المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في الإقرار بالنسب] - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج - جـ ٣

[الخطيب الشربيني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌فَصْلٌ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَدَاءِ غَيْر الْمُسْلِم فِيهِ عَنْهُ وَوَقْتِ أَدَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَمَكَانِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ]

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌فَصْلٌ شَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى لُزُومِ الرَّهْنِ]

- ‌[فَصْلٌ إذَا جنى الْمَرْهُونُ جِنَايَةً تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ]

- ‌كِتَابُ التَّفْلِيسِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُفْعَلُ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الْمُعَامِلِ لِلْمُفْلِسِ عَلَيْهِ بِمَا عَامَلَهُ بِهِ وَلَمْ يَقْبِضْ عِوَضَهُ]

- ‌بَابُ الْحَجْرِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ يَلِي الصَّبِيَّ مَعَ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ]

- ‌بَابُ الصُّلْحِ

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ]

- ‌بَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌بَابُ الضَّمَانِ

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الصِّيغَةِ]

- ‌كتاب الشركة

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَكَالَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَكَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِغَيْرِ أَجَلٍ وَمَا يَتْبَعُهَا]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ]

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الصِّيغَةِ]

- ‌فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْإِقْرَارِ وَبَيَانِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ]

- ‌[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رد الْعَارِيَّةِ]

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌[فَرْعٌ حَلَّ رِبَاطًا عَنْ عَلَفٍ فِي وِعَاءٍ فَأَكَلَتْهُ فِي الْحَالِ بَهِيمَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يُضْمَنُ بِهِ الْمَغْصُوبُ وَغَيْرُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ وَضَمَانِ نَقْصِ الْمَغْصُوبِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَطْرَأُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْ زِيَادَةٍ وَغَيْرِهَا]

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الشِّقْصُ وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مَعَ مَا يَأْتِي مَعَهُمَا]

- ‌كِتَابُ الْقِرَاضِ

- ‌[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقِرَاضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْقِرَاضَ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْقُرَبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى مُكْرِي دَارٍ وَدَابَّةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي تُقَدَّرُ الْمَنْفَعَةُ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ وَمَا يَقْتَضِيهِمَا]

- ‌كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْأَرْضِ]

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ اللَّفْظِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ الْمَعْنَوِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ النَّظَرِ عَلَى الْوَقْفِ وَشَرْطِ النَّاظِرِ وَوَظِيفَتِهِ]

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْمُلْتَقَطِ]

- ‌[فَصْلٌ وَيَذْكُرُ نَدْبًا بَعْضَ أَوْصَافِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُمْلَكُ بِهِ اللُّقَطَةُ]

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ أَوْ كُفْرِهِ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ وَغَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرِقِّ اللَّقِيطِ وَحُرِّيَّتِهِ وَاسْتِلْحَاقِهِ]

- ‌كِتَابُ الْجَعَالَةِ

الفصل: ‌[فصل في الإقرار بالنسب]

فَصْلٌ أَقَرَّ بِنَسَبٍ إنْ أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ اُشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ وَلَا الشَّرْعُ بِأَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُسْتَلْحَقُ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ.

ــ

[مغني المحتاج]

وَنَظَائِرِهِمَا، وَلَوْ أَقَرَّ لِوَرَثَةِ أَبِيهِ بِمَالٍ وَكَانَ هُوَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ، فَإِنْ نَصَّ عَلَى نَفْسِهِ دَخَلَ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي، فَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَعَلَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ إقْرَارٌ. اهـ.

وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا نَقَلَهُ الْهَرَوِيُّ عَنْ النَّصِّ كَمَا إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُ دَارِهِ وَلَوْ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَقَالَ: أَرَدْتُ دَارَةَ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ غَصْبَ ذَلِكَ مُحَالٌ فَلَا تُقْبَلُ إرَادَتُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ لَهُمَا لِأَحَدٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ لَهُ الْفَسْخَ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ لَهُمَا أَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي لِعَجْزِهِ عَنْ الْفَسْخِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِثِيَابِ بَدَنِهِ دَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَا يَلْبَسُهُ حَتَّى الْفَرْوَةُ لَا الْخُفُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى الثِّيَابِ.

[فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ]

ِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ، وَجَمْعُهُ أَنْسَابٌ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ:

الْأَوَّلُ أَنْ يُلْحِقَ النَّسَبَ بِنَفْسِهِ.

وَالثَّانِي بِغَيْرِهِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: لَوْ (أَقَرَّ) الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الذَّكَرُ، وَلَوْ عَبْدًا وَكَافِرًا وَسَفِيهًا (بِنَسَبٍ) لِغَيْرِهِ (إنْ أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ) كَهَذَا ابْنِي أَوْ أَنَا أَبُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِكَوْنِ الْإِضَافَةِ فِيهِ إلَى الْمُقِرِّ (اُشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ) أَيْ هَذَا الْإِلْحَاقِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا (أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ) بِأَنْ يَكُونَ فِي سِنٍّ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، فَلَوْ كَانَ فِي سِنٍّ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ مِنْهُ، أَوْ كَانَ قَدْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ مِنْ زَمَنٍ يَتَقَدَّمُ عَلَى زَمَنِ الْعُلُوقِ بِهِ، لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ الْحِسَّ يُكَذِّبُهُ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّسَبِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِتْقِ فَسَيَأْتِي، وَلَوْ قَدِمَتْ كَافِرَةٌ بِطِفْلٍ وَادَّعَاهُ رَجُلٌ وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا أَوْ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ أَنْفَذَ إلَيْهَا مَاءَهُ فَاسْتَدْخَلَتْهُ لَحِقَهُ، وَإِلَّا فَلَا (وَ) ثَانِيهَا أَنْ (لَا) يُكَذِّبَهُ (الشَّرْعُ) وَتَكْذِيبُهُ (بِأَنْ يَكُونَ) الْمُسْتَلْحَقُ بِفَتْحِ الْحَاءِ (مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ) أَوْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الثَّابِتَ مِنْ شَخْصٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ أَصَدَّقَهُ الْمُسْتَلْحَقُ أَمْ لَا.

(وَ) ثَانِيهَا: (أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُسْتَلْحَقُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ (إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ) بِأَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي نَسَبِهِ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ.

ص: 304

فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا ثَبَتَ، فَلَوْ بَلَغَ وَكَذَّبَهُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ.

ــ

[مغني المحتاج]

تَنْبِيهٌ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْفِيًّا بِلِعَانِ الْغَيْرِ عَنْ فِرَاشِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِحَّ اسْتِلْحَاقُهُ لِغَيْرِ النَّافِي. أَمَّا الْمَنْفِيُّ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، فَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَازَعَهُ فِيهِ قَبْلَ النَّفْيِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ وَلَدَ زِنًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمُسْتَلْحَقُ بِفَتْحِ الْحَاءِ رَقِيقًا لِلْغَيْرِ وَلَا عَتِيقًا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِحَّ اسْتِلْحَاقُهُ مُحَافَظَةً عَلَى حَقِّ الْوَلَاءِ لِلسَّيِّدِ، بَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْكَبِيرُ الْعَاقِلُ قُبِلَ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ مِنْ عَدَم الْقَبُولِ، وَالرَّقِيقُ بَاقٍ عَلَى رِقِّهِ لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَ النَّسَبِ وَالرِّقِّ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُرِّيَّةَ وَالْحُرِّيَّةُ لَمْ تَثْبُتْ، وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ لَهُ وَهُوَ بِيَدِهِ وَلَمْ يُمْكِنْ لُحُوقُهُ بِهِ كَأَنْ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ لَغَا قَوْلُهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ لُحُوقُهُ بِهِ لَحِقَهُ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُصَدِّقُ لَهُ وَعَتَقُوا. أَمَّا ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ الْمُكَذِّبُ لَهُ فَلَا يَلْحَقَانِهِ وَيُعْتَقَانِ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِاعْتِرَافِهِ بِبُنُوَّتِهِمَا وَلَا يَرِثَانِ مِنْهُ كَمَا لَا يَرِثُ مِنْهُمَا.

ثُمَّ إنْ أَقَرَّ بِأُمٍّ فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ لِلْعِمْرَانِيِّ عَنْ ابْنِ اللَّبَّانِ أَنَّ إقْرَارَ الشَّخْصِ بِالْأُمِّ لَا يَصِحُّ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ وَأَقَرَّهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَبٍ فَكَذَّبَهُ أَوْ سَكَتَ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِلْحَاقُ أَوْ ابْنٍ.

(فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَّبَهُ) أَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ، وَكَذَا لَوْ سَكَتَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ هُنَا، وَإِنْ صُحِّحَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي فَصْلِ التَّسَامُعِ فِي الشَّهَادَةِ أَنَّ سُكُوتَ الْبَالِغِ فِي النَّسَبِ كَالْإِقْرَارِ (لَمْ يَثْبُتْ) نَسَبُهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، وَإِنْ لَمْ تَصْدُقْ بِذَلِكَ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ اسْتَلْحَقَ بَالِغًا عَاقِلًا وَصَدَّقَهُ ثُمَّ رَجَعَا لَا يَسْقُطُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الْمَحْكُومَ بِثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ بِالِاتِّفَاقِ كَالثَّابِتِ بِالِافْتِرَاشِ (، وَإِنْ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا) أَوْ مَجْنُونًا (ثَبَتَ) نَسَبُهُ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ مَا عَدَا التَّصْدِيقَ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى النَّسَبِ عَسِرَةٌ، وَالشَّارِعُ قَدْ اعْتَنَى بِهِ وَأَثْبَتَهُ بِالْإِمْكَانِ فَلِذَلِكَ أَثْبَتْنَاهُ بِالِاسْتِلْحَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُقِرُّ بِهِ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ (فَلَوْ بَلَغَ) الصَّغِيرُ، أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ (وَكَذَّبَهُ) بَعْدَ كَمَالِهِ (لَمْ يَبْطُلْ) نَسَبُهُ (فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ فَلَا يَنْدَفِعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُقَرِّ بِهِ تَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ وَالثَّانِي: يَبْطُلُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِهِ حِينَ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْإِنْكَارِ، وَقَدْ صَارَ وَالْأَحْكَامُ تَدُورُ مَعَ عِلَلِهَا وُجُودًا وَعَدَمًا.

فَإِنْ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَجْنُونِ يُخَالِفُهُ مَا لَوْ قَالَ لِمَجْنُونٍ: هَذَا أَبِي حَيْثُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ حَتَّى يُفِيقَ وَيُصَدَّقَ، وَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ: مَا أَدْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ الِابْنُ بَعْدَ الْجُنُونِ يَعُودُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ

ص: 305

وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَلْحِقَ مَيِّتًا صَغِيرًا، وَكَذَا كَبِيرٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيَرِثُهُ.

وَلَوْ اسْتَلْحَقَ اثْنَانِ بَالِغًا ثَبَتَ لِمَنْ صَدَّقَهُ وَحُكْمُ الصَّغِيرِ يَأْتِي فِي اللَّقِيطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلَوْ قَالَ لِوَلَدِ أَمَتِهِ: هَذَا وَلَدِي ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأَظْهَرِ،

ــ

[مغني المحتاج]

فِي صِبَاهُ بِخِلَافِ الْأَبِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ أَصْلَ هَذَا لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَرَأْيُهُ أَنَّ الْمَجْنُونَ الْبَالِغَ لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ إلَّا إنْ أَفَاقَ وَصَدَّقَ، وَلَا يَشْكُلُ بِاسْتِلْحَاقِ الْمَيِّتِ لِلْيَأْسِ مِنْ عَوْدِهِ وَهَذَا رَأْيٌ مَرْجُوحٌ، فَإِذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا أَبِي وَهَذَا ابْنِي كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي.

(وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَلْحِقَ مَيِّتًا صَغِيرًا) وَلَوْ بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ وَلَا يُبَالِي بِتُهْمَةِ الْمِيرَاثِ وَلَا بِتُهْمَةِ سُقُوطِ الْقَوَدِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ فِيهِ، وَلِهَذَا لَوْ نَفَاهُ فِي الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَحِقَهُ وَوَرِثَهُ (وَكَذَا كَبِيرًا) مَيِّتٌ يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ فَصَحَّ اسْتِلْحَاقُهُ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِفَوَاتِ التَّصْدِيقِ، وَهُوَ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الِاسْتِلْحَاقِ إلَى الْمَوْتِ يُشْعِرُ بِإِنْكَارِهِ لَوْ وَقَعَ فِي حَيَاتِهِ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَنْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَاقِلًا وَلَمْ يَمُتْ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ لَهُ حَالَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا تَصْدِيقُهُ، وَلَيْسَ الْآنَ مِنْ أَهْلِ التَّصْدِيقِ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (يَرِثُهُ) أَيْ الْمَيِّتَ الْمُسْتَلْحَقَ وَلَا نَظَرَ إلَى التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ فَرْعُ النَّسَبِ وَقَدْ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَمَسْأَلَةُ الْإِرْثِ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ.

فَائِدَةٌ لَوْ نَفَى الذِّمِّيُّ وَلَدَهُ: أَيْ: الصَّغِيرَ أَوْ الْمَجْنُونَ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنْ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا، فَلَا يَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَلَوْ مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ، وَصَرَفْنَا مِيرَاثَهُ لِأَقَارِبِهِ الْكُفَّارِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ النَّافِي حُكِمَ بِالنَّسَبِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا، وَيَسْتَرِدُّ مِيرَاثَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ الْكُفَّارِ وَتُصْرَفُ لَهُ.

(وَلَوْ اسْتَلْحَقَ اثْنَانِ) فَأَكْثَرُ (بَالِغًا ثَبَتَ لِمَنْ صَدَّقَهُ) مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ لِاجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ فِيهِ دُونَ الْآخَرِ، فَإِنْ صَدَّقَهُمَا أَوْ لَمْ يُصَدِّقْ وَاحِدًا مِنْهُمَا عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُبَيْلَ بَابِ الْعِتْقِ (وَحُكْمُ الصَّغِيرِ) إذَا اسْتَلْحَقَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ (يَأْتِي فِي) كِتَابِ (اللَّقِيطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) وَيَأْتِي فِيهِ أَيْضًا حُكْمُ اسْتِلْحَاقِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ.

(وَلَوْ قَالَ لِوَلَدِ أَمَتِهِ) غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ والمستفرشة لَهُ (هَذَا وَلَدِي ثَبَتَ نَسَبُهُ) عِنْدَ اجْتِمَاعِ شُرُوطِهِ، وَلَا بُدَّ فِي تَتِمَّةِ التَّصْوِيرِ أَنْ يَقُولَ مِنْهَا كَمَا فِي التَّنْبِيهِ كَذَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَعَلَّهُ لِأَجْلِ الْخِلَافِ فِي قَوْلِهِ (وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأَظْهَرِ) وَإِلَّا فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ ثُمَّ مَلَكَهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَاعِدَةِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ. وَالثَّانِي: وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ

ص: 306

وَكَذَا لَوْ قَالَ وَلَدِي وَلَدْتُهُ فِي مِلْكِي، فَإِنْ قَالَ: عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِي ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ لَحِقَهُ بِالْفِرَاشِ، مِنْ غَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ، وَاسْتِلْحَاقُ السَّيِّدِ بَاطِلٌ.

وَأَمَّا إذَا أَلْحَقَ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ كَهَذَا أَخِي

ــ

[مغني المحتاج]

يَثْبُتُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ أَوْلَدَهَا بِالْمِلْكِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ النِّكَاحِ (وَكَذَا) لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأَظْهَرِ.

(لَوْ قَالَ) : هَذَا (وَلَدِي وَلَدْتُهُ فِي مِلْكِي) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَحْبَلَهَا قَبْلَ الْمِلْكِ بِمَا مَرَّ ثُمَّ اشْتَرَاهَا حَامِلًا فَوَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ (فَإِنْ قَالَ: عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِي) أَوْ هَذَا وَلَدِي اسْتَوْلَدْتهَا بِهِ فِي مِلْكِي أَوْ هَذَا وَلَدِي مِنْهَا وَمِلْكِي عَلَيْهَا مُسْتَمِرٌّ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا وَكَانَ الْوَلَدُ ابْنَ نَحْوَ سَنَةٍ (ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ) لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ الْمُصَنَّفُ. فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ مَرْهُونَةً ثُمَّ أَوْلَدَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ فَبِيعَتْ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا، وَقُلْنَا بِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً عَلَى رَأْيٍ. .

أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا احْتِمَالٌ بَعِيدٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا قَبْلَ إقْرَارِهِ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ حَتَّى يَنْفِيَ احْتِمَالُ أَنَّهُ أَحْبَلَهَا زَمَنَ كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّ إحْبَالَ الْمُكَاتَبِ لَا يُثْبِتُ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى آخِرَ الْكِتَابِ، وَلَوْ قَالَ: يَدُ فُلَانٍ ابْنِي أَوْ أَخِي أَوْ يَدُ هَذِهِ الْأَمَةِ مُسْتَوْلَدَتِي لَيْسَ إقْرَارًا بِالنَّسَبِ وَلَا بِالِاسْتِيلَادِ، إذَا جَعَلْنَا نَظِيرَهُ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْجُزْءِ ثُمَّ يَسْرِي، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ عِبَارَةً عَنْ الْجُمْلَةِ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ كَانَ إقْرَارًا بِالنَّسَبِ وَالِاسْتِيلَادِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ عَنْ التَّتِمَّةِ (فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ لَحِقَهُ) الْوَلَدُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ (بِالْفِرَاشِ) بِأَنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا (مِنْ غَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ (وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ) عِنْدَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ (وَاسْتِلْحَاقُ السَّيِّدِ) لَهُ (بَاطِلٌ) لِلُحُوقِهِ بِالزَّوْجِ شَرْعًا.

فَرْعٌ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا أَوْلَادَهُ هَؤُلَاءِ وَزَوْجَتَهُ هَذِهِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: يَثْبُتُ حَصْرُ وَرَثَتِهِ فِيهِمْ بِإِقْرَارِهِ كَمَا يُعْتَمَدُ إقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الْإِرْثِ يُعْتَمَدُ فِي حَصْرِهِ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ لَهُ، وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي مَا يَدُلُّ لَهُ.

تَنْبِيهٌ مَاتَ وَخَلَّفَ ابْنًا وَاحِدًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَوَرِثَ أَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَبَنَاتٍ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، فَقَالَ (وَأَمَّا إذَا أَلْحَقَ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ) مِمَّنْ يَتَعَدَّى النَّسَبُ مِنْهُ إلَى نَفْسِهِ (كَهَذَا أَخِي) وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا: هَذَا أَخِي ابْنُ أَبِي وَأُمِّي، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْإِلْحَاقِ بِالْأُمِّ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى

ص: 307

أَوْ عَمِّي، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُلْحَقِ بِهِ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُلْحَقِ بِهِ مَيِّتًا،

ــ

[مغني المحتاج]

ذَلِكَ (أَوْ) هَذَا (عَمِّي، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُلْحَقِ بِهِ) إذَا كَانَ رَجُلًا؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَ مُوَرِّثَهُمْ فِي حُقُوقٍ وَالنَّسَبُ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَإِنَّمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ بِمِثَالَيْنِ لِيُعَرِّفكِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَعَدَّى النَّسَبُ مِنْهُ إلَى نَفْسِهِ بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْأَبِ فِي قَوْلِهِ: هَذَا أَخِي أَوْ ثِنْتَانِ كَالْجَدِّ فِي قَوْلِهِ هَذَا عَمِّي، وَقَدْ يَكُونُ بِثَلَاثَةٍ كَابْنِ الْعَمِّ.

تَنْبِيهٌ إنَّمَا قَيَّدْتُ الْمُلْحَقَ بِهِ بِكَوْنِهِ رَجُلًا؛ لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَ الْمَرْأَةِ لَا يُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، فَبِالْأَوْلَى اسْتِلْحَاقُ وَارِثِهَا وَإِنْ كَانَ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ وَاضِحٌ وَكَذَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ اللَّبَّانِ، وَنَقَلَ عَنْهُ الْعِمْرَانِيُّ فِي زَوَائِدِهِ: أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأُمِّ لَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ كَمَا فِي اسْتِلْحَاقِ الْمَرْأَةِ. اهـ.

لَكِنَّ قَوْلَ الْأَصْحَابِ لَا بُدَّ مِنْ مُوَافَقَةِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَلَوْ بِزَوْجِيَّةٍ وَوَلَاءٍ كَمَا سَيَأْتِي يَشْمَلُ الزَّوْجَةَ وَالزَّوْجَ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ، وَهِيَ: وَيُشْتَرَطُ مُوَافَقَةُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ.

وَصُورَتُهُ فِي الزَّوْجِ أَنْ تَمُوتَ امْرَأَةٌ وَتُخَلِّفَ ابْنًا وَزَوْجًا،، فَيَقُولَ الِابْنُ لِشَخْصٍ: هَذَا أَخِي فَلَا بُدَّ مِنْ مُوَافَقَةِ الزَّوْجِ فَهَذَا اسْتِلْحَاقٌ بِامْرَأَةٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي خَادِمِهِ يَرُدُّ عَلَى ابْنِ اللَّبَّانِ وَالْعِمْرَانِيِّ فِي قَوْلِهِمَا، أَنَّ الِاسْتِلْحَاقَ بِالْمَرْأَةِ لَا يَصِحُّ، وَفَرَّقَ شَيْخِي بَيْنَ اسْتِلْحَاقِ الْوَارِثِ بِهَا وَبَيْنَ عَدَمِ صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِهَا بِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ تَسْهُلُ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْوَارِثِ خُصُوصًا إذَا تَرَاخَى النَّسَبُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ (بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ) فِيمَا إذَا أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُلْحَقِ بِهِ مَيِّتًا) فَلَا يُلْحَقُ بِالْحَيِّ وَلَوْ مَجْنُونًا لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ الشَّخْصِ مَعَ وُجُودِهِ بِقَوْلِ غَيْرِهِ، فَلَوْ صَدَّقَ الْحَيُّ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِتَصْدِيقِهِ، وَالِاعْتِمَادُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى التَّصْدِيقِ لَا عَلَى الْمُقِرِّ.

وَأَمَّا تَصْدِيقُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَسَائِطِ فَفِي الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْحَاوِي وَخَالَفَ فِي الْبَيَانِ، وَقَالَ: إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا اثْنَانِ بِأَنْ أَقَرَّ بِعَمٍّ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَكْفِي تَصْدِيقُ الْجَدِّ، فَإِنَّهُ الْأَصْلُ الَّذِي ثَبَتَ النَّسَبُ بِهِ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِهِ وَكَذَّبَهُ ابْنُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ تَكْذِيبُهُ، فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ تَصْدِيقِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ لَا شَكّ فِيهِ اهـ.

وَهَذَا ظَاهِرٌ. فَإِنْ قِيلَ مَا صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي بَيْنَ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ بِهِ إنْ كَانَ وَارِثًا فَالْمُقِرُّ غَيْرُ وَارِثٍ فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ فَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ.

أُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ، وَقَدْ يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ؛ لِأَنَّ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ بِدُونِهِ إلْحَاقًا بِهِ، وَهُوَ أَصْلُ الْمُقِرِّ، وَيَبْعُدُ إثْبَاتُ نَسَبِ الْأَصْلِ بِقَوْلِ الْفَرْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَلْحَقَ النَّسَبَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ فِيهِ

ص: 308

وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ نَفَاهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ وَارِثًا حَائِزًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ

ــ

[مغني المحتاج]

إلْحَاقًا بِأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ لَكِنَّهُ بِطَرِيقِ الْفَرْعِيَّةِ عَنَّ إلْحَاقُهُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَبْعُدُ تَبَعِيَّةُ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ (أَنْ لَا يَكُونَ نَفَاهُ) الْمَيِّتُ (فِي الْأَصَحِّ)، فَيَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِهِ كَمَا لَوْ اسْتَلْحَقَهُ النَّافِي. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ مَا ذُكِرَ لِمَا فِي إلْحَاقِهِ مِنْ الْعَارِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالْوَارِثُ لَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ حَظُّ الْمُوَرِّثِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْقَلْبُ إلَيْهِ أَمْيَلُ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ) فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ (وَارِثًا) بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَرَقِيقٍ وَقَاتِلٍ وَأَجْنَبِيٍّ (حَائِزًا) لِتَرِكَةِ الْمُلْحَقِ بِهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ، فَلَوْ مَاتَ وَخَلَّفَ ابْنًا وَاحِدًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَوَرِثَ أَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَبَنَاتٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا، وَكَذَا يُعْتَبَرُ مُوَافَقَةُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ كَمَا مَرَّ وَالْمُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْوَرَثَةِ.

تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمُصَنَّفِ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِ الْإِمَامِ فِيمَنْ إرْثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ؛ لِأَنَّ إرْثَهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْإِسْلَامِ، وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ. وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ، وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْوَارِثِ، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُلْحِقَ النَّسَبَ بِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُوَافِقَ فِيهِ غَيْرُ الْحَائِزِ، وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ الْحَائِزُ بِوَاسِطَةٍ كَأَنْ أَقَرَّ بِعَمٍّ وَهُوَ حَائِزٌ تَرِكَةَ أَبِيهِ الْحَائِزِ تَرِكَةَ جَدِّهِ الْمُلْحَقِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ جَدِّهِ فَلَا وَاسِطَةَ صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ. وَهُوَ يُفْهِمُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُقِرِّ حَائِزًا لِمِيرَاثِ الْمُلْحَقِ بِهِ لَوْ قُدِّرَ مَوْتُهُ حِينَ الْإِلْحَاقِ، وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا ثُمَّ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَتَرَكَ ابْنًا مُسْلِمًا وَأَسْلَمَ عَمُّهُ الْكَافِرُ، فَحَقَّ الْإِلْحَاقُ بِالْجَدِّ لِابْنِ ابْنِهِ الْمُسْلِمِ، لَا لِابْنِهِ الَّذِي أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قِيلَ لَكَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ اهـ.

وَيَصِحُّ إلْحَاقُ الْمُسْلِمِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ وَإِلْحَاقُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ) كَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ كَمَا حَكَاهُ السُّبْكِيُّ.

قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ: وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَعَ كَوْنِ الْمُقِرِّ حَائِزًا أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ، وَهَذَا لَا يُعْرَفُ بَلْ هُوَ خِلَافُ النَّقْلِ وَالْعَقْلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ هُنَا شَيْءٌ إمَّا مِنْ أَصْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِمَّا مِنْ نَاسِخٍ، وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَائِزًا فَالْأَصَحُّ إلَخْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ. اهـ.

وَيُوجَدُ فِي بَعْضِهَا، فَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَالْأَصَحُّ إلَخْ، وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ، وَلَعَلَّهُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ النُّسْخَةِ الْأُولَى. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْحَائِزَيْنِ بِثَالِثٍ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ أَوْ سَكَتَ أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي

ص: 309

وَلَا يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ، وَأَنَّ الْبَالِغَ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْإِقْرَارِ.

وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، وَمَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ إلَّا الْمُقِرُّ ثَبَتَ النَّسَبُ.

وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ابْنٌ حَائِزٍ بِأُخُوَّةِ مَجْهُولٍ فَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ نَسَبَ الْمُقِرِّ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ، وَيَثْبُتُ

ــ

[مغني المحتاج]

قَوْلِهِ (وَلَا يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ) ظَاهِرًا لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ فَهُوَ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إقْرَارُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ، إذْ لَوْ كَانَ الْمُقِرُّ حَائِزًا لَمْ يَكُنْ لَهُ حِصَّةٌ بَلْ جَمِيعُ الْإِرْثِ لَهُ. وَالثَّانِي: يَرِثُ بِأَنْ يُشَارِكَ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ دُونَ الْمُنْكِرِ. أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَهَلْ عَلَى الْمُقِرِّ إذَا كَانَ صَادِقًا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. نَعَمْ وَهَلْ يُشَارِكُ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ أَوْ بِثُلُثِهِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَرِثُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ حَرُمَ عَلَى الْمُقِرِّ بِنْتُ الْمُقَرِّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَيُقَاسُ بِالْبِنْتِ مَنْ فِي مَعْنَاهَا وَفِي عِتْقِ حِصَّةِ الْمُقِرِّ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِعَبْدٍ فِيهَا أَنَّهُ ابْنُ أَبِينَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ يُعْتَقُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْبَالِغَ) الْعَاقِلَ (مِنْ الْوَرَثَةِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْإِقْرَارِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَائِزٍ لِلْمِيرَاثِ. وَالثَّانِي يَنْفَرِدُ بِهِ وَيُحْكَمُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ فِي الْحَالِ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّغِيرِ وَإِفَاقَةُ الْمَجْنُونِ، فَإِذَا بَلَغَ الْأَوَّلُ وَأَفَاقَ الثَّانِي وَوَافَقَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ ثَبَتَ النَّسَبُ حِينَئِذٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُوَافَقَةِ الْغَائِبِ أَيْضًا، وَتُعْتَبَرُ مُوَافَقَةُ وَارِثِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْكَمَالِ أَوْ الْحُضُورِ، فَإِنْ لَمْ يَرِثْ مَنْ ذُكِرَ غَيْرُ الْمُقِرِّ ثَبَتَ النَّسَبُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ.

(وَ) الْأَصَحُّ، (أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ) الْحَائِزَيْنِ بِثَالِثٍ (وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، وَمَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ إلَّا الْمُقِرُّ ثَبَتَ النَّسَبُ) وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ إقْرَارًا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ صَارَ لَهُ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ثَبَتَ النَّسَبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْوَارِثِ الْحَائِزِ، فَإِنَّهُ مَا صَارَ حَائِزًا إلَّا بَعْدَ الْإِقْرَارِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الْحِيَازَةَ تُعْتَبَرُ حَالًا أَوْ مَآلًا. وَالثَّانِي: لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْفَرْعِ مَسْبُوقٌ بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمُوَرِّثُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَأَنْكَرَ الْآخَرُ مَا لَوْ سَكَتَ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ تَكْذِيبُ أَصْلِهِ، فَإِنْ خَلَّفَ الْمُنْكِرُ أَوْ السَّاكِتُ وَرَثَةً غَيْرَ الْمُقِرِّ اُعْتُبِرَ مُوَافَقَتُهُمْ.

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ابْنٌ حَائِزٌ) مَشْهُورُ النَّسَبِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ (بِأُخُوَّةِ مَجْهُولٍ، فَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ نَسَبَ الْمُقِرِّ) بِأَنْ قَالَ: أَنَا ابْنُ الْمَيِّتِ، وَلَسْت أَنْتَ ابْنَهُ (لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ) إنْكَارُهُ لِشُهْرَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَثَّرَ فِيهِ لَبَطَلَ نَسَبُ الْمَجْهُولِ، فَإِنَّهُ الثَّابِتُ بِقَوْلِ الْمُقِرِّ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِ الْمُقِرِّ إلَّا لِكَوْنِهِ حَائِزًا، وَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ ثَبَتَ نَسَبُ الْمَجْهُولِ كَمَا قَالَ (وَيَثْبُتُ

ص: 310

أَيْضًا نَسَبُ الْمَجْهُولِ، وَأَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ الظَّاهِرُ يَحْجُبُهُ الْمُسْتَلْحَقُ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَلَا إرْثَ.

ــ

[مغني المحتاج]

أَيْضًا نَسَبُ الْمَجْهُولِ) ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ الْحَائِزَ قَدْ اسْتَلْحَقَهُ. وَالثَّانِي: يُؤَثِّرُ الْإِنْكَارُ، فَيَحْتَاجُ الْمُقِرِّ إلَى الْبَيِّنَةِ عَلَى نَسَبِهِ. الثَّالِثُ: لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْمَجْهُولِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْمُقِرَّ لَيْسَ بِوَارِثٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَقَرَّ الْحَائِزُ وَالْمَجْهُولُ بِنَسَبِ ثَالِثٍ، فَأَنْكَرَ الثَّالِثُ نَسَبَ الثَّانِي سَقَطَ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ نَسَبُ الثَّالِثِ، فَاعْتُبِرَ مُوَافَقَتُهُ فِي ثُبُوتِ نَسَبِ الثَّانِي، وَهَذَا مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ: أَدْخِلْنِي أُخْرِجْكَ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَخَوَيْنِ مَجْهُولَيْنِ مَعًا فَكَذَّبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَر أَوْ صَدَّقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا لِوُجُودِ الْإِقْرَارِ مِنْ الْحَائِزِ، وَإِنْ صَدَّقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَكَذَّبَهُ الْآخَر سَقَطَ نَسَبُ الْمُكَذَّبِ، بِفَتْحِ الذَّالِ دُونَ نَسَبِ الْمُصَدَّقِ إنْ لَمْ يَكُونَا تَوْأَمَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لِتَكْذِيبِ الْآخَر؛ وَلِأَنَّ الْمُقِرَّ بِأَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ مُقِرٌّ بِالْآخَرِ، وَلَوْ كَانَ الْمُنْكِرُ اثْنَيْنِ وَالْمُقِرُّ وَاحِدًا فَلِلْمُقِرِّ تَحْلِيفُهُمَا، فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا لَمْ تُرَدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُثْبِتُ بِهَا نَسَبًا يَسْتَحِقُّ بِهَا إرْثًا.

وَلَوْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ بِزَوْجِيَّةِ امْرَأَةٍ لِلْمُوَرِّثِ ثَبَتَ لَهَا الْمِيرَاثُ كَمَا لَوْ أَقَرُّوا بِنَسَبِ شَخْصٍ، وَكَذَا لَوْ أَقَرُّوا بِزَوْجٍ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ الْبَعْضُ وَأَنْكَرَ الْبَعْضُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا مِيرَاثٌ فِي الظَّاهِرِ كَنَظِيرِهِ مِنْ النَّسَبِ. أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَكَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّسَبِ، وَخَرَجَ بِمَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِأَخٍ أَوْ أَبٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالسَّيِّدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِنَسَبِ ابْنٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ بِهِ حَاجَةً إلَى اسْتِلْحَاقِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ نَسَبِهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْأَخِ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِمَا، وَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إنْشَاءِ الِاسْتِيلَادِ فَصَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ الظَّاهِرُ يَحْجُبُهُ الْمُسْتَلْحَقُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ (كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ النَّسَبُ) لِلِابْنِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ الْحَائِزَ فِي الظَّاهِرِ قَدْ اسْتَلْحَقَهُ (وَلَا إرْثَ) لَهُ لِلدَّوْرِ الْحُكْمِيِّ، وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ إثْبَاتِ الشَّيْءِ نَفْيُهُ، وَهُنَا يَلْزَمُ مِنْ إرْثِ الِابْنِ عَدَمُ إرْثِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحَجَبَ الْأَخَ، فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ وَارِثًا فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ الْأَخُ وَالزَّوْجَةُ لَمْ يَرِثْ مَعَهُمَا لِذَلِكَ، وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ أَبَاهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ، وَلَوْ خَلَّفَ بِنْتًا أَعْتَقَتْهُ، فَأَقَرَّتْ بِأَخٍ لَهَا فَهَلْ يَرِثُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْجُبُهَا بَلْ يَمْنَعُهَا عُصُوبَةُ الْوَلَاءِ، وَلَوْ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَأُخْتٍ فَأَقَرَّتَا بِابْنٍ لَهُ سَلَّمَ لِلْأُخْتِ نَصِيبَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحَجَبَهَا، وَلَوْ ادَّعَى مَجْهُولٌ عَلَى أَخِي الْمَيِّتِ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ فَأَنْكَرَ الْأَخُ عَنْ الْيَمِينِ، فَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَمْ يَرِثْ لِمَا مَرَّ فِي إقْرَارِ الْأَخِ.

ص: 311