المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في بيان أنواع من الإقرار وبيان صحة الاستثناء] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٣

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌فَصْلٌ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَدَاءِ غَيْر الْمُسْلِم فِيهِ عَنْهُ وَوَقْتِ أَدَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَمَكَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ]

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌فَصْلٌ شَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى لُزُومِ الرَّهْنِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا جنى الْمَرْهُونُ جِنَايَةً تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ]

- ‌كِتَابُ التَّفْلِيسِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُفْعَلُ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الْمُعَامِلِ لِلْمُفْلِسِ عَلَيْهِ بِمَا عَامَلَهُ بِهِ وَلَمْ يَقْبِضْ عِوَضَهُ]

- ‌بَابُ الْحَجْرِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ يَلِي الصَّبِيَّ مَعَ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ]

- ‌بَابُ الصُّلْحِ

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ]

- ‌بَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌بَابُ الضَّمَانِ

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الصِّيغَةِ]

- ‌كتاب الشركة

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَكَالَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَكَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِغَيْرِ أَجَلٍ وَمَا يَتْبَعُهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ]

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الصِّيغَةِ]

- ‌فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْإِقْرَارِ وَبَيَانِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ]

- ‌[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رد الْعَارِيَّةِ]

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌[فَرْعٌ حَلَّ رِبَاطًا عَنْ عَلَفٍ فِي وِعَاءٍ فَأَكَلَتْهُ فِي الْحَالِ بَهِيمَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يُضْمَنُ بِهِ الْمَغْصُوبُ وَغَيْرُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ وَضَمَانِ نَقْصِ الْمَغْصُوبِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَطْرَأُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْ زِيَادَةٍ وَغَيْرِهَا]

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الشِّقْصُ وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مَعَ مَا يَأْتِي مَعَهُمَا]

- ‌كِتَابُ الْقِرَاضِ

- ‌[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقِرَاضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْقِرَاضَ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْقُرَبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى مُكْرِي دَارٍ وَدَابَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي تُقَدَّرُ الْمَنْفَعَةُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ وَمَا يَقْتَضِيهِمَا]

- ‌كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْأَرْضِ]

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ اللَّفْظِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ الْمَعْنَوِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ النَّظَرِ عَلَى الْوَقْفِ وَشَرْطِ النَّاظِرِ وَوَظِيفَتِهِ]

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْمُلْتَقَطِ]

- ‌[فَصْلٌ وَيَذْكُرُ نَدْبًا بَعْضَ أَوْصَافِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُمْلَكُ بِهِ اللُّقَطَةُ]

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ أَوْ كُفْرِهِ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرِقِّ اللَّقِيطِ وَحُرِّيَّتِهِ وَاسْتِلْحَاقِهِ]

- ‌كِتَابُ الْجَعَالَةِ

الفصل: ‌[فصل في بيان أنواع من الإقرار وبيان صحة الاستثناء]

أَوْ الْحِسَابَ فَعَشَرَةٌ وَإِلَّا فَدِرْهَمٌ.

فَصْلٌ قَالَ: لَهُ عِنْدِي سَيْفٌ فِي غِمْدٍ أَوْ ثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ لَا يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ، أَوْ غِمْدٌ فِيهِ سَيْفٌ أَوْ صُنْدُوقٌ فِيهِ ثَوْبٌ لَزِمَهُ الظَّرْفُ وَحْدَهُ،

ــ

[مغني المحتاج]

آخَرَ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمَعِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، فَإِذَا أَطْلَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دِرْهَمٌ، فَحَصَلَ الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا وُجُوبَ أَحَدَ عَشَرَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ دِرْهَمٌ، وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْعَشَرَةِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ دِرْهَمٌ، فَإِنَّ الْأَلْفَ مُبْهَمَةٌ وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهَا إلَيْهِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ فِيهِ عَطْفُ الدِّرْهَمِ عَلَى الْأَلْفِ وَالْأَلْفُ مُبْهَمٌ، وَهَهُنَا بِالْعَكْسِ، فَإِنَّ عَطْفَ الْعَشَرَةِ تَقْدِيرًا عَلَى الدِّرْهَمِ، وَالدِّرْهَمُ غَيْرُ مُبْهَمٍ، فَكَانَتْ الْعَشَرَةُ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مُشَارَكَةُ الْمَعْطُوفِ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ،

وَأُجِيبَ أَيْضًا بِمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ لَكِنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ لَهُ إرَادَةٌ (أَوْ) أَرَادَ (الْحِسَابَ) وَهُوَ يَعْرِفُهُ (فَعَشَرَةٌ) تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ عِنْدَهُمْ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الْحِسَابُ فَدِرْهَمٌ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ مَا يُرِيدُهُ الْحُسَّابُ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ الصَّحِيحُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُرِدْ الْمَعِيَّةَ وَلَا الْحِسَابَ، وَأَرَادَ الظَّرْفَ (فَدِرْهَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْإِقْرَارِ وَبَيَانِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ]

فَصْلٌ فِي بَيَان أَنْوَاعٍ مِنْ الْإِقْرَارِ مَعَ ذِكْرِ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ وَبَيَانِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: لَوْ (قَالَ: لَهُ عِنْدِي سَيْفٌ فِي غِمْدٍ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (أَوْ ثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ) بِضَمِّ الصَّادِ (لَا يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِهِ، إذْ الظَّرْفُ غَيْرُ الْمَظْرُوفِ، وَالْإِقْرَارُ يَعْتَمِدُ الْيَقِينَ (أَوْ غِمْدٌ فِيهِ سَيْفٌ، أَوْ صُنْدُوقٌ فِيهِ ثَوْبٌ لَزِمَهُ الظَّرْفُ وَحْدَهُ) لَا الْمَظْرُوفُ لِمَا مَرَّ، وَهَكَذَا كُلُّ ظَرْفٍ وَمَظْرُوفٍ لَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِأَحَدِهِمَا إقْرَارًا بِالْآخَرِ، فَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ فِي بَطْنِهَا حَمْلٌ أَوْ خَاتَمٌ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ فَصٌّ أَوْ دَابَّةٌ فِي حَافِرِهَا نَعْلٌ أَوْ قَمْقَمَةٌ عَلَيْهَا عُرْوَةٌ أَوْ فَرَسٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ لَزِمَتْهُ الْجَارِيَةُ وَالدَّابَّةُ وَالْقَمْقَمَةُ وَالْفَرَسُ لَا الْحَمْلُ وَالنَّعْلُ وَالْعُرْوَةُ وَالسَّرْجُ، وَلَوْ عَكَسَ عُكِسَ الْحُكْمُ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ، وَأَطْلَقَ، وَكَانَتْ حَامِلًا لَمْ يَدْخُلْ الْحَمْلُ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ كَمَا مَرَّ، وَرُبَّمَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ لَهُ دُونَ الْحَمْلِ بِأَنْ كَانَ مُوصًى بِهِ، وَلِهَذَا لَوْ

ص: 291

أَوْ عَبْدٌ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ لَمْ تَلْزَمْهُ الْعِمَامَةُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ دَابَّةٌ بِسَرْجِهَا أَوْ ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ.

وَلَوْ قَالَ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ فَهُوَ إقْرَارٌ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ،

ــ

[مغني المحتاج]

قَالَ: هَذِهِ الدَّابَّةُ لِفُلَانٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا إلَّا حَمْلَهَا لَمْ يَصِحَّ، وَالشَّجَرَةُ كَالْجَارِيَةِ، وَالثَّمَرُ كَالْحَمْلِ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي خَاتَمٌ، وَكَانَ فِيهِ فَصٌّ دَخَلَ فِي الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ الْخَاتَمَ يَتَنَاوَلُهُ، فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ الْفَصَّ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ فِي خَاتَمٍ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ فَصٌّ كَمَا مَرَّ لِقَرِينَةِ الْوَصْفِ الْمَوْقِعِ فِي الشَّكِّ (أَوْ) قَالَ: لَهُ عِنْدِي (عَبْدٌ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا (لَمْ تَلْزَمْهُ الْعِمَامَةُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَهُ يَدٌ عَلَى مَلْبُوسِهِ وَيَدُهُ كَيَدِ سَيِّدِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ: إذْ الضَّابِطُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ: أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْبَيْعِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِقْرَارِ، وَمَا لَا فَلَا إلَّا الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ وَالْحَمْلَ وَالْجِدَارَ، فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَلَا تَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ لِبِنَائِهِ عَلَى الْيَقِينِ، وَبِنَاءُ الْبَيْعِ عَلَى الْعُرْفِ، (أَوْ) قَالَ لَهُ: عِنْدِي (دَابَّةٌ بِسَرْجِهَا) أَوْ عَبْدٌ بِعِمَامَتِهِ (أَوْ ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ (لَزِمَهُ الْجَمِيعُ) ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا مَرَّ، وَالطِّرَازُ جُزْءٌ مِنْ الْمُطَرَّزِ، وَإِنْ رُكِّبَ عَلَيْهِ بَعْدَ نَسْجِهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَيْهِ طِرَازٌ كَقَوْلِهِ مُطَرَّزٌ. اهـ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ يَظْهَرُ عَدَمُ اللُّزُومِ. اهـ.

أَيْ: كَخَاتَمٍ عَلَيْهِ فَصٌّ، وَهَذَا أَوْلَى، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي هَذَا الْكِيسِ لَزِمَهُ أَلْفٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ لِاقْتِضَاءِ عَلَيَّ اللُّزُومَ، وَلَا نَظَرَ إلَى مَا عَقَّبَ بِهِ، فَإِنْ وُجِدَ فِيهِ دُونَ الْأَلْفِ لَزِمَهُ تَمَامُ الْأَلْفِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ الْأَلْفُ الَّذِي فِي الْكِيسِ فَلَا تَتْمِيمَ لَوْ نَقَصَ، وَلَا يَغْرَمُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَفَرَّقَ أَيْضًا بَيْنَ الْمُنْكَرِ وَالْمُعَرَّفِ، بِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمُنْكَرِ الْمَوْصُوفِ فِي قُوَّةِ خَبَرَيْنِ، فَأَمْكَنَ قَبُولُ أَحَدِهِمَا، وَإِلْغَاءُ الْآخَرِ وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْمُعَرَّفِ الْمَوْصُوفِ يَعْتَمِدُ الصِّفَةَ، فَإِذَا كَانَتْ مُسْتَحِيلَةً بَطَلَ الْخَبَرُ كُلُّهُ.

(وَلَوْ قَالَ) : لَهُ (فِي مِيرَاثِ أَبِي) أَوْ مِنْ مِيرَاثِ أَبِي (أَلْفٌ) أَيْ: أَلْفُ دِرْهَمٍ (فَهُوَ إقْرَارٌ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ) . فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ أَيْضًا بِالْوَصِيَّةِ وَالرَّهْنِ عَنْ دَيْنِ الْغَيْرِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَلْفٌ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُفَسَّرَ بِذَلِكَ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ إقْرَارٌ بِتَعَلُّقِ الْأَلْفِ بِعُمُومِ الْمِيرَاثِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْخُصُوصِ بِتَفْسِيرِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُفَسَّرَ بِجِنَايَتِهِ أَوْ رَهْنِهِ مَثَلًا لَوْ تَلِفَ ضَاعَ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْأَوَّلِ، وَانْقَطَعَ حَقُّ تَعَلُّقِهِ بِعَيْنٍ مِنْ التَّرِكَةِ فِي الثَّانِي، فَيَصِيرُ كَالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِمَا يُرْفَعُ

ص: 292

وَلَوْ قَالَ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ، فَهُوَ وَعْدُ هِبَةٍ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ.

فَإِنْ قَالَ: وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ وَلَوْ قَالَ: لَهُ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ بِالْأَوَّلَيْنِ دِرْهَمَانِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَأْكِيدَ الثَّانِي لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ

ــ

[مغني المحتاج]

كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ فَسَّرَ هُنَا بِمَا يَعُمُّ الْمِيرَاثَ، وَأَمْكَنَ قُبِلَ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَمَّ: وَلَهُ عَبِيدٌ لَهُ فِي هَذِهِ الْعَبِيدِ أَلْفٌ، وَفَسَّرَ بِجِنَايَةِ أَحَدِهِمْ لَمْ يُقْبَلْ، وَخَرَجَ بِالْأَلْفِ الْجُزْءُ الشَّائِعُ كَقَوْلِهِ: لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي نِصْفُهُ أَوْ ثُلُثُهُ، فَلَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ، وَإِلَّا لَتَعَلَّقَ بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِذَلِكَ الْجُزْءِ وَقَبِلَهُ وَأَجَازَهُ الْوَارِثُ إنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي نِصْفُهُ كَقَوْلِهِ: لَهُ فِي مِيرَاثِي نِصْفُهُ، وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لَهُ فِيهِ ثُلُثُهُ إقْرَارًا لَهُ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ (وَلَوْ قَالَ) : لَهُ (فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي) أَوْ فِي مَالِي أَوْ مِنْ مَالِي (أَلْفٌ فَهُوَ وَعْدُ هِبَةٍ) أَيْ: وَعَدَهُ بِأَنْ يَهَبَهُ الْأَلْفَ، هَذَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِقْرَارَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمِيرَاثَ إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ لِغَيْرِهِ جُزْءًا مِنْهُ، وَاحْتَمَلَ كَوْنَهُ تَبَرُّعًا بِخِلَافِهِ فِيمَا قَبْلَهَا، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْإِقْرَارَ أَوْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ: كَقَوْلِهِ: لَهُ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ أَوْ لَهُ فِي مَالِي أَلْفٌ بِحَقٍّ لَزِمَنِي أَوْ بِحَقٍّ ثَابِتٍ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ (وَلَوْ) كَرَّرَ الْمُقِرُّ الدِّرْهَمَ بِلَا عَطْفٍ، كَأَنْ (قَالَ: لَهُ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ) وَلَوْ زَادَ فِي التَّكْرِيرِ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ (لَزِمَهُ دِرْهَمٌ) لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ التَّأْكِيدِ.

(فَإِنْ) كَرَّرَ الدِّرْهَمَ مَعَ الْعَطْفِ، كَأَنْ (قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ (وَدِرْهَمٌ) أَوْ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ (لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ) ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَثُمَّ كَالْوَاوِ، وَأَمَّا الْفَاءُ فَالنَّصُّ فِيهَا لُزُومُ دِرْهَمٍ إذَا لَمْ يُرِدْ الْعَطْفَ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي لِغَيْرِهِ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ فَهَلَّا كَانَ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ فَدِرْهَمٌ لَازِمٌ لِي أَوْ أَجْوَدُ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ لَا يَنْقَدِحُ فِي الطَّلَاقِ وَبِأَنَّ الْإِنْشَاءَ أَقْوَى وَأَسْرَعَ نُفُوذًا، وَلِهَذَا يَتَعَدَّدُ اللَّفْظُ بِهِ فِي يَوْمَيْنِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَاعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ الْفَرْقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ فَطَالِقٌ مَهْجُورَةٌ أَوْ لَا تَرَاجُعَ أَوْ خَيْرٌ مِنْك أَوْ نَحْوِهِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ صَرْفٌ لِلصَّرِيحِ عَنْ مُقْتَضَاهُ. أَمَّا إذَا أَرَادَ بِالْفَاءِ الْعَطْفَ، فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ كَمَا فِي الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَمِثْلُ الطَّلَاقِ الثَّمَنُ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِدِرْهَمٍ فَدِرْهَمٍ فَقُبِلَ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لَا إخْبَارٌ (وَلَوْ قَالَ: لَهُ) عَلَيَّ (دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ بِالْأَوَّلَيْنِ دِرْهَمَانِ) لِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ التَّغَايُرَ كَمَا مَرَّ (وَأَمَّا الثَّالِثُ، فَإِنْ أَرَادَ) بِهِ (تَأْكِيدَ الثَّانِي) بِعَاطِفِهِ (لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ) عَمَلًا بِنِيَّتِهِ (وَإِنْ نَوَى) بِهِ (الِاسْتِئْنَافَ

ص: 293

لَزِمَهُ ثَالِثٌ، وَكَذَا إنْ نَوَى تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ أَوْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

لَزِمَهُ ثَالِثٌ) عَمَلًا بِإِرَادَتِهِ (وَكَذَا إنْ نَوَى) بِهِ (تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ أَوْ أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ شَيْئًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ لِلْفَصْلِ وَالْعَطْفِ، وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى لُزُومِ دِرْهَمَيْنِ فِي قَوْلِهِ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ فِي قَوْلِهِ: دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ فَامْتَنَعَ تَأْكِيدُهُ وَهُنَا الثَّالِثُ مَعْطُوفٌ عَلَى الثَّانِي عَلَى رَأْيٍ، فَأَمْكَنَ أَنْ يُؤَكَّدَ الْأَوَّلُ بِهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ تَأْكِيدَ الثَّانِي بِالثَّالِثِ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَكِنَّهُ إذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ التَّأْسِيسِ وَالتَّأْكِيدِ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَرَّرَ أَلْفَ مَرَّةٍ فَأَكْثَرَ لَزِمَهُ بِعَدَدِ مَا كَرَّرَ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ التَّأْسِيسَ لَكِنْ عَارَضَهُ كَوْنُ الْأَصْلِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَتَعَارَضَا فَتَسَاقَطَا، فَلَمْ يَبْقَ لِلثَّالِثِ مُقْتَضٍ فَاقْتَصَرْنَا عَلَى الدِّرْهَمَيْنِ.

تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ فِي الثَّانِيَةِ بِالْمَذْهَبِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الْأَكْثَرِينَ قَطَعُوا بِهَا، وَقِيلَ قَوْلَانِ كَنَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي الطَّلَاقِ أَكْثَرُ، لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ التَّخْوِيفُ وَالتَّهْدِيدُ، وَالْعَطْفُ بِثُمَّ كَالْوَاوِ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنْ لَوْ عَطَفَ بِثُمَّ فِي الثَّالِثِ، كَقَوْلِهِ: دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي الْمُؤَكِّد وَالْمُؤَكَّدِ.

فُرُوعٌ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمٌ أَوْ لَا بَلْ أَوْ لَكِنْ دِرْهَمٌ لَزِمَ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ الِاسْتِدْرَاكَ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَقَصَدَ الْأَوَّلَ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ أَوْ لَا بَلْ أَوْ لَكِنْ دِرْهَمَانِ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ لِتَعَذُّرِ نَفْيِ مَا قُبِلَ أَوْ لَكِنْ لِاشْتِمَالِ مَا بَعْدَهَا عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَلْ طَلْقَتَيْنِ لَزِمَهُ ثَلَاثٌ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .

أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءٌ، فَإِذَا أَنْشَأَ طَلْقَةً ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْهَا إلَى إنْشَاءِ طَلْقَتَيْنِ لَا يُمْكِنُ إنْشَاءُ إعَادَةِ الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ، فَإِذَا أَخْبَرَ بِالْبَعْضِ ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ الْإِخْبَارِ بِهِ إلَى الْإِخْبَارِ بِالْكُلِّ جَازَ دُخُولُ الْبَعْضِ فِي الْكُلِّ، هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْجِنْسُ، فَإِنْ عَيَّنَهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَقَوْلِهِ: لَهُ هَذَا الدِّرْهَمُ بَلْ هَذَانِ الدِّرْهَمَانِ أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ لَا بَلْ دِينَارٌ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فِي الْأَوَّلِ وَدِرْهَمٌ وَدِينَارٌ فِي الثَّانِي لِعَدَمِ دُخُولِ مَا قَبْلَ بَلْ فِيمَا بَعْدَهَا، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَكَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ اخْتِلَافُ النَّوْعِ وَالصِّفَةِ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ بَلْ دِرْهَمٌ أَوْ لَا بَلْ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمٌ

ص: 294

وَمَتَى أَقَرَّ بِمُبْهَمٍ كَشَيْءٍ وَثَوْبٍ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ فَامْتَنَعَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْبَسُ.

وَلَوْ بَيَّنَ وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلْيُبَيِّنْ وَلْيَدَّعِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ فِي نَفْيِهِ.

ــ

[مغني المحتاج]

لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ أَوْ فَوْقَ أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ أَوْ مَعَهُ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُرِيدُ مَعَ أَوْ فَوْقَ أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ لِي أَوْ مَعَهُ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ دِرْهَمٌ لِي، أَوْ يُرِيدُ فَوْقَهُ فِي الْجَوْدَةِ وَتَحْتَهُ فِي الرَّدَاءَةِ وَمَعَهُ فِي أَحَدِهِمَا، وَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَ أَوْ بَعْدَ دِرْهَمٍ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ لِاقْتِضَاءِ الْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ الْمُغَايَرَةَ وَتَعَذَّرَ التَّأْكِيدُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْفَوْقِيَّةِ وَالتَّحْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ بِأَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى الْمَكَانِ، فَيَتَّصِفُ بِهِمَا نَفْسُ الدِّرْهَمِ، وَالْقَبْلِيَّةُ وَالْبَعْدِيَّةُ يَرْجِعَانِ إلَى الزَّمَانِ وَلَا يَتَّصِفُ بِهِمَا نَفْسُ الدِّرْهَمِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ، وَلَيْسَ إلَّا الْوُجُوبُ عَلَيْهِ، وَهُنَا اعْتِرَاضٌ لِلرَّافِعِيِّ ذَكَرْته فِي الْجَوَابِ عَنْهُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ.

(وَمَتَى أَقَرَّ بِمُبْهَمٍ) وَلَمْ يُمْكِنْ مَعْرِفَتُهُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَتِهِ (كَشَيْءٍ وَثَوْبٍ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ فَامْتَنَعَ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْبَسُ) ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ حُبِسَ كَالْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ، وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا وُصُولَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا مِنْهُ وَالثَّانِي: لَا يُحْبَسُ لِإِمْكَانِ حُصُولِ الْغَرَضِ بِدُونِ الْحَبْسِ. أَمَّا إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَتِهِ، كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ مِنْ الدَّرَاهِمِ قَدْرُ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ فَلَا يُحْبَسُ بَلْ نَرْجِعُ إلَى مَا أَحَالَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ بِاسْتِخْرَاجِهِ مِنْ الْحِسَابِ كَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا نِصْفَ مَا لِعَمْرٍو عَلَيَّ، وَلِعَمْرٍو عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا ثُلُثَ مَا لِزَيْدٍ عَلَيَّ. وَمِنْ طُرُقِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ تَجْعَلَ لِزَيْدٍ شَيْئًا وَتَقُولَ: لِعَمْرٍو أَلْفٌ إلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ فَتَأْخُذَ نِصْفَهُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ إلَّا سُدُسَ شَيْءٍ وَتُسْقِطَهُ مِنْ أَلْفِ زَيْدٍ يَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ وَسُدُسُ شَيْءٍ وَذَلِكَ يَعْدِلُ الشَّيْءَ الْمَفْرُوضَ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ أَلْفًا إلَّا نِصْفَ مَا لِعَمْرٍو فَتُسْقِطُ سُدُسَ شَيْءٍ بِسُدُسِ شَيْءٍ يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ خَمْسِمِائَةٍ، فَيَكُونُ الشَّيْءُ التَّامُّ سِتَّمِائَةٍ وَهُوَ مَا لِزَيْدٍ، فَإِذَا أَخَذْت ثُلُثَهَا وَهُوَ مِائَتَانِ وَأَسْقَطْته مِنْ الْأَلْفِ بَقِيَ ثَمَانِمِائَةٍ وَهُوَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِعَمْرٍو.

(وَلَوْ بَيَّنَ) الْمُقِرُّ إقْرَارَهُ الْمُبْهَمَ تَبْيِينًا صَحِيحًا (وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) فِي ذَلِكَ (فَلْيُبَيِّنْ) جِنْسَ الْحَقِّ وَقَدْرَهُ (وَلْيَدَّعِ) بِهِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ) بِيَمِينِهِ (فِي نَفْيِهِ) ثُمَّ إنْ فَسَّرَهُ بِبَعْضِ الْجِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ كَمِائَةٍ وَدَعْوَى الْمُقَرِّ لَهُ مِائَتَانِ، فَإِنْ قَالَ الْمُقَرُّ: لَهُ أَرَادَ الْمُقِرُّ بِالْمُبْهَمِ الْمِائَةَ ثَبَتَتْ بِاتِّفَاقِهِمَا وَحَلَفَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ قَالَ: أَرَادَهُمَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ وَعَلَى نَفْيِ الْإِرَادَةِ لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً لِاتِّحَادِ الدَّعْوَى، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ لَهُمَا لَا عَلَى إرَادَةِ الْمُقِرِّ لَهُمَا؛

ص: 295

وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فِي يَوْمٍ آخَرَ لَزِمَهُ أَلْفٌ فَقَطْ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَدْرُ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ، فَلَوْ وَصَفَهُمَا بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ أَوْ أَسْنَدَهُمَا إلَى جِهَتَيْنِ أَوْ قَالَ قَبَضْتُ يَوْمَ السَّبْتِ عَشَرَةً، ثُمَّ قَالَ قَبَضْتُ يَوْمَ الْأَحَدِ عَشَرَةً لَزِمَا،

وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَى أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ أَلْفٌ قَضَيْتُهُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي الْأَظْهَرِ،

ــ

[مغني المحتاج]

لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ مَا فَسَّرَ بِهِ بَطَلَ الْإِقْرَارُ فِيهِ وَإِلَّا ثَبَتَ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى دَعْوَى الْإِرَادَةِ وَقَالَ مَا أَرَدْتُ بِكَلَامِك مَا وَقَعَ التَّفْسِيرُ بِهِ وَإِنَّمَا أَرَدْتُ كَذَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْإِرَادَةَ لَا يَثْبُتَانِ حَقًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَدَّعِيَ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ قَبْلَ الْبَيَانِ طُولِبَ بِهِ الْوَارِثُ، فَإِنْ امْتَنَعَ وُقِفَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا لِأَقَلِّ مُتَمَوِّلٍ مِنْهَا حَتَّى يُبَيِّنَ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي التَّفْسِيرِ مُرْتَهَنَةٌ بِالدَّيْنِ، وَلَا يُخَالِفُ صِحَّةَ التَّفْسِيرِ بِالسِّرْجِينِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ عَدَمَ إرَادَةِ الْمَالِ، فَيَمْتَنِعَ التَّصَرُّفُ فِي الْجَمِيعِ احْتِيَاطًا، فَإِنْ بَيَّنَ الْمُقَرُّ لَهُ زِيَادَةً عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ الْوَارِثُ صُدِّقَ الْوَارِثُ بِيَمِينِهِ كَالْمُقِرِّ وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ إرَادَةِ مُوَرِّثِهِ زِيَادَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ فِي حَالِ مُوَرِّثِهِ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَهُنَا سُؤَالَانِ ذَكَرَتْهُمَا مَعَ جَوَابِهِمَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ.

(وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ) أَيْ: لِشَخْصٍ (بِأَلْفٍ) مَثَلًا فِي يَوْمٍ (ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فِي يَوْمٍ آخَرَ لَزِمَهُ أَلْفٌ فَقَطْ) ، وَإِنْ كَتَبَ بِذَلِكَ وَثِيقَةً وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَدُّدِهِ تَعَدُّدُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ كَانَتْ عَيْنَ الْأُولَى، وَلَوْ عُرِفَ الْأَلْفُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَانَ أَوْلَى بِالِاتِّحَادِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَدْرُ) الْمُقَرُّ بِهِ فِي الْيَوْمَيْنِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ دُخُولُ أَحَدِ الْإِقْرَارَيْنِ فِي الْآخَرِ كَأَنْ أَقَرَّ بِخَمْسَةٍ ثُمَّ بِعَشَرَةٍ أَوْ عَكَسَ (دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ) إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي أَحَدِهِمَا، هَذَا إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِقْرَارَيْنِ (فَلَوْ) تَعَذَّرَ كَأَنْ (وَصَفَهُمَا بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ) كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ (أَوْ أَسْنَدَهُمَا إلَى جِهَتَيْنِ) كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ (أَوْ قَالَ: قَبَضْتُ يَوْمَ السَّبْتِ عَشَرَةً، ثُمَّ قَالَ: قَبَضْتُ يَوْمَ الْأَحَدِ عَشَرَةً لَزِمَا) أَيْ: الْقَدْرَانِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَهُمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنْ قُيِّدَ أَحَدُهُمَا وَأَطْلِقَ الْآخَرُ لَمْ يَتَعَدَّدْ وَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ صِفَتَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: مُخْتَلِفَتَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فَإِنَّ الصِّفَتَيْنِ لَا يَكُونَانِ إلَّا مُخْتَلِفَتَيْنِ كَمَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فِي الْجِهَتَيْنِ إذْ لَمْ يَقُلْ فِيهِمَا مُخْتَلِفَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا كَذَلِكَ

(وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَى أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ) لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ) لَكِنْ (قَضَيْتُهُ) وَذَكَرَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا (لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي الْأَظْهَرِ) عَمَلًا بِأَوَّلِ الْإِقْرَارِ وَإِلْغَاءً لِآخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ بِهِ مَا يَرْفَعُهُ فَأَشْبَهَ

ص: 296

وَلَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ إذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْت قُبِلَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَجَعَلَهُ ثَمَنًا.

ــ

[مغني المحتاج]

قَوْلَهُ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَتُعْتَبَرُ جُمْلَتُهُ وَلَا يَتَبَعَّضُ كَقَوْلِهِ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ لَا يَكُونُ كُفْرًا وَإِيمَانًا. أَمَّا إذَا فَصَلَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ، فَيَلْزَمُهُ جَزْمًا، وَلَوْ قَدَّمَهُ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ لَمْ يَلْزَمْهُ جَزْمًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ التَّقْدِيمِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا إنَّمَا نُقِرُّهُمْ عَلَى مَا نُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمُوا، وَلَوْ قَالَ: كَانَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ فَظَنَنْتُهُ يَلْزَمُنِي حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى نَفْيِهِ رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ أَوْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ، فَيَحْلِفَ الْمُقِرُّ وَلَا يَلْزَمُهُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَكُنْتُ أَوَدُّ لَوْ فَصَلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ جَاهِلًا بِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ لَا يَلْزَمُهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا فَيُعْذَرُ الْجَاهِلُ دُونَ الْعَالِمِ لَكِنْ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ فَصَلَ فَاصِلٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ يَرَى جَوَازَ بَيْعِ الْكَلْبِ الصَّائِدِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ عَوَامِّنَا الَّذِينَ لَا مَذْهَبَ لَهُمْ يَظُنُّونَ جَوَازَ بَيْعِهِ وَلُزُومَ ثَمَنِهِ اهـ.

لَكِنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ التَّحْلِيفِ كَمَا مَرَّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ، بِأَنَّهُ لَا دَعْوَى لَهُ عَلَى عَمْرٍو ثُمَّ خَصَّصَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ كَأَنْ قَالَ: إنَّمَا أَرَدْتُ فِي عِمَامَتِهِ وَقَمِيصِهِ لَا فِي دَارِهِ وَبُسْتَانِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ مَا عَلِمَهُ قَصْدَ ذَلِكَ.

(وَلَوْ قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَوَصَلَهُ بِقَوْلِهِ (مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ) أَوْ هَذَا الْعَبْدِ مَثَلًا، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ مُنْفَصِلًا (لَمْ أَقْبِضْهُ) سَوَاءٌ أَقَالَ:(إذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْت) أَمْ لَا وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ الْبَيْعَ وَطَلَبَ الْأَلْفَ (قُبِلَ عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا لَا يَرْفَعُ مَا قَبْلَهُ (وَجَعَلَهُ ثَمَنًا) أَيْ: أَجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ حَتَّى لَا يُجْبَرَ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْعَبْدِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا: أَحَدُهُمَا لَا يُقْبَلُ عَمَلًا بِأَوَّلِ كَلَامِهِ.

تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ مُتَّصِلًا كَمَا مَرَّ؛ فَإِنْ فَصَلَهُ لَمْ يُقْبَلْ وَقَوْلُهُ: إذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْتُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَجُعِلَ ثَمَنًا مَعَ قَبُولِ دَعْوَاهُ أَنَّهُ ثَمَنٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنَّمَا نَكَّرَ الْمُصَنِّفُ الْعَبْدَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَنْكِيرِهِ وَتَعْرِيفِهِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُوَافِقُ عِنْدَ التَّعْرِيفِ وَيُخَالِفُ عِنْدَ التَّنْكِيرِ فَأَشَارَ إلَى النَّصِّ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْ زَيْدٍ عَبْدًا بِأَلْفٍ إنْ سَلَّمَ سَلَّمْت قُبِلَ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ: أَوْ قَالَ: أَقْرَضَنِي أَلْفًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَهُ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا، لَكِنْ فِي الشَّامِلِ إنْ قَالَهُ مُنْفَصِلًا لَا يُقْبَلُ وَهَذَا أَوْجَهُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ بَيَانُ التَّعْلِيقِ

ص: 297

وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ قَالَ أَلْفٌ لَا يَلْزَمُ لَزِمَهُ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ: أَرَدْتُ بِهِ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ آخَرُ صُدِّقَ الْمُقِرُّ فِي الْأَظْهَرِ بِيَمِينِهِ.

ــ

[مغني المحتاج]

بِالْمَشِيئَةِ، فَقَالَ:(وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ، أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، أَوْ إنْ شِئْت أَوْ شَاءَ فُلَانٌ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) سَوَاءٌ أَقَدَّمَ الْأَلْفَ عَلَى الْمَشِيئَةِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالِالْتِزَامِ بَلْ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ، وَمَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَعَدَمُهَا مُغَيَّبَةٌ عَنَّا وَمَشِيئَةُ غَيْرِ اللَّهِ لَا تُوجِبُ شَيْئًا. وَقَالَ: الثَّانِي إنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْلِهِ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ؛ لِأَنَّ آخِرَهُ يَرْفَعُ أَوَّلَهُ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ دُخُولَ حَرْفِ الشَّرْطِ عَلَى الْجُمْلَةِ يُصَيِّرُ الْجُمْلَةَ جُزْءًا مِنْ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَغْيِيرُ مَعْنَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَا يُغَيِّرُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ لِبَيَانِ جِهَتِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ الْإِقْرَارِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ وَعَدَمِ تَبْعِيضِهِ حَذَرًا مِنْ جَعْلِهِ جُزْءَ الْجُمْلَةِ جُمْلَةً بِرَأْسِهَا إنْ تَبَعَّضَ الْخَمْرُ وَنَحْوُهُ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ مَثَلًا لَمْ يَلْزَمْهُ لِمَا مَرَّ إلَّا إنْ قَصَدَ التَّأْجِيلَ وَلَوْ بِأَجَلٍ فَاسِدٍ، فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَلَكِنْ مِنْ عَقِبِ إقْرَارِهِ بِذِكْرِ أَجَلٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلٍ ثَبَتَ الْأَجَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ صَحِيحًا كَقَوْلِهِ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ،، وَمَا إذَا كَانَ صَحِيحًا لَكِنْ ذَكَرَهُ مُنْفَصِلًا.

تَنْبِيهٌ يُشْتَرَطُ قَصْدُ الِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِقْرَارِ وَأَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ مَنْ بِقُرْبِهِ، وَأَنْ لَا يَقْصِدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى التَّبَرُّكَ، وَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْتُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ فِي الْحَالِ شَيْئًا، وَلَوْ وَاطَأَ الشُّهُودَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا يَلْزَمُنِي (وَلَوْ قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ لَا يَلْزَمُ لَزِمَهُ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا أَوْ أَلْفٌ أَوْ لَا بِإِسْكَانِ الْوَاوِ (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ) بَعْدَ الْفَصْلِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ثُمَّ (أَرَدْتُ بِهِ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ آخَرُ) غَيْرُ أَلْفِ الْوَدِيعَةِ وَهُوَ الَّذِي أَرَدْتُهُ بِإِقْرَارِكَ (صُدِّقَ الْمُقِرُّ فِي الْأَظْهَرِ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهَا وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَالِكِهَا، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِعَلَيَّ الْإِخْبَارَ عَنْ هَذَا الْوَاجِبِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ عَلَيَّ بِمَعْنَى عِنْدِي وَفُسِّرَ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} [الشعراء: 14] وَكَيْفِيَّةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ أَلْفٍ آخَرَ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ مَا أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ إلَّا هَذِهِ، قَالَهُ الْقَاضِي. وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الْمُقَرُّ لَهُ بِيَمِينِهِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا آخَرَ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ ظَاهِرَةٌ فِي الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ الْوَدِيعَةُ لَا

ص: 298

فَإِنْ كَانَ قَالَ فِي ذِمَّتِي أَوْ دَيْنًا صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ قُلْت: فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ الْوَدِيعَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَمَانَةٌ فَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ التَّلَفَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَدَعْوَى الرَّدِّ،، وَإِنْ قَالَ لَهُ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَلْفٌ صُدِّقَ فِي دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَالرَّدِّ وَالتَّلَفِ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَإِقْبَاضٍ ثُمَّ قَالَ كَانَ فَاسِدًا وَأَقْرَرْت لِظَنِّي الصِّحَّةَ لَمْ يُقْبَلْ

ــ

[مغني المحتاج]

تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. أَمَّا إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِيعَةً مُتَّصِلًا، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ.

(فَإِنْ كَانَ قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (فِي ذِمَّتِي أَوْ دَيْنًا) ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَفَسَّرَ الْوَدِيعَةِ كَمَا سَبَقَ (صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ) بِيَمِينِهِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا آخَرَ (عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا دَيْنًا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ ثَانِيهِمَا الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُقِرِّ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ أَلْفًا فِي ذِمَّتِي إنْ تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ لِأَنِّي تَعَدَّيْت فِيهَا.

تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ: هِيَ هَذِهِ. أَمَّا لَوْ قَالَ: لَهُ فِي ذِمَّتِي أَلْفٌ ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ: الْأَلْفُ الَّذِي أَقْرَرْت بِهِ كَانَ وَدِيعَةً وَتَلِفَ وَهَذَا بَدَلُهُ قُبِلَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَلِفَ لِتَفْرِيطِهِ، فَيَكُونُ الْبَدَلُ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَلَوْ وَصَلَ دَعْوَاهُ الْوَدِيعَةَ بِالْإِقْرَارِ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي ذِمَّتِي وَدِيعَةً لَمْ يُقْبَلْ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْقَبُولِ، فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فِي الْوَدِيعَةِ التَّلَفَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ الْوَدِيعَةِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَمَانَةٌ فَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ) أَيْ: الْمُقِرِّ (التَّلَفَ) لِلْوَدِيعَةِ (بَعْدَ الْإِقْرَارِ) بِتَفْسِيرِهِ (وَدَعْوَى الرَّدِّ) بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْوَدِيعَةِ. وَالثَّانِي: تَكُونُ مَضْمُونَةً حَتَّى لَا يُقْبَلَ دَعْوَاهُ التَّلَفَ وَالرَّدَّ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ الصَّادِقُ بِالتَّعَدِّي فِيهَا.

وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِصِدْقِ وُجُوبِ حِفْظِهَا.

تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: بَعْدَ الْإِقْرَارِ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّلَفِ، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ كَانَ دَعْوَى التَّلَفِ وَالرَّدِّ قَبْلَ الْإِقْرَارِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ وَالْمَرْدُودَ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَلْفٌ صُدِّقَ فِي دَعْوَى الْوَدِيعَةِ، وَ) دَعْوَى (الرَّدِّ وَالتَّلَفِ) بَعْدَ الْإِقْرَارِ (قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ عِنْدِي وَمَعِي مُشْعِرَانِ بِالْأَمَانَةِ.

(وَلَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَإِقْبَاضٍ) فِيهَا (ثُمَّ قَالَ: كَانَ) ذَلِكَ (فَاسِدًا وَأَقْرَرْت لِظَنِّي الصِّحَّةَ لَمْ يُقْبَلْ) فِي قَوْلِهِ

ص: 299

وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُقِرُّ وَبَرِئَ.

وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو أَوْ غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ بَلْ مِنْ عَمْرٍو سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُقِرَّ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِعَمْرٍو بِالْإِقْرَارِ.

ــ

[مغني المحتاج]

بِفَسَادِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يُحْمَلُ عِنْد الْإِطْلَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ (وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ) لِإِمْكَانِ مَا يَدَّعِيهِ، وَجِهَاتُ الْفَسَادِ قَدْ تَخْفَى عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ لِتَكْذِيبِهِ بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْحَلِفِ (حَلَفَ الْمُقِرُّ)، أَنَّهُ كَانَ فَاسِدًا (وَبَرِئَ) مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ أَيْ: حُكِمَ بِبُطْلَانِهِمَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ وَكَالْبَيِّنَةِ وَكِلَاهُمَا يُحَصِّلُ الْغَرَضَ.

تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَبَرِئَ بِحُكْمٍ بِبُطْلَانِهِمَا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي عَيْنِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يَرِدُ عَلَيْهَا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ لَا فِي دَيْنٍ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ وَإِقْبَاضٍ عَمَّا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْهِبَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُون مُقِرًّا بِالْإِقْبَاضِ، فَإِنْ قَالَ وَهَبْتُهُ لَهُ وَخَرَجَتْ إلَيْهِ مِنْهُ أَوْ مَلَكَهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ الْخُرُوجَ إلَيْهِ مِنْهُ بِالْهِبَةِ نَعَمْ إنْ كَانَ بِيَدِ الْمُقَرِّ لَهُ كَانَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ، وَكَذَا إنْ قَالَ: أَقْبَضْتُهُ لَهُ وَأَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَوْ قَالَ: وَهَبْته لَهُ وَقَبَضَهُ بِغَيْرِ رِضَايَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرِّضَى نُصَّ عَلَيْهِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ هُنَا كَالْإِقْرَارِ بِهِ فِي الرَّهْنِ، فَإِذَا قَالَ: لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَوْهُوبَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا.

(وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ) مَثَلًا الَّتِي فِي يَدِي (لِزَيْدٍ) لَا (بَلْ لِعَمْرٍو، أَوْ غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ) لَا (بَلْ) غَصَبْتُهَا (مِنْ عَمْرٍو) نُزِعَتْ مِنْ يَدِهِ وَ (سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ) لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِآدَمِيٍّ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُقِرَّ) بَعْدَ تَسْلِيمِهَا لِزَيْدٍ (يَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِعَمْرٍو بِالْإِقْرَارِ) ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ، وَالْحَيْلُولَةُ سَبَبُ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبِقَ مِنْ يَدِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَغْرَمُ لَهُ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الثَّانِي صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّارِ الَّتِي بِيَدِ زَيْدٍ لِعَمْرٍو، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ وَغَصَبَهَا زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو سَلَّمَهَا لِزَيْدٍ لِسَبْقِ إقْرَارِهِ وَغَرِمَ لِعَمْرٍو الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إقْرَارَهُ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ أَوَّلًا تَسَلَّمَهَا زَيْدٌ بِنَفْسِهِ أَوْ سَلَّمَهَا لَهُ الْحَاكِمُ لِلْحَيْلُولَةِ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ وَالْحَيْلُولَةُ تُوجِبُ الضَّمَانَ كَالْإِتْلَافِ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ فَفِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ يَغْرَمُ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو سُلِّمَتْ إلَيْهِمَا أَوْ غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ وَغَصَبْتهَا مِنْ عَمْرٍو، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ وَالْمِلْكُ فِيهَا لِعَمْرٍو سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ لَهُ

ص: 300

وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إنْ اتَّصَلَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ.

فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ تِسْعَةٌ.

ــ

[مغني المحتاج]

بِالْمِلْكِ، وَلَا يَغْرَمُ لِعَمْرٍو لِجَوَازِ كَوْنِهَا مِلْكَ عَمْرٍو، وَهِيَ فِي يَدِ زَيْدٍ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ بِمَنَافِعِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَرَهْنٍ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ بَيَانُ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِيمَا قَبْلَهُ بِإِلَّا أَوْ نَحْوِهَا، وَهُوَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَقَالَ:(وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ) فِي الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ لِكَثْرَةِ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّنْيِ بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَهُوَ الرُّجُوعُ، وَمِنْهُ ثَنَى عَنَانَ دَابَّتِهِ، إذَا رَجَعَ فَلَمَّا رَجَعَ فِي الْإِقْرَار وَنَحْوِهِ عَمَّا اقْتَضَاهُ لَفْظُهُ، سُمِّيَ اسْتِثْنَاءً، وَاصْطِلَاحًا إخْرَاجٌ لِمَا بَعْدَ إلَّا وَأَخَوَاتِهَا مِنْ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا فِي الْإِيجَابِ، وَإِدْخَالُهُ فِي النَّفْيِ هَذَا (إنْ اتَّصَلَ) بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مَعَهُ كَلَامًا وَاحِدًا عُرْفًا فَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ بِسَكْتَةِ تَنَفُّسٍ أَوْ عِيٍّ أَوْ تَذَكُّرٍ أَوْ انْقِطَاعِ صَوْتٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بِخِلَافِ الْفَصْلِ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ وَكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ يَسِيرًا، وَفِي الْكَافِي لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَّا مِائَةً لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَوْ قَالَ: أَلْفُ دِرْهَمٍ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةً صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي، لِأَنَّ قَوْلَهُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِاسْتِدْرَاكِ مَا سَبَقَ مِنْهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِقْرَارِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ) أَيْ: الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ إلَّا أَرْبَعَةً، فَإِنْ اسْتَغْرَقَهُ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ إلَّا خَمْسَةً فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ مَا أَثْبَتَهُ، وَلَا يُجْمَعُ مُفَرَّقٌ بِالْعَطْفِ فِي الْمُسْتَثْنَى أَوْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ فِيهِمَا إنْ حَصَلَ بِجَمْعِهِ اسْتِغْرَاقٌ أَوْ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّ وَاوَ الْعَطْفِ، وَإِنْ اقْتَضَتْ الْجَمْعَ لَا تُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنْ كَوْنِهِ ذَا جُمْلَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ، وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ الْمَعْطُوفَاتِ لَا إلَى الْأَخِيرِ فَقَطْ، فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ وَدِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إذَا لَمْ يُجْمَعْ مُفَرَّقُهُ كَانَ الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ مُسْتَثْنًى مِنْ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، فَيَسْتَغْرِقُ، فَيَلْغُو، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا وَدِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْمَعْ فُرِّقَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَانَ الْمُسْتَثْنَى دِرْهَمًا مِنْ دِرْهَمٍ، فَيَلْغُو، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ،.

(فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ تِسْعَةٌ) ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَعَكْسُهُ كَمَا مَرَّ وَالطَّرِيقُ فِيهِ، وَفِي نَظَائِرِهِ أَنْ يُجْمَعَ كُلُّ مَا هُوَ إثْبَاتٌ وَكُلُّ مَا هُوَ نَفْيٌ وَيُسْقَطُ الْمَنْفِيُّ مِنْ الْمُثْبَتِ، فَيَكُونُ الْبَاقِي هُوَ الْوَاجِبُ، فَالْعَشَرَةُ وَالثَّمَانِيَةُ فِي هَذَا الْمِثَالِ مُثْبَتَانِ

ص: 301

وَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَأَلْفٍ إلَّا ثَوْبًا، وَيُبَيِّنُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ أَلْفٍ.

ــ

[مغني المحتاج]

وَهُمَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَةَ وَالتِّسْعَةُ مَنْفِيَّةٌ، فَإِذَا أَسْقَطْتَهَا مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ يَبْقَى تِسْعَةٌ، فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: إلَّا سَبْعَةً وَهَكَذَا إلَى الْوَاحِدِ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْمُثْبَتَ ثَلَاثُونَ وَالْمَنْفِيَّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، فَإِذَا أَسْقَطْتَهَا بَقِيَ خَمْسَةٌ، وَلَك طَرِيقٌ آخَرُ، وَهِيَ أَنْ تُخْرِجَ الْمُسْتَثْنَى الْأَخِيرَ مِمَّا قَبْلَهُ، وَمَا بَقِيَ مِنْهُ يَخْرُجُ مِمَّا قَبْلَهُ فَتُخْرِجُ الْوَاحِدَ مِنْ الِاثْنَيْنِ، وَمَا بَقِيَ تُخْرِجُهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَمَا بَقِيَ تُخْرِجُهُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْأَوَّلِ، وَلَك أَنْ تُخْرِجَ الْوَاحِدَ مِنْ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْخَمْسَةِ ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ السَّبْعَةِ ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ التِّسْعَةِ، وَهَذَا أَسْهَلُ مِنْ الْأَوَّلِ وَمُحَصِّلٌ لَهُ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

فُرُوعٌ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً لَزِمَهُ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، هَذَا إنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُعَيِّنُ فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، لِأَنَّهُ أَثْبَتَ عَشَرَةً وَاسْتَثْنَى خَمْسَةً وَشَكَكْنَا فِي اسْتِثْنَاءِ الدِّرْهَمِ السَّادِسِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِبَيَانِ مَا لَمْ يُرِدْ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ، لَا أَنَّهُ إبْطَالُ مَا ثَبَتَ وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا شَيْئًا أَوْ مَالٌ إلَّا مَالًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَكُلٌّ مِنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مُجْمَلٌ فَلْيُفَسِّرْهُمَا، فَإِنْ فَسَّرَ الثَّانِيَ بِأَقَلَّ مِمَّا فَسَّرَ بِهِ الْأَوَّلَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَالْإِلْغَاءُ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا شَيْئًا أَوْ عَكَسَ، فَالْأَلْفُ وَالشَّيْءُ مُجْمَلَانِ فَيُفَسِّرُهُمَا وَيَجْتَنِبُ فِي تَفْسِيرِهِ الِاسْتِغْرَاقَ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا دِرْهَمًا فَالْأَلْفُ مُجْمَلٌ فَلْيُفَسِّرْهُ بِمَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ، فَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ فَمَا دُونَهُ لَغَا الِاسْتِثْنَاءُ وَالتَّفْسِيرُ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا خَمْسَةٌ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ أَوْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ إلَّا خَمْسَةً، خَمْسَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ، فَجُعِلَ النَّفْيُ الْأَوَّلُ مُتَوَجِّهًا إلَى مَجْمُوعِ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ فِي الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ؟ لِأَنَّهُ نَفْيٌ مُجْمَلٌ، فَيَبْقَى عَلَيْهِ مَا اسْتَثْنَاهُ، وَلَوْ قَدَّمَ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ.

(وَيَصِحُّ) الِاسْتِثْنَاءُ (مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ) أَيْ: جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (كَأَلْفٍ) مِنْ الدَّرَاهِمِ (إلَّا ثَوْبًا) لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 77] وقَوْله تَعَالَى {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 157](وَيُبَيِّنُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ أَلْفٍ) حَتَّى لَا يَسْتَغْرِقَ، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ بَطَلَ التَّفْسِيرُ، وَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْأَصَحِّ، فَيَلْزَمُهُ أَلْفٌ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ مَا أَرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ

ص: 302

وَمِنْ الْمُعَيَّنِ كَهَذِهِ الدَّارُ لَهُ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ لَهُ إلَّا ذَا الدِّرْهَمَ، وَفِي الْمُعَيَّنِ وَجْهٌ شَاذٌّ.

قُلْت: لَوْ قَالَ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ لَهُ إلَّا وَاحِدًا قُبِلَ وَرَجَعَ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ، فَإِنْ مَاتُوا إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[مغني المحتاج]

تَلَفَّظَ بِهِ وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا دِينَارًا رَجَعَ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إلَيْهِ وَأَسْقَطَ مِنْهُ الدِّينَارَ لِمَا مَرَّ حِيلَةٌ: لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ عَلَيْهِ قِيمَةُ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَيَخَافُ إنْ أَقَرَّ لَهُ جَحَدَهُ قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ: فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَبْدًا أَوْ إلَّا ثَوْبًا أَوْ إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَسْمَعُ إقْرَارَهُ وَيَسْتَفْسِرُهُ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ حَلَّفَهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهُ، وَتُقَوَّمُ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ الثَّوْبِ أَوْ الدَّنَانِيرِ وَيُسْقِطُهَا مِنْ الْأَلْفِ.

(وَ) يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ (مِنْ الْمُعَيَّنِ) كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمُطْلَقِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا أَمْ مَعْلُومًا (كَهَذِهِ الدَّارُ لَهُ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ لَهُ، إلَّا ذَا الدِّرْهَمَ) أَوْ هَذَا الْقَطِيعُ لَهُ إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ بِلَفْظٍ مُتَّصِلٍ فَهُوَ كَالتَّخْصِيصِ، وَعَلَّلَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأُمِّ بِأَنَّهُ كَلَامٌ صَحِيحٌ لَيْسَ بِمُحَالٍ (وَفِي الْمُعَيَّنِ وَجْهٌ شَاذٌّ) ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمُعَيَّنِ يَقْتَضِي الْمِلْكَ فِيهَا تَضْمِينًا، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ رُجُوعًا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ.

ثُمَّ أَشَارَ إلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمُعَيَّنِ فَقَالَ: (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ لَوْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا كَمَا (لَوْ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ لَهُ إلَّا وَاحِدًا قُبِلَ)، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا شَيْئًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالدَّيْنِ (وَرَجَعَ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ، فَإِنْ مَاتَ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (فَإِنْ مَاتُوا إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) أَنَّهُ الَّذِي أَرَادَهُ إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ (عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِاحْتِمَالِ مَا ادَّعَاهُ، وَالثَّانِي: لَا يُصَدَّقُ لِلتُّهْمَةِ. أَمَّا لَوْ قُتِلُوا إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ قَطْعًا لِبَقَاءِ أَثَرِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: غَصَبْتهمْ إلَّا وَاحِدًا فَمَاتُوا وَبَقِيَ وَاحِدٌ وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْإِقْرَارِ بَاقٍ وَهُوَ الضَّمَانُ.

فُرُوعٌ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِثَالِثٍ بِنِصْفِ الْأَلْفِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا تَعَيَّنَ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي نَصِيبِهِ، وَهَذَا فَرْعٌ مِنْ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ وَالْإِشَاعَةِ وَفِيهَا اضْطِرَابٌ، وَلِذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ فِيهَا تَرْجِيحٌ بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ وَالْمَأْخَذِ كَمَا فِي الرَّجْعَةِ وَالنَّذْرِ

ص: 303