الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الضَّمَانِ
بَابُ الضَّمَانِ
ــ
[مغني المحتاج]
غَرِيمُهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ بِأَنْ تَثْبُتَ بِهَا الْحَوَالَةُ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى إقَامَةِ بَيِّنَةٍ إنْ قَدِمَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، إذْ لَا يُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقْضَى بِهَا وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ الصَّبَّاغِ، لِأَنَّهُ إذْ قَدِمَ يَدَّعِي عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، لَا الْمُحِيلِ وَهُوَ مُقِرٌّ لَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ.
[بَابُ الضَّمَانِ]
ِ هُوَ لُغَةً الِالْتِزَامُ، وَشَرْعًا: يُقَالُ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ، أَوْ إحْضَارُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، أَوْ عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ، وَيُقَالُ لِلْعَقْدِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، وَيُسَمَّى الْمُلْتَزِمُ لِذَلِكَ ضَامِنًا وَضَمِينًا وَحَمِيلًا وَزَعِيمًا وَكَافِلًا وَكَفِيلًا وَصَبِيرًا وَقَبِيلًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: غَيْرَ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ الضَّمِينَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَمْوَالِ، وَالْحَمِيلَ فِي الدِّيَاتِ، وَالزَّعِيمَ فِي الْأَمْوَالِ الْعِظَامِ، وَالْكَفِيلَ فِي النُّفُوسِ، وَالصَّبِيرَ فِي الْجَمِيعِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ.
وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: ثَلَاثُ دَنَانِيرَ، فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» . قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ " وَذَكَرْت فِي
شَرْطُ الضَّامِنِ: الرُّشْدُ، وَضَمَانُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ كَشِرَائِهِ.
وَضَمَانُ عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ فِي الْأَصَحِّ،
ــ
[مغني المحتاج]
شَرْحِ التَّنْبِيهِ مَا لَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَإِنَّمَا لِمَ أَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] لِأَنَّهُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَأَرْكَانُ ضَمَانِ الْمَالِ خَمْسَةٌ: ضَامِنٌ، وَمَضْمُونٌ لَهُ، وَمَضْمُونٌ عَنْهُ، وَمَضْمُونٌ بِهِ، وَصِيغَةٌ، وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ كَمَا سَتَرَاهُ.
وَبَدَأَ بِشَرْطِ الضَّامِنِ، فَقَالَ:(شَرْطُ الضَّامِنِ) لِيَصِحَّ ضَمَانُهُ (الرُّشْدُ) وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ لِعَدَمِ رُشْدِهِمْ.
تَنْبِيهٌ يَرِدْ عَلَى طَرْدِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمُكْرَهُ وَالْمُكَاتَبُ إذَا ضَمِنَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَالْأَخْرَسُ الَّذِي لَا تُفْهَمُ إشَارَتُهُ وَلَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ، وَالنَّائِمُ فَإِنَّهُمْ رُشَدَاءُ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ، وَعَلَى عَكْسِهَا السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ، وَمَنْ سَفِهَ بَعْدَ رُشْدِهِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ، وَالْفَاسِقُ فَإِنَّهُمْ يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ وَلَيْسُوا بِرُشَدَاءَ، فَلَوْ عَبَّرَ بِأَهْلِيَّةِ التَّبَرُّعِ وَالِاخْتِيَارِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَيْهِ الصَّبِيُّ أَيْضًا فَإِنَّهُ وَصَفَ الصِّبْيَانَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ بِالرُّشْدِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّشْدِ هُنَا صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ كَمَا مَرَّ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِطْلَاقُ الرُّشْدِ عَلَيْهِ هُنَاكَ مَجَازٌ. وَلَوْ ضَمِنَ شَخْصٌ، ثُمَّ قَالَ: كُنْت وَقْتَ الضَّمَانِ صَبِيًّا وَكَانَ فِي سِنٍّ مُحْتَمِلٍ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: كُنْت مَجْنُونًا وَعُرِفَ لَهُ جُنُونٌ سَابِقٌ صُدِّقَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ، ثُمَّ ادَّعَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ، لِأَنَّ الْأَنْكِحَةَ يُحْتَاطُ فِيهَا غَالِبًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقَعُ بِشُرُوطِهَا، وَإِنْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَجْهَلُ الشُّرُوطَ، وَالْغَالِبُ عَلَى الْعُقُودِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا الْعَامَّةُ الِاخْتِلَالُ (وَضَمَانُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ) فِي ذِمَّتِهِ (كَشِرَائِهِ) بِثَمَنٍ فِيهَا، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ كَمَا سَبَقَ، وَيُطَالَبُ بِمَا ضَمِنَهُ إذَا انْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ وَأَيْسَرَ.
(وَضَمَانُ عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) مَأْذُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (بَاطِلٌ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ فَلَمْ يَصِحَّ كَالنِّكَاحِ. نَعَمْ إنْ ضَمِنَ سَيِّدُهُ صَحَّ؛
وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ لِلْأَدَاءِ كَسْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ قَضَى مِنْهُ.
وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَعَلَّقَ بِمَا فِي يَدِهِ وَمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَإِلَّا فَبِمَا يَكْسِبُهُ.
ــ
[مغني المحتاج]
لِأَنَّ مَا يُؤَدِّي مِنْهُ مِلْكُهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ خُلْعِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا مَعَ أَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمَةَ قَدْ تَحْتَاجُ إلَى الْخُلْعِ لِسُوءِ عِشْرَةِ الزَّوْجِ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الضَّمَانِ. وَالثَّانِي يَصِحُّ وَيُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ وَأَيْسَرَ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ مَالٍ وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ (وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِ) حَتَّى عَنْ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ لَحِقَهُ وَقَدْ زَالَ بِالْإِذْنِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَضْمَنَ، وَإِنْ كَانَ الْإِذْنُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ اقْتِصَارِ الْمَتْنِ عَلَى الصِّحَّةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، لِأَنَّهُ لَا سَلْطَنَةَ لِلسَّيِّدِ عَلَى ذِمَّةِ عَبْدِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ السَّيِّدِ قَدْرَ الدَّيْنِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُتَّجَهُ اشْتِرَاطُهُ بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِهِ بِمَالِ السَّيِّدِ لَا بِذِمَّةِ الْعَبْدِ اهـ.
أَمَّا سَيِّدُهُ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ رَقِيقِهِ لَهُ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ وَهُوَ لِسَيِّدِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ ضَمِنَ الْمُسْتَحِقُّ لِنَفْسِهِ. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ صِحَّةُ ضَمَانِ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِذَا أَدَّى الرَّقِيقُ مَا ضَمِنَهُ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْإِذْنِ مِنْ سَيِّدِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَحَقُّ الرُّجُوعِ لَهُ أَوْ قَبْلَ الْعِتْقِ فَحَقُّ الرُّجُوعِ لِسَيِّدِهِ أَوْ أَدَّى مَا ضَمِنَهُ عَنْ السَّيِّدِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ أَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَفَارَقَتْ هَذِهِ مَا قَبْلَهَا بِأَنَّ مَنْفَعَةَ الرَّقِيقِ فِيهَا وَقَعَتْ لِلسَّيِّدِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَاهَا حَالَ رِقِّهِ كَمَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ بِخِلَافِهَا فِي تِلْكَ فَإِنَّهَا وَقَعَتْ لِلْأَجْنَبِيِّ، فَكَانَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ (فَإِنْ عَيَّنَ) السَّيِّدُ (لِلْأَدَاءِ كَسْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ) مِنْ أَمْوَالِ السَّيِّدِ (قَضَى مِنْهُ) لِتَصْرِيحِهِ بِذَلِكَ:.
نَعَمْ إنْ قَالَ لَهُ: اضْمَنْ فِي مَالٍ التِّجَارَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَحَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِاسْتِدْعَاءِ الْغُرَمَاءِ لَمْ يُؤَدِّ مِمَّا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ سَابِقٌ. أَمَّا إذَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْفَاضِلِ عَنْ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ (وَإِلَّا) بِأَنْ اقْتَصَرَ لَهُ عَلَى الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَعَلَّقَ) غَرِمَ الضَّمَانَ (بِمَا فِي يَدِهِ) وَقْتَ الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ رِبْحًا وَرَأْسَ مَالٍ (وَمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ) لَهُ فِي الضَّمَانِ كَمَا فِي الْمَهْرِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اعْتَبَرُوا فِي الْكَسْبِ هُنَا حُدُوثَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَثَمَّ حُدُوثَهُ بَعْدَ النِّكَاحِ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّيْنَ الْمَضْمُونَ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ فَتَعَلَّقَ بِمَا بَعْدَ الْإِذْنِ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ وَسَائِرِ مُؤَنِ النِّكَاحِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ (فَبِمَا) أَيْ فَيَتَعَلَّقُ غُرْمُ الضَّمَانِ بِمَا (يَكْسِبُهُ) بَعْدَ إذْنٍ فِيهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فِي الْقِسْمَيْنِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَالثَّالِثُ فِي الْأَوَّلِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ فَقَطْ. وَالرَّابِعُ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَبِالرِّبْحِ الْحَاصِلِ فِي يَدِهِ فَقَطْ. وَالثَّالِثُ: فِي الثَّانِي يَتَعَلَّقُ
وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَرِضَاهُ،
ــ
[مغني المحتاج]
بِرَقَبَتِهِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةِ، وَالْمُبَعَّضِ إذَا لَمْ تَجْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ، أَوْ جَرَتْ وَضَمِنَ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْقِنِّ فِيمَا ذُكِرَ. أَمَّا إذَا جَرَتْ مُهَايَأَةٌ فِي الْمُبَعَّضِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الضَّمَانُ إذَا ضَمِنَ فِي نَوْبَتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لَا بِدُونِهِ كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ.
وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ سَيِّدَهُ صَحَّ. وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ، فَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِهِ إذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ دُونَ مَنْفَعَتِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ كَالْقِنِّ، لَكِنْ هَلْ الْمُعْتَبَرُ إذْنُ مَالِكِ الرَّقَبَةِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ يُلْتَفَتُ إلَى أَنَّ ضَمَانَ الْقِنِّ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ بِذِمَّتِهِ أَوْ بِكَسْبِهِ؟ . قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّعَلُّقِ بِكَسْبِهِ بِإِذْنِ مَالِكِ الرَّقَبَةِ بِمُفْرَدِهِ، فَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرُ إذْنُهُمَا جَمِيعًا أَوْ لَا يَصِحُّ اهـ.
وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَ شَيْخِي: اعْتِبَارُ إذْنِهِمَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَكْسَابِ النَّادِرَةِ وَهِيَ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ الْأَوْجَهَ اعْتِبَارُ إذْنِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ بِنَاءً عَلَى الشَّقِّ الْأَخِيرِ مِنْ كَلَامِ الْمَطْلَبِ، وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا.
. ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الْمَضْمُونِ لَهُ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي فَقَالَ: (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ) وَهُوَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ تَشْدِيدًا وَتَسْهِيلًا، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ وَكِيلِ الْمَضْمُونِ كَمَعْرِفَتِهِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِهِ، وَجَرَى بَيْنَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ مُحَاوَرَاتٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يُوَكِّلُ إلَّا مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الطَّلَبِ، فَيَكُونُ الْمُوَكِّلُ أَسْهَلَ فِي ذَلِكَ غَالِبًا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ، وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَى الْمُعَامَلَةِ لِلْأَيْتَامِ وَالْمَحْجُورِينَ الَّذِينَ لَا يَعْرِفهُمْ الْمَدِينُ بِحَالٍ، وَالْمُمَارَاةُ فِيهِ جُمُودٌ لَا يَلِيقُ بِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَمَنْ دُونَهُ اهـ.
وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ ضَمِنَ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ؛ وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْأَلْهُ هَلْ يَعْرِفُهُ أَوْ لَا فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ: أَيْ مَعْرِفَةِ الضَّامِنِ الْمَضْمُونَ لَهُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَالْحَاوِي، فَأَضَافَ الْمَصْدَرَ إلَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ قَلِيلٌ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَالْمُرَادُ مَعْرِفَتُهُ بِالْعَيْنِ لَا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا الْمُعَامَلَةِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعِينِ (وَ) الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ) لِلضَّمَانِ (وَ) لَا (رِضَاهُ) لِعَدَمِ التَّعَرُّضِ
وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ قَطْعًا، وَلَا مَعْرِفَتُهُ فِي الْأَصَحِّ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ كَوْنُهُ ثَابِتًا.
وَصَحَّحَ الْقَدِيمُ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ
ــ
[مغني المحتاج]
لِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ. وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ الرِّضَا، ثُمَّ الْقَبُولُ لَفْظًا. وَالثَّالِثُ يُشْتَرَطُ الرِّضَا دُونَ الْقَبُولِ لَفْظًا
تَنْبِيهٌ لَوْ زَادَ لَا قَبْلَ رِضَاهُ كَمَا قَدَّرْتهَا تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَمَعَ حَذْفِهَا لَا يُسْتَفَادُ إلَّا نَفْي الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَصْدُقُ الْكَلَامُ بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ.
، ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ، فَقَالَ (وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ) وَهُوَ الْمَدِينُ (قَطْعًا) ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَائِزٌ فَالْتِزَامُهُ أَوْلَى، وَكَمَا يَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ الْمَيِّتِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً (وَلَا مَعْرِفَتُهُ فِي الْأَصَحِّ) قِيَاسًا عَلَى رِضَاهُ، إذْ لَيْسَ ثَمَّ مُعَامَلَةٌ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ لِيَعْرِفَ هَلْ هُوَ مُوسِرٌ أَوْ مِمَّنْ يُبَادِرُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ أَوْ يَسْتَحِقُّ اصْطِنَاعَ الْمَعْرُوفِ أَوْ لَا، وَرَدَّ بِأَنَّ اصْطِنَاعَ الْمَعْرُوفِ لِأَهْلِهِ وَلِغَيْرِ أَهْلِهِ مَعْرُوفٌ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الْمَضْمُونِ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ، فَقَالَ:(وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ) وَهُوَ الدَّيْنُ أَوْ الْعَيْنُ الْمَضْمُونَةُ (كَوْنُهُ) حَقًّا (ثَابِتًا) حَالَ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، سَوَاءٌ أَجَرَى سَبَبَ وُجُوبِهِ: كَنَفَقَةِ مَا بَعْدَ الْيَوْمِ لِلزَّوْجَةِ وَخَادِمهَا أَمْ لَا كَضَمَانِ مَا سَيُقْرِضُهُ لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَثِيقَةُ الْحَقِّ فَلَا يَسْبِقُهُ كَالشَّهَادَةِ، فَيَصِحُّ بِنَفَقَةِ الْيَوْمِ لِلزَّوْجَةِ وَمَا قَبْلَهُ لِثُبُوتِهِ لَا بِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ لِمُسْتَقْبَلٍ كَمَا مَرَّ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَفِي يَوْمِهِ وَجْهَانِ: صَحَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْهُمَا الْمَنْعَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ سَبِيلَهَا سَبِيلُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ لَا سَبِيلَ الدُّيُونِ، وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَضِيَافَةِ الْغَيْرِ، وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ اعْتِرَافُ الضَّامِنِ لَا ثُبُوتُهُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ: لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو مِائَةٌ، وَأَنَا ضَامِنُهُ فَأَنْكَرَ عَمْرٌو فَلِزَيْدٍ مُطَالَبَةُ الْقَائِلِ فِي الْأَصَحِّ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: ثَابِتًا صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ حَقًّا ثَابِتًا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ فَيَشْمَلُ الْأَعْيَانَ الْمَضْمُونَةَ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا، وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَمْ عَمَلًا فِي الذِّمَّةِ بِالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَعْيَانِ صَرَّحَ فِيهِ بِالدَّيْنِ.
فَقَالَ هُنَاكَ: وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ دَيْنًا ثَابِتًا (وَصَحَّحَ) فِي (الْقَدِيمِ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ) كَثَمَنِ مَا سَيَبِيعُهُ أَوْ مَا سَيُقْرِضُهُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَيْهِ (وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا، وَهُوَ التَّبِعَةُ: أَيْ
بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ.
ــ
[مغني المحتاج]
الْمُطَالَبَةُ وَالْمُؤَاخَذَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى مُعَامَلَةِ الْغَرِيبِ وَيَخَافُ أَنْ يُخْرِجَ مَا يَبِيعُهُ مُسْتَحَقًّا وَلَا يُظْفَرُ بِهِ فَاحْتِيجَ إلَى التَّوَثُّقِ بِهِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا ضَمَانُ الْعُهْدَةِ لِالْتِزَامِ الضَّامِنِ مَا فِي عُهْدَةِ الْبَائِعِ رَدُّهُ، وَالْعُهْدَةُ فِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الصَّكِّ الْمَكْتُوبِ فِيهِ الثَّمَنُ، وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْعُهْدَةِ مَجَازًا، تَسْمِيَةً لِلْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحَلِّ (بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا دَخَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ الثَّمَنُ فِي ضَمَانِهِ إلَّا بِقَبْضِهِ، وَخَرَجَ بِبَعْدِ قَبْضِ الثَّمَنِ مَا لَوْ ثَبَتَ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ فَبَاعَ الْحَاكِمُ عَقَارَهُ مِنْ الْمُدَّعِي بِدَيْنِهِ وَضَمِنَ لَهُ الدَّرَكَ شَخْصٌ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ لِعَدَمِ الْقَبْضِ، وَنَحْوُهُ مَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ: لَوْ أَجَرَ الْمَدْيُونُ وَقْفًا عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ وَضَمِنَ ضَمَانَ الدَّرَكِ.
ثُمَّ بَانَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ لِمُخَالَفَتِهَا شَرْطَ الْوَاقِفِ لَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ أُجْرَةٌ بِحَالِهِ فَلَمْ يَفُتْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَهُوَ) أَيْ ضَمَانُ الدَّرَكِ (أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا) أَوْ إنْ أَخَذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْبَيْعِ بِبَيْعٍ آخَرَ (أَوْ مَعِيبًا) وَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي (أَوْ نَاقِصًا) إمَّا لِرَدَاءَتِهِ أَوْ (لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ) الَّتِي وُزِنَ بِهَا، وَهِيَ بِفَتْحِ الصَّادِ فَارِسِيَّةٌ وَعُرِّبَتْ وَالْجَمْعُ صِنَجٌ، وَيُقَالُ: سِنْجَةٌ بِالسِّينِ خِلَافًا لِابْنِ السِّكِّيتِ، وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ بُطْلَانِ مَا سَيَجِبُ، وَوَجْهُ صِحَّتِهِ مَا مَرَّ، وَفِي قَوْلٍ هُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَرَدَّ بِأَنَّهُ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ كَمَا ذُكِرَ تَبَيَّنَ وُجُوبُ رَدِّ الثَّمَنِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الضَّامِنِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ، فَإِنْ جَهِلَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَكَيْفِيَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ بِالثَّمَنِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي: ضَمِنْت لَك عُهْدَةَ الثَّمَنِ أَوْ دَرَكَهُ أَوْ خَلَاصَك مِنْهُ، فَإِنْ قَالَ: ضَمِنْت لَك خَلَاصَ الْمَبِيعِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِتَخْلِيصِهِ إذَا اسْتَحَقَّ، فَإِنْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ كَفِيلًا بِخَلَاصِ الْمَبِيعِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ، وَإِنْ ضَمِنَ دَرَكَ الثَّمَنِ وَخَلَاصَ الْمَبِيعِ مَعًا صَحَّ ضَمَانُ الدَّرَكِ دُونَ ضَمَانِ خَلَاصِ الْمَبِيعِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ، وَلَا يَخْتَصُّ ضَمَانُ الدَّرَكِ بِالثَّمَنِ، بَلْ يَجْرِي فِي الْمَبِيعِ فَيَضْمَنُهُ لِلْبَائِعِ إنْ خَرَجَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا أَوْ أَخَذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا إمَّا لِرَدَاءَتِهِ أَوْ لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ، وَلَوْ ضَمِنَ عُهْدَةَ فَسَادِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ عُهْدَةَ الْعَيْبِ أَوْ التَّلَفِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ صَحَّ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ تَحْتَ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ بِأَنْ يَقُولَ: ضَمِنْت لَك عُهْدَةَ أَوْ دَرَكَ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اسْتِحْقَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ بِسَبَبِ
وَكَوْنُهُ لَازِمًا، لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ.
وَيَصِحُّ ضَمَانُهُ الثَّمَنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ خَصَّ ضَمَانَ الدَّرَكِ بِنَوْعٍ كَخُرُوجِ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا لَمْ يُطَالَبْ بِجِهَةٍ أُخْرَى، وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا طُولِبَ الضَّامِنُ بِقِسْطِ الْمُسْتَحِقِّ.
تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ صِحَّةِ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ الصِّحَّةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيَصِحُّ ضَمَانُ عُهْدَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بَعْدَ أَدَائِهِ لِلْمُسْلِمِ إنْ اسْتَحَقَّ رَأْسَ الْمَالِ الْمُعَيَّنِ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ رَأْسِ الْمَالِ لِلْمُسْلِمِ إنْ خَرَجَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُسْتَحَقًّا؛ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا اسْتِحْقَاقَ فِيهِ يُتَصَوَّرُ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَقْبُوضِ.
فَرْعٌ لَوْ اخْتَلَفَ الضَّامِنُ وَالْبَائِعُ فِي نَقْصِ الصَّنْجَةِ صُدِّقَ الضَّامِنُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، أَوْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُشْتَرِي كَانَتْ مَشْغُولَةً بِخِلَافِ الضَّامِنِ فِيمَا ذُكِرَ، وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ طَالَبَ الْمُشْتَرِيَ بِالنَّقْصِ لَا الضَّامِنَ إلَّا إنْ اعْتَرَفَ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَالْمَضْمُونُ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَيْسَ هُوَ رَدُّ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَجِبَ قِيمَتُهُ عِنْدَ التَّلَفِ، بَلْ الْمَضْمُونُ مَالِيَّتُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ. قَالَ: وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدِي، وَإِنْ لَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا.
فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَا يَضْمَنُ دَرَكَ الْمَبِيعِ إلَّا أَحْمَقُ، وَهُوَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه: لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ إلَّا أَحْمَقُ أَوْ لِصٌّ، وَأَرَادَ بِهِ الْغَالِبَ فِي النَّاسِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمَضْمُونُ دَيْنًا (لَازِمًا) غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ كَالْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَدَيْنِ السَّلَمِ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّوَثُّقِ، لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى الِاسْتِقْرَارِ (لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ) ؛ لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ إسْقَاطَهَا بِالْفَسْخِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَثُّقِ عَلَيْهِ، وَيَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِهَا لِأَجْنَبِيٍّ لَا لِلسَّيِّدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَيْرَهَا يَسْقُطُ أَيْضًا عَنْ الْمُكَاتَبِ بِعَجْزِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ مِنْ السَّيِّدِ عَلَيْهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ يُتَوَسَّعُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ.
(وَيَصِحُّ ضَمَانُهُ الثَّمَنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ بِنَفْسِهِ، فَأُلْحِقَ بِاللَّازِمِ، وَالثَّانِي لَا، لِعَدَمِ لُزُومِهِ فِي الْحَالِ، وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ تَصْحِيحَ الضَّمَانِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِي الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ. أَمَّا إذَا مَنَعَهُ فَهُوَ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ الْمُتَّجَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ، وَهَذَا يُخَالِفُ الْحَوَالَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا لِمَا
وَضَمَانُ الْجُعْلِ كَالرَّهْنِ بِهِ.
وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا فِي الْجَدِيدِ.
ــ
[مغني المحتاج]
مَرَّ.
(وَضَمَانُ الْجُعْلِ) فِي الْجِعَالَةِ (كَالرَّهْنِ بِهِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ قَطْعًا، وَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي، فَلَهُ دِينَارٌ فَضَمِنَهُ عَنْهُ ضَامِنٌ قَبْلَ مَجِيءِ الْعَبْدِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَالِ الْكِتَابَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُعْلِ وَالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ إلَى اللُّزُومِ إلَّا بِالْعَمَلِ، بِخِلَافِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ.
(وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمَضْمُونِ (مَعْلُومًا) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَعَيْنًا (فِي الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ لِآدَمِيٍّ بِعَقْدٍ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ، فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ وَلَا غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَأَحَدِ الدَّيْنَيْنِ، وَالْقَدِيمُ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ، لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ مُتَيَسِّرَةٌ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مَجْهُولٍ يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ، مِثْلُ: أَنَا ضَامِنٌ مَا بِعْت مِنْ زَيْدٍ، كَمَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، فَإِنْ قَالَ لِشَيْءٍ مِنْهُ بَطَلَ جَزْمًا.
تَنْبِيهٌ جُمْلَةُ الشُّرُوطِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ ثَلَاثَةٌ: كَوْنُهُ ثَابِتًا لَازِمًا مَعْلُومًا. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَبَقِيَ لِلْمَضْمُونِ شَرْطٌ رَابِعٌ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَهْمَلَهُ الشَّيْخَانِ، وَهُوَ كَوْنُهُ قَابِلًا؛ لَأَنْ يَتَبَرَّعَ بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَخْرُجُ الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ اهـ.
وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَحَقُّ الشُّفْعَةِ اهـ وَهَذَا الشَّرْطُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ، فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ حَقُّ الْقَسْمِ لِلْمَظْلُومَةِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ، وَيَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لِلْمَرْأَةِ، وَعَلَى عَكْسِهِ دَيْنُ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَصِحُّ ضَمَانُهُ، وَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ لِلْمَرِيضِ الْمُعْسِرِ أَوْ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ.
تَتِمَّةٌ: يَصِحُّ ضَمَانُ رَدِّ كُلِّ عَيْنٍ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ كَمَغْصُوبَةٍ وَمُسْتَعَارَةٍ وَمُسْتَامَةٍ وَمَبِيعٍ لَمْ يُقْبَضْ كَمَا يَصِحُّ بِالْبَدَنِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْمَالُ، وَيَبْرَأُ الضَّامِنُ بِرَدِّهَا لِلْمَضْمُونِ لَهُ وَيَبْرَأُ أَيْضًا بِتَلَفِهَا، فَلَا يَلْزَمهُ قِيمَتُهَا كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ بِبَدَنِهِ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ الدَّيْنُ، وَلَوْ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَيْنِ إنْ تَلِفَتْ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْقِيمَةِ، وَمَحَلُّ صِحَّةِ ضَمَانِ الْعَيْنِ إذَا أَذِنَ فِيهِ وَاضِعُ الْيَدِ أَوْ كَانَ الضَّامِنُ قَادِرًا عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْهُ نَقَلَهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ عَنْ الْأَصْحَابِ. أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً عَلَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمَالِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ، فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا التَّخْلِيَةُ دُونَ الرَّدِّ.
وَالْإِبْرَاءُ مِنْ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ فِي الْجَدِيدِ
إلَّا مِنْ إبِلِ الدِّيَةِ، وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[مغني المحتاج]
(وَالْإِبْرَاءُ) مِنْ الْعَيْنِ بَاطِلٌ جَزْمًا وَكَذَا (مِنْ) الدَّيْنِ (الْمَجْهُولِ) جِنْسًا أَوْ قَدْرًا أَوْ صِفَةً (بَاطِلٌ فِي الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الرِّضَا وَلَا يَعْقِلُ مَعَ الْجَهَالَةِ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالْإِعْتَاقِ، وَمَأْخَذُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ أَوْ إسْقَاطٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْمُبْرَأِ مِنْهُ، وَعَلَى الثَّانِي لَا فَيَصِحُّ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُطْلَقُ فِيهَا تَرْجِيحٌ، بَلْ يَخْتَلِفُ التَّرْجِيحُ بِحَسَبِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ وَضَعْفِهِ. اهـ.
وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ طَلَاقٍ اُشْتُرِطَ عِلْمُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْمُعَاوَضَةِ وَإِلَّا فَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ الْمُبَرِّئِ إسْقَاطٌ عَنْ الْمُبْرَأِ عَنْهُ فَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَطَرِيقُ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ أَنَّهُ يَذْكُرُ عَدَدًا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ هَلْ لَهُ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ أَوْ عَشَرَةٌ فَيُبَرِّئُهُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا.
(إلَّا مِنْ إبِلِ الدِّيَةِ) فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي إثْبَاتِهَا فِي ذِمَّةِ الْجَانِي فَيُغْتَفَرُ فِي الْإِبْرَاءِ تَبَعًا لَهُ (وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا فِي الْأَصَحِّ) كَالْإِبْرَاءِ؛ وَلِأَنَّهَا مَعْلُومَةُ السِّنِّ وَالْعَدَدِ وَيَرْجِعُ فِي صِفَتِهَا إلَى غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ، وَالثَّانِي: لَا لِجَهَالَةِ وَصْفِهَا، وَالْإِبْرَاءُ مَطْلُوبٌ فَوُسِّعَ فِيهِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ، فَالْوَجْهَانِ عَلَى الْجَدِيدِ، وَيَصِحُّ عَلَى الْقَدِيمِ جَزْمًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الضَّمَانِ يَرْجِعُ ضَامِنُهَا إذَا ضَمِنَهَا بِالْإِذْنِ وَغَرِمَهَا بِمِثْلِهَا لَا بِقِيمَتِهَا كَالْقَرْضِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الدِّيَةِ عَنْ الْعَاقِلَةِ قَبْلَ الْحُلُولِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ بَعْدُ، وَلَوْ سَلَّمَ ثُبُوتَهَا فَلَيْسَتْ لَازِمَةً وَلَا آيِلَةً إلَى اللُّزُومِ عَنْ قُرْبٍ بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ.
فُرُوعٌ لَوْ مَلَّكَهُ مَدِينُهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ بَرِيءَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ كَالْإِبْرَاءِ وَلَوْ أَبْرَأَ أَحَدَ خَصْمَيْهِ مُبْهِمًا لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ أَبْرَأَ وَارِثٌ عَنْ دَيْنِ مُوَرِّثِهِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ مَوْتُهُ صَحَّ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ ضَمِنَ عَنْهُ زَكَاتَهُ صَحَّ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَيُعْتَبَرُ الْإِذْنُ عِنْدَ الْأَدَاءِ، إذَا ضَمِنَ عَنْ حَيٍّ، فَإِنْ ضَمِنَ عَنْ مَيِّتٍ جَازَ الْأَدَاءُ عَنْهُ. وَإِنْ انْتَفَى الْإِذْنُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ.
وَلَوْ اسْتَحَلَّ مِنْهُ مِنْ غِيبَةٍ اغْتَابَهَا وَلَمْ يُعَيِّنْهَا لَهُ فَأَحَلَّهُ مِنْهَا فَهَلْ يَبْرَأُ مِنْهَا أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ، لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَمَنْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْ عَبْدٍ، ثُمَّ عَفَا سَيِّدُهُ عَنْ الْقِصَاصِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ عَيْنَ الْمَقْطُوعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رِضَاهُ وَلَا يُمْكِنُ الرِّضَا بِالْمَجْهُولِ وَيُفَارِقُ الْقِصَاصَ بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ