الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْغَصْبِ
هُوَ: الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا.
ــ
[مغني المحتاج]
[كِتَابُ الْغَصْبِ]
ِ (هُوَ) لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا، وَقِيلَ: أَخَذَهُ ظُلْمًا جِهَارًا. وَشَرْعًا (الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا) أَيْ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي وَيُرْجَعُ فِي الِاسْتِيلَاءِ لِلْعُرْفِ، وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَمْثِلَةً يَتَّضِحُ بِهَا سَتَأْتِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَلَى مَالِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ الْمَنَافِعَ، وَالْكَلْبَ وَالسِّرْجِينَ وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ وَخَمْرَ الذِّمِّيِّ وَسَائِرَ الِاخْتِصَاصَاتِ كَحَقِّ التَّحَجُّرِ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ، أَنَّهُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ. قَالَ: وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْعُدْوَانِ، بَلْ يَثْبُتُ الْغَصْبُ وَحُكْمُهُ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ كَأَخْذِهِ مَالَ غَيْرِهِ يَظُنُّهُ مَالَهُ. وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ: وَالْأَشْبَهُ التَّقْيِيدُ بِهِ، وَالثَّابِتُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حُكْمُ الْغَصْبِ لَا حَقِيقَتُهُ. قَالَ شَيْخُنَا: مَمْنُوعٌ وَهُوَ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ الْغَصْبَ يَقْتَضِي الْإِثْمَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنْ كَانَ غَالِبًا. وَقَالَ شَيْخِي: الَّذِي يَتَحَصَّلُ فِي تَعْرِيفِهِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْغَصْبَ ضَمَانًا وَإِثْمًا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عُدْوَانًا، وَضَمَانًا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنَّمَا
فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ فَغَاصِبٌ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ.
وَلَوْ دَخَلَ دَارِهِ
ــ
[مغني المحتاج]
الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى التَّعْرِيفِ السَّرِقَةُ فَإِنَّهُ صَادِقٌ بِهَا وَلَيْسَتْ غَصْبًا.
أُجِيبَ بِأَنَّهَا غَصْبٌ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا سَرِقَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ زَائِدٌ عَلَى الْغَصْبِ بِشَرْطِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ السَّارِقَ وَالْمُخْتَلِسَ خَرَجَا بِقَوْلِ الِاسْتِيلَاءِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ يَنْبَنِي عَلَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، وَأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْمُحَابَاةِ وَهُوَ كَارِهٌ فِي مَعْنَى الْغَصْبِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: مَنْ طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ مَالًا بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ بِبَاعِثِ الْحَيَاءِ وَالْقَهْرِ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَالْغَصْبُ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَغْصُوبُ نِصَابَ سَرِقَةٍ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَهُ مُسْتَحِلًّا: أَيْ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ كَانَ كَافِرًا، وَمَنْ فَعَلَهُ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ كَانَ فَاسِقًا. وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ آيَاتٌ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي التَّطْفِيفِ وَهُوَ غَصْبُ الْقَلِيلِ فَمَا ظَنُّكَ بِغَصْبِ الْكَثِيرِ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] أَيْ لَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ. وَأَخْبَارٌ مِنْهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ» وَمِنْهَا خَبَرُهُمَا أَيْضًا «مَنْ ظَلَمَ قَيْدَ شِبْرٍ مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» وَمَعْنَى طَوَّقَهُ كُلِّفَ حَمْلَهُ. وَقِيلَ: يُجْعَلُ فِي حَلْقِهِ كَالطَّوْقِ.
ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَمْثِلَةِ الَّتِي يَتَّضِحُ بِهَا فَقَالَ: (فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً، أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ) لِغَيْرِهِ (فَغَاصِبٌ، وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ) ذَلِكَ وَلَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ لِحُصُولِ الْغَايَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ، وَهِيَ الِانْتِفَاعُ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْغَصْبَ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْفِرَاشِ، أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حُضُورِ الْمَالِكِ وَغَيْبَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ إذَا حَضَرَ وَلَمْ يُزْعِجْهُ وَكَانَ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ التَّصَرُّفَ فِي ذَلِكَ، أَنَّ قِيَاسَ مَا يَأْتِي فِي الْعَقَارِ أَنْ يَكُونَ غَاصِبًا لِنِصْفِهِ فَقَطْ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ نَظِيرُهُ، وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي: أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَلَى الْفِرَاشِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّف قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ غَيْرَ الدَّابَّةِ وَالْفِرَاشِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ، أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النَّقْلِ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ فَقَالَ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَنْقُولِ النَّقْلُ إلَّا فِي الدَّابَّةِ وَالْفِرَاشِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِمَا يَتِمُّ بِالرُّكُوبِ وَالْجُلُوسِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَا فِيهِ جُعِلَتْ الْيَدُ لَهُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا، فَاسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ.
(وَلَوْ دَخَلَ دَارِهِ) أَيْ: دَارَ غَيْرِهِ
وَأَزْعَجَهُ عَنْهَا أَوْ أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ وَلَمْ يَدْخُلْ فَغَاصِبٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ وَاهٍ.
وَلَوْ سَكَنَ بَيْتًا وَمَنَعَ الْمَالِكَ مِنْهُ دُونَ بَاقِي الدَّارِ فَغَاصِبٌ لِلْبَيْتِ فَقَطْ، وَلَوْ دَخَلَ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَيْسَ الْمَالِكُ فِيهَا فَغَاصِبٌ، وَإِنْ كَانَ وَلَمْ يُزْعِجْهُ فَغَاصِبٌ لِنِصْفِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا لَا يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ.
ــ
[مغني المحتاج]
بِعِيَالٍ أَوْ بِدُونِهِمْ عَلَى هَيْئَةِ مَنْ يَقْصِدُ السُّكْنَى، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ (وَأَزْعَجَهُ عَنْهَا) أَيْ أَخْرَجَهُ مِنْهَا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ سِيدَهْ (أَوْ أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ) بِمَا يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا فِي بَيْعِهَا وَهُوَ التَّسَلُّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ (وَلَمْ يَدْخُلْ) هَا (فَغَاصِبٌ) أَمَّا فِي الْأُولَى، فَلِأَنَّ وُجُودَ الِاسْتِيلَاءِ يُغْنِي عَنْ قَصْدِهِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي قَبْضِهَا دُخُولُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ، فَإِنْ وُجِدَ الْإِزْعَاجُ فَقَطْ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ السُّكْنَى فِي الْأُولَى كَمَنْ يَهْجُمُ الدَّارَ لِإِخْرَاجِ صَاحِبِهَا كَظَالِمٍ وَلَا يُقِيمُ، فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَا يَضْمَنُهَا (وَفِي الثَّانِيَةِ) وَهِيَ فِيمَا إذَا أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ (وَجْهٌ وَاهٍ) أَيْ ضَعِيفٌ جِدًّا مَجَازٌ عَنْ الْإِسْقَاطِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ غَاصِبًا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُطْلِقُونَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ غَاصِبٌ. وَأَمَّا أَمْتِعَةُ الدَّارِ فَإِنْ مَنَعَ الْغَاصِبُ الْمَالِكَ مِنْهَا كَانَ غَاصِبًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي.
(وَلَوْ سَكَنَ بَيْتًا) مِنْ الدَّارِ (وَمَنَعَ الْمَالِكَ مِنْهُ دُونَ بَاقِي الدَّارِ فَغَاصِبٌ لِلْبَيْتِ فَقَطْ) لِقَصْدِهِ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ دُونَ بَاقِي الدَّارِ (وَلَوْ دَخَلَ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَيْسَ الْمَالِكُ فِيهَا) ، وَلَا مَنْ يَخْلُفُهُ مِنْ أَهْلٍ وَمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (فَغَاصِبٌ) لَهَا وَإِنْ ضَعُفَ الدَّاخِلُ وَقَوِيَ الْمَالِكُ لِحُصُولِ الِاسْتِيلَاءِ فِي الْحَالِ وَأَثَرِ قُوَّةِ الْمَالِكِ وَسُهُولَةِ إزَالَتِهِ لَا تُمْنَعُ فِي الْحَالِ. أَمَّا إذَا دَخَلَ لَا عَلَى قَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ، بَلْ يَنْظُرُ هَلْ تَصْلُحُ لَهُ أَوْ لِيَأْخُذَ مِثْلَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ غَاصِبًا حَتَّى لَوْ انْهَدَمَتْ حِينَئِذٍ لَمْ يَضْمَنْهَا (وَإِنْ كَانَ) الْمَالِكُ فِيهَا (وَلَمْ يُزْعِجْهُ فَغَاصِبٌ لِنِصْفِ الدَّارِ) لِاسْتِيلَائِهِ مَعَ الْمَالِكِ عَلَيْهَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الدَّاخِلُ (ضَعِيفًا لَا يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ) فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لِشَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِيلَاءَ إذْ لَا عِبْرَةَ بِقَصْدِ مَا لَا يُتَمَكَّنُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هَذَا وَسْوَسَةٌ وَحَدِيثُ نَفْسٍ، وَلَا يَكُونُ فِي صُورَةِ الْمُشَارَكَةِ السَّابِقَةِ غَاصِبًا لِلنِّصْفِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ فَكَانَ الْمَالِكُ ضَعِيفًا وَالدَّاخِلُ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ قَوِيًّا كَانَ غَاصِبًا لِلْجَمِيعِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ الضَّعِيفِ مَوْجُودَةٌ، فَلَا مَعْنَى لِإِلْغَائِهَا بِمُجَرَّدِ قُوَّةِ الدَّاخِلِ. اهـ.
وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي أَوْجَهُ
وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ حَيْثُ لَا يُجْعَلُ غَاصِبًا لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ دَخَلَ سَارِقٌ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ وَتَخَبَّأَ فِي الدَّارِ لَيْلَةً فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لِلْمَالِكِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُشْكِلٌ لَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ. اهـ.
وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ، أَنَّهُ اسْتَمَرَّ فِي دَارِهِ لَيْلَةً بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ شَيْئًا لِيُوصِلَهُ إلَى بَيْتِهِ، بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ كَانَ غَاصِبًا لَهُ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَطُرِدَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي شُغْلٍ، وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ طَاعَةَ الْأَمْرِ، وَهَذَا أَيْضًا أَوْجَهُ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَ بَعَثَ عَبْدَ زَوْجَتِهِ فِي شُغْلٍ دُونَ إذْنِهَا ضَمِنَهُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَرْأَةِ قَدْ يَرَى طَاعَةَ زَوْجِهَا، فَهُوَ كَالْأَعْجَمِيِّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ. وَسُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ رَجُلٍ أَخَافَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ بِسَبَبِ تُهْمَةٍ فَهَرَبَ لِوَقْتِهِ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ نَقَلَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ. اهـ.
وَقَوْلُهُ: نَقَلَهُ إلَخْ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مَسْكُهُ بِيَدِهِ كَافٍ، وَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَى حَيَوَانٍ فَتَبِعَهُ وَلَدُهُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتْبَعَهُ أَوْ هَادِي الْغَنَمِ فَتَبِعَهُ الْغَنَمُ لَمْ يَضْمَنْ التَّابِعَ فِي الْأَصَحِّ إذْ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ أُمَّ النَّحْلِ فَتَبِعَهَا النَّحْلُ لَا يَضْمَنُهُ إلَّا إنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْمَطْلَبِ.
(وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ) لِلْمَغْصُوبِ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ وَإِنْ عَظُمَتْ الْمُؤْنَةُ فِي رَدِّهِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَوَّلٍ كَحَبَّةِ بُرٍّ أَوْ كَلْبٍ يُقْتَنَى لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» فَلَوْ لَقِيَ الْمَالِكَ بِمَفَازَةٍ وَالْمَغْصُوبُ مَعَهُ فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ أُجْرَةَ النَّقْلِ، وَإِنْ امْتَنَعَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ بَرِئَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، وَلَوْ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَشَرَطَ عَلَى الْغَاصِبِ مُؤْنَةَ النَّقْلِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَغَوِيّ، وَفِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَوْ رَدَّ الدَّابَّةَ لِإِصْطَبْلِ الْمَالِكِ بَرِئَ إنْ عَلِمَ الْمَالِكُ بِهِ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ إخْبَارِ ثِقَةٍ، وَلَا يَبْرَأُ قَبْلَ الْعِلْمِ وَأَقَرَّاهُ، وَلَوْ غَصَبَ مِنْ الْمُودَعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ بَرِئَ بِالرَّدِّ إلَيْهِمْ لَا إلَى الْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَفِي الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَامِ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا أَنَّهُ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْذُونٌ لَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ لَكِنَّهُمَا ضَامِنَانِ، وَلَوْ أَخَذَ مِنْ عَبْدٍ شَيْئًا ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ كَمَلْبُوسِ الْعَبْدِ وَآلَاتٍ يَعْمَلُ بِهَا بَرِئَ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ الْآلَةَ مِنْ الْأَجِيرِ وَرَدَّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِهِ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ مَعَ رَدِّ الْمَغْصُوبِ شَيْءٌ، وَيُسْتَثْنَى مَسْأَلَةٌ يَجِبُ فِيهَا مَعَ الرَّدِّ الْقِيمَةُ، وَهِيَ مَا لَوْ غَصَبَ أَمَةً فَحَمَلَتْ بِحُرٍّ فِي يَدِهِ ثُمَّ
فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ.
ــ
[مغني المحتاج]
رَدَّهَا لِمَالِكِهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْحَيْلُولَةِ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ بِحُرٍّ لَا تُبَاعُ، ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ. قَالَ: وَعَلَى الْغَاصِبِ التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِيفَاؤُهُ لِلْإِمَامِ، وَلَا يَسْقُطُ بِإِبْرَاءِ الْمَالِكِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ صُوَرًا:
إحْدَاهَا إذَا مَلَكَهُ الْغَاصِبُ بِالْغَصْبِ وَذَلِكَ فِي حَرْبِيٍّ غَصَبَ مَالَ حَرْبِيٍّ وَلَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ بِالْغَصْبِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ الثَّانِيَةِ لَوْ غَصَبَ خَيْطًا وَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ فَلَا يَنْزِعُ مِنْهُ مَا دَامَ حَيًّا: أَيْ إذَا كَانَ يَتَأَلَّمُ بِهِ. الثَّالِثَةُ غَصَبَ عَصِيرًا عُصِرَ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ فَتَخَمَّرَ عِنْدَهُ يُرِيقُهُ وَلَا يَرُدُّهُ. الرَّابِعَةُ كُلُّ عَيْنٍ غَرَّمْنَا الْغَاصِبَ بَدَلَهَا لِمَا حَدَثَ فِيهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ لَا يَجِبُ رَدُّهَا عَلَى الْمَالِكِ كَمَا فِي الْحِنْطَةِ تُبْتَلُ بِحَيْثُ يَسْرِي إلَى الْهَلَاكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى مَا لَوْ غَصَبَ لَوْحًا وَأَدْرَجَهُ فِي سَفِينَتِهِ وَكَانَتْ فِي لُجَّةٍ وَخِيفَ مِنْ نَزْعِهِ هَلَاكُ مُحْتَرَمٍ فِي السَّفِينَةِ وَلَوْ لِلْغَاصِبِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يَنْزِعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. ثَانِيهُمَا تَأْخِيرُهُ لِلْإِشْهَادِ وَإِنْ طَالَبَهُ الْمَالِكُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُشْكِلٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ لِاسْتِمْرَارِ الْغَصْبِ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ زَمَنٌ يَسِيرٌ اُغْتُفِرَ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ يُنْكِرُهُ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي الرَّدِّ.
(فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ) مُتَمَوَّلٌ بِآفَةٍ أَوْ إتْلَافِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (ضَمِنَهُ) بِالْإِجْمَاعِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُتَمَوَّلِ كَحَبَّةِ بُرٍّ أَوْ كَلْبٍ يُقْتَنَى وَزِبْلٍ وَحَشَرَاتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِقُّ الزِّبْلِ قَدْ غَرِمَ عَلَى نَقْلِهِ أُجْرَةً لَمْ نُوجِبْهَا عَلَى الْغَاصِبِ.
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْمُتَمَوَّلِ إذَا تَلِفَ مَسَائِلُ. مِنْهَا مَا لَوْ غَصَبَ الْحَرْبِيُّ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ بَعْدَ التَّلَفِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا وَجَبَ رَدُّهُ. وَمِنْهَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا وَجَبَ قَتْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِرِدَّةٍ وَنَحْوِهَا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَمِنْهَا الرَّقِيقُ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ إذَا غَصَبَ مَالَ سَيِّدِهِ وَأَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَمِنْهَا لَوْ قُتِلَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَاقْتَصَّ الْمَالِكُ مِنْ الْقَاتِلِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ أَخَذَ بَدَلَهُ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَوْلُهُ: تَلِفَ لَا يَتَنَاوَلُ مَا إذَا أَتْلَفَهُ هُوَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ لَكِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَلِذَا قُلْتُ أَوْ إتْلَافٌ لَكِنْ لَوْ أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ أَتْلَفَهُ مَنْ لَا يَعْقِلُ أَوْ مَنْ يَرَى طَاعَةَ الْآمِرِ بِأَمْرِ الْمَالِكِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ. نَعَمْ لَوْ صَالَ الْمَغْصُوبُ عَلَى الْمَالِكِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ سَوَاءٌ أَعَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهَذِهِ الْجِهَةِ كَتَلَفِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ عِنْدَهُ مَا لَوْ تَلِفَ بَعْدَ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ رَدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ بِإِجَارَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ
وَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا فِي يَدِ مَالِكِهِ ضَمِنَهُ.
وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ مَطْرُوحٍ عَلَى الْأَرْضِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ، أَوْ مَنْصُوبٍ فَسَقَطَ بِالْفَتْحِ وَخَرَجَ مَا فِيهِ ضَمِنَ، وَإِنْ سَقَطَ بِعَارِضِ رِيحٍ لَمْ يَضْمَنْ.
ــ
[مغني المحتاج]
فَتَلِفَ عِنْدَ الْمَالِكِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَمَا لَوْ قُتِلَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْمَالِكِ بِرِدَّةٍ أَوْ جِنَايَةٍ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ.
ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ اسْتِطْرَادًا يَقَعُ فِيهَا الضَّمَانُ بِلَا غَصْبٍ بَلْ بِمُبَاشَرَةٍ كَإِتْلَافٍ أَوْ سَبَبٍ كَفَتْحِ الْقَفَصِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ، فَقَالَ (وَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا فِي يَدِ مَالِكِهِ ضَمِنَهُ) بِالْإِجْمَاعِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ. مِنْهَا كَسْرُ الْبَابِ وَنَقْبُ الْجِدَارِ فِي مَسْأَلَةِ الظُّفْرِ، وَمِنْهَا مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ دَفْعِ الصَّائِلِ إلَّا بِعَقْرِ دَابَّتِهِ وَكَسْرِ سِلَاحِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إرَاقَةِ الْخَمْرِ إلَّا بِكَسْرِ آنِيَتِهِ وَمِنْهَا مَا يُتْلِفُهُ الْبَاغِي عَلَى الْعَادِلِ وَعَكْسُهُ حَالَةُ الْحَرْبِ، وَكَذَا مَا يُتْلِفُهُ الْحَرْبِيُّونَ عَلَيْنَا وَمَا يُتْلِفُهُ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْعَبْدَ الْمُرْتَدَّ وَالْمُحَارِبَ وَتَارِكَ الصَّلَاةِ وَالْحَيَوَانَ الصَّائِلَ بِقَتْلِهِ بِيَدِ مَالِكِهِ، وَلَوْ دَخَلَ دُكَّانَ حَدَّادٍ وَهُوَ يَطْرُقُ الْحَدِيدِ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ، فَأَحْرَقَتْ ثَوْبَهُ كَانَ هَدَرًا، وَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِ الْحَدَّادِ، وَخَرَجَ بِالْإِتْلَافِ التَّلَفُ فَلَا يَضْمَنُهُ، كَمَا لَوْ سَخَّرَ دَابَّةً وَمَعَهَا مَالِكُهَا فَتَلِفَتْ لَا يَضْمَنُهَا كَمَا قَالَهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ إلَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ اكْتَرَى لِحَمْلِ مِائَةٍ فَحَمَلَتْ زِيَادَةً عَلَيْهَا وَتَلِفَتْ بِذَلِكَ وَصَاحِبُهَا مَعَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِسْطَ الزِّيَادَةِ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
ثُمَّ شَرَعَ فِي الثَّانِي: وَهُوَ السَّبَبُ، فَقَالَ:(وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَهُوَ السِّقَاءُ (مَطْرُوحٌ عَلَى الْأَرْضِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ) ، وَتَلِفَ (أَوْ) زِقٍّ (مَنْصُوبٍ فَسَقَطَ بِالْفَتْحِ) لِتَحْرِيكِهِ الْوِكَاءَ وَجَذْبِهِ (وَخَرَجَ مَا فِيهِ) ، وَتَلِفَ أَوْ بِتَقَاطُرِ مَاءٍ فِيهِ وَابْتِلَالِ أَسْفَلِهِ بِهِ، وَلَوْ كَانَ التَّقَاطُرُ بِإِذَابَةِ شَمْسٍ أَوْ حَرَارَةٍ أَوْ رِيحٍ مَعَ مُرُورِ الزَّمَانِ، فَسَالَ مَا فِيهِ وَتَلِفَ (ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَالْإِتْلَافُ نَاشِئٌ عَنْ فِعْلِهِ فِي الْبَاقِي سَوَاءٌ أَحَضَرَ الْمَالِكُ، وَأَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ فَلَمْ يَفْعَلْ أَمْ لَا كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ أَوْ حَرَقَ ثَوْبَهُ، وَأَمْكَنَ الدَّفْعُ فَلَمْ يَفْعَلْ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَمُولِيُّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ عَمَّا إذَا كَانَ جَامِدًا، فَخَرَجَ بِتَقْرِيبٍ نَارٍ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُقَرِّبِ (وَإِنْ سَقَطَ) الزِّقُّ بَعْدَ فَتْحِهِ لَهُ (بِعَارِضِ رِيحٍ) أَوْ نَحْوِهَا كَزَلْزَلَةٍ وَوُقُوعِ طَائِرٍ أَوْ جُهِلَ الْحَالُ فَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ سُقُوطِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ (لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ، وَلَيْسَ فِعْلُهُ فِي الْأُولَى مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْعَارِضِ، وَلِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ فِي الثَّانِيَةِ، وَفَارَقَ حُكْمَ الْأُولَى إذَابَةُ الشَّمْسِ بِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مُحَقَّقٌ فَلِذَلِكَ قَدْ يَقْصِدُهُ الْفَاتِحُ بِخِلَافِ الرِّيحِ
وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ ضَمِنَهُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا طَارَ فِي الْحَالِ ضَمِنَ، وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا.
ــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الرِّيحَ لَوْ كَانَتْ هَابَّةً عِنْدَ الْفَتْحِ ضَمِنَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ تَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَ الْمُقَارِنِ وَالْعَارِضِ، فِيمَا إذَا أَوْقَدَ نَارًا فِي أَرْضِهِ فَحَمَلَهَا الرِّيحُ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا، وَلَوْ قَلَبَ الزِّقَّ غَيْرُ الْفَاتِحِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ ضَمِنَهُ دُونَ الْفَاتِحِ، وَلَوْ أَزَالَ وَرَقَ الْعِنَبِ فَفَسَدَتْ عَنَاقِيدُهُ بِالشَّمْسِ ضَمِنَهُ، أَوْ ذَبَحَ شَاةَ رَجُلٍ، فَهَلَكَتْ سَخْلَتُهَا أَوْ حَمَامَةٌ فَهَلَكَ فَرْخُهَا ضَمِنَهَا لِفَقْدِ مَا يَعِيشَانِ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ حَبَسَ الْمَالِكُ عَلَى مَاشِيَتِهِ وَلَوْ ظُلْمًا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ التَّالِفَ هُنَا جُزْءٌ أَوْ كَالْجُزْءِ مِنْ الْمَذْبُوحِ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ مَعَ مَالِكِهَا، وَبِأَنَّهُ هُنَا أَتْلَفَ غِذَاءَ الْوَلَدِ الْمُتَعَيَّنَ لَهُ بِإِتْلَافِ أُمِّهِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ، وَلَوْ أَرَادَ سَوْقَ الْمَاءِ إلَى النَّخْلِ أَوْ الزَّرْعِ، فَمَنَعَهُ ظَالِمٌ مِنْ السَّقْيِ حَتَّى فَسَدَتْ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ كَمَا لَوْ حَبَسَ الْمَالِكُ عَنْ الْمَاشِيَةِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ الضَّمَانِ.
وَلَوْ حَلَّ رِبَاطَ سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ بِحَلِّهِ ضَمِنَهُ أَوْ بِعَارِضِ رِيحٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَادِثٌ فَوَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمُ الضَّمَانِ لِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ كَمَا مَرَّ.
(وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ) فِي الْحَالِ (ضَمِنَهُ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى الْفِرَارِ كَإِكْرَاهِ الْآدَمِيِّ (وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا طَارَ فِي الْحَالِ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ طَيَرَانَهُ فِي الْحَالِ يُشْعِرُ بِتَنْفِيرِهِ (وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا) يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّ طَيَرَانَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْتَحْ لَمْ يَطِرْ. وَالثَّالِثُ: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ لَهُ قَصْدًا وَاخْتِيَارًا، وَالْفَاتِحُ مُتَسَبِّبٌ، وَالطَّائِرُ مُبَاشِرٌ، وَالْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّبَبِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ حَلَّ رِبَاطَ بَهِيمَةٍ أَوْ فَتَحَ بَابًا فَخَرَجَتْ وَضَاعَتْ، وَفِيمَا لَوْ حَلَّ قَيْدَ رَقِيقٍ مَجْنُونٍ وَفَتَحَ عَلَيْهِ الْبَابَ، بِخِلَافِ الرَّقِيقِ الْعَاقِلِ وَلَوْ كَانَ آبِقًا؛ لِأَنَّهُ صَحِيحُ الِاخْتِيَارِ، فَخُرُوجُهُ عَقِبَ مَا ذُكِرَ يُحَالُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَخَذَتْهُ هِرَّةٌ بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ وَقَتَلَتْهُ وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ الْقَفَصَ، أَوْ لَمْ يُعْهَدْ ذَلِكَ مِنْهَا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا أَوْ طَارَ فَصَدَمَ جِدَارًا فَمَاتَ أَوْ كَسَرَ فِي خُرُوجِهِ قَارُورَةً أَوْ الْقَفَصَ، ضَمِنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ مِنْ فِعْلِهِ؛ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْأُولَى بِمَعْنَى إغْرَاءِ الْهِرَّةِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْهِرَّةُ حَاضِرَةً وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ كَعُرُوضِ رِيحٍ بَعْدَ فَتْحِ الزِّقِّ، وَلَوْ كَانَ الطَّائِرُ فِي أَقْصَى الْقَفَصِ فَأَخَذَ يَمْشِي قَلِيلًا قَلِيلًا، ثُمَّ طَارَ فَكَطَيَرَانِهِ فِي الْحَالِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي. قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْقَفَصُ مَفْتُوحًا فَمَشَى إنْسَانٌ عَلَى بَابِهِ فَفَزَعَ الطَّائِرُ وَخَرَجَ ضَمِنَهُ، وَلَوْ أَمَرَ طِفْلًا أَوْ