ
وَيَصِحُّ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا فَإِنْ أَطْلَقَ انْعَقَدَ حَالًّا، وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ.
وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْأَجَلِ.
ــ
[مغني المحتاج]
بَطَلَ، وَحَيْثُ لَمْ نَشْرِطْهُ فَذِكْرُهُ تَعَيَّنَ، فَلَوْ عَيَّنَ مَكَانًا فَخَرِبَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَخَرَجَ عَنْ صَلَاحِيَةِ التَّسْلِيمِ تَعَيَّنَ أَقْرَبُ مَوْضِعٍ صَالِحٍ لَهُ إلَيْهِ عَلَى الْأَقْيَسِ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ. أَمَّا الْحَالُّ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ. نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرَ صَالِحٍ لِلتَّسْلِيمِ اُشْتُرِطَ الْبَيَانُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَإِنْ عَيَّنَا غَيْرَهُ تَعَيَّنَ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ فَقَبِلَ شَرْطًا يَتَضَمَّنُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَالْمُرَادُ بِمَوْضِعِ الْعَقْدِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ لَا نَفْسُ مَوْضِعِ الْعَقْدِ، وَالثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ كَالْبَيْعِ الْمُعَيَّنِ، وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: كُلُّ عِوَضٍ مُلْتَزَمٍ فِي الذِّمَّةِ: أَيْ غَيْرُ مُؤَجَّلٍ مِنْ نَحْوِ أُجْرَةٍ وَصَدَاقٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ لَهُ حُكْمُ السَّلَمِ الْحَالِّ، إنْ عُيِّنَ لِتَسْلِيمِهِ مَكَانٌ تَعَيَّنَ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِوَضٍ مُلْتَزَمٌ فِي الذِّمَّةِ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَقْبَلُ شَرْطًا يَتَضَمَّنُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ كَمَا مَرَّ.
(وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (حَالًّا وَمُؤَجَّلًا) بِأَنْ يُصَرِّحَ بِهِمَا. أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَبِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْحَالُّ فَبِالْأَوْلَى لِبُعْدِهِ عَنْ الْغَرَرِ، فَإِنْ قِيلَ: الْكِتَابَةُ لَا تَصِحُّ بِالْحَالِّ وَتَصِحُّ بِالْمُؤَجَّلِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَجَلَ فِيهَا إنَّمَا وَجَبَ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الرَّقِيقِ، وَالْحُلُولُ يُنَافِي ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْعِلْمُ بِالْأَجَلِ، لَا الْأَجَلُ كَمَا فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بِدَلِيلِ الْجَوَازِ بِالذَّرْعِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ حَالًّا إذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ، وَإِلَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ الْأَجَلُ كَالْكِتَابَةِ، وَلَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَجَلُ غَيْرُهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ الْعُدُولِ مِنْ الْبَيْعِ إلَى السَّلَمِ الْحَالِّ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ جَوَازُ الْعَقْدِ مَعَ غَيْبَةِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ الْمَبِيعَ قَدْ لَا يَكُونُ حَاضِرًا مَرْئِيًّا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَإِنْ أَخَّرَهُ لِإِحْضَارِهِ رُبَّمَا فَاتَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْفِسَاخِ إذْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ، (فَإِنْ أَطْلَقَ) عَنْ الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ وَكَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا (انْعَقَدَ حَالًّا) كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالْأُجْرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا لَمْ يَصِحَّ (وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ فِي السَّلَمِ التَّأْجِيلُ فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ كَمَا لَوْ ذَكَرَ أَجَلًا مَجْهُولًا وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَلْحَقَا بِهِ أَجَلًا فِي الْمَجْلِسِ لَحِقَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا يَجُوزُ تَعْيِينُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ، وَلَوْ صَرَّحَا بِالْأَجَلِ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ أَسْقَطَاهُ فِي الْمَجْلِسِ سَقَطَ وَصَارَ الْعَقْدُ حَالًّا، وَلَوْ حَذَفَا فِيهِ الْمُفْسِدَ لَمْ يَنْقَلِبْ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ صَحِيحًا.
(وَيُشْتَرَطُ) فِي الْمُؤَجَّلِ (الْعِلْمُ بِالْأَجَلِ) بِأَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مَضْبُوطًا فَلَا يَجُوزُ بِمَا يَخْتَلِفُ كَالْحَصَادِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ وَالْمَيْسَرَةِ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ أَوَّلَ الْبَابِ، وَلَا يَصِحُّ
فَإِنْ عَيَّنَ شُهُورَ الْعَرَبِ أَوْ الْفُرْسِ أَوْ الرُّومِ جَازَ.
وَإِنْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى الْهِلَالِيِّ، فَإِنْ انْكَسَرَ شَهْرٌ حَسِبَ الْبَاقِيَ بِالْأَهِلَّةِ وَتُمِّمَ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ،
ــ
[مغني المحتاج]
التَّأْقِيتُ بِالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَالْعَطَاءِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْعَاقِدَانِ وَقْتَهَا الْمُعَيَّنَ فَيَصِحُّ.
(فَإِنْ عَيَّنَ) الْعَاقِدَانِ (شُهُورَ الْعَرَبِ أَوْ الْفُرْسِ أَوْ الرُّومِ جَازَ) ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مَضْبُوطَةٌ وَيَصِحُّ التَّأْقِيتُ بِالنَّيْرُوزِ وَهُوَ نُزُولُ الشَّمْسِ بُرْجَ الْمِيزَانِ، وَبِالْمِهْرَجَانِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَقْتُ نُزُولِهَا بُرْجَ الْحَمَلِ، وَبِعِيدِ الْكُفَّارِ كَفَصْحِ النَّصَارَى وَفَطِيرِ الْيَهُودِ إنْ عَرَفَهَا الْمُسْلِمُونَ، وَلَوْ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ أَوْ الْمُتَعَاقِدَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَصَّ الْكُفَّارُ بِمَعْرِفَتِهَا إذْ لَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُمْ. نَعَمْ إنْ كَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ جَازَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِقَوْلِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اكْتَفَى هُنَا بِمَعْرِفَةِ الْعَاقِدَيْنِ الْأَجَلَ أَوْ مَعْرِفَةِ عَدْلَيْنِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي صِفَاتِ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي؟ .
أُجِيبَ: الْجَهَالَةُ هُنَا رَاجِعَةٌ إلَى الْأَجَلِ وَهُنَاكَ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَجَازَ أَنْ يُحْتَمَلَ هُنَا مَا لَا يُحْتَمَلُ هُنَاكَ.
(وَإِنْ أَطْلَقَ) الشَّهْرَ (حُمِلَ عَلَى الْهِلَالِيِّ) وَهُوَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عُرْفُ الشَّرْعِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ أَوَّلَ الشَّهْرِ (فَإِنْ انْكَسَرَ شَهْرٌ) بِأَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي أَثْنَائِهِ، وَالتَّأْجِيلُ بِأَشْهُرٍ (حُسِبَ الْبَاقِي) بَعْدَ الْأَوَّلِ الْمُنْكَسِرِ (بِالْأَهِلَّةِ وَتُمِّمَ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ) مِمَّا بَعْدَهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْهِلَالِيُّ فِي الْمُنْكَسِرِ رَجَعْنَا إلَى الْعَدَدِ وَلَا يَكْفِي الْمُنْكَسِرُ لِئَلَّا يَتَأَخَّرَ ابْتِدَاءُ الْأَجَلِ عَنْ الْعَقْدِ. نَعَمْ لَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ اكْتَفَى بِالْأَشْهُرِ بَعْدَهُ بِالْأَهِلَّةِ تَامَّةً كَانَتْ أَوْ نَاقِصَةً وَلَا يُكْمَلُ الْيَوْمُ مِمَّا بَعْدَهَا إنْ نَقَصَ آخِرُهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهَا مَضَتْ عَرَبِيَّةً كَوَامِلَ، وَالسَّنَةُ الْمُطْلَقَةُ تُحْمَلُ عَلَى الْهِلَالِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا عُرْفُ الشَّرْعِ. قَالَ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] فَإِنْ عُقِدَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ وَفِي مَعْنَاهُ لَيْلَتُهُ، فَكُلُّ السَّنَةِ هِلَالِيَّةٌ إنْ نَقَصَ الشَّهْرُ الْأَخِيرُ، وَإِنْ كَمُلَ انْكَسَرَ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ الَّذِي عَقَدَا فِيهِ، فَيُكْمَلُ مِنْهُ الْمُنْكَسِرُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْهِلَالِ فِيهِ دُونَ الْبَقِيَّةِ وَإِنْ عَقَدَا بَعْدَ لَحْظَةٍ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَأَجَّلَا بِسَنَةٍ مَثَلًا فَهُوَ مُنْكَسِرٌ وَحْدَهُ، فَيُكْمَلُ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ أَجَّلَا بِسَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبْعُ يَوْمٍ إلَّا جُزْءًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْ يَوْمٍ أَوَّلُهَا الْحَمَلُ، وَرُبَّمَا جُعِلَ النَّيْرُوزُ. أَوْ رُومِيَّةٍ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبْعُ يَوْمٍ. أَوْ فَارِسِيَّةٍ: وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَيُزَادُ فِي الْآخَرِ خَمْسَةٌ صَحَّ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مَضْبُوطَةٌ، وَلَوْ قَالَا إلَى يَوْمِ كَذَا أَوْ شَهْرِ كَذَا أَوْ سَنَةِ كَذَا حَلَّ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَا فِي يَوْمِ كَذَا أَوْ شَهْرِ كَذَا أَوْ سَنَةِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ قَالَا إلَى أَوَّلِ شَهْرِ